يراها كل يوم واقفة على بابها، كأنها بأنتظاره،في ذات الطريق الذي يسلكه الى مدرسته المتوسطة. ينظر اليها خجلاً
وهوَ يخطو خطوات مراهقته ،تكبره بعدة سنوات وأطول منه قليلا،شعرها الماثل للصفرة،ينسدل جديلة واحدة مبهرة
تصل ظهرها،تزرع ابتسامة خفيفة على محياها كإشارة ود صامته تستدعيه ليكلمها .
في اللحظة التي التقط فيها علبة الكبريت ألتي رمتها له ،امتلكته رغبة شديدة ان يفتحها،ليرى ما تحتويه . أدهشته
تلك الوريقة البسيطة المكتوبة بأسطرمن كلمات عبرت فيها عن مشاعر حب وأماني باللقاء ورغبة حارة في العناق
وذيلتها بعبارة المخلصة للابد.
شعر أن قلبه يزداد خفقانا واستشعر الزهو يتسلل الى أعماق روحه،لانها أختارته دون الاخرين ...هل حقاً تحبه!
ثم ماذا سيقول لها حين يلتقيها؟
في قرارة نفسه قرر أنه سيطلب منها ان تتكلم بصراحة من دون قيود، انتبه لتداعيات روحه وبدد كل شكوكه
أليس من حقي أن أستشعر الحنان والحب معها !سأوافيها بموعدنا المقرر ونذهب لمنتزه الزوراء الكبير- ملتقى العاشقين كما
يقول اصدقائي...عندها أعرف كل ما تريده مني حقاً.
تغيب عن مدرسته ذات خميس ،ليلتقيا وانتظرها في المكان الذي حددته وكانا قد أتفقا عليه بذات الطريقة في رمي
علبة الكبريت التي يستخدماها للمراسلة والتي لاتثير انتباه أحد.
بينما كان بأنتظارها داهمه شعور غريب ان جميع من في الشارع يعرف غايته ،وكيف لا وهو موعدهما الحقيقي الأول .
رأها قادمة تمشي بدلال أثار في قلبه الفرح،بدت أجمل بكثير من كل يوم كان يسترق النظر فيه اليها .
ابتسمت له فشعر بفرحة غامرة ،بادلها التحية واتجها نحو محطة وقوف الباصات العامة ،ركبا الباص ذا الطابقين
واتجها للمقاعد الأمامية حيث جلسا يتأملان بعضهما بلهفة واشتياق،تأمل عينيها الواسعتين وشفتيها النديتين ، فكر كثيرا
بمعانقتها،ألا أنه تردد عن ذلك ، منها اختياره الباص فقط لقضاء بعض الوقت للحديث معها رغم أنها تلصق جسدها بأطراف بدنه
يغمره بالسعادة ويلهب مشاعره ومما زاد وضعه تأزماً همساتها المغرية :هناك في المنتزه سنشعر براحة أكثر.
دخلا المنتزه واختارا مكاناً تضلله الاشجار وتحيطه الازهار. أمسك يدها بحرارة تنطق بعمق أشواقه لها .
قربت شفتيها من شفتيه وقالت بتأوه :
أتعلم يا حبيبي ! زواجي كان ثمنا ًلحماقة ارتكبها أبن عم لي قتل شاباً أثناء مشاجرة حصلت
بينهما في مقهى ، خياري أنتهى وفق تلك الأعراف العشائرية ، حاول أخي كثيرا ابعادي عن تلك
المساومات بالمال، إلا أن ذوي القتيل اصروا على زواجي من رجل مسن يتوكأ على عصاه لاذلالي وقهري .
شكرت رب العالمين حين توفيت زوجة المسن ،التي جعلوني ضرتها فـتمعنت بدورها في تدمير روحي وكياني ،
بعد شهور بسبب مقتل أبنها فتخلصت منها لكنني بقيت أعيش كممرضة لزوجي العاجز
دون أن يبدي نحوي أي نوع من الاحترام ، حتى أنه حرّم علي زيارة أهلي.
عانى من كبح رغباته واعتصار شيطانه برغبته القوية لاحتضانها ونظر إلى عينيها اللتين ازدادت فيها روح المغامرة.
زاد توهج وجهها احمرارا وبريق عينيها لمعاناًَ حين أكملت: كعادته التي لا تتغير سيكون الليلة في مجلس المسنين يحتسون القهوة العربية معاً .
نهضت من مكانها وقالت: حالتي شبيهة بحالتك ..أشعر بوحدتي ووحشتي كل ليلة وبيتي ليس ملاذا ً للاشباح.
تعليق