أمنيزيا ـــ (Amnésie)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • عائده محمد نادر
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة حدريوي مصطفى مشاهدة المشاركة

    أمنيزيا (1) ـ (Amnésie)

    صحا وتمطى، ثم هب من مرقده، وتيمم الحمام، يجر رجليه من وهن مجهول المصدر هدّ جسده هذه الأيام.
    فرش أسنانه ، وتوضأ، وأسبغ، ثم صلى، والفجر يلفظ أنفاسه الأخيرة؛ ولما اتم تربع حيث صلى مطأطئ الرأس، مغمض العينين، يتلو بعض الأوراد في صمت عميق .
    بعد لحظات ثقيلة قام ومشى على رؤوس أصابع رجليه الحافيتين ، حتى... لا يفطن لحراكه أحد... ودخل المطبخ.
    على كرسي استوى قدّام مائدة طعام توسطت الأجواء بشكل مستفز؛ قد كان عليها عاصرة قهوة كهربائية، وفرن ميكرو أوند؛ من الأولى صب له كأسا، ومن الثاني أخرج هلالية محشوة ساخنة.
    عالج الكاس بمكعب من السكر واحد .. لا غير ، وغطى الهلالية بغلالة مربى توت، ثم أخذ يحتسي، ويقضم ...
    على مقربة منه كان "لابتوب" بالشاحن موصل ، فتحه ، ولما جهزت صفحة النيت أخذ يتصفح الصفحات الإليكترونية للجرائد والأسبوعيات... باحثا عن ما جد من الأخبار، وما تولد من جديد عن الأحداث السارية...
    مأخوذا بالفضول ، تواقا لما جد ... وما حدث في المتغيرات من نفط ، وأسعار عملات ، وحتى الأحوال الجوية للبلد... سهم ـ إذا ـ وهام بين المواقع ، تقوده الروابط، والأيقونات حتى انفتحت أمامه صفحة الجزيرة ( مباشر). قبل أن تستقيم صورتها أمامه زرع سماعتين في أذنيه، ثم شابك يديه وراء رأسه مستندا عاتق الكرسي مادّا رجليه مدّا ليكون استواؤه أمثل، وجعل يتابع الأخبار الصباحية للسادسة وبين حين وآخر يستغل لحظات ما بين الفقرات ليمسح خلالها الشريط الأخباري الأحمر المتحرك أسفل الشاشة .
    وعودةً مما استغرقه أحس بقلبه منقبضاً ، ونفسه مضطربا ، و غمامة حزن أسود بمساحة بدنه تتمدد داخله ، تأفف ، وتأفف لعله يدرأ عنه بسْطتها ، لكنها تحدت صدّه وأناخت بكلْكلها على صدره ، فتعكر المزاج الصباحي الرائق، وفتر النشاط الدافق.
    قد أضحت نمطية الأحداث، والإخبار عنها، وصورها المدعمة لها تثير عنده ـ يوميا ـ غثيانا واضطرابا نفسيا ، أما شريط الجزيرة الأحمر فصار عنده مرادف دمار ودخان متعال، وأشلاء مموهة رفقا بمن تبقى من أصحاب القلوب الهشة ؛ ووقر في قراره أن الحضارة مسخ كشف عن سماجته وتبدى عهره جليا ...وأن ابن الإنسان ما بارح قيد أنملة غابه... كما يبدو له، وأن الأمس واليوم سيان عدا أن الأنياب صارت صواريخ والأذرع الباطشات راجمات و قاصفات جوية ، و ذين المخاتلة والمكر باتا اصطلاحا (بوليتيك) تعشعش بين الفنون والأدب ...
