طابق الحلم
***
العمارة الشامخة ذات الطوابق العديدة حتى لتكاد تناطح السحاب ،و القابعة على عرش أرض تقارب الهكتار، غطت وجهها بوشاح من ورد على مدارها ، و زينت وسطها بمسبح بهيج يغيظ الحساد ،ثم ألقت بنظرة حزينة على بقعتي الأرضية الصغيرة المقابلة لها ، و في لحظة مباغتة مدت لها بيد سخية تكرما..
أيقظتني زوجتي باكرا ودعتني إلى تفقد بقعتنا التي مازالت تحت التسديد ، و إزالة أكوام التراب الملقاة فوقها من طرف المتهورين.
بهتت و أنا أرى منزلا جميلا قد بني فوق أرضي ، و مفتاحها ينتظرني بشغف. عدت سريعا
لأخبر زوجتي بالمعجزة التي طالما راودتني و أنا أتابع أشغال بناء العمارة الفاخرة.
دخلنا المنزل برجلنا اليمنى تبركا ، و نظفناه بالماء المعطر ، و أطلقنا في أركانه البخور ، و نثرنا بعض الملح ، ثم حملنا متاعنا و كل ما نملك من كزخنا القصديري . انتابتنا فرحة الخروج من بؤر الفساد ، و ميدان الصراعات الدامية.
في المساء ، أتيت بالمسمعين , فقيه ، تيمنا و تبركا ، تمت تلاوة بعض الآيات البينات من الذكر الحكيم ، و بعض الأناشيد الشجية ، ثم أخذ الفقيه الكلمة ، فألقى خطبته العصماء ، و مما جاء فيها ، قوله : _ إن الشكر من دوام النعم ، و من شكر من مده بالمساعدة جدير بأن يشكر ..مستدلا على ذلك بقوله تعالى { لإن شكرتم لأزيدنكم..}، هممت بالإنطلاق توا لأقبل يد العمارة شاكرا ، ثم عدلت خوفا من أن يظن البعض
بي الظنون ، فيحسب أني من عبدة الأصنام و لعياذ بالله. . فكرت أن أعطرها بالبخورلكني خفت أن يرى أحد الدخان فيهرع إلى أقرب قسم شرطة يعلمهم بمحاولة تفجير..و نحن نعيش فترة الخوف من أعمال التخريب الدائرة رحاها في بلدان المشرق البئيسة.
المهم ، اد النوم يداعب أجفاننا ، و انتعشت علاقتي بزوجتي بعد فترة جفاف كادت تصير
قاحلة ، و أدركت لحظتها قيمة الحياة السعيدة ، فلكل غرفته الخاصة ، يسيجها بخصوصياته بعيدا عن الازدحام في النوم و الطعام..
و بعد شهر ، وصلتنيرسالتان ؛ واحدة من دائرة الضرائب ، و الثانية من البنك ،تطلبان مني الحضور العاجل لأمر يهمني.
و كمواطن صالح يتغنى بحب الوطن ، و يضع مصلحته فوق كل اعتبار ، و ينهج طريق الواجب قبل الحق ، اتجهت بفرح إلى دائرة الضرائب لتأدية ما في ذمتي ، إذ علمت أنني مدعو ككل مواطن في هاته البلاد إلى أداء الرسومات المتعلقة بشراء الأرض و البناء.
استقبلني المدير بوجه باش ، و الحقيقة أنه الوحيد الشاب بهاته الإدارة ،يشبه كثيرا ذلك الرجل الذي كان يقدم إلى باب العمارة بسيارته الفارهة " مرسيديس أخر طراز " ينزل منها و يتجول في المكان و يلقي بنظرة عريبة على منزلي؛ الشاب شعره لامع ،كان يضع نظارة رايبن ذات إطار مذهب ، و يرتدي بذلة فاخرة ، و يجلس إلى مكتب تزينه هواتف ثابتة و محمولة ، و خلفه صورة رئيس الدولة و تحتها أية قرأنية : { إن الله مع الصابرين } في إطار من زجاج. طلب مني الجلوس ، ثم سارع إلى إخباري أنه في ذمتي أموال ينبغي علي تسديدها في أقرب الآجال. ألقيت نظرة سريعة ، بعدها أخرجت المال المطلوب. لست ادري لم تغير لون المدير و تغضن وجهه ، و قام منتفضا ، و رفع قبضة يده إلى الأعلى، و من عينيه بدا الشرر ، قد قلت في نفسي : ماذا سأفعل إذا ما هوى على وجهي ، أأخضع لغضبه و حمق ضرباته أم أوقفها قبل أن تسقط مهينة كرامتي ، و ملطخة ماء وجهي ، أم أردها له مضاعفة إذا هوت ساخطة ؟ إلا حين قال لي :
_ أو تسخر مني ؟
_حاشا ماعاذ الله.
