ثلاثة آلاف ريال
اغتربت ما يقرب من نصف قرن في هذا البلد و استنفذت مراهقتي و شبابي في شوارعها و درست في مدارسها و أعمل الآن بها و أنجبت ثلاثة أطفال فيها ... أتذكر أنني لم أكن أرغب في العيش هنا و كنت ثائراً عندما أحضرني أبي من مصر مع الأسرة كنت صغيراً و غير مرتبط نهائياً بهذه الطبيعة الصحراوية لكني كنت مضطراً و لم أقتنع نهائياً بعدم كوني في مصر و الألفة و الحارة و الجيران و رائحة النيل و اسكندرية ... لكني عندما انهيت دراستي الثانوية استكملت دراستي الجامعية في الوطن .. لا أخفي عليكم سراً كنت أشتاق للبلد التي قضيت فيها نصف عمري أيضاً و هنا نشأت العلاقة القوية بيني و بين وطن آخر حتى أنني اليوم لم أعد أفرق كثيراً بينهما و عندما أرى انجازات هنا ينتابني هذا الشعور بالزهو و لا أرضى لهم غير ما أرضــــــاه لنفسي و لأهلي ... فأنا لم آتي الى هنا من أجل بعض الريالات ... أنا هنا أساساً ... أصدقائي الذين تربيت معهم و تشاركنا الحلم سوياً يشغلون مناصب مرموقة و لا أعتبر نفسي غريباً أو ... ( أجنبي ) ...
عندما ضاقت بنا بلدنا و اعتبرتنا عبئاً زائداً ... هجرناها و تحملنا الفراق .. لم نكن ندري أنه سيأتي اليوم الذي يلتقي فيه الرجل منا بقدره ثانية .... كيف يمكننا أن نكسب ما يجعلنا نعيش في مستوى حتى دون المتوسط في بلد الترتيب فيه
- ارستقراطي
- شعبي
و هل يوجد في مصر مكان واحد يمكنه أن يتحمل مصروفات مدارس الأولاد و العيش الرغد و الأساسيات التي لا يمكن الاستغناء عنها .. ؟
لست من الذين يطبلون و لست أكذب على نفسي ... لقد لمست بنفسي أنك عندما تعيش في الوطن لا تستطيع أن تنجو من حوادث تلوث النيـــــــــــــل و ما خفي كان أعظم ... و حـــــــــــــــوادث الطرق الرائعة التي تكرهها سيارتك ... بخلاف حوادث ( الاستنطاع و البلطجة و فاقدي الوعي و قائدي الميكروباصات - و أتباع اسح ادح امبو و انا مش عارفني أنا توت مني ... يعني اه أنا توت مني دي .... طب انت مش عارفني .... المطلوب مني أنا إه )
رغم أنه لا بد من العودة ... العودة التي لا نكرهها .. و لكن نفكر في البنك الافتراضي الذي لا بد أن يكون موجوداً ... كي نعيش ضمن الطبقة المتوسطة و لا ينكشف الأمر بأننا و بعد مرور عام تقريباً من العيش بمصر و استنفاذ جميع العملة ... ستجوز علينا الصدقة ... ترى كيف يمكنك أن تحصـــــــل على مكاسب في بلد يوجد بها ملايين مثلك و مؤهلين تأهيل يشبهك أو أعلى منك و جاهزين كل صباح بكل ما أوتوا من قوة لنيل بعض من العملة المحلية التي لم تعد لها قيمة .. ؟
من يستمع الى حديثي يعتقد انني لا أدافع عن مصريتي أو أنني أنتقد فقط ... أو أنني لست وطنياً... و الحقيقة أنني حزين جداً على ما وصلنا اليه و بكل قوتي أرغب أن يكون الوطن أرقى الأوطان ...
و لكن هل أجد منكم من سيضع يده في يدي ... و يقرضني ثلاثين ألف من العملة المحلية التي يطلقون عليها ... الجنيه ...شهرياً حتـــــــى أتمكن من العيش مع أسرتي في أرض الوطن ... و أؤكد لكم أنني سأقوم بإنجاز رائع و هو أنني سأنام كثيراً كي لا أزحم الطرقــــــــــات و سأذهب مساء الى السينما كي أشاهد أفلاماً أمريكية تمجد في الامريكان و تظهر أنهم أسياد العالم ... و سأقوم بإنفاق المبلغ كله في الطعام و السياحة و سيعود الى أيدي الشعب أما في المساء سأذهب الى النيل العظيم كي أستنشق هواء نقياً ... لكني لن أشرب منه فأنا لست مجنوناً ...