    كم...ودّ أن يغير من هذه الفظاعة !
    كم تمنى لو بإمكانه أن يرسم البسمات على الوجوه العابسة، ويبلسم بإكسير ما... ذي الجراح الغائرة، ويلأم الوشائج المتصدعة ! ..لكن، وجد نفسه أوهن من خيط عنكبوت بل، اضعف من نسمة ريح تموج وتهز بعنفوانها صفحة غدير..فلاذ بالصمت ...
    حفاظا على توازنه النفسي ، وخروجا من دوامة جلد الذات وشجون الحسرة غادر صفحة الأخبار بأنواعها واستقر على موقع " التويتر" حيث غرد بتلقائية :
    " الحياة مأساة...تكون أكثر درامية إن كنت تتفاعل معها، ولا تجرؤ ، أو تقدر على تغيير وجهة الأحداث صوب منحى يضمن للجميع فسحة ملهاة..."
    تأمل التغريدة وأعاد قراءتها أكثر من مرة ولما تيقن ان فيها شيئا منه بل ندفة من كآبته ومخيض انفعالاته، عرج على الفايس بوك حيث وزع شيئا من المحبة والإعجاب وتقاسم آراء وصورا، ورد على المسنجرات ثم اغلق اللابتوب، وقام بهدوء تام حتى يفك برفق تشنج عضلاته وأربطة مفاصله المنخورة بالروماتزم والعطالة.
    وكأنه منوم، أو اوتوماتْ... لم يستوعب انى وكيف لبس ملابس خروجه ، وربط ربطة عنقه، وانحنى ليزيل بمحرمة ورقية بعض ملامح غبار من على وجه حذائه ثم ينتبه ليجد زوجته تتابع حركاته وسكناته باستغراب واهتمام وتسأله لما تيقنت من لمحه في بريق عينيها رزمة تساؤلات:
    ـ إلى اين با عزيزي مبكرا؟
    رد بفتور وهو يمرر مشطا ليسوي من عطالة شعره المنكوش امام المرآة:
    ـ إلى العمل ... طبعا.
    وكأن الجواب غير المنتظر منه هزها استغرابا فاستوت جالسة في مرقدها وقالت له بنبرة انكارية:
    ـ أتمازحني؟ إنه الشؤم عينه عند الاصطباح بالهزل.
    ضحك ضحكة في غمغمة ثم رد قائلا :
    ـ إن اليوم ياعزيزتي الثامن من شتنبر، ولعله تاريخ مميز تمَيّز تواريخ أعياد ميلادنا...
    نظرت إليه نظرة كئيبة، حاولت أن تحجب من حدتها بيديها ألمرتعشتين ثم ردت بصوت هامس:
    كأني بك ازهمررت يا رجل... !
    وجد ردها حامضا و مستفزا فاكتفى بأن اشاح عن وجهها في صمت لحظة وجدتها ـ هي ـ دهرا ثم اقبل عليها ليسألها في استغراب:
    ماذا...؟ كيف لك أن تقولي ذلك ؟
    ـ إنك يا عزيزي ـ بكل بساطة ـ قد تقاعدت... وحسم امرك فلا...شغل من تاريخه... !
    لدى سماعه لجوابها أحس بحرارة تتولد في أعماقه، ما فتئت أن أخذت شحنة منها بمعظم رأسه ،ثم تحولت إلى دوخة خفيفة كاد أن يفقد على إثرها توازنه، بيد انه تماسك ،واسترد ـ ايضا ـ ذاكرته الشاردة معبّرا عن حلولها بضربة خفيفة على جبهته.
    تهاوى جالسا على اريكة كانت وراءه وأخذ يفك بيد راعشة ربطة عنقه ..ولما استوى سكن وغفا في ثوان وما ...استيقظ .

