في رحاب الإنسان ، صفحة متجدّدة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نورالدين لعوطار
    أديب وكاتب
    • 06-04-2016
    • 712

    في رحاب الإنسان ، صفحة متجدّدة

    جميل أن تثير الآخر و ينبش في عالمك أيها الإنسان ، جميل أيضا أن يحاول البعض محاكاة أسلوبك في الحياة ، فالذات أخيرا هي من تصنع أساليب الحياة التي تسطو عليها الجماعة و تحتكرها سعيا إلى تعميمها ، لكن لابد ذاتا أخرى هناك ستنتفض مغرّدة خارج السّرب ، فلا تنتظر دوام الحال على كلّ حال .

    مقدّمة لا بأس بها لإنسان يحب أن يكتب على السّليقة ، أكثر من التموضع بين الجدران ، ستجد الكثيرين حتما يحبون هذه الفوضوية ، ليس لأنهم فوضويون ، بل فقط روحهم أعياها التقنين ، و لم تعد مستعدّة للبرمجة ، و خصوصا اللغوية والعصبية منها ، فهم يجدونها مجرد سراب يحسبه العاري كساء ، هذا طبعا في انتظار هدوء الذات لتصنع توازنا جديدا .
    أحيانا تشفق على الذين يغوصون في مجاهيل الذّوات مثلي ، رغم سابق معرفة وعلم أن السّير مجرّد إشارات فقط ، و من لا يملك في ذاته فن الإشارة و الرّمزية تبعثره السّير حتما ، أنا لا أحبّ أدب السيرة عموما ، لأنه زائف كلّية ، و ما يحاصر كاتبه و خاصة في عالمنا أكثر من محفّّزاته على البوح ، حتى الذّاكرة كمخزون معرفي متلاطم ، ما يطفو فيها على السطح مجرد أكاذيب تحاول بها الذّات الاستمرار و كتابة وجودها ، أما ركائز الذات الحقيقية فهي قابعة في عمق الأعماق و الذات لن تفرج عنها حتى للوعي الحقيقي ، لتكون موضع اشتغال العقل ، بل فقط الإشارات هي ما يتفلت بين الفينة و الأخرى في ظروف خاصّة .
    تغلبني البسمة حين يلمّح شخص أو يصرح أنني أعرفك جيّدا ، أتذكر يوما شخصا فنّانا ، دخلت نفسه وسوسة المسّ ، فقصد طبيبا نفسانيا ، مجرّد استكشاف لعوالم هذا الطبّ ، لكن لا تعتبرني أومن بموت الطّب كما خطر لواحد يوما و كتب في الموضوع ، فقط هذه إشارة إلى عوالم الإنسان ، صاحبنا دخل عند الطّبيب ، وبدأ الحديث بينهما كتشخيص أوّلي ، وحدّد معه موعد الجلسات العلاجة ، حضر صاحبنا عند الطّبيب وبدأا يتحدّثان هكذا ، لم يستطع الطّبيب التحكّم في نفسه فجرفته نسقيّة الخطاب الذي ينتجه صاحبنا ، و دخلا في نقاشات كثيرة ، و عند نهاية الحصّة دفع الفنّان ، ما بذمته ، وقال للطبيب ، لا تنتظرني فأنا اكتفيت ، حاول الطّبيب إقناعه بالمجيء للحصص الأخرى مجّانا ، لكنّه بكثير من اللباقة أقنعه أنه لن يعود ، هناك دائما أشخاص فعلا يحتاجون إلى كثير من اللّباقة للتّخلّص منهم ، قال صاحبي متهكّما ، مسكين الطّبيب ، يريد أن يقرأ على حسابي . يقصد أن الطّبيب يريد أن يتعلم منه مادام هذا الفنّان يعرف الكثير من سياقات الشخصيّة الإنسانية التي تحفل بها المكتبات .

    أعود من هناك لأقول ، هو الإنسان مهما حاولت معرفته فأنت تزيد من مقدار جهلك به ، خذها باللطف و تصرّف وفق الحدث ، و لا تضخّمه أكثر ، حاول أن تجعله ، كشرب كأس مشروب حلو ، أو نظرة إلى وردة حين يكون جميلا جدّا ، و لا تجعله أكثر من لسعة شوكة ثمرة الصّبار إن كان مؤلما ، هان الواخز والوخزة .
    التعديل الأخير تم بواسطة نورالدين لعوطار; الساعة 03-08-2016, 13:54.
  • نورالدين لعوطار
    أديب وكاتب
    • 06-04-2016
    • 712

    #2
    ذات يوم حضرت ندوة جاءها علمان ، و أنا مجرد نكرة كما الآن ، أحب حكمة الخفافيش ، التي تبتعد عن الإضاءة ما أمكنها ، فعلى الأقل توهم من لا يعرفها أنها طائر غرّيد ، و متى وضعت على المسرح ظهرت فئرانيتها أكثر ، هكذا أشترك مع الخفافيش في حب الليل و ظلمته ، و أبتعد عن دائرة الضّوء ، كما تفعل الذات العميقة فينا ، هذا الخجل الذي يجعلها مستترة وصمت به طباعي ، لكن رغم حبّي العميق للظلال ، أجدني دون قصد في حياتي مفضوحا و تحت الأضوء الكاشفة أحاول تلافي وقع الصّدمة و أتخلص من عقدة دونيتي ، وأعزف على كلّ الأوتار التي يحبّ من يوجد أمامي العزف عليها .
    كان في الندوة رجل يهتم بالثرات ، المعماري منه والشفاهي و المكتوب و غيره ، يحبّ أن أسمّيه باحثا ، الباحث هذا عزف على شيء في عمقي ، وكنت ضمن المنظمين لهذا النشاط الثقافي في الصّفوف الخلفية ، يحبّ البعض أن يسميهم جنود الخفاء ، التسمية لا تهمّ ، قد تكون الخفافيش أكثر تعبيرا ، على الأقل عندها إرادة حرّة ، أكثر من الجنديّة هذه ، تقدمت عند الباحث بعد النّدوة ، قدّمت له نفسي الهزيلة ، فأحس بنشوة ما ، هذا أحبّه في النّاس كثيرا ، هذا الانفتاح على الآخر ، و أخذه بعين الإكبار و الإعجاب ، حقيقة و في عمقي ، لو سألتني ، لم فعلت ذلك ، و هل لك مصلحة ما تبتغيها ، لقلت لك ، مجرد فضول ، استكشاف ، بحث عن معرفة جديدة ليس تلك التي يقولها الباحث ، لا ، كيف تصنع المعرفة ، ليس قشريّات و أدبيات البحث الأكاديمي الصّرف ، لا أبحث إلا عن الإنسان في أي شخص قابلته منذ الأزل ، حتّى حين يغضب و يقلق ، أعتبره رمزا للإنسان الغضوب و القلق ، و لا ألومه ، لماذا ألومه وهذا خياره ، قدّمت للباحث معلوماتي رقم الهاتف و العنوان ، و قال لي انه كثير التّنقل و يبحث عن كنوز الثرات ، و قلت له حسنا ، متى جئت إلى منطقتنا سائحا أو باحثا ، هاتفني فقط فستجدني مرحّبا بك ، و داري مفتوحة في وجهك .
    استحسن الباحث الفكرة ، و هكذا مضى كلّ إلى غايتة ، بعد مدّة لا أذكرها بالضّبط لكنّها قد تقارب السّنة أو تقلّ عنها بقليل ، وجدت صاحبي عند حانوتي ، سلّمت عليه و ظهر من خلال تحيّته أنه ما سجّل صورتي في ذاكرته ، شيء طبيعي جدّا أن لا يتذكرك شخص ما رآك إلا ربع ساعة في حياته ، قدّمت له نفسي مرة أخرى ، سيّدي أنا ذاك الفتى الذي .....، قال الباحث منتصبا مغيرا من نبرة قوله ، مفتعلا كثيرا من الجدّ والنخوة :" حسنا تذكرت ، سأشرّفك بزيارتي يوما ." أحسست دوخة لكأنّ هناك من شقلب الحانوت رأسا على عقب ، ابتلعتها رغم مرارتها التي تلتهب في أحشائي ، و بكثير من اللّباقة أحاول أن أتسلل إلى الظلّام ، و نفسي توبّخني ، ما لك و الأعلام يا فتى ، ما لك و الأضواء . يا له من شرف عظيم أن تزورني ، كم أنا متعلّق برموش عينيك ، سامحك الله يا صاحبي .
    التعديل الأخير تم بواسطة نورالدين لعوطار; الساعة 03-08-2016, 12:44.

