حتى ..وعندما تخلّوا عنه ولم يمت !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصباح فوزي رشيد
    يكتب
    • 08-06-2015
    • 1272

    حتى ..وعندما تخلّوا عنه ولم يمت !

    حتى ..وعندما تخلّوا عنه ولم يمت !


    ***


    رشيد ( فوزي ) مصباح
    (
    كاتب )
    ***


    مـداوروش في : الإثنين 28 نوفمبر 2016 ميلادى - ظ¢ظ§ صفر ظ،ظ¤ظ£ظ¨ هجرى


    --------------------------------------------------------------------------
    rachidmosbah779@gmail.com
    --------------------------------------------------------------------------
    لأن الله معنا حتى عندما يبتلينا بشيء من قبيل المرض أو الفقر والاحتياج ، وليس السبب غضبه علينا أو كرهه لنا ، بقدر ما هو رحمة يرحمنا بها وفرصة لنراجع أنفسنا واختبار حقيقي ، ننال من خلاله الأجر والثواب على قدر صبرنا إن لم يقيّض -عز وجل - من يسعفنا ويساعدنا على تجاوز محنتنا .وكم من عطايا منحناها الله دون أن نسأله !؟
    ***

    وهو على فراش الموت يستحضر كل ما فاته ، بعدما خرج سالمًا من أخطر حادث - من العديد مما تعرّض له في حياته - مستلقى يكتب وصيته يضعها تحت الوسادة ، وما فيها غير ( كريدي ) ديون تراكمت ولم يعد قادرًا على تسديدها :
    - " مرحبا بالموت كي تجي "
    لا تمنحك الأقدار فرصة أخرى لكي تصفي حساباتك مع الآخرين تأتي الفرصة مرة واحدة ، لا تعود بعدها ، لن يتوقّف الوقت لأجلك يا صديقي- لكن لديه الحق بتفقّد الأصدقاء وقد كانوا من حوله يأتونه عندما كان ينعم بصحة جيّدة ؛- " الكل راحوا "جميعهم تخلّوا عنه ، ولم يبق منهم سوى مجرّد انطباعات تركوها له ، ولم تكن سوى ضحك ومسخرة و تفاهات ...ارتسمت في الذاكرة يتصفّحها كلما يغمض عينيه أو يغوص في بحر الوجد يلج في أعماقه ، يستحضر ما يكفي من صور الذكريات يستأنس بها من كثرة ما تجافى البعض عنه :- " هل سيبكي أصدقائي علي عند رحيلي ؟ "أصبحت وحيدًا يا صديقي ، سيتظاهر البعض بعد موتك بالبكاء عليك – كما تقول - ، وحين يخيّم الصمت، فلا يجد أصحاب البطون ما يقولونه ليبرّروا تواجدهم بين الأهل والأصحاب، وستُذكر عندهم بكل خير ، يجرّدونك بألسنتهم ويبقى ما في القلب في القلب ، ثمّ يتخلّص الأهل والأصحاب منك بعدها ، يمسحونك من ذاكرتهم مثلما يفعلون بصحون المرقة الطازجة والشحوم الزائدة التي تبقى عالقة بالأواني .·
    - " لو كان ( ميشال ) حيًّا !" ·

    الآن تذكر كلبك الوفي ، وكنت تلعنه قبل تخلّيك عنه لمن لا يرحمه ؟!·اشتراه ولم يفتح عينيه ، وقامت زوجته برعايته ، وعندما كبر وكبرت معه تكاليفه قام بتسليمه لأصحاب " الرينجرز " ، فتخلّصوا منه ومن نباحه و هرشه، ليلة الاحتفال بفوز الرئيس ·
    - " تخلّصوا منه !؟... قتلوه !؟...الأوغاد ... لمَ قتلوه وقد كان يحرسهم ؟! " .