    1: فقدان الذاكرة


    الكاتب : حدريوي مصطفى (العبدي)
    البيضاء في 26/11/2016
    نص هاديء ورصين
    أجدت فيه وصف حياة المتقاعدين
    لونت لك مارأيته فائضا يدخل ضمن قائمة الاسهاب
    وأتمنى أن لاتزعجك ملاحظتي لأنها صدقا لصاح النص
    أحببت حين ارتدى ملابسه للذهاب لوظيفته ونسى انه متقاعد لأنها حالة تحدث كثيرا حتى للطلاب هاهاها
    رؤيتي لست مجبرا على قبولها عزيزي
    مع تحياتي وباقات ورد

    اترك تعليق:


  • حدريوي مصطفى
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
    صباح الورد لك
    هي حياتنا والمأساة التي يعيشها أغلب مجتمعاتنا مع الأسف
    بطالة وعطالة وأمراض وكوارث يعجز الوصف عنها
    أخذت على النص هذا السرد المسهب فأصيبت القصة بالتهدل والرتابة الشديدة
    يمكنك أن تكثف النص كثيرا وتستغني عن الكثير من المفردات التي جاءت شرحية وأخذت من النص الكثير
    هذه رؤيتي التي أرجو أن تتقبلها لأنها تقبل الخطأ قبل الصواب
    تحياتي لك
    الأستاذة والأديبة عائدة محمد نادر.
    شكرا على المرور، والقراءة الفاحصة، الناصحة.
    الحديث يكون ذا شجون خاصة حين تحِدّ الكلمة ، وتحترّ ويصير الإقناع الوجيه مسعاها ، والود المتبادل مرماه ويفترق ـ أخيرا ـ المتحاججين ..لا غالب ولا مغلوب، لكن بجديد ما كان يعتمل عند ذا وذاك .
    إذاً دعني أرد واقول: بأن النص لا مترهل ولا مهلهل، وكل كلمة فيه هي لأرب ما ومبتغى محدد ، فهو اصلا مكثف ولن يقبل عند الاجتهاد إلا اليسير واليسير منه.
    كيف إذاً؟
    اولا: لنعرف التكثيف حتى لا يبقى كلامنا خبطا عشوائيا بلا هدى وغاية؛ وما الغاية منه، وما مواضيعه.
    إصطلاحا : هو تحجيم نص ما وفق آليات محددة تحافظ على نسقه واتساقه دون الإخلال برسالته ومضمونه، وهو محمود في القصة القصيرة جدا وأكثر إن كنا بصدد القصة الومضة.
    قصيصتي ليس قصة قصيرة جدا، ولا من الومضة فهي تندرج تحت ما يصطلح عليه بالرواية الجديدة، لا يحددها لا عدد الكلمات ولا حجم الورق ، قد ظهرت في سبعينات القرن الماضي ولمعت في سماها الكاتبة الفرنسية نتالي ساروت بامتياز وكتاب كثر مشوا على هداها في وطننا العربي خاصة في سوريا ومصر.
    ورغم اني معفى منه فقد تبنيته إضمارا، مثلا :
    ـ حين أقول اسبغ اعني بإجاز أن صاحبنا ( البطل ) يمشي على هدي السنة النبوية. دون الإشارة إليها.
    ـ وعندما قلت عالج الكاس (لا حظي لم اقل القهوة لأن ال الموصولية تنوب عنها ) بمكعب من السكر واحد ..لا غيرهنا أعني انه يتبع رجيم خاص قليل سكر وقد تفاديت هذا إضمارا.
    ـ لا حظي ايضا استعمالي للمصدر منصوبا على المفعول معه حتى أتلافى جملة فعلية كاملة مع فضلة ما ليستقيم المعنى عندما قلت :( عودةً مما استغرقه أحس بقلبه منقبضاً )
    ـ اكثر من هذا أن جمل النص كلها فعلية قصيرة، تليغرافية تتكون في الغالب من فعل وفاعل وفضلة (نعت او حال ) أو ناسخ واسمه وخبره لا غير.
    هل بعد هذا تجدين هذا النص ليس مكثفا؟
    وحتى إن لم يكن كذلك؟
    فكيف نفعل دون أن تشير إلى تلك العادات الصباحية التي اصبحت جزءً من عادات شريحة من الناس، وهي المقصودة هنا لأبين مدى تغير حياتنا وابتعادها عن بساطتها ؟ وكيف انمي الحبكة إلى منتهاها لتنكسر عند النهاية بتلك الطريقة الدرامية؟
    فلو كثفتها لاصبح النص عدا قصة قصيرة جدا، جدا بحمولة لا تكون غنية كما هي عليه الآن.
    أرجو أن اكون قد اقنعت، وبينت الظل من النور، وافدت بقدر ما.
    تحيت سيدتي وموفور احترامي
    التعديل الأخير تم بواسطة حدريوي مصطفى; الساعة 09-01-2017, 01:31.