    تعليق

    • نورالدين لعوطار
      أديب وكاتب
      • 06-04-2016
      • 712

      #3
      في درس للفلسفة ارتدى الأستاذ معطفه جاعلا قبله دبره ، كانت السّاحة كلّها جاحظة العينين كما بهت قبلها الشّارع ، ليس الأمر مسرحيّة ، كما يتبادر للذّهن بل حقيقة ، فبعض الأشخاص يلغي الذّات من أجل الغير أو الفكرة ، كان درسه الفلسفي حول الفضول ، فلم يجد توطئة أفضل من تلك ، انطلاق من وضعية ملموسة تطالها التجربة والتجسيد و التشخيص ، لبناء مفهوم ذهني صرف ، اسمه الفضول ، كان الفصل جادّا في كتمان ضحكه لولا بعض الذين تخونهم القدرة على لجم الذّات من التفاعل و الانفعال ، فكانت أولى زفراتهم المندفعة إيذانا بانهيار السّد و انطلاق القهقهات كالطّوفان ، وعندما شبعوا من طقوس السّخريّة ، جاء السؤال لماذا هذا السلوك ؟ إنه الفضول إذن .
      قال لي صاحبي يوما ، و هو منزعج من كثرة حشر الكثيرين أنوفهم فيما يفقهون وما لا يعلمون ، نحن هكذا صدورنا مليئة بالأجوبة ، لا ينقصنا غير الأسئلة ، تصور مجتمعا يبحث عن الأسئلة ليجيب ، ألا يستحق الفضول ، من الطبيعي أن يلازمك السؤال بحثا عن الجواب ، لا أن تبحث عن السؤال لتجيب ، الطبيعي أن يتملّكك فضول حقيقي ، و ليس ذلك الفضول العامّي الساذج ، الذي يثير مسألة ليجيب عنها ، مؤمنا أن جوابه حقيقي ، لا يأتيه الباطل من جهاته الستّ .
      الرأي هو ما نحتاجه دائما عند المسألة ، والرأي يبنى في نص ، و النص بنيان يشدّ بعضه بعضا ، عندما تقرأ النص أو الخطاب ، تنفذ إلى نسقه ، فتعرف أهمّ معالمه ، وكل نصّ حافظ على تماسك لبناته ويبتغي الجواب عن المسالة عرفته رأيا حقيقيا ، هناك من يحب التحاور بالسؤال والجواب و هو نمط من أنماط التعجيل بالوقوع في التناقض ، للتخلص من الشخص لا الفكرة أو الرأي ، فانهزام الشخص في نظر البعض هو انهزام للفكرة ، لكن يعتبر السّجال في الدرك السّفلي من أنواع الخطاب ، فالسجال يبني أهم قواعده ، على الخروج عن الموضوع الأصلي وتعويم النقاش ، و بعد ذلك الطعن في الأشخاص و للأسف ، أحيانا مهما حاولت الابتعاد عنه ، تجدك تسبح في أتونه ، لماذا ؟ لأننا لا نملك ما يكفي من الفضول الإيجابي ، منذ البداية يكون فضولنا مقرونا بالسلبية ، منذ البداية ننطلق من موقف رفض الآخر ، من منطلق هذا سينتزع منّي مقامي ، هذا يشكل خطرا على نفسي ، إنه قلق وجودي يعتريك في أبسط الأشياء . خذها ببساطة ، و بإيجابية ، و تعرف على أخيك و حاول استثمار نقاط التلاقي ، وابتعد عن نقاط الجفاء ، و لا تتعود أن تكون إقصائيا بسبب الرأي ، فالدنيا تسع كلّ الآراء و تقول هل من مزيد .

      كل شيء ينطلق من مدى نجاعة فضولك .
      التعديل الأخير تم بواسطة نورالدين لعوطار; الساعة 03-08-2016, 22:28.

