أحلام التّفاح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نورالدين لعوطار
    أديب وكاتب
    • 06-04-2016
    • 712

    أحلام التّفاح

    بين أشجار التفاح يمشي مقوس الظهر بخطى مرعوبة متوكئا على عكاز يقيه السقوط ، فمه الأدرد إلا من نابين هرب عنهما لحاء الفك و تركهما عاريين يرتعشان كلما هم بقضم تفاحات في حجم حبات الكرز ، يضغط على الفاكهة فتفر يمينا أو يسارا من ضمة فكيه الواهنة سابحة في لعابه المنهمر ، يبتلع ريقه ولسانه يحول دون عبور التفاحة إلى عنقه مخافة أن تكتم أنفاسه أو توقظ سعالا يعنف كيانه ألما لكأنه يرغب في اقتلاع جذور الحياة من أحشائه ، رائحة قوية شهية عطرة تجذبه فيمد يده المترهل جلدها الطافح ببقع داكنة أتت على بياضه ، غزتها عروق منتفخة يشمئز من زرقتها ، يأخذ التفاحة ذات الحجم الضئيل و الحمرة الناصعة بين أنامله ، يقربها من أنفه منتشيا بأريجها الآسر فتهيج رغبته في ازدرادها ، لكن فمه يخونه ، فيزداد إصراره فيهوي عليها بكل ما أوتي من قوة فتتملص من جديد . هي بضع تفاحات لاغير جادت بها أشجار تنزع عنها رياح الخريف ثوب زينتها لتحنط أجسادها في مضجع الشتاء .
    استسلم جالسا مادّا رجليه نافثا دماء ، متحسسا جروحا و انتفاخات تملأ فمه ألما ، تذكر نابيه فلم يجد لهما أثرا ، ملأت الحسرة جوفه و أحس بسكاكين العجز تفتك بهمته ، لأعوام خلت لم ينتبه هذا الكم العظيم من الحزن ، حتى عندما ماتت زوجته ذات السبعين ربيعا لا يزال يمني نفسه بتجديد حياته ، واعتماد سرير وثير يقيه برودة الليالي و طول الأيام ، خادمته رقية هي من تشجعه و ترسخ في عقيدته هذه القدرة على العيش في النعيم : * سيدي تزوج أختي ، فأنا و زوجي سنبقى دائما في خدمتك ، و نحافظ على أملاكك * كلما زارتها أختها أبدعت في تقريبها إلى نفسه العطشى ، فيتراءى له الحلم حقيقة ميسرة ، بل غنيمة بلا جهد . تأسره البنت بحيائها و رقتها ، يغمره حنانها أمنا و تمسح نضارتها عن عينيه غبشا كاد يسقطه في ظلمات اليأس ، أخيرا أصبح فارسا ذات ليلة ربيعية هادئة ، واستعاد عرشه المزين بالبهجة ، طوال الليل يحكي حكايات الشجاعة و يبني حدائق البسمة . في الصباح تسيدت الطفلة المنزل ، و ركبت على ظهر الشيخ تقتلع أسنانه بلجام القسوة ، تحبسه ، تجوعه ، تسوطه و أختها تتقمص دور الناصح و الساعي إلى إصلاح ذات البين ، حتى ريشتا أجنحته ، وقصمتا ظهره .
    يقلب كيفيه الخاويتين ، و يمسح على جراحه بلسانه ، يودع تفاحه و أرضه ، يحاول استيعاب التهجير القسري ومسح الذاكرة ، تألم من حياته القاحلة التي لم تمنحه أبناء يحفظون تاريخه ويدافعون عن إرث الأجداد ، تأمل الأرض كيف تغرينا حتى تضمنا إليها ضما فتمتص أجسادنا وكأنها تقول هذا جزاء من أراد بي سوءا ، فكر في النهوض ، في القيام ، هبت ريح شرسة أسقطت عليه بقايا أحلام التفاح ، فانخرط في سعاله يقاوم بشدة رغبة الروح في التحرر .
  • أميمة محمد
    مشرف
    • 27-05-2015
    • 4960

    #2
    جميل أستاذ نورالدين لوطار...
    قد تكون لي عودة
    كل التقدير

    تعليق

    • منيره الفهري
      مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
      • 21-12-2010
      • 9870

      #3
      قصة رائعة مؤثرة بلغة جميلة سلسة
      استمتعت جدااا و أنا أقرؤها
      تحياتي أستاذ نور الدين لعوطار

      تعليق

      • منيره الفهري
        مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
        • 21-12-2010
        • 9870

        #4


        تعليق

        • نورالدين لعوطار
          أديب وكاتب
          • 06-04-2016
          • 712

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
          جميل أستاذ نورالدين لعوطار...
          قد تكون لي عودة
          كل التقدير

          مرحبا بعودتك أستاذة أميمة .
          شكرا على حضورك البهي .

