قراءة في ديوان الشاعر عصام واصل (قبل بزوغ الجرح)
1- قراءة في العتبات
[align=right]تعطي الدراسات النقدية الحديثة العتبات المحيطة بالمتون أهمية لابأس بها فتناولها النقاد بأشكال مختلفة وكل حسب المنهج والتصور والخلفية التي ينطلق منها والعتبات أو المناص أو النص الموازي هو كل ما يحيط بالمتن ويجعل منه متنا/كتابا أو نصا، ومن أهم هذه العتبات صفحة الغلاف الأولى، والعنوان والإهداءات وصفحة الغلاف الأخيرة...
إن المتصفح لهذا الديوان سيدرك منذ الولهة الأولى إن بناء العتبات أتى على شكل مكثف للمتن مما يجعلنا نسلم انه بني بشكل واع جدا من حيث المبنى الشعري والخلفية الفنية ومن حيث التفنية البصرية للعلاف واختيار النص في الغلاف الأخير
أ- العنوان
يعتبر العنوان من أهم المفاتيح الدلالية التي توجه المتلقي إلى استكناه المتن وتفكيك ما استغلق منه لتسهل عملية التلقي بين المتن/الرسالة والمرسل والمرسل إليه وتأويل الدلالة أيضا
إن أول ما يواجه المتلقي من هذا المتن/الديوان هو عنوانه الرئيسي قبل بزوغ الجرح وهذا العنوان يبدو للوهلة الأولى مألوفا خصوصا في المحورين الأولين قبل وبزوغ، فيضن القارئ ان البقية هي الفجر مثلا غير أن المحور الأخير من هذه الجملة المفتاحية تنحرف بالمتلقي إلى جهة بعيدة تماما فيحل محل الفجر الجرح ليس ذلك فحسب فان العنوان هذا منفتح دلاليا على أفاق شتى بإمكاننا أن نمسك بثلاث آفاق منها باعتبارها آفاق محورية
بإمكاننا أن نتساءل أولا لماذا قبل بزوغ الجرح وما محمول هذا العنوان في درجته الصفر ودرجته العليا أيضا؟ وهل هو عنوان ملفوظ أم ملحوظ؟
هل يعني الشاعر بان هذا المتن قبل بزوغ الشعر –كما يقول الدكتور عبد العزيز المقالح في عموده الأسبوعي من صحيفة الثورة اليمنية- أم هل هذا المتن جاء قبل بزوغ الجرح أم أن الكتابة تمت قبل بزوغ الجرح؟
إذا سلمنا برؤية المقالح وهي رؤية تنم عن تعمق في دلالة المتن والعنوان أيضا فهل المتن خاليا من الشعر؟ أم انه شعر فوق المألوف؟ إن الإجابة على هذا السؤال لا يمكن ن نلقاها هنا ولا تتم إلا من خلال الربط بين العنوان والمتن والعتبات الأخرى أيضا
وإذا رأينا أن هذا المتن جاء قبل بزوغ الجرح فكيف ستكون المتون الأخرى القادمة للشاعر وكيف سيكون الشعر بعد أن يبزغ الجرح ويتشظى؟
وكيف ستكون الكتابة بعد بزوغ الجرح أيضا؟
العنوان يحمل معنى ترميزيا مكثفا لا يحيل على معناه بسهولة كما رأيناه بل انه يتأبى على القبض ويستعصي على البوح بمضامينه الدلالية بسهولة لاسيما إذا رينا انه يحمل طابعا مجازيا حينما يتحول الجرح إلى ما يشبه الشمس وهي تشرق وإذا لم يبح لنا أيضا عن ما هية الجرح ولا كيفيته مما يجعلنا نتساءل هل الجرح أنساني أم قومي ام شعري/رمزي هل هو جسدي ام روحي؟ ام غير هذا وذاك؟
ربما تخبرنا عن كل هذه الفوضى الدلالية مايأتي من عتبات ومتن أيضا، والملاحظ ان هذا العنوان جاء ملفوظا أي مأخوذا من نص داخل المتن فهو عنوان داخلي خارجي أيضا وهو عنوان شامل وجزئي أي هو عنوان لنص وعنوان للمتن الكلي وهو عنوان للنص الذي اجتزئ منه نصا للغلاف الأخير مما يعطي النص هذا أهمية كبيرة والعنوان أيضا من حيث أن الذات الشاعرة في وعيها ولا وعيها ظلت تلح عليه وتوظفه في العنوان الكلي وفي الصفحة الأخيرة للمتن..