      تعليق

      • نورالدين لعوطار
        أديب وكاتب
        • 06-04-2016
        • 712

        #4
        كلنا نحسن الحديث عن السياسة ، و السياسة في عمقها ليست أكثر من فن تدبير المجتمع ابتداء بالأسرة وصولا إلى العالم ، يتعرض السياسيّون أكثر من غيرهم للنقد و الانتقاد ، و يواجه السياسي في حياته أكثر من غيره فقدان التوازن بين ذاتيته و الآخر ، في معترك السّياسة تأخذ الأخلاق وجها آخر غير الذي ألفته الذّات في تفاعلها المعتاد مع الجماعة ، فقيادة الجماعة لا تخضع للعقلنة الحقيقية ، لأن العقل الجمعي يؤمن بالشعار أكثر من إيمانه بالواقعية و الظّرفية ، العقل الجمعي يشبه إلى حدّ بعيد عقلك و أنت تخضع لسلطة المخرج في فيلم سينمائي ، فعندما يأسرك الشعار " الفكرة" لا تستطيع أن تخرج من عوالمه ، في الشريط السينمائي ، تعيش مع البطل و تنخرط فعليا في مناصرته و قد عمل المخرج على اختيار بعض المواقف الإنسانية المستجيبة لبعض أحلامك ، يركب عليها عقلك العاطفي لتبرير كلّ ما يقترفه البطل فتفرح لنجاحه و تحزن لحزنه ، و لا يعطيك المخرج فرصة ليعمل عقلك النّقدي ، هكذا تعمل الدّعاية الانتخابية ، وهكذا تمارس السياسة ، فلو تأمّلت أي خطاب لرمز سياسي تجده يعيد الشعار أكثر من مرّة و به يبرّر سياساته و أعماله ، كل الساسيين الغربيين متى ظهروا على الشّاشات كانت خطاباتهم مفعمة بشعار الحرية ، حرية التعبير ، العدالة ، المواطنة ، قيم الدولة ، أسلوب حياتنا .... و منها ينطلق السياسي ليعبر عن رغبته و تصرفاته ، الشّعار هو ما يجعل العقل النقديّ يغيب ، و بعده يأتي التصفيق .
        في بيتك تمارس السياسة مع من يوجدون في عهدتك ، تختار شعارك بنفسك ، وحدة الأسرة ، نسبها ، عرقها ، عراقتها ، تقوي هذا الجانب الهويّاتي ، و عليه تبني التصرف ، تمارس سياستك وفق منظورك و ما تسمح به ميزانية الأسرة و في نفس الوقت تحافظ على وحدتها انطلاقا من الشعار ، عازفا على الآمال حينا ، وموقظا القلق الوجودي حينا لترسيخ الشعار ، وربطه بالوجود الفعلي .

        تعليق

        • نورالدين لعوطار
          أديب وكاتب
          • 06-04-2016
          • 712

          #5
          الإنسان بطبعه ميّال إلى ما هو بسيط ، إسكات لذّة جوع في زمن قصير و بعدها ينشد راحة ، من مستملحات العصر أنّنا ننام حدّ العياء و نقوم لنستريح ، الملل شيء بديهي جدّا أن تحسّه في شيء لا يعنيك كثيرا ، فرض عليك لا أكثر ، لكن من العجيب أن تحسّ الملل في اختياراتك ، فأنت هنا تمارس نقدا ذاتيا لاذعا ، عندما لا تستطيع أن تحافظ على روحك الإيجابية مع خياراتك فالتوازن خانك ، هناك شيء في أعماقك فقدت عليه السيطرة ، سقراط الفيلسوف الأخلاقي ، ناضل لسنوات في مشروعه وعمل على هدم البنية القائمة اجتماعيّا و إقامة بنية جديدة ، فحوكم و ناله حكم الإعدام ، و عند إحساس المجتمع بجور هذا الحكم عمل مناصروه و حتى سجّانوه على منحه فرصة للهروب ، لكن سقراط يؤمن بلا أخلاقية هذا الفعل ، فرغم هذا الجور فهو مؤمن بقدسيّة مؤسسة القضاء ، قد تخطئ و قد تستند إلى قانون جائر ، لكن أخلاقيا وجب الإيمان بهذا الجهاز . الإيمان بالذات و خياراتها ضرورة أخلاقية ، فغير معقول مثلا أن تقترف سلوكا و تقول لا لست الفاعل ، هذا يدخل في إطار النفس القصير ،انفلات من نوع ما ، عدم المسؤولية ، من يريد أن يغرس شتلة و يأكل من ثمارها في اللحظة ذاتها و إن لم تثمر اقتلعها ، فسيظل العمر كلّه يعمل هكذا ، تسلّح بالنفس الطّويل ، و خذها بلطف ، هي الدّنيا ساعة لك و ساعة عليك ، و كن على قدر المسؤولية أيها الإنسان .
          الذّات كجسد تعي هذا جيّدا ، فنموّها يكون على مهل و يستغرق سنوات ، و حتى انهيار الجسد أيضا يستغرق عمرا مديدا ، البناء يستغرق وقتا و حتى الهدم أيضا ، خاصة في عالم الأفكار ، لن تهدم قوانين المجتمع بيسر ، فتعلّم المرونة والنّفس الطّويل ، سرّ انتحار مشاريعنا السياسية هو هذا التّهور و التّسرع ، الجيل ذاته يريد أن يغرس و يأكل الثّمار ، فيغرس و يقتلع ، يأتي الجيل التّالي يمسح السبورة بعسلها و قطرانها ويبدأ من جديد ، هكذا نبقى في البدايات ، بعد كل بداية بداية ، و لا تسأل عن النهايات . بعد مشروع مشروع ، بل من حكومة إلى حكومة تمسح السبّورة ، لن تجد شخصا وجد لبنة و بنى لها أخرى تؤازرها ، اليوم بالذّات اشتركت في لقاء تشاوري حول إعداد برنامج عمل لمدة معيّنة لمؤسسة من المؤسّسات ، أوّل ما عمله المؤطرون هو العمل على هدم عمل سابقيهم الذي شاركت فيه هو أيضا منذ ستّ سنوات ، هو النقد الهدّام نجتهد فيه بكثير من الجدّية ، وسيأتي جيل آخر بعد سنوات ليهدم ما نقوم به اليوم ، أين النّفس الطويل ، أين الاعتراف بالآخر الذي اجتهد يوما و بنى شيئا .
          ادخل إدارة سيقول لك القيّم عليها أقصر ، قل ماجئت من أجله ، أنت لا تريد إلا أن تضعه في الصّورة كاملة ، هو لا يهمّه هذا ، لا يملك نفسا طويلا ، لا يحبّ عمله ، يريد أن يتخلّص منك ، ليعمل ماذا ، اسأل صديقك ، لا تحتاج أن تسأل ، متى مررت عبر المكاتب ، تعلّم الفضول الإيجابي ، ألق نظرة على عالمك ، فربّما اكتسبت فن النّفس الطويل و وعيت عالمك .

          سأختم بشاب سيشارك لأول مرة في سباق العشر كيلومترات عدوا، هو يسمع بالإيقاع و لكنه ما مارسه يوما ، مع الانطلاقة رافق المرشحين للفوز ، منذ الدقيقة الأولى بدأ نفسه يتسارع بشكل غريب ، أصرّ على مرافقتهم ، جفّ حلقه و غزر عرقه ، قلبه يريد التّوقف ، تمادى في الإصرار على الاستمرار على نفس إيقاعهم، فقد وعيه و حملته سيّارة الإسعاف إلى المستشفى ، غرس شتلته اليوم و أصر على جعلها تثمر قبل المغيب .