          تحيتاتي

          تعليق

          • نورالدين لعوطار
            أديب وكاتب
            • 06-04-2016
            • 712

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
            قصة رائعة مؤثرة بلغة جميلة سلسة
            استمتعت جدااا و أنا أقرؤها
            تحياتي أستاذ نور الدين لعوطار
            الأستاذة الغالية منيرة فهري
            أسعدني إعجابك بالنص
            و الشكر الجزيل على إدراجك للنص في مجلة المبدعين والمترجمين العرب ،و مزيدا من التالق لهذه الجمعية المجدّة .

            .c'est aussi un grand honneur pour ma petite carrière
            Merci profondément pour ce soutien

            تعليق

            • أميمة محمد
              مشرف
              • 27-05-2015
              • 4960

              #7
              من فاكهة التفاح وجد الكاتب مدخلا لقسوة الخريف
              بداية القصة وخريف العمر وتساقط أوراق الاخضرار فيه
              المشهد الشاحب مألوف حتى نبلغ تفاصيله الوحدة و فقد الأنيس والتوق للذرية
              يزيد من قتامة الصورة أصناف من الناس تنعدم لديهم الرحمة ولا يحيا فيهم إلا تقديس المال والاستحواذ عليه
              الأمر جعلنا نبحث عن بقايا عائلة لا وجود لها لسبب من الأسباب
              القصة مؤثرة إنسانية عكست أن المال ليس إلا زينة زائلة وقد تكون سوطا على صاحبها
              سرد محكم والحبكة زادت تشويقا في المنتصف فاستمتعنا رغم الحزن
              وقلم جميل السرد والوصف مع التقدير

              تعليق

              • مصباح فوزي رشيد
                يكتب
                • 08-06-2015
                • 1272

                #8
                أبدعت سيدي الكريم وأصبتنا باثنتين
                أبكيتنا وأضحكتنا " أضحك الله سنك "
                حالته المترهّلة تشمئز منها النفوس
                مآلنا جميعًا في آخر المطاف
                فاللهم ان أردت بقوم فتنة فاقبضنا اليك غير فاتنين ولا مفتونين

                جعلتنا متشوقين للمزيد
                تحياتي أخي
                التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 31-07-2016, 04:37.
                لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

                تعليق

                • نورالدين لعوطار
                  أديب وكاتب
                  • 06-04-2016
                  • 712

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
                  من فاكهة التفاح وجد الكاتب مدخلا لقسوة الخريف
                  بداية القصة وخريف العمر وتساقط أوراق الاخضرار فيه
                  المشهد الشاحب مألوف حتى نبلغ تفاصيله الوحدة و فقد الأنيس والتوق للذرية
                  يزيد من قتامة الصورة أصناف من الناس تنعدم لديهم الرحمة ولا يحيا فيهم إلا تقديس المال والاستحواذ عليه
                  الأمر جعلنا نبحث عن بقايا عائلة لا وجود لها لسبب من الأسباب
                  القصة مؤثرة إنسانية عكست أن المال ليس إلا زينة زائلة وقد تكون سوطا على صاحبها
                  سرد محكم والحبكة زادت تشويقا في المنتصف فاستمتعنا رغم الحزن
                  وقلم جميل السرد والوصف مع التقدير
                  ممتن لعودة المرصّعة بكلمة عميقة الدّلالة
                  ما أجمل الربيع لولا قساوة الخريف

                  تقديري

                  تعليق

                  • نورالدين لعوطار
                    أديب وكاتب
                    • 06-04-2016
                    • 712

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة مصباح فوزي رشيد مشاهدة المشاركة
                    أبدعت سيدي الكريم وأصبتنا باثنتين
                    أبكيتنا وأضحكتنا " أضحك الله سنك "
                    حالته المترهّلة تشمئز منها النفوس
                    مآلنا جميعًا في آخر المطاف
                    فاللهم ان أردت بقوم فتنة فاقبضنا اليك غير فاتنين ولا مفتونين

                    جعلتنا متشوقين للمزيد
                    تحياتي أخي
                    مرحبا أخي مصباح فوزي رشيد

                    ضحك و بكاء سنّة الحياة هكذا رسمها خالقها

                    ندعو الله حسن الختام

                    بوركت

                    تعليق

                    يعمل...
                    X