
« خيّر- سيّئ - الخبيث "
وانأ عائدٌ من إحدى المدن الجزائرية بداية مطلع الثمانينات ، مندفِعًا ، أركب الحافلة أمتطي العشرينيات من معمري ، أتجاوز المقاعد الأمامية ، لأنفرد بنفسي وأختلي بأغنية عنوانها " وداعًا أيّتها السماء الزرقاء " Goodbye Blue Sky " ( بينك فلويد ) " زرقة الأحلام التي كانت تراودني ، أستخدم جهاز إسماع " والك -مان " ، أحمله معي دائمًا لأستمتع بالسفر .
جلست بجانب النافذة الأخيرة ، كنت مولّعا برؤية المناظر الطبيعية ، لم أكترث لأجنبيين بجنبي ، عليهما ملامح الغربة ، تأكّد لي فيما بعد أن أحدهما أمريكيٌّ وكان جدّ لطيف ، وأما الألماني الذي برفقته فتوجّست منه ، لِما أدركته فيه من نظرات شزر توحي بالعنصرية ، لم ألتفت إليه بعدئذ صافحته ، ورحت أتبادل أطراف الحديث مع رفيقه الأمريكي ، طلب مني هذا الأخير أن أعيره " الوالك مان " ، الأغنية حظيت بإعجابه هو الآخر ، طال الحوار بيننا وكنت استعجل منه الجواب ، وكلّما طرحت عليه سؤالاً يجيبني باستهزاء ، كان آخر سؤالٍ وجهته له يتعلّق بنوعية البرامج التليفزيونية التي يشاهدونها في بلادهم ، وقتها ؛ لم تكن القنوات بهذا الزخم ، ولا نسمع عن الأقمار الصناعية ، عندها كانت الحرب الباردة تجمّد عقولنا .
بعفوية أسأله :
- هل تشاهدون أفلام " وسترن " مثلنا ؟ا " .
كم كنت أحمقًا و غبيًّا وساذجًا ؛ لم يكن هناك في جعبتي المترفة من سبب واضح يدفعني إلى مثل هذا السؤال التافه !
- « هناك تباين واضح، لا يمكن إحصاء القنوات والأنشطة التي تتمايز عن بعضها وتتنافس فيما بينها ، لا مجال للمقارنة، نختلف في كل شيء تقريبا، في طريقة الكلام والحوار وفي السلوك لا نتشابه، وحتى في الأذواق ربما ". ردّ الخبيث عليّ .
ندمت أشد الندم !
رحت أتطلّع إلى ابتسامة جامدة رسمتها شفتاه ، تدل على السخرية.
تمنّيت حينها ، لو كان بيدي حيلة ، أو مجرّد فكرة حقيرة ، أتدارك بها الموقف.
تبادر إلى ذهني وأنا الجزائري المسكين ثالثهما ، تذكرت الفيلم الشهير :
" الخيّر - السيّئ - القبيح "
تعليق