ب- صورة الغلاف الأول:
العتبة الثانية من هذا المتن هي صورة الغلاف الأول وإذا أمعنا النظر إلى الغلاف هذا فنجده مقسم إلى وحدت دلالية متتابعة وموحية أيضا فهو ملفوف باللون الأسود واللون الأسود دلالته المحيلة على الحزن والضياع والاغتراب والمتن تربطه علاقة حميمة مع الغلاف هذا من حيث انه مليء بالتراكيب والمفردات المليئة بالحزن والغربة والوجع لذلك فاللون الأسود مختار بذائقة واعية لكي يتلاءم مع الجو العام للمتن، ونجد في الأعلى مؤشر سلسلة دار النشر (كتاب الحياة) الذي يحمل رقم (32) بلون سماوي ويأتي إلى جواره اسم الشاعر في أعلى الصفحة بخط ابيض ولذلك دلالته أيضا لن نقولها هنا كي لا يضن القارئ أن هذا التأويل تعسفيا من ثم يأتي عنوان الديوان جانبيا وهو مُشَكَّل والجيم في الجرح مفتوحة وفي اعتقادي انه أمر غير صائب حينما فتحت هذه الجيم ولو بقيت بدون فتح أو غيره لتعددت الدلالة حينها واتسعت وكما يعلم القارئ أن انفتاح الدلالة واتساع تأويلها له فائدة عظيمة
وتتوسط الغلاف صورة لنفق ليموني الشكل لا يبدو مكتملا من الأعلى أي ان أعلاه يبدو مقصوصا أو ناقصا مما يجعل المتلقي يعيش داخل هذا النفق وليس خارجه أي انه داخل العملية الإبداعية إذا سلمنا أن النفق هو المرور إلى العمل الإبداعي هذا كما يجد المتلقي أن الضوء يندلق من آخر النفق مما يوحي بان الضوء لن يكتمل في بداية النفق أو في وسطه وإنما يكتمل بعد إتمام المرور في النفق/العملية الإبداعية
ج- عتبة الإهداءات:
يتصدر المتن إهداء عام وهو:
[align=center](إلى الوطن المشنوق في ذاكرتي
حلما
لن
يتحقق).[/align]
على الرغم من أن المتن يعمل على تعدد نصوصه في الغزل كنصي "بنصف انحناءة قلبي" و"امرأة من دخان" والقضايا الاجتماعية كنص "مواويل الصقيع" أو القضايا القومية الممزوجة بالغزل والثيمات الاجتماعية كنص "أعراس الغبار"؛ إلا انه برغم هذا التعدد مُهدى إلى جهة واحدة هي الوطن الذي يتصف بأنه مشنوق في ذاكرة المرسل وانه حلما لن يتحقق
إن أي عمل حينما يهدى للوطن لا شك انه يوحي بان كل نص أو دال أو جملة شعرية او إيقاعية مهما تعددت أو تغيرت أو غايرت نكون متعلقة به لا بغيره على الأقل في نظر الشاعر ولكنها ستتعدد في نظر المتلقي لا شك فقد يكون –في نظر القارئ- هذا الوطن هو الأم أو الحبيبة أو الروح أو القضية التي يؤمن بها الشاعر أو ما شابه ذلك
إن المتن الشعري هذا لا يكتفي بالإهداء العام هذا فقط ففيه إهداءان لنصين آخرين هما "وجع الرصيف" ويهديه "للصديق طه الجند متعبا على قارعات الوطن"، وهو نص مُهدى من شاعر إلى شاعر وطه الجند معروف بأنه شاعر متمرد يكتب القصيدة النثرية بسخرية مرة وله ثلاث مجموعات شعرية هي زمن الجراد وأشياء لا تخصكم و رجل في الخارج يقول انه أنا لذا فالإهداء يمثل بنية أولى تختزل بقية مضامين النص وتحيل إليها وتكون فكرة أولية للقارئ عن ما سيقرؤه والنص مليء بالدوال التي تحيل على الدال المركزي في الإهداء/متعبا/ فنجد الضياع والبكاء والرصيف والاغتراب وغيرها ليحيل على الوعي العميق الذي اشتغل عليه الشاعر وهو يكتب نصه هذا