    تذكّر كلبه من فصيلة " الراعي الألماني ( چيرمن شيبارد ) ، الوحيد الذي كان يتفّقده أثناء غيابه ويتلهّف للقياه وعندما يعود فيأخذه بسيارته إلى الوادي حيث يصطاد له السمكة ، وكيف كان يحملها في فمه ولا يأكلها حتى يأذن له بذلك ؛بعض الحيوانات الفريدة من نوعها تكون أفضل من بعض البشر بمحبّتها الصادقة ووفائها لأصحابها .الجفاء من طبع الإنسان ، وكذلك الاستغباء ، والحقد ، والغيرة ، والخيانة ... وكلها من خصال البشر؛حتّى أن أقرب الناس إليه لم يزره خلال إقامته بمستشفى سوق أهراس ، و سدراتة ، وعنابة ... حيث أجريت له عملية استئصال للمرّراة .أصيب بالإرهاق ، فقد الرغبة من كل شيء تقريبًا ، من النوم والأكل ، من نظرات مشفقة يطالعه بها بعض من يزورنه على قلّتهم ، فمعظمهم كانوا غرباء من ذوي الفضل والإحسان ، ويحاول تفاديها بكل ما أوتي من جهد لأنّه صار يقرأ في وجوه أصحابها درجة خطورة مرضه ، كأن بها تقول :- " لا نجاة له المسكين مصيره الموت حتمًا " . ( المغبون !)
    لا يجد راحته إلـاّ في جهاز الكمبيوتر ، يروي له عن معاناته المستديمة ، لكنه لا يقدر على الجلوس إليه طويلاً من شدّة الألم ، فصار يفضّل الشاشة ، فهي تحمل له أخبار الدنيا كلها ، ترويها له وهو جالس أو مستلقي ، عن كل ما يحدث ولا يستطيع أن يراه ، عن الحرب القذرة الدائرة في سوريا ، والعراق ، واليمن ووو... وعن المقاومة في فلسطين ، يعيش مع الأحداث بكل جوارحه ، يتمنّى لو تنتصر المقاومة الضعيفة على النظام الجائر ، كم تعاني مثله هي الأخرى !.وكذلك يشاهد الأفلام ، السيناريوهات الجميلة تعيد له الأمل في الحياة فينسى الهمّ الذي هو فيه ، وتستمر الحياة .لكن ختلات المصلين عند الفجر وهم في طريقهم إلى الصلاة بالمسجد تعذّبه فيتمنّى :
    - " لو يحدث أن أتعافى يومًا ما ... ومن يدري ؟.. فلن أفارق المسجد ولو لحظة واحدة !"
    يستعيد الفرحة بعد غيابها عند طلوع الشمس ، حين تدبّ الحياة وينهض الأحياء ،فيشعر بالسعادة ، والتي يفتقدها من كثرة الإرهاق والهواجس التي تبقيه معظم الليل صاحيًّا .يريد التخلّص من رؤية الموتى عندما يغفو قليلاً ، فيصيبه الهلع عند استفاقته ، ولأنه لم يستمتع بالدنيا كما يجب ، ولا يزال في بداية عقده الخامس يتمنّىوقد عاث كالحيوان فسادًا في الأرض ، لكنه لم يتلذّذ من أطيب ما فيهاحتى أنّه كره ذكر ماضيه أمامه ، بالكاد يستثنى الطفولة السعيدة منه ،كان قد قضّى أيّامها الجميلة في اللهو واللعب والمرح مع أمثاله من الصبيان الأبرياء .
    الآن فقط قد بدأ يعرف سر الحياة ، وبعد أدائه العمرة ومخالطة الصالحين من الناس ، أصبح يركن كثيرًا إلى جانب الدين والأيمان :
    - " إنّما أراد الله أن يميّزنا بالدين عن بقية الحيوانات " .
    الآن على فراش الموت صرت تؤمن به ، وكنت من قبل لاهيًا عنه لاغيًا فيه.
    .../... يتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 07-12-2016, 06:36.
    لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
  • مصباح فوزي رشيد
    يكتب
    • 08-06-2015
    • 1272

    #2
    سلك منهجًا غير الذي قُدّر له .. قد يكون سببه غياب العناية المفروضة ولا يمكن بأي حال إهمال الظروف الأسرية والمجتمعية التي نشأ وترعرع فيها وتضلّع منها لمّا كبر ؟ا
    حال معظم الجزائريين ؛ الذين ترعرعوا في جو غير مألوف ، أضحى الكل يعتقد في هذا الكلام ، الصغير و الكبير وحتّى أولئك " المخضرمين " الذين عايشوا الاحتلال ثم لاحظوا انهيار الدولة على أيدي أرباب السياسة سابقًا ، ثم سماسرة المال والأعمال بعد موت الشعارات الماركسية الغبية
    • " على الأقل كانت هناك عدالة إجتماعية "

    لكن صديقي طريح الفراش لا يريد أن يفرّق بين موجة " الشعبوية " التي ركبها السياسيون فبرزوا وتعالت أصواتهم وأصحاب التصفيقات التي راودت خطاباتهم وبها نالوا مبتغاهم … لا عليك فهذه حكاية أخرى ؛ قل لي بربّك كيف خالفت جميع القيّم أنت من تربيت في كنف الصحوة بين حلقات الذكر وقمت بتربية كلبك الأسود :
    - " ذاك الشيطان ؟ا "

    سوى لأنّك ممّن ركبوا الموجة :
    • - " الكلاب .. "

