كلماتٌ تحتَ المُجهِر...شَر.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد مزكتلي
    عضو الملتقى
    • 04-11-2010
    • 1618

    كلماتٌ تحتَ المُجهِر...شَر.

    كلماتٌ تحتَ المُجهِر...شَر.

    الشَرُّ والشُّورى، الطَباشير والشُرطي.
    الشِّرِّيرُ والبشير، الشِّرْكُ والأشجار.
    كيفَ يمكنُ لهؤلاءِ أن يتَّفِقوا!؟.
    هذا ما سنراهُ من خلالِ عدسةِ المُجهِر.
    الشَّرُّ...هي الجِزءُ مِنَ الكُلِّ, والأصلُ مِنَ الجزء.
    الفصلُ مِنَ المجمل، العنصرُ مِنَ المادة.
    قالَت العرَبية...شَرَّ الماء، وشَرَّ الزَّيت...
    لغَتُنا الماهرةُ البارعةُ ذهبَت بعيداً في جلبِ المَعاني من هذا الجَذرِ الفريد.
    وابتكرَت أسماءً وأفعالاً يطولُ سرْدَها.
    أولُها مفردةُ بَشَر.
    البَشرُ مَهْما اختَلَفوا وتلَوَّنوا، هم مِنَ البِدايةِ.
    من أصلٍ واحد، طينٌ لازِب.
    يقولون بأنَّ بشر كلمة تعني اللحم.
    ودليلُهُم أن البَشَرَةَ هي من اللحم.
    وكأني أراهم قد اشتَقُّوا الأصلَ من الفَرْع.
    لكن من أين اكتسبَ هذا الجَذرُ سُمْعَتَهُ السيِّئة؟.
    وحمَلَ معنى الشَّر، الَّذي هو خلافُ الخير؟؟.
    قِيلَ بأنَّ البَشَرَ هم مَن فَعلوا ذلك!.
    رُغم واقعيةِ هذا التخمين، إلّا أنَّ الفاعلَ هو شيءٌ آخَر!.
    هو الحَطَبُ المشتَعِل... يرمي بجمراتهِ حولَهُ وهو يحترق.
    أجزاءٌ صغيرةٌ تنسلِخُ عن الأصل وتنتشر.
    تلك الشرّاة أو الشَّرّاتُ أو الشراراتُ المُتطايِرة، تُحدِثُ الألَمَ والأذى حيثُ تقع.
    وربما الحرائقُ ثُمَّ الدمارَ والخراب.
    هذا مبلغُ هَمَّ الشر، مَهْما اختلفت سُبُلُهُ وتنوَّعت أساليبُه.
    العربيةُ بفَصاحتها المعهودة ,وفِطْنتها الغيرَ محدودة
    تأخذُ الطرَفَ الآخرَ للجَذرِ شر ,وتُبْدِعُ لنا ما يثيرُ الدهشةَ والإعجاب.
    باشَرَ...فعلٌ يعني بدأَ مع.
    باشَرَ العملَ...لاقاهُ وكانَ معه.
    عِندَنا هنا الحديثُ المباشَر ,واللقاءُ المباشَر ,والبثُّ المباشَر.
    مَنْ مِنّا لاَ يعرِفُ نداءَ أبو سفيان المشهور... (يا معشرَ قُريش).
    المعشَر...أفرادٌ تؤلفُ بينهم روابطَ العيشِ والبيئةِ والمصلحة.
    ويُكَوِّنوا عُصْبةً أو قَبيلةً أو عشيرة.
    المعاشَرة...المصاحَبةُ لخدمةِ هدفٍ مشترك.
    العشيرُ...هو الزوجُ أو الصاحب.
    عَشَّرَت الناقة أي حبِلت.
    العشْرَةُ...تمامُ أصابعِ اليَدَين.
    تُؤَرْجِحُنا عربيتُنا الماكِرَةُ اللعوبُ إلى الجهةِ الأخرى.
    النَّشرُ...الإفرادُ والتوزيع.
    نَشَرَ الثيابَ ...أفردها على الحبل.
    مِنَ الحبلِ نَشَرَت العربيةُ ما سمحَ لها خيالُها الماتع.
    وقالت، نَشَرَ المُؤَلِّفُ كتابَه, ودارُ النشرِ، والمنشوراتُ والمَناشير.
    النَّشرُ أيضاً هو التقطيع، والمِنشارُ آلَتُه.
    ما أجملَ العربية!؟.
    نعَم، ما أجملَها وهيَ تَصُوغُ فعْلَ الأمرِ بَشِّرْ.
    نَحَتَتْهُ بكُلِّ فَنٍّ وإبداعٍ مِنَ العبارةِ أبعِد الشَّر.
    وكأنَّهُ يقولُ حدثني خيراً ولا تقُل شرّاً.
    البَشيرُ...مَنْ يُحَدِّثُ بالخير.
    البَشّارَة...الفَراشةُ تُعلِنُ عن قدوم الربيع.