          تعليق

          • نورالدين لعوطار
            أديب وكاتب
            • 06-04-2016
            • 712

            #6
            لم تخطئ يا سقراط لمّا قلت تحدّث لأراك ، رغم أن البعض ينسب الكلام لأريسطو ، لكن الجدل من مميزات سقراط و من هذا الاعتبار تأتي صحّة نسبة القول إليه ، قد لا تحتاج إلى سقراط و قد قالها أبو حنيفة بإيجاز غريب ، و دون فلسفة حين قال : "كفاني منك يكفوني" ، الخطاب الذي تنتجه الذّات كاف ليظهر النّرجسية السلبية في صاحبها التي هي سوء الظّن ، لأن هناك من لا يميز بين النرجسيتين ، الأنانية السّلبية تؤمن بهدم الآخر ، و الأنانية الإيجابية تبتغي سموّ الذات ، و لا تخلو أي ذات من أنانيتها ، فقط يختلف الحكماء في طبيعة النفس ، هل خيرة أو شريّة ، وإن كنت طبعا أميل ميلا عظيما إلى تيار الخيرية ، أمّا الشريّة فهي سوء تعبير عن القلق الوجوديّ لا أكثر ، هذا ما يجعلنا دائما لا نحقد على النّاس ونقول بكل بساطة ، اللهمّ اجعل في قضائك اللّطف على عبادك .

            يذهب فرويد إلى اعتبار غريزتي البناء و الهدم قابعتان في أعماق الذات ، فغريزة البناء ناجمة عن الحب " حب البقاء" ، و غريزة الهدم ناتجة عن حقيقة الموت ، لكن لا أميل إلى هذا التفسير مطلقا ، بل أعتبرشخصيّا غريزة البناء هي الأساس ، وليس تأثرا بروسو ، و لا بلاوتسو ، فكلاهما ينطلقان من أساس معرفي مخالف جدّا لثقافتي .

            الخطاب صورة من صاحبه ، بدرجة ما ، فقط ما لا تستطيع استكشافه هو الدّافع إلى انتاج الخطاب ، أمّا التوجه و البنية العامة فهي تكون ظاهرة جليّة ، لذلك قال أبو حنيفة رحمة الله عليه آن لي أن أمدّ رجليّ ، ليس استهتارا بالغريب قال قولته ، و ليس لأنه قال قولا في غير مقامه كما يفسر أصحاب سوء الظّن ، بل فقط قال العالم الجليل ، حان وقت التصرف على سجيتي ، ابتعادا عن طقوس مجلس العلماء .
            فالتلقائية في التصرف هي رونق الذّات ، وهذا ما يسميه بعض المتقوقعين في أتون العلب ، انفلاتا ، لأنه في عمقه يؤمن بالذات الشرّيرة ، و ليس كما خلقها بارئها نقية شفافة خيّرة . قبل أن أبدأ كتاباتي هذه فكرت كثيرا أين يمكن لها أن تستقر ، هل ركن الفكر أو في ركن النثر الحر ، وجدتني لست مفكرا بل مجرد انطباعات لا أكثر ، لذلك استكثرت على نفسي أن أكتب انطباعاتي في رحاب عالم الفكر الذي له قوانينه الدّقيقة ، لكن هذا مجرد بوح ، مجرد رشات يمكن أن يستأنس بها من يحبّ الذّات ، ولا يعتبرها شيطانا .

            المشعوذ هو المدلّس ، يعني الكاذب الذي يعرف أنه يزور و يكذب ، والشعوذة من فنون الدّجل والدّجل هو استغلال جهل النّاس بالأمر وإعطائه تفسيرات مكذوبة ، لا تستند إلى أساس صلب ، لا يعتبر مشعوذا من قصد مشعوذا وهو في حالة ضعف و حاجة ، خاصّة في عالمنا الذي يعتبر فيه الدّجل مكونا ثقافيّا . لا أقصد هنا الروحانيين ، الذين يؤمنون بالروح السامية ، التي تستطيع قهر الرّوح الخبيثة الشرّيرة فينا و لا أقصد قضايا الباراسيكولوجيا التي تحاول أن تؤسس علما حقيقيا بناء على نظرية الكم في الفزياء ، ولا أقصد حتى العلوم الشرق أقصوية التي نتج عنها الطبّ البديل و "التنمية البشرية في شقّها النفسي " وعلاجات الطّاقة . على الأقل هؤلاء يؤمنون بما يفعلون ، المشعوذ هو شخص ليس تلقايا في تصرّفه ، إنه ينصب الفخاخ و يعمل على النّصب ، شخص يبهرك بعمليات خاصة تدرّب عليها تدريبا خاصّا ليوهك و تسقط في حبال ابتزازه ، المشعوذ هو شخص مات فيه الضّمير ، و خلت روحه من البناء ، و تعلّق بالهدم ، بكلّ الطرق .
            المشعوذ هو من يقصّ النصوص من سياقها مزورا للحقائق وهو يعلم أنه مجرّد دجّال ، المشعوذ هو من يحبّ أن يظهر انطلاقا من عمل الغير ، ابتكر عالمك أيها المشعوذ ، سبق الفكرة هي لصاحبها مهما حاولت أنت تبنيها ، سئل عابد الجابري يوما لماذا لا تردّ على من كتبوا ضد كتابك نقد العقل العربي كتبا كثيرة ، ردّ الجابري ، أنا كتبت ما وصلت إليه و لكلّ أن يتفاعل مع ما كتبت وفق رؤيته . قوة الذّات هي ما يفعل هذا ، يعرف أنه كتب كتابا جبّارا ، سيجد من يريد نقده صعوبة هائلة و هو يننقده من أسس معرفية و نقدية فكيف يمكن أن يهدمه من يشعوذ .

            بتر النصوص من سياقاتها هو شعوذة في الكتابة ، تجاهل مقدار النفس شعوذة ذاتيّة ، فأنت تنظر من علياء السّماء ، و الحقيقة أنك عند أصابع الأقدام و أنت على علم بذلك هذه هي شعوذة الذّات .
            التعديل الأخير تم بواسطة نورالدين لعوطار; الساعة 05-08-2016, 12:29.

            تعليق

            • نورالدين لعوطار
              أديب وكاتب
              • 06-04-2016
              • 712