وهناك إهداء آخر في نص امرأة من دخان ويهديه "
: [align=center]إلى عشتار..... حلمٌ يراودُني من بعيدٍ ويغسلُني في ضياعِ الأماني....[/align]"
و عشتار هي آلهة الخصب ولكن هل الاسم عشتار هو رمز لأنثى بعينها أم لأنثى عامة أم لشيء لا علاقة له بالأنثى الحقيقية أي الأنثى الأسطورية التي تعارفت عليها الأساطير؟ هل عشتار هذه هي عشتار الأصل أم عشتار الفرع؟ هل هي حبيبة؟ أم هي الوطن أم القضية التي تثقل كاهل الشاعر إذا سلَّمنا أنها الوطن فما هي صفته وإذا سلمنا أنها الحبيبة فما هي صفاتها؟ وإذا سلمنا أنها القضية فما القضية التي يحملها هذا الشاعر وهذا المتن أيضا؟
النص لا يحدد شيء بعينه وإنما يجعل الأفق منفتحا على مصراعيه متشعبا غير محدد فتبدو تارة الأنثى "مؤسطرة" تحمل صفات كبيرة غير محدد كما نرى:
(آه يا امرأةً من بقايا الخيولِ التي سافرَتْ
منذُ كان الإلهُ هنا لا ينامُ)
إن هذا المقطع يحيل على صفة دقيقة لهذه المرأة فهي منذ العنوان امرأة من دخان والدخان أحد الركائز الأسطورية من ثم أنها كما يقول المقطع السابق من بقايا الخيول.. والنص مليء بالعديد من المفردات التي تجعل القارئ في بابل دلالي غير مستقر وهو ما يقوله الإهداء منذ البداية إنها حلم يراوده من بعيد ويغسله في ضياع الأماني إنها امرأة حلم ودخان ومن بقايا الخيول....الخ من الصفات
د- صفحة الغلاف الأخيرة:
صفحة الغلاف الأخيرة تحمل نصا يبدو انه مختار بعناية فائقة من حيث الفكرة والمعنى والإحالة إلى المتن الذي يجسده بشكل دقيق فهو:
[align=center](جئتَ مكبلاً بالحبِ
مسلوبَ الرغيفِ
وساقكَ الحبلى بأسرارٍ
تجرجرُ وجهكَ المشبوهَ
خلفَ روائحٍ للظّلِ
في عينيكَ قاماتٌ من الشجنِ الجريحِ
وفيهما وطنٌ ....
بلا بلدٍ
يصلي للرياحِ) [/align]
إن هذا المقطع مأخوذ من النص الذي يحمل نفس عنوان الديوان وفي رأيي أن هذا المقطع موفق إلى حد كبير في الاختيار لأنه يجسد رؤية فلسفية عميقة للمتن لأنه يجسد ضياع المرسل وتشضي نفسيته وعدم الجدوى مما يفعله فهو جاء مكبلا بالحب ومسلوب الرغيف... وفي عينيه وطن بلا بلد يصلي للرياح، فهي قمة الضياع وقمة الوحدة إنها تحيل على انه يحمل قيما إنسانية لا تجدي في هذا الزمن/الوطن الذي هو بلا هوية/بلد يصلي للضياع/الرياح
ويأتي إلى جوار هذا المقطع صورة الشاعر المحاطة بالسواد وذات الخلفية الصفراء المحمرة وهو ملفع بالشتاء وكأنه حينما كتب المتن مليء بشتاء لا علاقة له بشتاء الطبيعة انه شتاء إنساني يحيط به ويجعله يشعر بالبرد والغربة كما يحيل إلى ذلك المتن بكل أبعاده ودلالاته[/align].