    التباشير...إماراتٌ وعلاماتٌ تُنبِئُ بقدومِ الخير.
    تباشيرُ الربيع، تباشيرُ النصر، تباشيرُ العيد.
    مِنَ الخطأ القول، تباشيرُ العاصفة أو تباشيرُ الهزيمة.
    سؤالٌ هنا ...هل لِلطباشيرِ التي يُكتَبُ بها على السَّبُّورةِ مكاناً هنا؟.
    الجوابُ نعَم...وقد قامَ الدليلُ على ذلك.
    هي التباشير، الحِجارةُ الجيْريَّةُ البيضاء.
    وقَلْبُ التاءَ بالطاءِِ ,والسينَ بالصادِ ,والكافَ بالقافِ مشهورٌ في لغتنا الجميلة.
    العربُ كانوا يستَخدِمونَ الطباشيرَ خلالَ مسيرهم في الصحراء
    ليرسموا على الصخورِ علاماتٍ ورموزٍ وإشارات.
    تكونَ دليلَ السالكين إلى النجاةِ والسلامة.
    وهَذا هو أصلُ الإشاراتِ المرورية, والشاخِصاتِ الطُّرقِية التي نعرفها اليوم.
    هذا يفضي بِنا إلى عالَمٍ مِنَ السِحرِ والخيال اللغوي
    الذي تجودُ بهِ لغَتُنا العظيمة، في كُلِّ مفردةٍ ومعنى ومصطلح!؟.
    وما يؤكد ذلك تماماً، الفعلُ شَارَ.
    شارَ...قَدَّمَ النصيحةَ أو التنبيهَ أو التحذيرَ أو الإرشاد.
    وكُلَّ المفرداتِ التي إنْ أخذْتَ بها سلِمْت.
    نقرأُ هنا...المشيرُ والشورى والمستشار.
    نصلُ إلى مفردةِ شَجَر.
    شَجَرَ...نَجَمَ عن وانبثَق.
    تأمَّلَت العربيةُ المتبصِّرَةُ الشجرةَ وفكَّرَت مَليّاً في اسمٍ مُناسِبٍ لها.
    ثِمارٌ، أزهارٌ، أوراقٌ، أغصان، كُلُّ هذا مِنْ أصلٍ واحد!؟.
    أما الشِجار...فَلَا علاقةَ لها بالجَذرِ شر.
    لكنَّ العربيةُ أرادت أن نَنْحَني أمامَ جلالَتها.
    حينَ استلهمَت تَشابُكَ الأيدي والرؤوس أثناءَ العِراك بتشابُكِ أغصانِ الشجرة!.
    الشَّطْرُ...قَطْعُ الشيءَ إلى قسمينِ متساويَينِ تماماً.
    وهذا استدعاءٌ للدقَّةِ والمهارة.
    لأن العربيةَ لا تتْرُكُْ بَاباً إلا وتطْرقُه، فتحت لنا بَابَين هنا
    الأولُ هو الشاطر، أي الماهر.
    الثاني هو الشطر، نظيرُ نظيره.
    هنا أذكرُ طُرْفةً قالها مَجْمَعُ اللغةِ العربية.
    حينَ عَرَّبَ كلمةَ سندويشة.
    بأنها الشطرُ والمَشطُور, والكَمْخةُ بينهما!؟.
    طبعاً لم يعملْ أحدٌ بهذا التعريب.
    لنا هنا وقفةٌ طويلةٌ مع مفردةِ شعر.
    لهذهِ المفردةُ ثلاثةَ مَعاني متغايِرة.
    الشَّعْرُ...ما يكونُ على الرأسِ والبدن.
    الشُّعورُ...ما يعتملُ داخلَ النفس.
    الشِّعْرُ...الكلامُ المقفَّى المَوزون.
    وليسَ صعباً على العربية، أن تُكَوِّنَ كُلَّ هذه المَعاني مِنَ الجَذرِ شر.
    بعدَ أن عرفنا الكثيرَ عن الشر.
    باتَ مِنَ الواضحِ دَلالَةَ الشَّعرِ من الشر.
    أما الشِّعرُ والشُّعور، فهُما مرتبطانِ فيما بينهما.
    لكي نفهمَ الشِّعر، يجبُ أن نفهمَ الشُّعورَ أولاً.
    خَلَطَ الكثيرونَ بينَ الشعورِ والإحساس!.
    معَ أنَّ العربيةَ تؤكدُ على أنهما مختلفانِ تماماً!.
    الشُّعورُ هو رائزٌ داخلي، وما يعتملُ في داخلِ النفس.
    الإحساسُ هو مستقبَلٌ خارجي، تعرفهُ الحَواسُّ الخمس.
    نقولُ شَعَرَ بالخوف، وليسَ أحَسَّ بالخوف.
    وأحَسَّ بالبرد، وليسَ شَعَرَ بالبرد.
    المشاعرُ هي الفرحُ والحزنُ والخوفُ والأمانُ والحُبُّ والكراهية.
    واليأسُ والأملُ والرضا والغضبُ والقبحُ والجَّمالُ والحَسَدُ والقهرُ والخجلُ والغُرورُ والوحدة.