    قاموا بتهميشه فترة من الزمن ثم استردّ الثقة في إمكانياته رغم نسيانه كل الدروس التي تلقّاها في المعهد لذلك قام بتغيير أساليبه واندسّ وسط الصفوف ؛ يبايع ويصفّق يدفع الشكوك عن نفسه ، يكسب الأطراف من حوله … حتى استأنسوا منه ثم خرج بعدها من بينهم يبحث عن مكانة مميّزة ة فصار فردًا منهم
    استطاع " الخبيث " إخفاء ضعفه وتستّر على نقص تجربته ، يقتني لنفسه القوّة والحنكة فأصبح لديه مثل ما لديهم من الوسائل البرّاقة ، اكتسبها بطرق مشبوهة ،
    وسيأتي اليوم الذي يفضح فيه الجميع ، وحتى نفسه ، ومن شاركه في الإثم ، دون أن يستثني أحدًا .
    لعله بذلك يكون قد تخلّص من التأنيب الذي بات يعاني منه ولا يفلته حتى ينام ، ولا يتركه كي يموت بهدوء:

    - " ما عاد يسعدني العيش وما طاب فيه من ملذّات "

    ولا حتى الكلب الأسود " ميشال " الذي صار اليوم موضة ارستقراطية ، ولا سيارة الـ " الغولف " الناصعة البياض التي غيّبته عن الواقع ، من باب الصدفة أن يكونا ألمانيين ، لكن الألمان يتميّزون عنه بالجدّية و الإخلاص في العمل ، ومنتجاتهم رفيعة المستوى لديها سمعة طيّبة ، وكذلك حيواناتهم وكلابهم - على اختلاف ألوانها - فسلالتها معروفة و حتى ثقافتهم الأرستقراطية فهي أصيلة ؛ بينما راح يبحث عن رفاهيته المنبوذة بشتى الوسائل ؛ فحرق الأشواط ، وركب الموجة مع المقامرين السرّاق ثم خرج بوسائل برّاقة لعلّه بها يعوض جميع النقص الذي يعاني منه … يبحث عن أرستقراطية مسخة بشتّى الوسائل .الأرستقراطية القائمة على نهب المال العام ، واستغلال المنصب ، واستعمال النفوذ … لكن النظام رعاها فتح لها وله الباب كي يقوم بألاعيبه الخبيثة ثم غلقها عليه عندما شعر بخطورة تحوّله إلى رجل صالح :
    - " أنانية .. غباء .. رداءة ..عالم سيّء وقبيح "
    - دع عنك هذا " النباح " الذي قتل كلبك الألماني وعد الى مصيرك الأسود ضاعت الآخرة من بين يديك ، أنت الآن على فراش الموت والكل قد تخلّى عنك بسبب هذا الهراء -
    يتبع .../...

    التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 05-12-2016, 03:35.
    لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

    تعليق

    • مصباح فوزي رشيد
      يكتب
      • 08-06-2015
      • 1272

      #3
      - " فليتخلّ الجميع عنّي ، لست أبالي ، أنا راض عن نفسي حتى وإن لم يرضوا عنّي ، خدمتهم بما استطعت ، وأخرجت البعض منهم من دائرة الحرمان ، لولايا ماكانوا ليستفيدوا بشيء ، أنا الذي وقفت معهم ، مازلت ولحد الساعة أتكتّم على أسرارهم ، الاختلاسات التي قمنا بها ، الـ" بن عمّيس " الذي استغلّوه فيّ ، الرشوة التي كانوا يقدّمونها في صورة هدايا ، التزوير الذي حصل بالفواتير المضخّمة ...كل ذلك وأنا على يقين أنها لاتزال تمرّ عبر كواليس الجماعات ، والهيئات التي تشرف عليها ولا تراقبها ، غدت تقاليد من بيدهم السلطة ، ومفتاح - متعدّد الاستعمالات - ، وكل من يريد الحصول على المزايا من المال العام المنهوب . بالرشوة استطاعوا الوصول اليّ ، وبها تم القضاء عليّ ، يضيق صدري أحيانًا كثيرة حتى أنني أريد البوح بأشياء جد خطيرة ، قد تقضي علينا جميعًا ، ولكن ضميري يأبى ذلك ، فأنا لا أريد الانتقام لنفسي بقدر ما أحب أن أنبّه غيري إلى فداحة الأخطاء التي ارتكبتها بسبب الأمور النفسية كالتي أعاني منها ولم أجد لها حلاًّ سوى بالهروب من الهواجس والوسوسة الى كل منحنى خطير ، لأنّني كنت ضعيفًا ومخطئًا يومها سيما عند إصراري على تحمّل المسؤولية ولم أكن قدّها ، و لا يمنحونها في هذا البلد إلاّ لمن يخدمهم ، لاتهمّهم الشروط ، لايهمهم السن ، و لا الدبلوم ، ولا الخبرة ... وكل ذلك يعدّونه غبارًا يذرّونه على الأعين كي لا تبصر . لكنّني أتجاوز محنتي بالصبر على حالي ، وصدري الذي صار برميلاً كبيرًا للأسرار ، لم يعد يتحمّل قوّة الضغط ، أرى الخزي مرتسمًا على جبيني ، كلمّا رأيتهم أو سمعت عنهم " يتمارون في الفوق " كأنّني لستُ شيئًا لديهم !! نسوا كل الخدمات التي قدّمتها لهم ، إنّهم لا يعجزونني ، فقط أكتم سرّهم ، هم ليسوا شيئًا بالنسبة لي ، فحياتهم كلّها غش ونفاق وزور وبهتان ..ورغم كل ما يقومونه من أعمال يقولون عنها " خيرية " وما اكتسبوه من الحرام ، فأموالهم التي يحجّون منها ويبنون بها المساجد ( إن الله طيّب لا يقبل إلاّ طيّبًا ) أتحدّاهم أن يقرّوا بها على الملأ، و كيف حصلوا عليها .. وهل من حلال اكتسبوها ؟ا
      .
      ( دع عنك هذا يا عم ، واهتم لنفسك ولا تقل إن حالك يشبه هذا الشعب الغلبان ، الذي خرج يبيع صوته من الجوع مقابل رغيف . هو لا يهتم لأمرك و لمرضك الخطير الذي لم يعد يحتمل كل المآسي التي تستعرضها أمامه ،لاتحمّل نفسك ما لا تطيق ) .
      كلام خطير هذا الذي يريد إفشاءه اا لكن بعد ماذا ؟ا فهؤلاء الاشخاص عرفوا كيف يتسلّلون إلى الأروقة أوقات السهو ، ثم احتاطوا بعدها لأنفسهم ، وشكّلوا جدارًا منيعًا أمام كل محاولات التغيير اليائسة ، وهل يجب أن يكون مثل أولئك البائسين بعد إذ عرف طريقه إلى الله ؛
      استسلم معظمهم ولأنهم لم يعودوا قادرين على التغيير ، حتى أنّهم اكتفوا ببعض الحظوظ التي مُنحت لهم مقابل صمتهم المطبق على الأوضاع ؛ فحصل هذا على سكن مدعّم و اكتفى ذاك بسيارة برّاقة ، ولم يعودوا قادرين أو مستعدّين للتنازل عنها بأي ثمن .
      التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 07-12-2016, 05:49.
      لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