قريبا ساكمل الفصل الثاني من القراءة ان شاء الله فاتمنى ان اوفق
شكرا لارواحكم
1- قراءة في العتبات
[align=right]تعطي الدراسات النقدية الحديثة العتبات المحيطة بالمتون أهمية لابأس بها فتناولها النقاد بأشكال مختلفة وكل حسب المنهج والتصور والخلفية التي ينطلق منها والعتبات أو المناص أو النص الموازي هو كل ما يحيط بالمتن ويجعل منه متنا/كتابا أو نصا، ومن أهم هذه العتبات صفحة الغلاف الأولى، والعنوان والإهداءات وصفحة الغلاف الأخيرة...
إن المتصفح لهذا الديوان سيدرك منذ الولهة الأولى إن بناء العتبات أتى على شكل مكثف للمتن مما يجعلنا نسلم انه بني بشكل واع جدا من حيث المبنى الشعري والخلفية الفنية ومن حيث التفنية البصرية للعلاف واختيار النص في الغلاف الأخير
أ- العنوان
يعتبر العنوان من أهم المفاتيح الدلالية التي توجه المتلقي إلى استكناه المتن وتفكيك ما استغلق منه لتسهل عملية التلقي بين المتن/الرسالة والمرسل والمرسل إليه وتأويل الدلالة أيضا
إن أول ما يواجه المتلقي من هذا المتن/الديوان هو عنوانه الرئيسي قبل بزوغ الجرح وهذا العنوان يبدو للوهلة الأولى مألوفا خصوصا في المحورين الأولين قبل وبزوغ، فيضن القارئ ان البقية هي الفجر مثلا غير أن المحور الأخير من هذه الجملة المفتاحية تنحرف بالمتلقي إلى جهة بعيدة تماما فيحل محل الفجر الجرح ليس ذلك فحسب فان العنوان هذا منفتح دلاليا على أفاق شتى بإمكاننا أن نمسك بثلاث آفاق منها باعتبارها آفاق محورية
بإمكاننا أن نتساءل أولا لماذا قبل بزوغ الجرح وما محمول هذا العنوان في درجته الصفر ودرجته العليا أيضا؟ وهل هو عنوان ملفوظ أم ملحوظ؟
هل يعني الشاعر بان هذا المتن قبل بزوغ الشعر –كما يقول الدكتور عبد العزيز المقالح في عموده الأسبوعي من صحيفة الثورة اليمنية- أم هل هذا المتن جاء قبل بزوغ الجرح أم أن الكتابة تمت قبل بزوغ الجرح؟
إذا سلمنا برؤية المقالح وهي رؤية تنم عن تعمق في دلالة المتن والعنوان أيضا فهل المتن خاليا من الشعر؟ أم انه شعر فوق المألوف؟ إن الإجابة على هذا السؤال لا يمكن ن نلقاها هنا ولا تتم إلا من خلال الربط بين العنوان والمتن والعتبات الأخرى أيضا
وإذا رأينا أن هذا المتن جاء قبل بزوغ الجرح فكيف ستكون المتون الأخرى القادمة للشاعر وكيف سيكون الشعر بعد أن يبزغ الجرح ويتشظى؟
وكيف ستكون الكتابة بعد بزوغ الجرح أيضا؟
العنوان يحمل معنى ترميزيا مكثفا لا يحيل على معناه بسهولة كما رأيناه بل انه يتأبى على القبض ويستعصي على البوح بمضامينه الدلالية بسهولة لاسيما إذا رينا انه يحمل طابعا مجازيا حينما يتحول الجرح إلى ما يشبه الشمس وهي تشرق وإذا لم يبح لنا أيضا عن ما هية الجرح ولا كيفيته مما يجعلنا نتساءل هل الجرح أنساني أم قومي ام شعري/رمزي هل هو جسدي ام روحي؟ ام غير هذا وذاك؟
ربما تخبرنا عن كل هذه الفوضى الدلالية مايأتي من عتبات ومتن أيضا، والملاحظ ان هذا العنوان جاء ملفوظا أي مأخوذا من نص داخل المتن فهو عنوان داخلي خارجي أيضا وهو عنوان شامل وجزئي أي هو عنوان لنص وعنوان للمتن الكلي وهو عنوان للنص الذي اجتزئ منه نصا للغلاف الأخير مما يعطي النص هذا أهمية كبيرة والعنوان أيضا من حيث أن الذات الشاعرة في وعيها ولا وعيها ظلت تلح عليه وتوظفه في العنوان الكلي وفي الصفحة الأخيرة للمتن..