    والاغترابُ والحنينُ والقلقُ والشوقُ والحيرةُ والفخرُ والذُّل والعَدْلُ والظلم.
    الإحساسُ هو الحرُّ والبردُ واللَّذَّةُ والألَمُ والصوتُ والصورةُ والطعمُ والرائحةُ والضغطُ والفراغ.
    الخِفَّةُ والثِقَلُ والراحَةُ والتعبُ والخشونةُ والنعومةُ والصلابةُ واللِّين.
    القساوةُ والطراوةُ والقرَفُ والشهوةُ والحكةُ والخدرُ والجُّوعُ والشبعُ والعطش.
    وعلى هذا، أخْطأَ الشاعرُ الكبيرُ نِزار قَبّاني حينَ قاَل، أشعرُ بالبرد.
    وغَنّاها المُطربُ كاظِم الساهر، رحِمَ اللَّهُ الأوَّلَ وغفَرَ للثاني.
    إن الشُّعورَ لا يأتي لِوحدِه.
    بل هو نِتاجُ مجموعةٌ مِنَ الرَوائزِ والأحداثِ والانفعالات.
    إضافةً إلى مستوى الإدراكِ والتعليمِ والخبرة.
    معَ الخيالِ والتَّصَوُّرِ وحِوارِ النفسِ والعاطفة.
    ومَنْ كانَ لهُ القُدرةُ على التعبيرِ عن كُلِّ ذلك.
    بفَصاحةٍ وبَلاغَةٍ وبيان، كانَ هو الشّاعِر.
    وما يقولُهُ هو الشِّعر.
    وإليكم هذا الشِّعرُ العظيم...
    شَرَى حُبُّها في قلبي كما يشري الدَّمُّ في جسدي!!!.
    شَرَى...توزَّعَ وانتشر.
    إنَّ حُبَّ حبيبتي انتَشرَ في جسدي.
    كما يَتوزعُ الدَّمَ عبر الشرايين.
    ها أنا شرَحْتُ هذا الشِّعرُ العظيمُ المعقد ُالمُركب.
    لأن الشَّرحَ هو التجزئةُ والتفكيكُ والتفصيلُ والتحليل.
    شَرَد...تَرَكَ أصْلَه، فارَقَ الجماعة.
    الشَّريدُ...من لا جماعةً لهُ ولا أصل.
    في عِلْمِ الكيمياءْ، الشّاردَةُ هي ذَرَّةٌ تتْركُ مادَّتَها وتذْهبُ لِمَكانٍ آخَر.
    وكُلُّ دراساتِ ظَواهرِ المادة، يجبُ أن تكونَ تحتَ الشرطَينِ النظاميَّين.
    الشَّرطُ...المُحققُ لما يُراد أن يتحقق، مع لُزومِهِ وضرورتِه.
    هذا ما نعرفه، لكنَّ العربيةُُ ترْوي لنا رِوايةً مختلفة!؟.
    الشَّرطُ عندَها هو حبلٌ يلفُّ حول الخصْر.
    تُعلَّق عليه السِّكّينِ وقرْبةِ الماءِ وحَجَرِ النار والعصا، وكُلُّ ما يَلزَم التنَقُّلِِ والترْحال.
    وقد يكونُ على الكتف.
    اليوم هو الشريطُ الحريريُ الأحمرُ الذي تُجْمَعُ عليهِ الأوسِمةِ والنَياشين.
    من هنا نَفهَمُ ما هو شريطُ الحدود وشريطُ الكهرباء وشريطُ التسجيل.
    والشريطُ اللاصق وشريطُ سكَّةِ الحديد.
    الشريطُ...هو الحبلُ الذي تُرْبَط بهِ الجِمال، وتُشكِّلُ القافِلة.
    ومن يربطها هو الشُرطي، الذي تعدَّى عملُهُ إلى المراقبةِ والخدمة.
    هو في النهايةِِ مسؤولٌ عن أمنِ القافلةِ وفرضِ النظام.
    وهذا ما نعرفهُ اليومَ عن رجالِ الشرطة.
    أَوْغلَت عربيتُنا الفَذَّةُ في هذا المعنى.
    حينَ أطلقَت على الحبلِ الرفيعِ الذي يربطُ أجزاءََ النعلِِ ويضمُّهُُ حول القدمِِ بالشِراك.
    وظلَّت ماضيةً في روعتها واستوحت مِنْ تَشابُكِ شِراكَ النعلِ وقالت الشَّرَك.
    وهو حِبَالُ المكيدةُ أو الفَخ.
    اللَّهُمَّ لا تُوْقِعْنا في شِراكِ الشَّيطان.
    فكُلُّ دُروبهِ تؤدي إلى الشِّرْك.
    فَلا شِرِكةٌ ولا مُشارَكةٌ مع اللَّهِ الواحدِ الأحد.
    نقرأُ هنا...الشركةُ والإشراكُ والمشاركةُ والتشارُكيةُ والإشتراكية.