    اترك تعليق:


  • حدريوي مصطفى
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
    أكرر ما ذكرته في تعليقي هناك:

    لا أملك إلا أن أصفق لهذا النص المتميز لغة وسردا وموضوعا..
    قرأته منبهرا.
    مرحبا بك هنا وهناك.
    مودتي
    الأديب ع. الرحيم التدلاوي..سعيد انا بتفاعلك مع قصيصتص ذي واسعد اني حركت مني مشاعرك فكانت تصفيقات إعجابك تجلجل كلمات..وحروف..
    لتدمْ بخير..وبصحة وعافية..ولتتقبلْ خالص ودادي واحترامي

    اترك تعليق:


  • حدريوي مصطفى
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة فوزي سليم بيترو مشاهدة المشاركة
    هي حالة تترافق مع ضمور النشاط العضلي والذهني
    فما بالك لو أن مرحلة التقاعد قد طغت على العقل الباطن منه والخفي .
    هذه شريحة للجانب السلبي والمرضي من المتقاعدين
    لكن هناك أيضا فئة أخرى تنتظر الإنفكاك من الوظيفة حتى يحيون كما يحبون
    دون عوائق أو محظورات .
    الكتابة في هذا المجال أمر ممتع ومشوّق .
    تحياتي لك أخي حيدريوي مصطفى
    فوزي بيترو
    هي كذلك... الأستاذ الأ ديب فوزي بيترو...شكرا لمرور ك الكريم ..
    لقاؤنا لا يكون إلا لماما وقد كان اولا في منتديات أدباء وكتب الأنترنيت العرب مذ اوئل سنة 2008...فاحمده أن لقاءنا تجدد مرة اخرى على صفحة هذا المنتدى من خلال نصي المتواضع...
    تحياتي العطرة واحترامي وتقديري

    اترك تعليق:


  • حدريوي مصطفى
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة حسن لشهب مشاهدة المشاركة
    أهلا بك أخي مصطفى
    سعادتي بالتواصل معك مزدوجة
    أولا فين غبرتي
    ثانيا أستقبل بكل فرح نصا جديدا من نصوصك القوية والحق أنك أجدت كعهدي بقلمك
    دم بخير أخي مصطفى
    الأستاذ الأديب والمبدع حسن إني لفي غاية الغبطة والسرور ان تبارك قراءتك نصي المتواضع هذا وترضى عليه...وسعيد ايضا أن اتواجد معك في هذا الرياض الأغن...
    ليبارك الرب ويجعل ايامك ايام سعد وفرح وعطاء متواصل...
    تحيتي وموفور تقديري

    اترك تعليق:


  • عائده محمد نادر
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة مصطفى الأول مشاهدة المشاركة

    أمنيزيا (1) ـ (Amnésie)