ب- صورة الغلاف الأول:
العتبة الثانية من هذا المتن هي صورة الغلاف الأول وإذا أمعنا النظر إلى الغلاف هذا فنجده مقسم إلى وحدت دلالية متتابعة وموحية أيضا فهو ملفوف باللون الأسود واللون الأسود دلالته المحيلة على الحزن والضياع والاغتراب والمتن تربطه علاقة حميمة مع الغلاف هذا من حيث انه مليء بالتراكيب والمفردات المليئة بالحزن والغربة والوجع لذلك فاللون الأسود مختار بذائقة واعية لكي يتلاءم مع الجو العام للمتن، ونجد في الأعلى مؤشر سلسلة دار النشر (كتاب الحياة) الذي يحمل رقم (32) بلون سماوي ويأتي إلى جواره اسم الشاعر في أعلى الصفحة بخط ابيض ولذلك دلالته أيضا لن نقولها هنا كي لا يضن القارئ أن هذا التأويل تعسفيا من ثم يأتي عنوان الديوان جانبيا وهو مُشَكَّل والجيم في الجرح مفتوحة وفي اعتقادي انه أمر غير صائب حينما فتحت هذه الجيم ولو بقيت بدون فتح أو غيره لتعددت الدلالة حينها واتسعت وكما يعلم القارئ أن انفتاح الدلالة واتساع تأويلها له فائدة عظيمة
وتتوسط الغلاف صورة لنفق ليموني الشكل لا يبدو مكتملا من الأعلى أي ان أعلاه يبدو مقصوصا أو ناقصا مما يجعل المتلقي يعيش داخل هذا النفق وليس خارجه أي انه داخل العملية الإبداعية إذا سلمنا أن النفق هو المرور إلى العمل الإبداعي هذا كما يجد المتلقي أن الضوء يندلق من آخر النفق مما يوحي بان الضوء لن يكتمل في بداية النفق أو في وسطه وإنما يكتمل بعد إتمام المرور في النفق/العملية الإبداعية
ج- عتبة الإهداءات:
يتصدر المتن إهداء عام وهو:
[align=center](إلى الوطن المشنوق في ذاكرتي
حلما
لن
يتحقق).[/align]
على الرغم من أن المتن يعمل على تعدد نصوصه في الغزل كنصي "بنصف انحناءة قلبي" و"امرأة من دخان" والقضايا الاجتماعية كنص "مواويل الصقيع" أو القضايا القومية الممزوجة بالغزل والثيمات الاجتماعية كنص "أعراس الغبار"؛ إلا انه برغم هذا التعدد مُهدى إلى جهة واحدة هي الوطن الذي يتصف بأنه مشنوق في ذاكرة المرسل وانه حلما لن يتحقق
إن أي عمل حينما يهدى للوطن لا شك انه يوحي بان كل نص أو دال أو جملة شعرية او إيقاعية مهما تعددت أو تغيرت أو غايرت نكون متعلقة به لا بغيره على الأقل في نظر الشاعر ولكنها ستتعدد في نظر المتلقي لا شك فقد يكون –في نظر القارئ- هذا الوطن هو الأم أو الحبيبة أو الروح أو القضية التي يؤمن بها الشاعر أو ما شابه ذلك
إن المتن الشعري هذا لا يكتفي بالإهداء العام هذا فقط ففيه إهداءان لنصين آخرين هما "وجع الرصيف" ويهديه "للصديق طه الجند متعبا على قارعات الوطن"، وهو نص مُهدى من شاعر إلى شاعر وطه الجند معروف بأنه شاعر متمرد يكتب القصيدة النثرية بسخرية مرة وله ثلاث مجموعات شعرية هي زمن الجراد وأشياء لا تخصكم و رجل في الخارج يقول انه أنا لذا فالإهداء يمثل بنية أولى تختزل بقية مضامين النص وتحيل إليها وتكون فكرة أولية للقارئ عن ما سيقرؤه والنص مليء بالدوال التي تحيل على الدال المركزي في الإهداء/متعبا/ فنجد الضياع والبكاء والرصيف والاغتراب وغيرها ليحيل على الوعي العميق الذي اشتغل عليه الشاعر وهو يكتب نصه هذا