              #7
              هل سبق لك أن لمت الحظّ مثلي ، بالتّأكيد ستلومه لأنه خانك مرة أو مرّات عديدة ، لا يهمّ كل النّاس يلومون الحظّ حين ينقلب عليهم ، أحيانا تعجب من أناس يكون الحظّ إلى جانبهم كلّ الوقت ، شاركت مرّة في استبيان عن الحظّ ، أجبت عن الأسئلة ببعض دهاء ، فكانت نتيجتي مرضية ، بل قال لي البرنامج أنت محظوظ جدّا ، حين رجعت إلى حياتي وجدت فعلا الحظ أحيانا يقف إلى جانبي ، و أجده مرّات أخرى يجافيني ، لست كثير الحظّ كما قال الاستبيان ، بل متوسط الحظّ و ربّما إن شئت الدّقّة دون المتوسّط ، لكنّني راض جدّا عن نفسي و قدري ولا تذهب نفسك إلى جهة أخرى ، لكنّ الأمانة العلمية تقتضي أن أقول الحقيقة ، لو دقّقت أكثر لقلت أنا متوسط الحظّ ولو تشاءمت قليلا أقول دون المتوسط بقليل ، لست هنا لمحاكمة حظّي و لا حظّك ، أنا محظوظ جدّا في الاستبيان لأن حدسي مع بعض تفكير قادني إلى اختيار الجواب الصّحيح من خيارات متعدّدة ، لكن تخيّل لو لم تكن هناك خيارات أصلا فهل ستكون أجوبتي مقنعة للبرنامج و يعطيني نقطا حسنة ، لو لم تكن هناك خيارات لتصرفت بكثير من التلقائية و ما فكرت قبل الإجابة ، هنا التسرع إذن هو أولى علامات جلد الحظّ و جعله يبتعد ، حتى لو لم أتسرع ، هل سأستحضر كل الحالات لأختار بينها السلوك الموفق ، طبعا لا ، هنا الخطأ الثّاني الذي يجعل الحظّ يهرب منك ، لأنك لا تهتم بما يجعله قويّا ، استبصار البنية كاملة ، لست أهلا بما يكفي للانخراط في الحياة ، لا تملك العدّة اللازمة لتكون الذّات قوية في حضورها ، إنها الكفاءة ، إنها ثقافة الاختيار ، والإعداد لهذا الاختيار .
              أنا لا أقول أنك لا تملك كفايتك من المعارف و المهارات أبدا ، أتحدث عن توظيفها التوظيف الأمثل ، قراءة البنية و أنت جزء منها ، ذاتك يجب أن تعرف ماذا ينقصها بالضبط ، لتريحها و تريحك ، سوف لن تترك تعيش في سلام هي ستسعى للوصول ، لا تريدك أن تكبّلها ، هي مجبولة على المنافسة و مجبولة على البحث ، طاوعها أنت ، و لا تكن انتحاريا ، تسلّح بالنفس الطويل ، فهي تملك كلّ مقومات الانتظار ، سامحها إن أخطأت فالخطأ خبرة إضافية لها ، شدّ أزرها و قوّ خبراتها و معارفها ، لا تنتظر أن يأتي الحظّ هكذا فلا يلقّاها إلا الذين صبروا و لا يلقّاها إلا ذو حظّ عظيم ، أتعرف أن الحظ يصنعه الصّبر ، ما هو الصّبر ، الصّبر على العمل الدّؤوب ، والصّبر على آليات المجتمع ، والصّبر على الكثير والكثير ، عندها سيأتيك سيأتيك ، لكن انتبه إلى معرفة المجتمع ، انظر إلى توجّهاته ، اتبع النّسق ، لا تقف فتترك جانبا ، لا تسبح ضدّ التيّار فتكسر ، كن ليّنا دون انبطاح ، و اعمل ، فما ضاع حقّ وراءه عامل .

              عرفت الآن لماذا حظّي متوسط ، لأنّني ما عملت كفاية لأجعله بجانبي ، كن كريما مع الحظّ و لا تجعله ضيفا ثقيلا فيتركك ، تذكر جيّدا ، لا تتسرع ، استبصر البنية ، اختر ما تريد و اختر موقعك ، امتلك مقومات ما تريد و سترى الحظّ بجانيك طول الوقت .

              الانتحاري ، أتعرف من هو ، هو شخص يريد الوصول بسرعة ، أولى علاماته التّسرع ، هو شخص لا يحترم القيم ، ما هي القيم ، شي له قيمة ، أخلاق حميدة جميل ، لا تنسى أخلاق المجتمع أيضا من القيم ، كن ابن مجتمعك أعرف أنّك تحمل الكثير من الأفكار التّي تعاند هذا المجتمع ، لست وحدك من يحملها ، لكن لا تكن انتحاريا فتفقد ثقة المجتمع بك ، سأعطيك مثالا لشخص استطاع احترام قيم المجتمع السياسي، و من هناك اعرف نفسك بنفسك ، لاشكّ سمعت بهيدر هيدر أو حيدر حيدر ، نعم فاز في انتخابات النّمسا ، كان يمينيا متطرفا ، عكس كلّ القيادات الغربية بتحفظ ، البعض يراها يمينية إلى أقصى الحدود ، لكن على الأقل مع مجتمعاتها ليست يمينية متطرفة ، فاز الرجل و احتفل بحصوله على مركز قيادة البلد ، قام الأوربيون كلّهم بإعلان عدم رغبتهم في التّعامل مع الرجل، هل سار عكس التيّار و فرض نفسه على الأوربيين ، هل هو انتحاري رغم يمينيته الانتحارية ، الرجل بكلّ بساطة تنحّى ، قال لجمهور بلاده اختاروا واحدا غيري ، فأنا لا أستطيع مواجهة كلّ أوروبا ، و ستخسرون كثيرا في هذه المواجهة ، أحيانا يكون الرّبح خسارة و تكون الخسارة ربحا في بعض المواقف . لماذا لم ينجح هيدر هيدر في قيادة بلاده ، لماذا تخلى عنه الحظّ في اللحظات الأخيرة ، لأنه لم يقرأ البنية كاملة و هو يقوم بحملته اليمينية ، لكنه نجح أخيرا في تجنيب بلاده الكثير من المعاناة .

              تعليق

              • نورالدين لعوطار
                أديب وكاتب
                • 06-04-2016
                • 712

                #8
                التلقائية رونق الذات مقولة سهلة ، لكن هل تشتغل التلقائية دائما بإيجابية ، هذا لا تنتظره دوما ، تشتغل التلقائية بإيجابية عندما تكون أنت إيجابيا ، حين يشتغل حدسك ، ماهو الحدس هو قدرة على العثور على التصرف السليم الذي يخدم الموقف لحظيّا ، كيف يشتغل الحدس ، عند صفاء الذّهن أو تحت الضّغط عند البعض ، فكل و ذاته و توازناتها ، هل الحدس فعلا هو إشراق كما يدّعي المتصوفة و حلول وغيرها من التفسيرات ، لا أميل لهذا الطّرح ، بل أعتقد أن الحدس هو قمّة ما يمكن أن يصل إليه الذّكاء ، الذكاء نقيسه من شخص إلى آخر وفق المدّة الزمنية المستغرقة في إيجاد حلّ لمعضلة ما ، أحيانا عقلك لا يحتاج إلى تتبع المسارات التي ستخرجه من المتاهة ، بل يحرق كل تلك المراحل و يتموضع في الحل بتلقاية ، هذا هو الحدس ، أقصى درجات الذّكاء ، حدس حركي مثلا رمية موفقة في سلة من محاولة واحدة ، بعد التدريب لن يخونك هذا الحدس إلا في ظروف خاصّة ، إذن فالتلقائية تحتاج إلى تدريب ، هذا ما قصدته من البداية ، تدريب و معرفة و توظيفات المعرفة و الحضور الدّائم ، الحضور هنا بمعنى التركيز.
                استفت قلبك ، سمعت هذا كثيرا ، عند اختلاف رأيين فقهيين ، أيهما اطمأن إليه قلبك فاتبعه ، حسنا فالقلب هنا له حريّة الاختيار ، الذات دائما عندها حريّة الاختيار ، فقط العقل يجب أن يشتغل ويقدم الخيارات الممكنة ، و التصرّف يحسب على الذّات ، هل إذا اخترت أحدهما يعني أن الاختيار الآخر غير صائب ، ذات أخرى ستختاره لأنه يلائمها ويحقّق لها إشباعا ، هنا الاختلاف رحمة ، اخترت و اختار الآخر و كلاكما أحسستما بإشباع ، لكن حذار من جعل اختيار الذّات مذهبا ترجو له الهيمنة ، هنا تنفي الآخر ، و تجعله غير قادر على استفتاء قلبه ، بل هو قادر لكنك حرمته هذا السلوك ، حرمته تلقاية الذّات ، تلك التلقائية الموجبة ، عندما تحرم شخصا تلقائيته الموجبة ، ستضطره إلى الى الاشتغال بردود الفعل و غالبا ردّ الفعل السلبي هو ما يواجه به الفعل السّلبي . هكذا يبدأ الصراع بين أفراد المجتمع ، هكذا تبدأ المشاحنات ، ردّ فعل سلبي يؤدي لردّ فعل آخر سلبي من الآخر ، وهكذا تسير الأمور بسلبية أكثر . هنا كل القوى العقلية تستثمر في الأفعال السلبية ، وهي كلّها توقظ عندك الخطر الوجودي ، ألم أقل لك من البداية أن البعض يعمل حدسه تحت الضّغط ، الآن عرفت متى يعمل حدسك تحت الضّغط .