      تعليق

      • مصباح فوزي رشيد
        يكتب
        • 08-06-2015
        • 1272

        #4
        - " عندهم الحق "
        أنظر إلى نمط عيشهم البهي الذي لم يعجبك ، وإلى مستقر حياتهم البرّاقة كيف يتلذّذون فيها وبنيهم ( ولا يزال قادرًا على العمل وتذليل كل العقبات التي نشأت بينه وبينهم ) اعتدالهم وتواضعهم وتقبّلهم لواقعهم رغم ما تقول عنه بأنه جبن وخنوع لكنهم استطاعوا في النهاية تحقيق كل الرغبات حتى أنهم صنعوا لأنفسهم مجتمعًا .و عد إلى نفسك لترى حالك وأنت فردٌ ، وحيدٌ قد تخلّى عنك الأهل والأحباب :
        - " كل ذلك بسبب عنادي ورعونتي " .
        لكن ليس جرمًا ولا عارًا أن يكون فردًا وحيدًا بينهم والمثل عندنا يقول " مكثّر لحباب متلّف خيارهم "كما يحق لهؤلاء البشر أن يشتروا الدنيا الحقيرة بفلوسهم التي لا تسوى شيء أمام الآخرة . فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة كما قال عنهم المولى – عز وجل – ربمّا يكونون قد استطاعوا أن يصنعوا بها مجدهم ومجتمعهم ، لكنه مجتمع مزيّف يرضى بالقليل ويرفض التغيير ، ترى أصحابه بملامح الذل والخنوع يتملّقون في الأروقة وبين المجالس ، كما في الأعياد والمناسبات عندما يحلقون ذقونهم ويرتدون اللّباس الفاخر من فوقه البرانيس المتدنيّة ، وعند دفن الموتى في القبور يتظاهرون بأنواع الخشوع الزائف من المهانة وأمام الخلائق ، ولأنّهم تقمّصوا شخصيتان ، واحدة حقيقية لا يجب أن يطّلع عليها إلاّ من يعرفهم جيّدًا من المقرّبين جدّا ، والأخرى نراها عند ارتدائهم للأقنعة المزيّفة البرّاقة . فلا يجب أن نلومه على إهدار كل الفرص التي سنحت له ، فلم يكن حينها انتهازيًا بالقدر الذي يجعله يستغني عن الغير ، أو على اختياره للعزلة كنمط ليغيب عن أنظار من يريدون العيش بدون تكاليف ، فالطبائع تختلف ، ومن أولئك الخانعين من لا يشبه الإنسان إلاّ في شكله ومظهره ، والحياة بالنسبة لهم هي اكتفاء ذاتي لا غير .فهؤلاء عرف سرّهم عند أول اختبار لهم كان بمثابة ديمقراطية حقيقية ، عندما رفعوا الشعار :
        " فيلا .. طوموبيلة .. طفلة جميلة ".