    هذا كُلُّ ما استطعتُ جمْعَهُ عن الجَذْرِ شَر.
    الذي تأرجَحَت في دلالاتِهِ لغَتُنا الجميلةُ ما بينَ النقيضين.
    أنا لا أقولُ كلَّ الحقيقة
    لكن كل ما أقولهُُ هو حقيقة.
  • محمد مزكتلي
    عضو الملتقى
    • 04-11-2010
    • 1618

    #2
    كلماتٌ تحتَ المُجهِر (شَر).

    كلماتٌ تحتَ المِجهَر. (شَر).

    هو الجزءُ منَ الأصل, والأصلُ منَ الجزء.
    قالَت العرب، شَرَّ الماء منَ الجرَّة.

    اشتقَّت العربيةُ من هذا الجَذر الفريد مَعاني ومفردات ,يصعب حصرها.
    أولها ، مفردة (بَشَر).
    البَشرُ مَهما اختلفوا وتلَوَّنوا، هم في البِدايةِ.
    من أصلٍ واحد، طينٌ لازِب.
    يقولون بأن بشر كلمة تعني اللحم.
    ودليلهم هو أن البشرة هي من اللحم.
    وكأني أراهم قد اشتَقُّوا الأصل من الفَرع.

    لكن من أين اكتسبَ هذا الجَذر تلك السُمعة السيِّئة؟.
    وحمَلَ معنى الشَّر، الَّذي هو عكس الخير؟؟.
    قِيلَ بأنَّ البَشَر هم مَن فَعلوا ذلك!.
    لكن رُغم مَنطِق هذا القول، إلّا أنَّ الفاعل هو أمرٌ آخر!.
    هو الحَطَب.
    يرمي بجمراته هنا وهناك أثناء احتراقه.
    هي أجزاءٌ صغيرةٌ تنسلخُ عن الأصل.
    تلك الشرّاة أو الشرارات المتطايرة.
    تُحدِثُ الألَم والأذى حيث تقع.
    والحرائق والدمار والخراب.
    وهذا مبلغ هَم الشر.
    مَهما اختلفت طرقه وأساليبه.
    العربية بفصاحتها المعهودة ,وفِطْنتها الغير محدودة
    تأخذ المعنى الآخر للجَذر شر ,وتُبْدِعُ لنا ما يثير الدهشة والإعجاب.
    (باشَرَ)، فعلٌ يعني التقى.
    المباشرة هي الالتقاء.
    وعندنا هنا الحديث المباشر ,واللقاء المباشر ,والبث المباشر.
    مَنْ مِنّا لاَ يعرِف نداء أبو سفيان المشهور(يا معشرَ قُريش).
    (المعشَر)، أفرادٌ تجْمعهم روابط العيش والبيئة والمصلحة.
    ويكونوا عُصبة أو قَبيلة أو حي، وعشيرة.
    المعاشَرة، المصاحَبة لخدمة هدف مشترك.
    (العشيرُ)، هو الزوج , عَشَّرَت الناقة أي حبلت.
    (العشَرَةُ)، تمام أصابع اليَدين.