                تعليق

                • نورالدين لعوطار
                  أديب وكاتب
                  • 06-04-2016
                  • 712

                  #9
                  ما بعد الإنسان ، ما بعد الحداثة ، كلها مصطلحات تتحدث عن المابعدية ، هو نوع من القلق ، أصاب العقل الإنساني ، و بالضبط العقل الغربي ، الاستعمار و ثورة الاتصلات والعولمة نقلت هذا القلق إلى الإنسان أينما وجد ، كانت العقلانية تظن أن العقل قادر على السيطرة ، هو الحاكم الفعلي ، مخرجاته هي الحقيقة ذاتها ، لكن هذه الإطلاقية تصطدم بالتطبيق ، لتبسيط هذا القول نأخذ مثلا قواعد اللغة العربية نقول المضارع معرب لكن يبنى في بعض الحالات ، القاعدة تقول الإعراب هو الحقيقة الملازمة للمضارع ، لكن يصعب أثناء التطبيق أن تحافظ على إطلاقيتها ، تنتقل إلى الفاعل والمفعول ، الفاعل يسبق المفعول هكذا تقول القاعدة لكن استثناء لإضفاء قيمة على المفعول نأتي به مقدّما ، العقل هو مجموعة من القواعد التي تضبط الأشياء ، لكن هناك دائما حالات خاصّة تنفلت من هذه القاعدة ، أي تكون خارج سيطرة العقل ، فاللغة لا تستطيع أخيرا أن تكون كلها خاضعة للعقل و اللغة وعاء للفكر أو على الأقل فهي الحاملة له .
                  قال لي صديق يوما ، أريد رأيك ، هل أتزوج موظفة أو فتاة تكون ربّة بيت فقط ، كان جوابي بسيطا ، جدّا ، قلت له هل أنت ابن اليوم ، أم أنك ابن الأمس في عمقك ، إن كنت ابن اليوم فزواجك من الموظفة ستكون إيجابياته كثيرة ، وإن كنت ابن الأمس فلا أظنك تنجح في هذا المشروع و من المستحسن أن تتزوج ربة بيت . بالأمس كان ربّ الأسرة رمزا للحكم ، رمزا للقوامة " مال " رمزا للقوّة " البنية" رمزا للرّشاد " العلم" هذه الرموز اليوم اتخذت منحى جديدا ، فالحكم على الأقل تشاركي إن لم يصل إلى الديمقراطي بعد ، و القوامة بمعنى الموارد لم تعد حكرا على الرجل دون المرأة و مفهوم المرأة "الخادمة " ذهب أدراج الماضي ، و رمز القوة اندثر مع بروز الآلة ، فأضحى فن استخدام الآلة هو مركز القوة و الفروسية ، و هذه المهارة غير مرتبطة بالذكورة دون الأنوثة ، أمّا الرّشد يا صاحبي فلك أن تدور على الثّانويات فترى احتكار الأنثى للمراتب الأولى لقدرتها على الالتزام أكثر من الشبّان الذين لا يزالون يعتمدون على الذكورة فقط لخلق التميّز و تناسوا المفهوم الجديد للرّشد الذي هو الكفاءة .

                  مالذي يجمع المقدّمتين ، العقل الأرسطي ذكوري في بنيته ، أريسطو كان يعتبر المرأة دون الرجل حتى في عدد الأسنان ، و اللغة تجمع جماعة الذكور والإناث جمعا مذكرا حتى لو كان بين النسوة ذكر واحد ، فمخرجات العقل لم تكن دائما مسيطرة على الواقع ، بل الواقع كان يسير وفق منطقه المستقل رغم محاولة العقل السيطرة عليه .

                  ماذا نستفيد من هذا كله ، نستفيد أن العقل والحقيقة العقلية تحتاج دوما أن تكيفها مع التحول الذي يحدث في المجتمع ، فجمود العقل لن يستجيب لحركيّة الواقع ، لذلك وجب دوما أن يكون العقل أيضا حركيا ومبدعا ، عقل ناقد و مبدع ، عقل تواصلي .
                  أعرف أن التواصل هذا أعطي مركزية كبيرة وفق إيديولوجية العولمة وأيضا شركات الاتصال ، و النقد الماركسي له أهميّته عند الإشتغال على البنية الاقتصادة ومصطلحاتها ، لكن كلّ هذا لا ينفي حقيقة الإنسان ما بعد الحداثة أو إنسان ما بعد الإنسان ، أو إنسان ما بعد الإنسان العاقل .

                  إنسان ما بعد العقل ، ليس حيوانا كما يحاول الإختزاليّون رسم صورته ، ليس هذا حقيقة وليس حتّى لائقا بالإنسان ، فالإنسان على الأقل حسب المنظور الحالي و بعيدا عن نظرية التطور ، يطور مهاراته أو له بعض صفات الضبط الذاتي و في نفس الوقت إبداع حلول جديدة ، فالعقل لا أظنه ينتج اللاعقل كما افترض كانط حين يتوجه إلى الميتافزيقا ، بل العقل يطور من رؤيته و يتحول من عقل بمفهوم جامد إلى عقل قابل لاستيعاب مفهوم التناقض ، و التناقض في النهاية ليس إلا اصطدام حقيقتين ، مثلا حقيقة الزواج التقليدي والزواج الحديث ، فلابد من استيعاب المعطيات الجديدة ليستطيع العقل التواصل مع هذا الواقع و من ثم إبداع أنماط تواصلية جديدة تحد من القلق و يستشعر معها الإنسان حقيقته الجديدة ألا وهي الإنسان التواصلي .
                  التعديل الأخير تم بواسطة نورالدين لعوطار; الساعة 12-08-2016, 10:23.