وهناك إهداء آخر في نص امرأة من دخان ويهديه "
: [align=center]إلى عشتار..... حلمٌ يراودُني من بعيدٍ ويغسلُني في ضياعِ الأماني....[/align]"
و عشتار هي آلهة الخصب ولكن هل الاسم عشتار هو رمز لأنثى بعينها أم لأنثى عامة أم لشيء لا علاقة له بالأنثى الحقيقية أي الأنثى الأسطورية التي تعارفت عليها الأساطير؟ هل عشتار هذه هي عشتار الأصل أم عشتار الفرع؟ هل هي حبيبة؟ أم هي الوطن أم القضية التي تثقل كاهل الشاعر إذا سلَّمنا أنها الوطن فما هي صفته وإذا سلمنا أنها الحبيبة فما هي صفاتها؟ وإذا سلمنا أنها القضية فما القضية التي يحملها هذا الشاعر وهذا المتن أيضا؟
النص لا يحدد شيء بعينه وإنما يجعل الأفق منفتحا على مصراعيه متشعبا غير محدد فتبدو تارة الأنثى "مؤسطرة" تحمل صفات كبيرة غير محدد كما نرى:
(آه يا امرأةً من بقايا الخيولِ التي سافرَتْ
منذُ كان الإلهُ هنا لا ينامُ)
إن هذا المقطع يحيل على صفة دقيقة لهذه المرأة فهي منذ العنوان امرأة من دخان والدخان أحد الركائز الأسطورية من ثم أنها كما يقول المقطع السابق من بقايا الخيول.. والنص مليء بالعديد من المفردات التي تجعل القارئ في بابل دلالي غير مستقر وهو ما يقوله الإهداء منذ البداية إنها حلم يراوده من بعيد ويغسله في ضياع الأماني إنها امرأة حلم ودخان ومن بقايا الخيول....الخ من الصفات
د- صفحة الغلاف الأخيرة:
صفحة الغلاف الأخيرة تحمل نصا يبدو انه مختار بعناية فائقة من حيث الفكرة والمعنى والإحالة إلى المتن الذي يجسده بشكل دقيق فهو:
[align=center](جئتَ مكبلاً بالحبِ
مسلوبَ الرغيفِ
وساقكَ الحبلى بأسرارٍ
تجرجرُ وجهكَ المشبوهَ
خلفَ روائحٍ للظّلِ
في عينيكَ قاماتٌ من الشجنِ الجريحِ
وفيهما وطنٌ ....
بلا بلدٍ
يصلي للرياحِ) [/align]
إن هذا المقطع مأخوذ من النص الذي يحمل نفس عنوان الديوان وفي رأيي أن هذا المقطع موفق إلى حد كبير في الاختيار لأنه يجسد رؤية فلسفية عميقة للمتن لأنه يجسد ضياع المرسل وتشضي نفسيته وعدم الجدوى مما يفعله فهو جاء مكبلا بالحب ومسلوب الرغيف... وفي عينيه وطن بلا بلد يصلي للرياح، فهي قمة الضياع وقمة الوحدة إنها تحيل على انه يحمل قيما إنسانية لا تجدي في هذا الزمن/الوطن الذي هو بلا هوية/بلد يصلي للضياع/الرياح
ويأتي إلى جوار هذا المقطع صورة الشاعر المحاطة بالسواد وذات الخلفية الصفراء المحمرة وهو ملفع بالشتاء وكأنه حينما كتب المتن مليء بشتاء لا علاقة له بشتاء الطبيعة انه شتاء إنساني يحيط به ويجعله يشعر بالبرد والغربة كما يحيل إلى ذلك المتن بكل أبعاده ودلالاته[/align].
قريبا ساكمل الفصل الثاني من القراءة ان شاء الله فاتمنى ان اوفق
شكرا لارواحكم
تعليق