        .../...يتبع
        التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 09-12-2016, 09:42.
        لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

        تعليق

        • مصباح فوزي رشيد
          يكتب
          • 08-06-2015
          • 1272

          #5
          أين هو من تلك الأيام ومن ذاك الشباب ، لا يعرف قيمة النعمة إلاّ من فقدها " الصحّة تاج فوق رؤوس الأصحّاء لا يراه إلاّ المرضى " . امتحنه الله بقليل ممّا عند الرجال فطغى ، ولو عرف كيف يحافظ عليه لما احتاج الآن إلى أحد ، أو تصدّق به -على الأقل -:
          - " لكن الله لا يقبل إلاّ طيّبًا "
          المهم في كل ذلك أن الله أعطاه فرصة بعد حادث مميت ، نجى منه وابنته البكر بأعجوبة ، لكن يبتليه الله بمرض خطير، فكان لا بد له من الصبر حتى يعرف ما تخبّئه الأقدار ، تقوده إلى حيث يراجع نفسه ويتلقّى درسًا في الصبر والتواضع بمستشفى سوق أهراس الجهوي ، حين تعرّف على المبتلين فتدارك نصف وعيه ( الاجتماعي ) الضّائع :
          - " كنت أزعم أنّني أعرف كافّة أبناء سوق أهراس ؟ا "
          " الحاج لخضر " ، مهذّب وأنيق ،ابن حي " الطقطيقة " المهمّش ،فيه سمات القلائل ،لا تكاد ترى أثرها في وجوه وسلوكيات بعض أبناء المدينة " الأوغسطينية " المدلّلين ؛- ابن الستين من العمر ، صريح و متفتّح ، كثير المواظبة على الصلوات ، لا يحب أن تفوته حتى الرواتب والسنن ، حزبه أمر فوات الضحى نسي يصلّيها ذات مرّة ، سها عنها حين كان يجادل في كلام السياسة الفاضي ، ومن شدّة حرصه على أدائها في وقتها ، حرصه على قراءة بعض الجرائد الفرنكفونية التي تأتيه ، عندما يخرج نظارته الطبية فيستغني بها عن الجميع .ليس هو وفقط بل تعرّف أيضًا بذات المستشفى على " عمّي حميد " ، رئيس المحطّة ، تقاعد من السكك الحديدية ، الفكاهي المنكّت ، يعرف الجزائر برمّتها:
          " دُرتها سليلة ومليلة " قالها ذات مرّة متحسّرًا على سوء الحال والمآل .ابتلاه الله بداءٍ " السُكَّريٍّ " مزمنٍ ، سبّب له الغرغرينا فبترت ساقاه ولم يؤثّر ذلك في رغبته إضفاء المرح على أجواء المرض :
          - " مازلت أتذكّر تلك القصّة "
          عن حمار قاضي المدينة الذي كثر نهيقه حتى أن كل الناس تذمّروا من صوته المزعج ، غير أنهم تحمّلوه خوفًا من صاحبه القاضي . مات الحمار بعد مدّة ، فخرج جميع من في المدينة يقدّمون العزاء للقاضي ، يعدّدون محاسن الحمار أمامه ، حتى أن البعض منهم راح يبالغ في محاسنه بقوله :
          " هنيئاً لذلك الحمار الذي ولد وفي فمه ملعقة من ذهب ، كيف لا وقد عاش وهو يغرد بصوته الشجي ليلٍ نهار " .
          مات القاضي بعدها بسنوات ، فلم يخرج في موته أحد .
          التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 13-12-2016, 02:04.
          لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

          تعليق

          • مصباح فوزي رشيد
            يكتب
            • 08-06-2015
            • 1272

            #6
            كذلك الحال بالنسبة للخال أحمد المرهون بمكانه من مرض مزمن و عزلة فرضت عليه ؛ لم يقم من سريره منذ شهور ، ولا كلّم أحدًا .لا يُسمع منه سوى أنينٌ مزعج أو نزاعٌ متواصل . زوجته البائسة ، الكهلة بنت الستين ، ضربت الحجْر عليه وحشرت نفسها في مربّع الموت تعاني هي الأخرى ، تناهز بالأمل زوجًا يصارع رمقه الأخير منذ سنين ، قلّما تخرج لتقضي حاجة إلاّ عند الضّرورة أو حين تريد غسل الأطباق لتعود إلى زوجها الذي لا يلبث هنيهة حتى يعاوده الوجع فيصرخ من جديد . لا يجسر على قطع خلوتهما خلاف الممرّض المناوب أو الطبيب ، قيل عنه إنّه مريض بسرطان البنكرياس ، صار له ثمانية أشهر وهو يرقد بذات المكان ، جندي متقاعد قاموا بإحالته من المستشفى العسكري عندما يئسوا من تماثله للشّفاء . من يومها ولا أحد زاره من الأهل أو الأحباب ، غدا وحيدًا كشجرة ميّتة اجتثّت من الجذور.رقّ قلبه لحاله فتشجّع ونهض إلى مربّع المكان يرغب في كسر الحجْر اللّعين:
            - " الحاجّة ..السلام عليكم ورحمة الله وبركاته "
            فتردّ:

            - " وعليك السلام بُني "

            الزوجة كأنّها كومة صوف بلباسها التقليدي القديم تدير ظهرها للأيام والدنيا وللنّاس أجمعين ، من الهمّ والغم وقلّة الموّاساة ،زوجها مستلقي يصرخ كما لو يحشرج من الوهن كما لو بلغت روحه الحلقوم ، ملامح الشيخوخة تبدو على الوجه المغصوب والعينين الغائرتين تستنزف ما تبقى من عمر يناهز السبعين ، ذاب جسمه من طول ما استفحل به المرض حتى بلغ مداه ، يناجي ربّه ينشد الموت الرّحيم .تقدّم إليه واضعُا يمناه على رأسه ، بسمل وحوقل وقرأ عليه بعض الآيات من الذكر الحكيم . دنا منه :
            - " السلام عليكم .. طهور عمّي الحاج "
            بصوت لا يكاد يُسمع ردّ المسكين.

            إلتفت إلى المغبونة زوجته :
            - " لا أراك الله مكروهًا خالتي ، أراكِ تحجّرتِ واسعًا ؟ا هوّني عليكِ أمّاه "
            علمت أنّ الوقت قد حان لتفسح المجال لزملائه المرضى يزورونه ، فعملت بنصيحته وقامت إلى جميع الأغطية فأماطتها .

            التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 13-12-2016, 02:21.
            لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

            تعليق

            • مصباح فوزي رشيد
              يكتب
              • 08-06-2015
              • 1272

              #7
              مدير المستشفى جاءه لتوّه إلى الصّالة متسلّلاً عبر الأروقة والأبواب ( يبدو أن الممرّض هو من زفّ الخبر ) .
              بادره بالترحيب فورًا حتى لا يلومه على الإخلال بنظام المستشفى ، ثمّ ترجّاه لعلّه يجد حلاً لمعاناة الخال أحمد:

              -" تشرّفنا بحضوركم بيننا سيّدي … كما ترى فالخال أحمد أصبح يعاني أكثر من ذي قبل بسبب تزايد الألم ، هو في حاجة ماسّة لمسكنات لعلّه بها يهدأ وينام "
              - " بارك الله فيك على نصيحتك وعلى تضامنك وتفانيك ... لكن أمره استعصى عليّ ولا أجد ما أقدّمه له خلال كل الشهور ومنذ أن توافدوا به إلى هذا المستشفى غير زجاجات أقوم باحضارها له من عند بعض الزملاء وعلى حسابي الخاص " .
              كان لقدوم المدير إلى الصالة أثرًا إيجابيًا على معنويات المرضى، وعلى حالة زوجة الخال أحمد خاصة بحيث تحرّرت المرأة وراحت تخدم مريضها المحجور بأريحية كبيرة . ونجح من جهته في هذه المهمّة النبيلة فنال احترام جميع المرضى الذين رأوا فيه صورة الملك المنقذ .
              جاءه الممرّض الجبان ( من كان وراء الأخبار التي تصل إلى المدير) يطلب منه شيئًا لم يكن في الحسبان:
              - " أريد أن ترقي لي "
              - " لكنني لست مرقّي ولا أحمل من الكتاب سوى بعض آيات أصلي بها "
              لم يفلته الرجل وراح يصرّ عليه ويتوسّل إليه .جن اللّيل و أرخى سدوله على المستشفى والمرضى جميعهم نيّام و ليس سواهما بقى حيًّا .تسلّلا إلى مكتب المراقبة والمناوبة الطبية ، هناك جرى حوار بينهما ، عرّفه الرجل بنفسه وأنّه من قرية اسمها المراهنة تقع في الحدود التونسية . ( هو يعرفها أشد المعرفة لكنه لم يبد له ذلك ) ، عن ظروفه الخاصة وأسباب قدومه من العاصمة ليعمل كمراقب بسوق أهراس ، وأنّه ممّن يعتقدون كثيرًا في عالم الغيب والرّوحانيّات ، كما أنّه وثق به من أوّل نظرة رآه فيها ...وزاد عليها :
              - " شوف يا صديقي المحترم أنا عندي أربع جنّيات يعملن لحسابي الشخصي ، اقوم بارسالهن فيأتونني بالأخبار التي أريد … وأنت ماذا لديك ؟ "

              - " انا عندي جنرال كبير لا يقدر عليه أحد "

              - " أعرف ذلك "