    تنقلنا عربيتنا الرائدة من جديد إلى الطرف الآخر.
    (النَّشرِ)، الإفرادُ والتوزيع.
    نَشَرَ الثيابَ المغسولة ، أفردها على الحبل.
    من الحبلِ نَشَلَت العربية ما يسمح لها خيالُها الماتع
    وقالت نَشَرَ المؤلفُ كتابه, ودار النشر والمنشورات والمَناشير.
    (النَّشرُ) أيضاً هو التقطيع، والمِنشار آلَتَهُ.
    ما أجمل العربية!؟.
    نعم، ما أجملَها وهيَ تَصوغ فعل الأمر (بَشِّرْ).
    نَحَتَتْهُ بكلِّ مهارةٍ من العبارة، أبعِد الشَّر.
    وكأنَّهُ يقول، حدثني خيراً ولا تقُل شرّاً.
    (البَشيرُ)، من يُحَدِّثُ الناسَ بالخير.
    (البَشّارَة)، الفراشة تُعلِنُ عن قدوم الربيع.
    (التباشير)، أمارات وعلامات تَتنبّأُ بقدومِ الخير.
    تباشيرُ الربيع، تباشيرُ النصر، تباشيرُ العيد.
    مِنَ الخطأ القول، تباشيرُ العاصفة أو تباشيرُ الهزيمة.
    سؤالٌ هنا :هل الطباشير التي يُكتَب بها على السَبورة لها مكان هنا؟.
    الجواب نعم، وقد قامَ الدليلُ على ذلك.
    العربُ كانوا يستعمِلون هذه الحجارةُ الجيرِيةُ البيضاء.
    ليرسموا بها علاماتٍ وإشارات.
    على الصخورِ عبرَ مسيرَهم في الصحراء
    لتكونَ دليلَ السالكين إلى النجاةِ والسلامة.
    وقَلْبَ التاء بالطاء ,والسين بالصاد ,والكاف بالقاف مشهورٌ في لغتنا الجميلة.
    وهذا هو أصلُ الإشارات الطُرقية ,والشاخِصات المرورية التي نعرفها اليوم.
    هذا يفضي بِنا إلى عالَمٍ من السِحرِ والخيال اللغوي
    الذي تجودُ بهِ لغتنا العظيمة.
    في كلِّ مفردةٍ ومعنى ومصطلح!؟.
    وما يؤكد ذلك تماماً، الفعل (شَارَ).
    (شارَ)، قَدَّمَ النصيحة أو التنبيه أو التحذير أو الإرشاد.
    وكل المفردات التي إن أخذْتَ بها سلِمْت.
    نقرأ هنا، المشير، الشورى، المستشار.

    نصلُ إلى مفردةِ، (شَجَر).
    شَجَرَ عن، نَجَمَ عنه وانبثَقَ منه.
    تأمَّل الشجرة يا صديقي.
    ثمار، أزهار، أوراق، أغصان.
    وكل هذا من أصلٍ واحد!؟
    أما (الشِجار)، لا علاقة لها بالجَذر شر
    لكن العربية أرادت أن نَنْحني أمام جلالَتها
    حين استلهمت تشابك الأيدي والرؤوس بتشابك أغصان الشجرة!.

    (شَطَرَ)، قَطَعَ الشيء إلى قسمين متساويَين تماماً.
    وهذا استدعاءٌ للدقةِ والمهارة.
    لأن العربية لا تتْرُك بَاباً إلا وتطْرقُه.
    وفتحت لنا بابَين هنا
    الأول : هو الشاطر، أي الماهر
    الثاني هو الشطر، نظيرُ نظيره.
    هنا أتذكر طُرْفةً قالها مجمع اللغة العربية.
    حين عَرَّبَ كلمة سندويشة
    بأنها الشاطر والمَشطور ,والكَمْخة التي بينهما!؟.
    طبعاً، لم يعمل بهذا التعريب أحد.