و كي تتحقق رغبتكم في النيل مني فقد نضطر جميعاً لنرحل الى أرض المائة مليون نسمة ... لا بد أن يكون الاستقبال حافلاً ... فقد تقرر أنه من يتجاوز إشارة المرور الحمراء عليه دفع مبلغ ثلاثة آلاف ريال ... و لست أستطيع أن أصرح بأكثر من ذلك حتى لا ينتهي بي الحال في مكان أقل بكثير من رفاهية الوطن و يوجد على بوابته حراس ... ثلاثة آلاف ريال تعني أنك لا بد أن تعمل كراقصة حتى يرضى عنك الجميع .
كل يوم و أنا ذاهب الى العمل أقابل اشارة مرور خبيثة جداً لا يمكنك حتى لو كنت تعمل بالسيرك أن تفهمها ... قد تتحول الى اللون الأصفر ثم الأحمر في ثانيتين و لا يمكنك بعدها أن تتوقف سيتم تصويرك صورة جميلة جداً لن تستلمها الا عندما تدفع المبلغ الخرافي و إذا كنت ذكياً و توقفت سيأتي من هو خلفك ليلقنك درساً تنتهي به سيارتك الى حيث بدأت ... قطعاً صغيرة و طبعاً ستتجاوز اشارة المرور و ستدفع المبلغ المقرر أيضاً ... في الوقت الذي أصبح الراتب كالخل الوفي من المستحيلات كم أشتاق اليه فقد طال غيابه سبعة أشهر ترى كيف حاله اليوم ؟ لقد تعلمت الحكومات العربية الدرس من الشقيقة الكبرى مصر .. كل القوانين الجميلة و الممتعة اخترعتها مصر و كل التجارب الشيقة الروتينية صدرتها مصر
فأهلاً و سهلاً بالرجوع الى زحام القاهرة و سنتشارك سوياً الطعام تحت سماء القاهرة .. ترى كم تبقى من قوت الشعب حتى نقتات منه نحن ؟ .
10/10/2016
اغتربت ما يقرب من نصف قرن في هذا البلد و استنفذت مراهقتي و شبابي في شوارعها و درست في مدارسها و أعمل الآن بها و أنجبت ثلاثة أطفال فيها ... أتذكر أنني لم أكن أرغب في العيش هنا و كنت ثائراً عندما أحضرني أبي من مصر مع الأسرة كنت صغيراً و غير مرتبط نهائياً بهذه الطبيعة الصحراوية لكني كنت مضطراً و لم أقتنع نهائياً بعدم كوني في مصر و الألفة و الحارة و الجيران و رائحة النيل و اسكندرية ... لكني عندما انهيت دراستي الثانوية استكملت دراستي الجامعية في الوطن .. لا أخفي عليكم سراً كنت أشتاق للبلد التي قضيت فيها نصف عمري أيضاً و هنا نشأت العلاقة القوية بيني و بين وطن آخر حتى أنني اليوم لم أعد أفرق كثيراً بينهما و عندما أرى انجازات هنا ينتابني هذا الشعور بالزهو و لا أرضى لهم غير ما أرضــــــاه لنفسي و لأهلي ... فأنا لم آتي الى هنا من أجل بعض الريالات ... أنا هنا أساساً ... أصدقائي الذين تربيت معهم و تشاركنا الحلم سوياً يشغلون مناصب مرموقة و لا أعتبر نفسي غريباً أو ... ( أجنبي ) ...