              - " أمره غريب هذا الأحمق ؟! "
              تساءل المسكين .
              لم يجد ما يرد به عليه ، فاختلق له خزعبلة لعل وعسى يتركه يعود الى سريره أو على الأقل يغمض عينيه قليلاً .لكن الرجل تمادى في كلامه حرصًا على إبقائه حيًّا طول الوقت إلى أن حان وقت الجد:

              - " هناك مكان في هذا المكتب أرقيك فيه .؟ "

              من المؤكّد أن تجد مريحًا لدى المناوبين مكانًا للاسترخاء وحتى للنوم خلال أوقات المناوبة الليلية ، وعندما يشعرون بالنعاس فيقومون بهتك الواجب والأخلاق المهنية بعيدًا عن كل رقابة . طلب منه أن يسترخي على الأريكة ثم وضع يده فوق جبينه وعصب عينيه .بدأ بالبسملة ثم تجاوزها بالفاتحة ، أناخت عليه البقرة بكلكلها فتلعثم وتوقّف ؛تراه أنهى رقيته أم أنّه قد نسي ؟و للحادث اللعين الذي كاد أن يودي به ،أثره السلبي على ذاكرته .تدارك الممرّض المعتوه حاله بعد طول انتظار ، وقام إليه بعينين معصوبتين:
              - " لا عليك ..أعرف أنّك تعبان بسبب المرض .. ما رأيك في مقايضة ؛ تقوم بزيارتي الى البيت ترقي عائلتي وأقوم من جهتي بتقديمك العلاج اللاّزم ؟"
              .
              - " بالبيت ؟! "
              - " أنا ممرّض مناوب وكما لا يخفى عليك هههه "
              شيّعها بضحكة طويلة تخترق بصداها عرض الأجواء، وختمها بكشف المستور:
              - " عندي مايكفي من قارورات مضادّات الالتهاب "

              - " ومن أين جاءتك ؟"

              - " نقوم بتسريبها ليلاً والناس نيام " .
              التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 16-12-2016, 05:57.
              لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

              تعليق

              • مصباح فوزي رشيد
                يكتب
                • 08-06-2015
                • 1272

                #8
                تمرّ الأيام ، ومن السبت إلى يوم الأحد ، دخل المستشفى مريضًا بدأه بعراك مع ممرّض مناوب رفض وصفة طبيب جرّاح ، ثم ّصار شيخًا بعد ذلك يرقي الناس من المس والوسواس ...كثرت همومه ومشاكله وزاد معها الألم فبات يفكّر في الفرار . برح المستشفى دون إذن طبّي ، لأن طبيبه الجرّاح لم يزره منذ اليوم الأول ، وكان قد أخبر ابنته البكر التي تسهر على راحته وطمأنينته ، فطلبت منه التريّث قليلاً ريثما تكلّم طبيبه يجري له العملية ، لكنه ركب رأسه وخرج مودّعا في اليوم التالي و رجع بكرة الى البيت لينزوي ، ولتحتويه جدران إحدى الغرف الصّامته من جديد ، قدكانت فيما مضى من الأيام محاورًا جيِّدًا تصغي إلى نزاعه وتألمه ويشهد عليه صداها بذلك .
                بعد شهور من الوجع والألم بدأ بطنه شيئًا فشيئًا يتورّم وينتفخ ، تخلّص من جميع الأعشاب والعقاقير التي احضرها ولم تُجدِ معه ولم تنفعه ، جاءته البنت بعد كل ذلك تقترح عليه الذهاب الى مستشفى سدراتة لإجراء التحاليل اللاّزمة ، ولشدّة الوجع فقد وافقها هذه المرّة دون تردّد ، فلم يبق لديه خيارًا آخر .

                خرج باكرًا يتبعها بخطى موهونة يتلكّؤ في مشيه تفوته قليلاً ثم تنتظر قدومه ، يتطلّع عند كل خطوة إلى الوجوه لعلّه يجد فيها جوابًا عن كل ما روّج عنه من أباطيل منذ غيابه:

                - " ناس معندهاش دم "
                من كثرة الفراغ لم يعد للناس شغل في الآونة الأخيرة سوى التجسّس رغبة .
                الفضول يشجّع أحيانًا على تقصّي أخبار من يتغيّبون فجأة ، فلا يجب بأيّ حال أن نوجّه إليهم اللّوم مجّانًا
                . وقف بعضهم مسمّرين في الشوارع و الأبواب والحيطان يراقبون خطواته المبعثرة ، يقرأ في ملامح وجوه أصحابها الحيرة والاستغراب .
                بمشقّة وصل إلى حيث أقرب وسيلة نقل ، و
                في آخر مقعد لأتوبيس يبدو كأنّه الآخر يعاني من الإهمال ومن طول الانتظار رمى بنفسه وتخلّص من مغبّة السير ومن التعب. أخيرًا انطلق ؛ السّائق كان قد جمع الفلوس قبل قطع التذاكر .
                إنّه موسم الأزهار ،
                الطبيعة تفرّغت من حياكة بساطها السندسي الأخضر ليغتنم الأحياء ما تبقّى من رمق .
                ليته يبقى حيًّا فيعود الى الديّار وينعم بدوره بما تبقّى من عمر .
                سنابل الزرع و الحقول المتناغمة تبايع تارة وترقص فرحة عند نسيم منعش هبّ يزّف بشرى لأصحاب الأرض
                .
                الحياة تنبض من حوله ريعانًا وأمّا هو فـ:
                ضربت عليك العنكبوت بنسجها *** وقضى عليك به الكتاب المنزّل .
                وفي أمثاله قال آخر :
                تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا *** وَتَنحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا

                وَتَدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدقٍ *** أَلا يا صاحِ أَنتَ أُريدُ أَنتا
                لكن لا يجب أبدًا أن يذهب نفسه حسرة على دنيا فانية حتى يفقد كل الأمل في الحياة ، و كما قال الشافعي – رحمه الله -:
                دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ *** وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ

                وَلا تَجْزَعْ لنازلة الليالي *** فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
                بجانب الطريق توجد فيرمة " روسيا " ، أصبحت تسمّى رأس العين بعد تشييد مدرسة أرض مشتة " لبّايض " الخصبة ومياهها العذبة ، جميع التحاليل التي تقوم بها دوائر الاختصاص تؤكّد جودتها العالية ، أحد الكنوز التي تزخر بها المنطقة ويستفيد ويفتخر به الأهالي ، ويقصدها سكان الأماكن المجاورة ، ويتوقّف عندها عابري السبيل ، وكذلك فعل الأتوبيس مانحًا الفرصة لبعض الركّاب:
                - " تلك الرؤية لعلّها تكون المنجية ؟ا "
                مازال الحلم الذي رآه عالقًا بذهنه ، حين جاءه المرحوم والده بالسيارة عازمًا على أخذه إلى مستشفى سدراتة بسيارته فاستوقفه عند ذات المكان وتزوّد بماء العين المباركة ، تظاهر بالبشرى كون الماء يحمل الأمن والأمان لمن يراه في المنام حسب المعبّرين للأحلام ، رغم أن رؤية الموتى كثيرًا ما كانت تزعجه .
                كانت نقطة فرصة له أيضًا استرجع البشرى فيها واستعاد الأمل في الحياة .كلّما توغّلت المركبة شمالاً زادت معالم الطبيعة من سحرها ، ظل يتمنّى لو تستمر الطريق حتى النهاية ، لكن الركاب يقطعون عليه التأمّل في كل مرّة طلبًا للصعود أو النزول فتنطلق من جديد ، والمناظر هي ذاتها ، تسلب القلوب والألباب ، تشهد على بديعها ،إلى أن تدخّلت إرادة البشر:- " سدراتة " إذانًا بوصول محطّة النهاية ،
                فترجّل خلف الرّكاب .
                مرة أخرى في موعد مع المستشفى . أمسى هذا قدره ومكتوبه .
                استوفى كل الشروط والإجراءات ، وقام بجميع التحاليل المطلوبة ، وسلّمت البنت ملفّه لإحدى الموظّفات :
                - " غرفة الجراحة - رجال"
                فطلبت منها مرافقته إلى صالة الرجال في انتظار موعد الجراحة ؟
                تكون ابنته هي من رتّبت الأمور حتى تبقيه راقدًا في المستشفى ؟
                لم يعد يعرف شيئًأ من ذلك ؟ا
                طال الأنتظار في مسلسل الأيام ، ولا جديد يذكر سوى سلسلة أكياس المصل المعبّأة تعلّق لتعوّض أخرى قديمة وكلها لم تعد تنفع في تسكين الأم ، وفي إحدى الدوريات التي تقوم بها الطبيبة صباح كل يوم :- " سئمت الانتظار حكيمة "- " أصارحك القول ، كنت أجريت لقاءً مع الطبيب الجرّاح وسوف يخبرك بنفسه عن سبب امتناعه عن إجراء العملية بذات المستشفى هذا كل ما عندي لأقوله لك وما عليك الا انتظار الجديد إن شئت "لم يعد يفهم شيئًا ؟اتجري الأقدار بما لا يشتهيه الجميعنزع الشكّة من يده ثم لحق بها الى مكتبها:- " صارحيني حكيمة الله يرحم والديك ..لماذا يمتنع القيام بها ؟ "- " هل أفضي لك ببعض...؟ "- " وكيلك الله "- " يريد أن يجريها لك في عيادته الخاصة لأنّ المستشفى يفتقر إلى التجهيزات اللاّزمة و سيجريها لك بثمن معقول "- " هكذا إذن .. بعد كل الانتظار .. لو أنّك قلت لي ذلك منذ البداية ؟ا "
                التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 21-12-2016, 05:53.
                لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

                تعليق

                يعمل...
                X