    صديقي القارئ: لنا هنا وقفة مع مفردة، (شعر).
    لهذه المفردة ثلاثة معاني متغايرة.
    (الشَعر)، ما يغطي الرأس والبدن.
    (الشُعور)، ما يعتمل داخل النفس.
    (الشِعر)، ، الكلام المقفى المَوزون.
    وليس من الصعب على العربية.
    أن تُكَوِّن كل هذه المَعاني من الجَذر شر.
    الشَعرُ الذي يغطي الرأس ,واضح بأنه من الجَذر شر.
    أما الشِعرُ والشعور.
    فهما مرتبطان في المعنى ارتباطا وثيقاً
    ولكي نفهم الشعر، يجب أن نفهم الشعور أولاً.
    خَلَطَ الكثيرون بين الشعور والإحساس!.
    مع أن العربية تؤكد على أنهما مختلفان تماماً!.
    الشُعورُ هو رائزٌ داخلي، وما يعتمل في داخل النفس.
    الإحساسُ هو مؤثرٌ خارجي، تستقبِلهُ الحَواسُّ الخمس.
    نقول، شَعَرَ بالخوف، وليسَ أحَسَّ بالخوف.
    وأحَسَّ بالبرد، وليسَ شَعَرَ بالبرد
    المشاعر هي الفرحُ والحزن، الخوفُ والأمان، الجوْعُ والعطش، الحُبُّ والكراهية.
    اليأسُ والأمل، الرضا والغضب، القرَفُ والاشمئزاز، الحَسَدُ والقهر، الخجلُ والغرور والوحدة.
    والاغترابُ والحنينُ والقلقُ والشوقُ والحيرةُ والفخرُ والذُّل.
    الأحاسيسُ هي، الحرُّ والبرد، اللَّذَّةُ والألَم، الصوتُ والصورة، الطعمُ والرائحة، الضغطُ والفراغ.
    الخِفَّةُ والثِقَل، الراحَةُ والتعب، الخشونةُ والنعومة، الصلابةُ واللِّين.
    القساوةُ والطراوة، القبحُ والجَّمال، الحَكَّةُ والسَعلَةُ والعطسة.
    وعلى هذا، أخطأ الشاعر الكبير نزار قَبّاني حين قال، أشعر بالبرد!.
    وغَنّاها المطرب كاظم الساهر، رحِمَ الله الأول، وغفَرَ للثاني.
    عزيزي القارئ:
    إن الشعور لا يأتي لِوحده، بل هو نتاج مجموعة من الروائز.
    والأحداث والانفعالات.
    إضافةً إلى مستوى الإدراك والتعليم والخبرة.
    مع الخيال والتصور وحِوار النفس والعاطفة.
    ومن كان له القدرة على التعبير عن كل ذلك.
    بفَصاحةٍ وبلاغةٍ وبيان، كانَ هذا هو (الشّاعِر).
    وما يقوله هو (الشِعر).
    وإليكم هذا الشعر العظيم...
    شرَى الحب في قلبي كما يشري الدم في جسدي!!!.
    (شَرَى)، توزَّع وانتشر
    أي أن حب حبيبتي انتشر في جسدي.
    كما يتوزع الدم عبر( الشرايين).
    وها أنا شرحت هذا الشعر العظيم المعقد المُركب
    لأن (الشَّرح) هو التجزئة والتفكيك والتفصيل والتحليل.
    (شَرَد)، ترك أصله، فارق الجماعة.
    (الشَّريدْ) ، من لا وطن لهُ ولا أهل.
    في عِلْمِ الكيمياءْ، (الشاردة) هي ذرة تتْرك عنصرها وتذهب لمكان آخر.
    وكل الدراسات للظواهر الكيميائية، يجب أن تكون تحت الشرطَين النظاميَّين.
    (الشَّرط)، المُحقق لما يُراد أن يتحقق، مع لزومه وضرورتِه.
    هذا ما نعرفه، لكن العربية تروي لنا رواية مختلفة!؟.
    الشرط عندها هو حبل يلف حول الخصر.
    تُعلَّق عليه السكّين وقرْبة الماء وحَجر النار والعصا.
    وكل ما يلزم في التنقُّل والترحال.
    وقد يُعلَّق على الكتف.
    واليوم هو الشريط الحريري الأحمر الذي تعلق عليه الأوسمة والنياشين.
    من هنا نفهم ما هو شريطُ الحدود وشريطُ الكهرباء وشريطُ التسجيل
    والشريطُ اللاصق وشريطُ الأخبار في أسفل شاشة التلفاز.

    الشريطُ أيضاً، هو الحبلُ الذي تُربَط بهِ الجِمال وراءَ بعضها، وتُشكِّل القافِلة.
    والذي يربطها هو (الشُرطي).
    تعدَّى عمله إلى المراقبة وخدمة القافلة.
    هو في النهاية مسؤول عن أمنِ القافلة وفرض النظام والحماية.
    وهذا ما نعرفه اليوم عن رجالِ الشرطة.
    أوغلت عربيتنا الفَذَّة في هذا المعنى
    حين أطلقت على الحبل الرفيع الذي يربط أجزاءَ النعلِ ويضمَّهُ حول القدمِ بالشِراك.
    وظلَّت ماضيةً في روعتها واستوحت من تشابك شِراك النعل وقالت، (الشَّرَك).
    وهو حِبال المكيدة أو الفَخ.
    اللهم لا تُوْقعنا في (شِراكِ) الشيطان.
    فكلُّ دُروبه تؤدي إلى (الشِّرك).
    فَلا شركة ولا مُشارَكة مع الله.
    الواحد الأحد، مالكُ المُلْك.
    آمنّا يا رب وصدَّقنا.

    هذا كل ما استطعت جمعه عن الجذر، شَر.
    الذي تأرجحت في دلالاته لغتنا الجميلة من النقيض إلى النقيض.
    أنا لا أقولُ كلَّ الحقيقة
    لكن كل ما أقولهُُ هو حقيقة.