    صحا وتمطى، ثم هب من مرقده، وتيمم الحمام، يجر رجليه من وهن مجهول المصدر هدّ جسده هذه الأيام.
    فرش أسنانه ، وتوضأ، وأسبغ، ثم صلى، والفجر يلفظ أنفاسه الأخيرة؛ ولما اتم تربع حيث صلى مطأطئ الرأس، مغمض العينين، يتلو بعض الأوراد في صمت عميق .
    بعد لحظات ثقيلة قام ومشى على رؤوس أصابع رجليه الحافيتين ، حتى... لا يفطن لحراكه أحد... ودخل المطبخ.
    على كرسي استوى قدّام مائدة طعام توسطت الأجواء بشكل مستفز؛ قد كان عليها عاصرة قهوة كهربائية، وفرن ميكرو أوند؛ من الأولى صب له كأسا، ومن الثاني أخرج هلالية محشوة ساخنة.
    عالج الكاس بمكعب من السكر واحد .. لا غير ، وغطى الهلالية بغلالة مربى توت، ثم أخذ يحتسي، ويقضم ...
    على مقربة منه كان "لابتوب" بالشاحن موصل ، فتحه ، ولما جهزت صفحة النيت أخذ يتصفح الصفحات الإليكترونية للجرائد والأسبوعيات... باحثا عن ما جد من الأخبار، وما تولد من جديد عن الأحداث السارية...
    مأخوذا بالفضول ، تواقا لما جد ... وما حدث في المتغيرات من نفط ، وأسعار عملات ، وحتى الأحوال الجوية للبلد... سهم ـ إذا ـ وهام بين المواقع ، تقوده الروابط، والأيقونات حتى انفتحت أمامه صفحة الجزيرة ( مباشر). قبل أن تستقيم صورتها أمامه زرع سماعتين في أذنيه، ثم شابك يديه وراء رأسه مستندا عاتق الكرسي مادّا رجليه مدّا ليكون استواؤه أمثل، وجعل يتابع الأخبار الصباحية للسادسة وبين حين وآخر يستغل لحظات ما بين الفقرات ليمسح خلالها الشريط الأخباري الأحمر المتحرك أسفل الشاشة .
    وعودةً مما استغرقه أحس بقلبه منقبضاً ، ونفسه مضطربا ، و غمامة حزن أسود بمساحة بدنه تتمدد داخله ، تأفف ، وتأفف لعله يدرأ عنه بسْطتها ، لكنها تحدت صدّه وأناخت بكلْكلها على صدره ، فتعكر المزاج الصباحي الرائق، وفتر النشاط الدافق.
    قد أضحت نمطية الأحداث، والإخبار عنها، وصورها المدعمة لها تثير عنده ـ يوميا ـ غثيانا واضطرابا نفسيا ، أما شريط الجزيرة الأحمر فصار عنده مرادف دمار ودخان متعال، وأشلاء مموهة رفقا بمن تبقى من أصحاب القلوب الهشة ؛ ووقر في قراره أن الحضارة مسخ كشف عن سماجته وتبدى عهره جليا ...وأن ابن الإنسان ما بارح قيد أنملة غابه... كما يبدو له، وأن الأمس واليوم سيان عدا أن الأنياب صارت صواريخ والأذرع الباطشات راجمات و قاصفات جوية ، و ذين المخاتلة والمكر باتا اصطلاحا (بوليتيك) تعشعش بين الفنون والأدب ...
    كم...ودّ أن يغير من هذه الفظاعة !
    كم تمنى لو بإمكانه أن يرسم البسمات على الوجوه العابسة، ويبلسم بإكسير ما... ذي الجراح الغائرة، ويلأم الوشائج المتصدعة ! ..لكن، وجد نفسه أوهن من خيط عنكبوت بل، اضعف من نسمة ريح تموج وتهز بعنفوانها صفحة غدير..فلاذ بالصمت ...
    حفاظا على توازنه النفسي ، وخروجا من دوامة جلد الذات وشجون الحسرة غادر صفحة الأخبار بأنواعها واستقر على موقع " التويتر" حيث غرد بتلقائية :
    " الحياة مأساة...تكون أكثر درامية إن كنت تتفاعل معها، ولا تجرؤ ، أو تقدر على تغيير وجهة الأحداث صوب منحى يضمن للجميع فسحة ملهاة..."
    تأمل التغريدة وأعاد قراءتها أكثر من مرة ولما تيقن ان فيها شيئا منه بل ندفة من كآبته ومخيض انفعالاته، عرج على الفايس بوك حيث وزع شيئا من المحبة والإعجاب وتقاسم آراء وصورا، ورد على المسنجرات ثم اغلق اللابتوب، وقام بهدوء تام حتى يفك برفق تشنج عضلاته وأربطة مفاصله المنخورة بالروماتزم والعطالة.
    وكأنه منوم، أو اوتوماتْ... لم يستوعب انى وكيف لبس ملابس خروجه ، وربط ربطة عنقه، وانحنى ليزيل بمحرمة ورقية بعض ملامح غبار من على وجه حذائه ثم ينتبه ليجد زوجته تتابع حركاته وسكناته باستغراب واهتمام وتسأله لما تيقنت من لمحه في بريق عينيها رزمة تساؤلات:
    ـ إلى اين با عزيزي مبكرا؟
    رد بفتور وهو يمرر مشطا ليسوي من عطالة شعره المنكوش امام المرآة:
    ـ إلى العمل ... طبعا.
    وكأن الجواب غير المنتظر منه هزها استغرابا فاستوت جالسة في مرقدها وقالت له بنبرة انكارية:
    ـ أتمازحني؟ إنه الشؤم عينه عند الاصطباح بالهزل.
    ضحك ضحكة في غمغمة ثم رد قائلا :
    ـ إن اليوم ياعزيزتي الثامن من شتنبر، ولعله تاريخ مميز تمَيّز تواريخ أعياد ميلادنا...
    نظرت إليه نظرة كئيبة، حاولت أن تحجب من حدتها بيديها ألمرتعشتين ثم ردت بصوت هامس:
    كأني بك ازهمررت يا رجل... !
    وجد ردها حامضا و مستفزا فاكتفى بأن اشاح عن وجهها في صمت لحظة وجدتها ـ هي ـ دهرا ثم اقبل عليها ليسألها في استغراب:
    ماذا...؟ كيف لك أن تقولي ذلك ؟
    ـ إنك يا عزيزي ـ بكل بساطة ـ قد تقاعدت... وحسم امرك فلا...شغل من تاريخه... !
    لدى سماعه لجوابها أحس بحرارة تتولد في أعماقه، ما فتئت أن أخذت شحنة منها بمعظم رأسه ،ثم تحولت إلى دوخة خفيفة كاد أن يفقد على إثرها توازنه، بيد انه تماسك ،واسترد ـ ايضا ـ ذاكرته الشاردة معبّرا عن حلولها بضربة خفيفة على جبهته.
    تهاوى جالسا على اريكة كانت وراءه وأخذ يفك بيد راعشة ربطة عنقه ..ولما استوى سكن وغفا في ثوان وما ...استيقظ .