عندما ضاقت بنا بلدنا و اعتبرتنا عبئاً زائداً ... هجرناها و تحملنا الفراق .. لم نكن ندري أنه سيأتي اليوم الذي يلتقي فيه الرجل منا بقدره ثانية .... كيف يمكننا أن نكسب ما يجعلنا نعيش في مستوى حتى دون المتوسط في بلد الترتيب فيه
- ارستقراطي
- شعبي
و هل يوجد في مصر مكان واحد يمكنه أن يتحمل مصروفات مدارس الأولاد و العيش الرغد و الأساسيات التي لا يمكن الاستغناء عنها .. ؟
لست من الذين يطبلون و لست أكذب على نفسي ... لقد لمست بنفسي أنك عندما تعيش في الوطن لا تستطيع أن تنجو من حوادث تلوث النيـــــــــــــل و ما خفي كان أعظم ... و حـــــــــــــــوادث الطرق الرائعة التي تكرهها سيارتك ... بخلاف حوادث ( الاستنطاع و البلطجة و فاقدي الوعي و قائدي الميكروباصات - و أتباع اسح ادح امبو و انا مش عارفني أنا توت مني ... يعني اه أنا توت مني دي .... طب انت مش عارفني .... المطلوب مني أنا إه )
رغم أنه لا بد من العودة ... العودة التي لا نكرهها .. و لكن نفكر في البنك الافتراضي الذي لا بد أن يكون موجوداً ... كي نعيش ضمن الطبقة المتوسطة و لا ينكشف الأمر بأننا و بعد مرور عام تقريباً من العيش بمصر و استنفاذ جميع العملة ... ستجوز علينا الصدقة ... ترى كيف يمكنك أن تحصـــــــل على مكاسب في بلد يوجد بها ملايين مثلك و مؤهلين تأهيل يشبهك أو أعلى منك و جاهزين كل صباح بكل ما أوتوا من قوة لنيل بعض من العملة المحلية التي لم تعد لها قيمة .. ؟
من يستمع الى حديثي يعتقد انني لا أدافع عن مصريتي أو أنني أنتقد فقط ... أو أنني لست وطنياً... و الحقيقة أنني حزين جداً على ما وصلنا اليه و بكل قوتي أرغب أن يكون الوطن أرقى الأوطان ...
و لكن هل أجد منكم من سيضع يده في يدي ... و يقرضني ثلاثين ألف من العملة المحلية التي يطلقون عليها ... الجنيه ...شهرياً حتـــــــى أتمكن من العيش مع أسرتي في أرض الوطن ... و أؤكد لكم أنني سأقوم بإنجاز رائع و هو أنني سأنام كثيراً كي لا أزحم الطرقــــــــــات و سأذهب مساء الى السينما كي أشاهد أفلاماً أمريكية تمجد في الامريكان و تظهر أنهم أسياد العالم ... و سأقوم بإنفاق المبلغ كله في الطعام و السياحة و سيعود الى أيدي الشعب أما في المساء سأذهب الى النيل العظيم كي أستنشق هواء نقياً ... لكني لن أشرب منه فأنا لست مجنوناً ...
و كي تتحقق رغبتكم في النيل مني فقد نضطر جميعاً لنرحل الى أرض المائة مليون نسمة ... لا بد أن يكون الاستقبال حافلاً ... فقد تقرر أنه من يتجاوز إشارة المرور الحمراء عليه دفع مبلغ ثلاثة آلاف ريال ... و لست أستطيع أن أصرح بأكثر من ذلك حتى لا ينتهي بي الحال في مكان أقل بكثير من رفاهية الوطن و يوجد على بوابته حراس ... ثلاثة آلاف ريال تعني أنك لا بد أن تعمل كراقصة حتى يرضى عنك الجميع .
كل يوم و أنا ذاهب الى العمل أقابل اشارة مرور خبيثة جداً لا يمكنك حتى لو كنت تعمل بالسيرك أن تفهمها ... قد تتحول الى اللون الأصفر ثم الأحمر في ثانيتين و لا يمكنك بعدها أن تتوقف سيتم تصويرك صورة جميلة جداً لن تستلمها الا عندما تدفع المبلغ الخرافي و إذا كنت ذكياً و توقفت سيأتي من هو خلفك ليلقنك درساً تنتهي به سيارتك الى حيث بدأت ... قطعاً صغيرة و طبعاً ستتجاوز اشارة المرور و ستدفع المبلغ المقرر أيضاً ... في الوقت الذي أصبح الراتب كالخل الوفي من المستحيلات كم أشتاق اليه فقد طال غيابه سبعة أشهر ترى كيف حاله اليوم ؟ لقد تعلمت الحكومات العربية الدرس من الشقيقة الكبرى مصر .. كل القوانين الجميلة و الممتعة اخترعتها مصر و كل التجارب الشيقة الروتينية صدرتها مصر
فأهلاً و سهلاً بالرجوع الى زحام القاهرة و سنتشارك سوياً الطعام تحت سماء القاهرة .. ترى كم تبقى من قوت الشعب حتى نقتات منه نحن ؟ .
10/10/2016

تعليق