    تعليق

    • ناريمان الشريف
      مشرف قسم أدب الفنون
      • 11-12-2008
      • 3454

      #3
      جميل ورائع ,,,
      العنوان لافت .. والمحتوى ممتاز
      أشكرك ..
      وسأكون هنا مع كلمة أخرى تحت المجهر
      ولكن ربما بأسلوب مختلف
      لك التحية
      sigpic

      الشـــهد في عنــب الخليــــل


      الحجر المتدحرج لا تنمو عليه الطحالب !!

      تعليق

      • ناريمان الشريف
        مشرف قسم أدب الفنون
        • 11-12-2008
        • 3454

        #4

        • غَنَم: (اسم)
          • الجمع : أَغنام ، و غُنُوم
          • الغَنَمُ : القطيعُ من المَعْز والضأْن ، ، مفرد شاة ،

        • غَنِمَ: (فعل)
          • غنِمَ في يَغنَم ، غَنْمًا وغَنيمةً ، فهو غانم ، والمفعول مغنوم فيه
          • غنِم الشّيءَ : فاز به ، ربحه ، ناله بلا مشقَّة ، عكسه غرِم
          • غنِم في الحرب : ظفِر بمال عدوِّه ، أصاب غنيمة
          • عاد سالمًا غانمًا : رجع مُعافى ظافرًا ،

        • غَنْم: (اسم)
          • غَنْم : مصدر غَنِمَ

        • غَنَّمَ: (فعل)
          • غَنَّمْتُ ، أَغُنِّمُ ، غَنِّمْ ، مصدر تَغْنِيمٌ
          • غَنَّمَ الْجُنْدِيَّ : أَعْطَاهُ غَنِيمَةً

        • غُنم: (اسم)
          • الجمع : غُنُومٌ
          • الغُنْمُ : الفوز بالشيء من غير مشقة
          • الغُنْمُ : غنيمة ، ما يُؤخذ من المحاربين في الحرب قهرًا أو عنوة
          • الغُنْم بالغُرْم : مقابَلٌ به : فالذي يعود عليه الغُنْمُ من شيء يتحمَّل ما فيه من غُرْم
          • مصدر غنِمَ



        والسلامة غنيمة ..
        جملة تقال للشخص الذي يخرج سالماً معافى من حادث سير أو ما شابه
        كانت فيه الخسائر المادية كبيرة
        فما معنى ذلك ..؟
        السلامة مفهومة وهي المعافاة في صحة البدن والنفس
        أما الغنيمة فهي من الفعل : غَنِمَ:
        غنِمَ يَغنَم ، غَنْمًا وغَنيمةً ، واسم الفاعل غانم ، والمفعول مغنوم فيه
        غنِم الشّيءَ : فاز به ، ربحه ، ناله بلا مشقَّة ، عكسه غرِم ولذلك يقال : غرامة مالية على المبلغ الذي يدفع مقابل مخالفة ما .
        غنِم في الحرب : ظفِر بمال عدوِّه ، أصاب غنيمة
        عاد سالمًا غانمًا : رجع مُعافى ظافرًا ،
        غَنيمة: ( اسم )
        والجمع : غنائمُ
        والغَنِيمَةُ : هي ما يؤخذ من المحاربين في الحرب قهرًا والجمع : غَنائمُ
        وتقول العرب :
        رضِي من الغنيمة بالإياب : عاد دون تحقيق أهدافه ، عاد راضياً لأنه نجا بحياته ،
        والغَنِيمَةٌ البَارِدَةٌ : الطَيِّبَةٌ وَالسَهْلَةٌ
        لذلك جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن عامر بن مسعود أنه قال:
        (( الغنيمة الباردة: الصوم في الشتاء.)) لأنه يصوم بلا مشقة ويحصل على أجره كاملاً
        وفي الفائق: الغنيمة الباردة هي التي تجيء عفوا من غير أن يصطلي دونها بنار الحرب ويباشر حر القتال في البلاء ـ وقيل هي الهيئة الطيبة مأخوذة من العيش البارد... والمعنى أن الصائم يحوز الأجر من غير أن يمسه حر العطش أو يصيبه ألم الجوع من طول اليوم.
        انتهى
        تحية ... ناريمان الشريف
        التعديل الأخير تم بواسطة ناريمان الشريف; الساعة 23-02-2018, 05:53.
        sigpic

        الشـــهد في عنــب الخليــــل


        الحجر المتدحرج لا تنمو عليه الطحالب !!