    1: فقدان الذاكرة


    الكاتب : حدريوي مصطفى (العبدي)
    البيضاء في 26/11/2016
    صباح الورد لك
    هي حياتنا والمأساة التي يعيشها أغلب مجتمعاتنا مع الأسف
    بطالة وعطالة وأمراض وكوارث يعجز الوصف عنها
    أخذت على النص هذا السرد المسهب فأصيبت القصة بالتهدل والرتابة الشديدة
    يمكنك أن تكثف النص كثيرا وتستغني عن الكثير من المفردات التي جاءت شرحية وأخذت من النص الكثير
    هذه رؤيتي التي أرجو أن تتقبلها لأنها تقبل الخطأ قبل الصواب
    تحياتي لك

    اترك تعليق:


  • عبدالرحيم التدلاوي
    رد
    أكرر ما ذكرته في تعليقي هناك:

    لا أملك إلا أن أصفق لهذا النص المتميز لغة وسردا وموضوعا..
    قرأته منبهرا.
    مرحبا بك هنا وهناك.
    مودتي

    اترك تعليق:


  • محمد فطومي
    رد
    لم أتحدّث فيما عدا شروط القصّة و ما ينبغي لها أي بالضّبط ما تمنّيت أن يكون حديثنا حوله سيّدي الكريم،
    أجلّ النّاس و محبّ لهم ناهيك عن كتاب القصّة و متابعيها، و لم تركبني نرفزة بي كما لمّحت أستاذ مصطفى، و كما بدا لك أنّ قلمي متوتّر بدا لي بالمثل أنّ قلمك متوتّر، هذا كلّ ما في الأمر.
    عموما أعتذر عمّا لم أكن حقّا صائبا في شأنه.
    مؤكّد أنّ نظرة كلينا للإلغاز في القصّة متباينة كلّيا لكن هذا لا يفسد الودّ بيننا.
    لم أطلب أن تجاملني أو تسايرني سيّدي تماما كما أنزّهك بالمثل أن تكون قد طلبت منّي أن أجاملك أو أن أقبل مُسلّما ما بدا لي قابلا للنّقاش.
    أنت أهل العفو أستاذ مصطفى.
    تحيّة طيّبة صادقة.

    اترك تعليق:


  • فوزي سليم بيترو
    رد
    هي حالة تترافق مع ضمور النشاط العضلي والذهني
    فما بالك لو أن مرحلة التقاعد قد طغت على العقل الباطن منه والخفي .
    هذه شريحة للجانب السلبي والمرضي من المتقاعدين
    لكن هناك أيضا فئة أخرى تنتظر الإنفكاك من الوظيفة حتى يحيون كما يحبون
    دون عوائق أو محظورات .
    الكتابة في هذا المجال أمر ممتع ومشوّق .
    تحياتي لك أخي حيدريوي مصطفى
    فوزي بيترو

    اترك تعليق:


  • حدريوي مصطفى
    رد
    الأديب محمد فطومي مساؤك سعدٌ ويُمين.
    أحس كأن اللغة بيننا عالية وكأن شيئا بيننا يحترق...
    أرجوك ...لا أرغب في أن ينحو تبدلنا للنقاش نحو مماحكة مملة وفارغة، فكلانا يمثل جانبا من النخبة الواعية المتنورة القادرة على تدبير الخلاف مهما كان ضربه وشدته وتحويله إلى وئام دون ضرب من ذا وذاك تحت الحزام...
    لغة اللمز والهمز لا تروق لي ولا اتعاطاها أسلوبا في حديثي، حتى في حياتي اليومية ...فما بالك في مجال أجله واحترمه واحترم أهله وهو مرآتي...
    أخي...لنُسم الأمور بمسمياتها :
    وجهة نظرك تقبلتها ولم ارفضها وإنما... حاججتك فيها فقط ! فهل النقاش والمحاججة رفض ؟ ! فإن كنت مكاني حتما ستسلك نفس الأسلوب .
    ماذا ؟ هل كنت تنتظر مني أن اسايرك؟ ..اجاملك ؟ فهذا ليس من شيمي. لربما أنت ـ بعد إذنك ـ من لم تتلق بصدر رحب ردي رغم انه كان مقنعا على ما يبدو فاعتليت قلمك ونرفزة تركبك.
    أخي ...تأويل النص لا ادّعي أنه قصر على الكاتب فقط وأن القارئ لا قبل له عليه...
    كلنا نسمع بتعداد القراءات وانا متيقن أنك تؤمن بها ولربما قد تجد اكثر من قراءة لنص واحد حسب الاجتهادات والمعايير التي يتبناها كل قارئ...
    لك مثلا نص( الطوابق ) للأديب حسن الشهب... ـ هنا في المنتدى كم عضوا فتته وخرج بخف حنين منه قانعا انه لم يفك لغزه لأن التورية فيه كانت رصينة، والإضمار إضمار متمكن عارف بصنعته...بل بحر في إبداعه.
    أخي محمد فطومي ـ عود على بدء ـ العطالة لا تتآكل منها المفاصل بدليل أن شبابا كثر بالملايين عبر العالم عاطلة ولكنها سليمة تجري تقفز...فصاحبنا هذا ستيني والروماتيزم هو ما يعاني منه في الغالب تبدأ هذه الآفة عملها في الأجساد عند منتصف الأربعينات..
    دعنا نتعدى هذا فهو عدا شيء ثانوي فقد كنت افضل أن يكون نقاشنا فيما اجدى وأفيد مثلا :هل استوفت القصة الشروط، وهل تفوقت أو فشلت في الإحاطة بالهدف... وهل كانت أدوات الصياغة له جيدة وناجحة...
    دعني اهمس لك : أن العنوان كان لهدف التسويق والتشويق لا غير...كنت مخيرا بينه وبين نيسان ففضلت أمنيزيا لوقع الكلمة في النفس و العقل والقلب.
    أرجو ان يكون القلب صفا والعقل عفا حتى وأن لا إساءة مني كانت.
    التعديل الأخير تم بواسطة حدريوي مصطفى; الساعة 04-12-2016, 19:14.

    اترك تعليق:


  • حسن لشهب
    رد
    أهلا بك أخي مصطفى
    سعادتي بالتواصل معك مزدوجة
    أولا فين غبرتي
    ثانيا أستقبل بكل فرح نصا جديدا من نصوصك القوية والحق أنك أجدت كعهدي بقلمك
    دم بخير أخي مصطفى

    اترك تعليق:


  • حدريوي مصطفى
    رد
    المشاركة الأصلية بواسطة عبير هلال مشاهدة المشاركة
    مساؤك فرح

    استمتعت بقراءة نصك البديع

    صراحة أعجبتني القفلة وبما توحيه النقاط أن هناك شيئا

    ما يريدنا الكاتب أن ننتبه له ، ولكنه ليس الموت الجسدي قطعاً..

    كنت هنا لأسجل إعجابي

    وأهلا ومرحبا بك بيننا.

    تقديري الكبير
    القاصة القديرة هلال عبير أنا سعيد ـ جدا ـ بأن أنارت كلماتك البهية صفحتي وتجلى حضورك بقراءتك الرائعة
    لك تام ودادي وموفور احترامي

    اترك تعليق:


  • محمد فطومي
    رد
    واضح أنّ وجهة نظري لم تلق الصّدى الطيّب لديك بل لم تلق حتّى القبول، لكنّي سعيد لأنّي كنت سببا في أن تلحق بالنصّ ورقة شرح موازية، سهوا ربّما، لم تدرجها معه منذ البداية.
    دون إطالة سيّدي قارئك المُفضّل أو الذي لا تتمنّى أن يقرأ لك غيره هو القارىء السّطحيّ. و الدّليل على هذا و على ما سبقه قولك:
    سيدي مما سبق يحق لي ان أن كلامك لا يستقيم وما ذهبت إليه فالنصوص لا يفك خباياها إلا اصحابها وقد ننجح ـ مرة ـ في فك احجية نص ملغز ما بعدما يفتح لنا احد ثغرة فيه من خلالها قد تظهر التشعبات والمآلات...
    فأنت ترى أنّ صاحب النصّ (الكاتب) هو أيضا صاحب النصّ قراءة و تأويلا، الأمر الذي لا يمكنني فهمه.
    فقط أردت التعقيب على نقطتك الثالثة:
    ثالثا : صاحبنا هذا ليس متقاعدا من فترة غير هينة ـ كما قلت ـ من اين استنبطت هذا..فانا لم ألمّح حتى إليه ولا تواجد له بين السطور
    "استنبطت" هذا من كلامك دون حاجة إلى نبش بين السّطور ففي النص ورد:
    وقام بهدوء تام حتى يفك برفق تشنج عضلاته وأربطة مفاصله المنخورة بالروماتزم والعطالة.
    لا أدري إن كنت أفهم العربيّة جيّدا أم لا لكنّي على يقين أنّ العطالة التي تنجح في نخر أربطة المفاصل ليست هيّنة.
    تقديري و احترامي لك أخي مصطفى

    اترك تعليق:


  • عبير هلال
    رد
    مساؤك فرح

    استمتعت بقراءة نصك البديع

    صراحة أعجبتني القفلة وبما توحيه النقاط أن هناك شيئا

    ما يريدنا الكاتب أن ننتبه له ، ولكنه ليس الموت الجسدي قطعاً..

    كنت هنا لأسجل إعجابي

    وأهلا ومرحبا بك بيننا.

    تقديري الكبير

    اترك تعليق:


  • حدريوي مصطفى
    رد
    اولا : الأمنيزيا هي حالات ودرجات قد تكون طارئة ما يفتأ صاحبها أن يعافى منها تلقائيا دون ان يشعربها...فقد تكون عدا ردة فعل عن ازمة نفسية عميقة او جنة يلوذ بها صاحبها لينسى حاله العصيب... وما أدراك بقرار صاحبنا لربما يعاني صنوف ما من الأزمات ...وماأكثرها في زمنا البغيض هذا.
    فذاكرته ضعفت في اللحظة التي قلت فيها :انه (منوم أوتومات ) واسعادها عند تذكير زوجته له...فانا لم اقحم هذه الجملة هكذا نزوة ن بل هي بداية لتحول أحداث النص
    دعني اسالك اما وقع لك يوم انك كنت تبتغي جهة ما ، فوجدت نفسك قد قصدت اخرى مالوف ذهابك إليها؟ إن كان كذلك فالبطل عاش نفس الوضع
    ثانيا : ليس الروماتيزم معيارا للهرم والشيخوخة... فكم من شاب بل من طفل فقد ليونة مفاصله بضربة منه او صيّرها عوجاء !
    ثالثا : صاحبنا هذا ليس متقاعدا من فترة غير هينة ـ كما قلت ـ من اين استنبطت هذا..فانا لم ألمّح حتى إليه ولا تواجد له بين السطور
    رابعا: صاحبنا هذا لم يمت بفعل وقع الصدمة فلا شيء يوحي بذلك فهو غفا ونام...وما استيقظ...وهذا قد لا يعني ـ بالضرورة ـ موتا سريريا مطلقا قد يكون موتا معنويا لا غير ...اي قطيعة مع خرف ذاكرته العارض
    سيدي مما سبق يحق لي ان أن كلامك لا يستقيم وما ذهبت إليه فالنصوص لا يفك خباياها إلا اصحابها وقد ننجح ـ مرة ـ في فك احجية نص ملغز ما بعدما يفتح لنا احد ثغرة فيه من خلالها قد تظهر التشعبات والمآلات...
    اشكرك لكونك جعلتني افكك بعض الخيوط المتشابكة والتي من الممكن ان تحجب الرؤية كاملة
    تحياتي ووافر تقديري
    التعديل الأخير تم بواسطة حدريوي مصطفى; الساعة 03-12-2016, 21:10.

    اترك تعليق:

يعمل...
X