أعاد يده إلى وضعها السابق ، جلس كما في الأول ، من دون أن يفارقه غضبه الذي سار باتجاه التلاشي ، و قال بنوع من الحنق ، و مشيرا بسبابته إلى القدر المكتوب:
_انظر جيدا.
ضاعت عيناي بين الأصفار التالية و قد أصابتني بدوخة كبيرة ، فقلت بنبرة فيها استغراب ، و كثيرا من العجز :
_ لا أمتلك هذا القدر الباهظ..
خيل لي أن الرجل شعر بلذة و هو يسمعني أعلن عجزي ، و كأنه كان ينتظر هذا الجواب بالذات ، انتظار مصارع في حلبة بعد إسقاط خصمه :
_إما الأداء و إما السجن مع حجز منزلك و بيعه في المزاد العلني ؟
خرجت من مكتبه و الإدارة أجر ذيول الخيبة ، ذاهلا لا أرى سوى النجوم كما لو أن بطل ملاكمة من عيار " طايزن " قد سدد لكامل جسدي ضربات قوية و موجعة. و لأني لم أعد أتحكم في رجلي فقد تركت لهما فضيلة قيادتي إلى حيث شاءتا. و الحمار إذا عودته السير على طريق أفلح في بلوغ الهدف فإن القدمين قد أوصلاني إلى مسكني حيث لقيت كل أفراد أسرتي في انتظاري ياديا الخوف عليهم. اقبلت علي زوجتي و هي مصدومة من حالتي و قالت لي :
_ أين كنت ؟
_كنت تائها؛ قد ضللت الطريق !
_lما الذي أصابك ؟
_الوهم اللذيذ !!..
_ هل الوهم قادر على تزيين جسدك بالكدمات ؟
_لا أعرف من أين جاءت! ..
و دخلت المنزل و ارتميت على الحصير ، و قبل أن يشملني النوم برحمته ، سمعت زوجتي تقول :
_غدا سنذهب لتفقد بقعتنا الأرضية و إزالة ما تراكم عليها من تراب..
و نمت نوما عميقا.
***
العمارة الشامخة ذات الطوابق العديدة حتى لتكاد تناطح السحاب ،و القابعة على عرش أرض تقارب الهكتار، غطت وجهها بوشاح من ورد على مدارها ، و زينت وسطها بمسبح بهيج يغيظ الحساد ،ثم ألقت بنظرة حزينة على بقعتي الأرضية الصغيرة المقابلة لها ، و في لحظة مباغتة مدت لها بيد سخية تكرما..
أيقظتني زوجتي باكرا ودعتني إلى تفقد بقعتنا التي مازالت تحت التسديد ، و إزالة أكوام التراب الملقاة فوقها من طرف المتهورين.
بهتت و أنا أرى منزلا جميلا قد بني فوق أرضي ، و مفتاحها ينتظرني بشغف. عدت سريعا
لأخبر زوجتي بالمعجزة التي طالما راودتني و أنا أتابع أشغال بناء العمارة الفاخرة.
دخلنا المنزل برجلنا اليمنى تبركا ، و نظفناه بالماء المعطر ، و أطلقنا في أركانه البخور ، و نثرنا بعض الملح ، ثم حملنا متاعنا و كل ما نملك من كزخنا القصديري . انتابتنا فرحة الخروج من بؤر الفساد ، و ميدان الصراعات الدامية.
في المساء ، أتيت بالمسمعين , فقيه ، تيمنا و تبركا ، تمت تلاوة بعض الآيات البينات من الذكر الحكيم ، و بعض الأناشيد الشجية ، ثم أخذ الفقيه الكلمة ، فألقى خطبته العصماء ، و مما جاء فيها ، قوله : _ إن الشكر من دوام النعم ، و من شكر من مده بالمساعدة جدير بأن يشكر ..مستدلا على ذلك بقوله تعالى { لإن شكرتم لأزيدنكم..}، هممت بالإنطلاق توا لأقبل يد العمارة شاكرا ، ثم عدلت خوفا من أن يظن البعض
بي الظنون ، فيحسب أني من عبدة الأصنام و لعياذ بالله. . فكرت أن أعطرها بالبخورلكني خفت أن يرى أحد الدخان فيهرع إلى أقرب قسم شرطة يعلمهم بمحاولة تفجير..و نحن نعيش فترة الخوف من أعمال التخريب الدائرة رحاها في بلدان المشرق البئيسة.