        تعليق

        • محمد مزكتلي
          عضو الملتقى
          • 04-11-2010
          • 1618

          #5
          السيدة ناريمان الشريف الفاضلة:

          سَرَّني أن نال الموضوع رضاكِ.
          هي سلسلة أُدرِجها هنا تُلقي الضوء على لغتنا الساحرة.
          وكيف هي بارعة في الضم والنحت والاشتقاق.

          ووضعتها في قالب سردي مشوِّق لمتعة القراءة.
          بعيداً عن القوانين الجافة والقواعد الجامدة.
          التي ينفر منها القارئ.
          أتمنى لكِ قراءة مسَلِّيَة ومفيدة.

          صباح الخير.
          أنا لا أقولُ كلَّ الحقيقة
          لكن كل ما أقولهُُ هو حقيقة.

          تعليق

          • محمد مزكتلي
            عضو الملتقى
            • 04-11-2010
            • 1618

            #6
            تمَّ التصحيح والتحرير.
            أنا لا أقولُ كلَّ الحقيقة
            لكن كل ما أقولهُُ هو حقيقة.

            تعليق

            • حسين ليشوري
              طويلب علم، مستشار أدبي.
              • 06-12-2008
              • 8016

              #7
              تساؤلٌ مشروعٌ.

              بعض هذه المواضيع المنشورة تحت عنوان "كلمات تحت المجهر" منشور في منتدى "موضوعات عامة في العربية" وبعضها في منتدى "الأدب الساخر":
              - (موضوعات عامّة في العربيّة): كلماتٌ تحتَ المُجهِر...شَر
              - (موضوعات عامّة في العربيّة): كلمات تحت المجهر (إقرأ)
              - (الأدب السّاخر): كلمات تحت المجهر [اقرأ]
              - (
              الأدب السّاخر): كلمات تحت المجهر..حق
              - (موضوعات عامّة في العربيّة): كلمات تحت المجهر.....سر
              - (الأدب السّاخر): كلمات تحت رالمجهر (سر)

              ولست أدري أهي، المواضيعَ، من الأدب الجاد أم من الساخر؟ ولماذا كرر كاتبها النشر هنا وهناك؟ وبعناوين مختلفة مع أن المادة واحدة؟

              sigpic
              (رسم نور الدين محساس)
              (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

              "القلم المعاند"
              (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
              "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
              و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

              تعليق

              • محمد مزكتلي
                عضو الملتقى
                • 04-11-2010
                • 1618

                #8
                السلام عليكم ورحمة الله والبركات...

                كان الموضوع يأملُ ويرجو أن يَنالَ من الأستاذ العارف حسين الليشوري بعضاً من رأيهِ ونقده.
                خصوصاً أنَّ رأي الأستاذ معتبَرٌ ومهمٌ وفَيصل.
                النصيحةُ من عارفٍ وزنَها ذهباً، تقريعاً كانَت أم تقريظاً.

                تحياتي للأستاذ حسين الليشوري وأدعو له بالصحة والسلامة وطول العمر.
                أنا لا أقولُ كلَّ الحقيقة
                لكن كل ما أقولهُُ هو حقيقة.

                تعليق

                • حسين ليشوري
                  طويلب علم، مستشار أدبي.
                  • 06-12-2008
                  • 8016

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة محمد مزكتلي مشاهدة المشاركة
                  السلام عليكم ورحمة الله والبركات...
                  كان الموضوع يأملُ ويرجو أن يَنالَ من الأستاذ العارف حسين ليشوري بعضاً من رأيهِ ونقده.
                  خصوصاً أنَّ رأي الأستاذ معتبَرٌ ومهمٌ وفَيصل.
                  النصيحةُ من عارفٍ وزنَها ذهباً، تقريعاً كانَت أم تقريظاً.
                  تحياتي للأستاذ حسين ليشوري وأدعو له بالصحة والسلامة وطول العمر.
                  وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
                  شكرا على الدعاء الطيب ولك مثله.
                  كما أشكر لك رأيك في العبد الضعيف وتقديرك الكبير لشخصي الصغير حقيقة وليس ادعاء.
                  الموضوع معروض على المختصين، ولست منهم، فإن رأوا فيه ما يفيد أقروه وإن رأوا غير ذلك نبذوه وتجاهلوه؛ أما رأيي المتواضع فهو، الموضوعَ، خواطر في بعض الكلمات العربية قد تُدرج فيما يسمى "الاشتقاق الكبير" لمحاولته الربط بين جذور كلمات تبدو لا علاقة بينها في الظاهر.
                  أشكر للموضوع رغبتَه في معرفة رأيي مع تحياتي.

                  sigpic
                  (رسم نور الدين محساس)
                  (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                  "القلم المعاند"
                  (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                  "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                  و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                  تعليق

                  يعمل...
                  X