                  تعليق

                  • أميمة محمد
                    مشرف
                    • 27-05-2015
                    • 4960

                    #10
                    خواطر، حكايات، مقالات، فلسفة، رؤى ذاتية... كل شيء وجدته هنا
                    لديك نفس طويل في الكتابة يؤهلك للرواية والكتب إن لم تكن أقدمت بالفعل
                    كقارئة أحببت قلمك هنا أكثر من القصة رغم إنها على نفس النمط وبنفس الخط ربما التشويق نقصها
                    المعلومات والتلقائية أضافت بهجة للقراءة وقراءة أولى وأتمنى أن أراك تشارك الجميع رأيك ومتابعة لك ما أمكن وتحيتي

                    تعليق

                    • نورالدين لعوطار
                      أديب وكاتب
                      • 06-04-2016
                      • 712

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
                      خواطر، حكايات، مقالات، فلسفة، رؤى ذاتية... كل شيء وجدته هنا
                      لديك نفس طويل في الكتابة يؤهلك للرواية والكتب إن لم تكن أقدمت بالفعل
                      كقارئة أحببت قلمك هنا أكثر من القصة رغم إنها على نفس النمط وبنفس الخط ربما التشويق نقصها
                      المعلومات والتلقائية أضافت بهجة للقراءة وقراءة أولى وأتمنى أن أراك تشارك الجميع رأيك ومتابعة لك ما أمكن وتحيتي
                      مرحبا بالأستاذة أميمة محمد

                      أشكرك على متابعتك لما أعرضه في الملتقى
                      ربما جاءت قصص أخرى كانت في المستوى اللائق و هذا مناي ، و ربما غيرت أنماط الصياغة يوما .

                      حقيقة لدي مشاريع روايات ربما نجحت في ترجمتها إلى حقيقة ، من يدري ، لكن للّحظة لا أزال في طور التدريب على الكتابة لا أكثر .

                      لدي أيضا العديد من المشاريع الفكرية ، لكتب لكن لحدّ الآن أبحث لأفكاري عن نسق خاص بي وليس فقط أسلوب . وإن جاءت الظروف مناسبة ربما نجحت في الأمر .

                      التفاعل شيء إيجابي جدّا سأحاول في القادم من الشهور تخصيص وقت للتفاعل أرجو التوفيق من الله .

                      تقديري لرأيك السديد .

                      تعليق

                      • نورالدين لعوطار
                        أديب وكاتب
                        • 06-04-2016
                        • 712

                        #12
                        البارحة نشطت فكرة الحريّة في بالي ، حاولت الكتابة لكن بعض التفاهات أحيانا تأخذك من تفاهة أخرى ، تكاد تكون التفاهات هذه ما نحسن مزاولته بشكل بارع ، قال لي أحد المسنّنين الذين أصابته تخمة الصعود والهبوط عبر ممرّات الحياة المحدودبة ، كل ما هو آت يُقبل فقط ليزول ، سفر نحو العدم هو أخيرا ، فرحا كان أو ترحا ، عجيبة مقبرة الزّمان تلك ، وعاء قمامة ضخم حقا ، كم لعبة ملأت أطفالنا حبورا يوما تجدها مشتّتة الهيئة ، مفككة البنيان مبعثرة المعنى ، كم رعدا قصف قصفا مدوّيا ملأ الأودية هديرا ، و خلع قلوبنا رهبة ، إذ بالجلبة تهدأ و يعود النبض إلى إيقاعه الهادئ ، كم خبرا رفعك إلى مصافّ المنعم عليهم لتدور الأيام و تجد النعيم مجرّد سراب حسبته ذات يوم ماء ، و كم زلزالا زلزل نفسك ، وأبعد عنك النوم و راحة البال حتى حسبت أن الضّنك هو عنوانك ، ليستقبله دهليز الماضي فترى نفسك مجرد غبيّ انطلت عليه خدعة المشاعر.

                        حرّ أنت في توظيف مشاعرك حقّا ، ربما حريّة المشاعر تلك هي ما يجعلنا ندفع ثمن المواقف ، لكن عند الفعل لا تعوّل كثيرا على الحريّة ، قال لي شخص آخر علّمه الزمن أن يتساءل عن معقولية الحرّية ، لا أفعل ما أريده و لا أفعل ما لا أريده ، حقّا قد تتساءل ماذا يفعل الرّجل إذن ، إنه يفعل ما يقتضيه الموقف لا أكثر ، تتصرف الذّات وفق الموقف ، ليس بالضرورة ما يريده الشّخص الفاعل ، رغم أنه ليس مكرها إلى الحدّ الأقصى على التصرف وفق فعله ، بالمثال تتضح بعض الأشياء ، مثلا شخص له شهادة عليا في الكمياء ، لم يجد عملا في الختبرات و المشاتل و غيرها من الورشات التي تستدعي هذا التخصص ، وتجده مثلا يقبل بعمل سائق تاكسي ، فهو لا يفعل ما يريده حقّا ، لكن في الوقت ذاته ، لا يوجد ما يكرهه على مزاولة ذاك العمل بالذّات ، لكن الموقف يقتضي النشاط و مزاولة شيء ما ، فهو لا يزاول ما يريد و لا يزاول ما لا يريد .

                        أنت حرّ حقّا في بالك ، في أفكارك في تخيلاتك ، في التّمتّع بأقصى درجات الحرّية ، لكن عند التحوّل إلى الفعل فأنت محاصر وفق قواعد المجتمع و المساحة التي يحدّدها للحرّية ، الحريّة نشيد الذات ، و تبدل الذات جهدا جبّارا ، للاقتناع بالقيود ، اقتناع فيه بعض إكراه ، رغم أنّ الذات تقايض هذا الإكراه بما ستجنيه من المجتمع وهي خاضعة لسلطانه ، الذات تنتعش بالحرّية أيّما انتعاش ، لكنها في الوقت ذاته لها ضريبة عظمى عندما لا تمارسها بالتقسيط ، فهي إذ ذاك ستصطدم بحقيقة المجتمع ، التي تعمل على القيود أكثر من اشتغالها على الحرّية .
                        التعديل الأخير تم بواسطة نورالدين لعوطار; الساعة 21-10-2016, 20:38.