المهم ، اد النوم يداعب أجفاننا ، و انتعشت علاقتي بزوجتي بعد فترة جفاف كادت تصير
قاحلة ، و أدركت لحظتها قيمة الحياة السعيدة ، فلكل غرفته الخاصة ، يسيجها بخصوصياته بعيدا عن الازدحام في النوم و الطعام..
و بعد شهر ، وصلتنيرسالتان ؛ واحدة من دائرة الضرائب ، و الثانية من البنك ،تطلبان مني الحضور العاجل لأمر يهمني.
و كمواطن صالح يتغنى بحب الوطن ، و يضع مصلحته فوق كل اعتبار ، و ينهج طريق الواجب قبل الحق ، اتجهت بفرح إلى دائرة الضرائب لتأدية ما في ذمتي ، إذ علمت أنني مدعو ككل مواطن في هاته البلاد إلى أداء الرسومات المتعلقة بشراء الأرض و البناء.
استقبلني المدير بوجه باش ، و الحقيقة أنه الوحيد الشاب بهاته الإدارة ،يشبه كثيرا ذلك الرجل الذي كان يقدم إلى باب العمارة بسيارته الفارهة " مرسيديس أخر طراز " ينزل منها و يتجول في المكان و يلقي بنظرة عريبة على منزلي؛ الشاب شعره لامع ،كان يضع نظارة رايبن ذات إطار مذهب ، و يرتدي بذلة فاخرة ، و يجلس إلى مكتب تزينه هواتف ثابتة و محمولة ، و خلفه صورة رئيس الدولة و تحتها أية قرأنية : { إن الله مع الصابرين } في إطار من زجاج. طلب مني الجلوس ، ثم سارع إلى إخباري أنه في ذمتي أموال ينبغي علي تسديدها في أقرب الآجال. ألقيت نظرة سريعة ، بعدها أخرجت المال المطلوب. لست ادري لم تغير لون المدير و تغضن وجهه ، و قام منتفضا ، و رفع قبضة يده إلى الأعلى، و من عينيه بدا الشرر ، قد قلت في نفسي : ماذا سأفعل إذا ما هوى على وجهي ، أأخضع لغضبه و حمق ضرباته أم أوقفها قبل أن تسقط مهينة كرامتي ، و ملطخة ماء وجهي ، أم أردها له مضاعفة إذا هوت ساخطة ؟ إلا حين قال لي :
_ أو تسخر مني ؟
_حاشا ماعاذ الله.
أعاد يده إلى وضعها السابق ، جلس كما في الأول ، من دون أن يفارقه غضبه الذي سار باتجاه التلاشي ، و قال بنوع من الحنق ، و مشيرا بسبابته إلى القدر المكتوب:
_انظر جيدا.
ضاعت عيناي بين الأصفار التالية و قد أصابتني بدوخة كبيرة ، فقلت بنبرة فيها استغراب ، و كثيرا من العجز :
_ لا أمتلك هذا القدر الباهظ..
خيل لي أن الرجل شعر بلذة و هو يسمعني أعلن عجزي ، و كأنه كان ينتظر هذا الجواب بالذات ، انتظار مصارع في حلبة بعد إسقاط خصمه :
_إما الأداء و إما السجن مع حجز منزلك و بيعه في المزاد العلني ؟
خرجت من مكتبه و الإدارة أجر ذيول الخيبة ، ذاهلا لا أرى سوى النجوم كما لو أن بطل ملاكمة من عيار " طايزن " قد سدد لكامل جسدي ضربات قوية و موجعة. و لأني لم أعد أتحكم في رجلي فقد تركت لهما فضيلة قيادتي إلى حيث شاءتا. و الحمار إذا عودته السير على طريق أفلح في بلوغ الهدف فإن القدمين قد أوصلاني إلى مسكني حيث لقيت كل أفراد أسرتي في انتظاري ياديا الخوف عليهم. اقبلت علي زوجتي و هي مصدومة من حالتي و قالت لي :
_ أين كنت ؟
_كنت تائها؛ قد ضللت الطريق !
_lما الذي أصابك ؟
_الوهم اللذيذ !!..
_ هل الوهم قادر على تزيين جسدك بالكدمات ؟
_لا أعرف من أين جاءت! ..
و دخلت المنزل و ارتميت على الحصير ، و قبل أن يشملني النوم برحمته ، سمعت زوجتي تقول :
_غدا سنذهب لتفقد بقعتنا الأرضية و إزالة ما تراكم عليها من تراب..
و نمت نوما عميقا.
تعليق