                        تعليق

                        • أشرف الفار
                          أديب وكاتب
                          • 30-05-2008
                          • 106

                          #13
                          السلام عليكم
                          يقول خالق الانسان في كتابه العزيز (ان النفس لأمارة بالسوء )
                          النفس خلقت لحب التجربة والتمتع لكن على الانسان ان يكبح جماحها ويوجهها الى الطريق الصحيح
                          واعطي الله للانسان حرية السعي فاما ان يكون كالذي سعى في الارض ليفسد فيها والله لا يحب الفساد واما ان يسعى لاعمارها بما ارتضاه الله.
                          اذا انحرفت الفطرة في مجتمع حتى صارت عاده قديما بعث الله فيهم نبيا وان لم ينتهوا هلكوا جميعا
                          الاديان سياج يحمي المجتمع الذي خلقه الله وهو اعلم به وقوانيننا التي نضعها هي قاصرة لاننا مخلوقين عاجزين عن المعرفة والحكمة.
                          حريتنا تؤثر فيها ادياننا ومجتمعنا وتربية اسرتنا
                          يحدث صراع داخل المجتمع بين الثلاثة مؤثرات
                          ينتج انواع عدة من البشر الكل يرى نفسه على الطريق الصحيح. لكن اين الحقيقة؟
                          سؤال سيطرح نفسه في وقت معين لديهم.
                          شكرا لسعة صدرك.
                          الحياة لا تساوي شيئا مقابل سعادة قلب إنسان

                          تعليق

                          • نورالدين لعوطار
                            أديب وكاتب
                            • 06-04-2016
                            • 712

                            #14
                            عليكم السلام و رحمة الله تعالى و بركاته

                            أخي الفاضل أشرف الفار ، شكرا لحضورك الحكيم .

                            و محبتي .

                            تعليق

                            • نورالدين لعوطار
                              أديب وكاتب
                              • 06-04-2016
                              • 712

                              #15
                              كلّنا نحبّ أن نشاغب ، فالشغب هو لحظة انعتاق للنفس من رتابة الالتزام ، فالمجتمع يريد من الإنسان أن يكون قطعة غيار ، يؤدّي وظيفته في البنية دون كلل ، و الشغب هو ثورة على المألوف ، الشغب ميزة ، يقول المثل : "وجود المتهور ضرورة لكن حذار أن تكون أنت المتهور ." فالمشاغب يفتح مجالات أخرى للآخرين أكثر ممّا يظن أنه يغلقها ، و يغلق نوافذه هو دون أن يعلم .
                              ثورة الذّات على المألوف جميلة ، على أن لا تكون الثورة والتهور و الشغب هو عنوان الفرد ، أي قالبه الدائم ، إذ ذاك سيكون أكبر الخاسرين . فالنّاس ليسوا دائما على استعداد لمجاراة حمق الأحمق ، قد يستغلّونه في لحظة تهكّم و لحظة يريدون فيها التّرفيه عن أنفسهم ، لكن السّلوك السّائد هو الالتزام في الحياة .
                              عندما تجد نفسك مهجور الجانب ، و ترى أنك لا تبحث إلا عن الشغب ، فاعلم أنّ خللا أصاب ذهنك ، و ستكون اجتماعيتك موضع سؤال ، و ستكون تصرّفاتك غير مدروسة ، و ستضرب الأخماس في الأسداس و تزين لك نفسك الأفاعيل ، نفس لم تكن مروضة على التقنين ، والمنطق كما اللّغة كما العقل قوانين . المشاغب يكون الرفض حقيقته ، والهجوم وسيلته ، و التخبّط أسلوبه .
                              كان هناك فتى يمتهن الشغب بامتياز ، حتى أضحى يمارس عدوانيته على كلّ عابر سبيل في بلدته ، بل يمارس شغبه على الجيران و على الصغير و الكبير ، أضحى العراك والسبّ والشّتم كلّ حياته ، بعض النّاس يستغلّونه استغلالا فاضحا ، ما أن يبغي تصفية حساب مع شخص ما ، يدفع للمشاغب و يقوم بالواجب و أكثر .
                              ذات ليلة حرّضه واحد على شباب يستأجرون طابقا أرضيا ، اقتحم عليهم الباب و قنينة النبيذ في يده ، كسرها على الحائط و تقدمت خطوات نحوهم ، واحد من الشباب استشعر خطورة الموقف وضع يده على مديّة ، حتى إذا اقترب السكير ، فغرزها في بطنه كاملة مكمولة .
                              رغم جهود المسعفين و الشرطة ، فالمشاغب غادر الدّنيا بينما كانت عقوبة الشّاب خفيفة لكونه في حالة دفاع عن النفس .
                              الشغب جميل حين يكون مقبولا في شكله و مضمونه ، و يتحول إلى ميوعة فاضحة تشمئزّ منها النفوس كجيفة كريهة كلّما تجاوز حدود اللياقة ، القانون عند واضعيه ليس عقوبة وكفى ، و القانون لا يروم تحقيق العدل المطلق هكذا ، فالقانون يبتغي العدالة ، والعدالة لا تنظر فقط إلى معاقبة الجاني ، بل تنظر إلى جوانب شتىّ في الحادثة ، فإذا كان قانون حمو رابي فيه عدل كبير فهو يفتقر إلى العدالة ، لأنه لا يستحضر حيثيات الواقعة .
                              فالجناية موجودة و هي واقعة لا محالة و تجنب وقوعها أمر مستحيل ، فما القيمة المضافة للعقاب وحده ، لذلك تم إقامة المؤسسات الإصلاحية وإعادة التأهيل ، الكثير من المشاغبين يحتاجون إلى إعادة تأهيل لا أكثر . يحتاج إلى إعادة إدماج في آليات المجتمع التي يرى نفسه غير قادر على مراعاتها ، فهو إنسان متقوقع جدّا على ذاته ، فيرى النّاس حوله مجرّد ظلال . لا يرى فيهم أناسا لهم مشاعر و لهم حرمة ، لهم ذوق ، لهم مسار ، لهم مشروع حياة . كل هذا لا يهم المشاغب الذي عنون الشغب فعاله و أضحى في عداد الممسوخين .

                              الخطأ وارد ، بل الخطأ ضرورة ، و باشلار يقول أن العلوم كلّها أخطاء ، فتاريخ العلم هو تاريخ الأخطاء ، وحقيقة اليوم هي خطأ المستقبل ، حتى النظرية أصبحت عند بوبر سمتها الأساس هي القابلية للتكذيب أو بتعبير آخر ، الخطأ من صفات النظرية ، وحتى لا نذهب بعيدا فالإنسان خطاء و خير الخطّائين التوابون كما قال سيد الخلق . و حتى تربويا و بيداغوجيا يعتبر الخطأ مرحلة هامّة في تعديل التصورات و تصويب التمثلات .

                              فالشغب خطأ في السلوك و هو ضرورة لإعادة التوازن ، لكن حذار من أن تنتهج الخطأ كوسيلة وحيدة لتحقيق الذات ، فالذات تتعلم من أخطائها ، كما العلوم تستفيد من أخطائها لتبلور نظرة أكثر رقيا للحياة .

                              تعليق

                              يعمل...
                              X