[align=center]من أذنَ لكَ بالرحيل
" محمود درويش "[/align]
[align=right]يوسف الديك [/align]
[align=justify]كعادتك دوماً ..فاجأتنا ..ومضيت ، بعد أن كتبتنا نصف قرنٍ من مهزلة الزمن الطويل ،لم تخبر أحداً انّك تخفي بينك وبين القلب فراشة ستجهز عليه ، لكنّك منذ صباك الذي لم تندم عليه يوماً ..كنت صانع المفاجآت ..تركن إلى نومنا وتطمئن ..فنصحو على نصّ يدخلنا غيبوبة الشعر دهراً آخراً ..كنت دوماً تكسب الجولات ..جولة إثر أخرى ..ويخسر الشعراء حولك .." لذا تنبّه بعضُهم لما يسيء إليك وحاول البعض الآخر حرماننا حتى من الحزن ..والبكاء وأنت محمولٌ على أعوادٍ يعرفون أنّها أبدية ..لكنهم غاروا منك ميتاً ..وحسدوك كلّ هذا الحبّ ..ودعوا شياطينهم وجنّياتهم الخبيئة كي تتساءل بما يشبه براءة القاتل في جنازة رفيق ..للّه درّك يا علم ...كيف فعلت بهم كلّ هذا ..بل كيف استطعت أن تهزمهم ميتاً كما هزمتهم طيلة سنوات حياتك ..بالصمت والشعر ..ليظلوا صغاراً حول نعشك كما عاشوا حول شعرك .. يا لك من حيّ غريب ..وميّت مختلف ، هكذا يا محمود ..تتركنا لكل هذا القهر ..وتمضي ، هل سمعك الموت ..ومنحك المزيد من الحلم لتعد جنازتك في الربيع الهش حيث ولدت ، حيث ستمنع الخطباء من ترديد ما قالوا عن البلد الحزين ..وعن صمود التين والزيتون في وجه الزمان وجيشه ، ؟ هل استطعت ترتيب حقيبتك ، فرشاة أسنانك ، صابونك ، ماكنة الحلاقة ..والكولونيا والثياب ؟ .
عد أيها المسكون فينا نسألك ..كما سألت من قبل ..عن اعتدال المناخ هناك ..وتحول الأبدية البيضاء في الخريف وفي الشتاء ...عد لتخبرنا ما لغة الحديث هناك ..دارجة لكل الناس ، أم عربية فصحى ..وكيف وجدت ..هل كتاب واحد يكفي ..أم تحتاج مكتبة لتسليتك مع اللاوقت ؟ ...وكيف الموت يا محمود ؟؟ هل كان صياداً شريفاً ..أم كما تنبأت له يوماً ..تخيّر شريانك المتعب ، ورصد لحظة الضعف الأخيرة ...واحتاج مرضك كي يقتلك ؟ لمَ لا تقل فنطمئن عليك ؟ وقد خسرنا نصف الشعر من بعدك ..ولا أقول كلّه كي أرضي غرور بعض الشعراء ..وأستفزهم لفعل الكتابة ، قلّة فقط يعرفون أن كل كتابة بعدك عدم ...وكلّ شعر ألم ..وكل كلمة تقطر حروفّها سُمّاً أو لحنَ دَمْ .
محمود ...لست حزيناً جداً ..فلا تغضب ، فبعد رحيلك فقدت حتى إحساسي بكنه الحزن وطبيعته وأسراره ، ولم نستطع نحن المدمنون عليك ، حتى من فهم الغصص التي خلّفتها ..فكيف لك أن تقلب طاولة الموت على رأسه ..وتجعل منه تافهاً ، مخادعاً ..وجباناً ..غادراً بكل هذا البرود ..والهدوء والصمت ؟ ليرحل من يرحل بعدك ...فلم يعد للرحيل ذات النكهة فينا ..فقد أنهيت ببراعتك المعهودة أحاسيس الفقد كلّها ..فانسكبت أرواحنا في قبرك ..وسؤالك الأبدي تلبّس كل منا ...فبات يسأل .." هل أنا حقاً أنا ..هذه لغتي ..وهذا الصوت وخز دمي ؟؟ "... كم مرّة سيعود التاسع من آب ..مثقلاً بالهزائم الجوّانية ..وأوني الخزف التي حطمتها فينا ومضيت ، لمن تركت فلسطين ؟؟ لمن ؟؟ لهزيمة الذات أمام ذاتها في غزّة ..أم لانتكاسة أوسلو التي رفضتها ومهزلة أخواتها في رام الله ؟ .. وأنت تعرف جيداً أن قبرك أرحب مما تؤول إليه اريحا ...لهذا اختصرت الطريق علينا وعليك وعليهم ..ومضيت مكلّلاً بغار الشعر طوع حنينك للتراب ورحابة القبر . ..، ننزفك كلّ حرف كما لم لو أننا ندخل تخوم اللغة قبلك قط ،..وننتظر مل صباح قصيدتك الجديدة ...ونتذكر أنك ستمتبها في عالم آخر ..ربّما للملائكة الصغار الطيبين ، كما كنت بيننا أبدا .أيها الماهر حتى الموت ..كيف رحلت قبل أن تنمو عريشة العنب الظليلة ...والنعناع في خُوذ الجنود ؟ هل قدّرت أنك فائض عن حاجة هذه الأمّة المثقلة بالهزائم والانكسارات ....هل كنت ستكتب لو بقيت على قيد الشعر " وانت تموت ..فكّر بشعبك ..( ثمة من يرفضون الرحيل ) ؟ " ..[/align]
*******
21/8/2008
" محمود درويش "[/align]
[align=right]يوسف الديك [/align]
[align=justify]كعادتك دوماً ..فاجأتنا ..ومضيت ، بعد أن كتبتنا نصف قرنٍ من مهزلة الزمن الطويل ،لم تخبر أحداً انّك تخفي بينك وبين القلب فراشة ستجهز عليه ، لكنّك منذ صباك الذي لم تندم عليه يوماً ..كنت صانع المفاجآت ..تركن إلى نومنا وتطمئن ..فنصحو على نصّ يدخلنا غيبوبة الشعر دهراً آخراً ..كنت دوماً تكسب الجولات ..جولة إثر أخرى ..ويخسر الشعراء حولك .." لذا تنبّه بعضُهم لما يسيء إليك وحاول البعض الآخر حرماننا حتى من الحزن ..والبكاء وأنت محمولٌ على أعوادٍ يعرفون أنّها أبدية ..لكنهم غاروا منك ميتاً ..وحسدوك كلّ هذا الحبّ ..ودعوا شياطينهم وجنّياتهم الخبيئة كي تتساءل بما يشبه براءة القاتل في جنازة رفيق ..للّه درّك يا علم ...كيف فعلت بهم كلّ هذا ..بل كيف استطعت أن تهزمهم ميتاً كما هزمتهم طيلة سنوات حياتك ..بالصمت والشعر ..ليظلوا صغاراً حول نعشك كما عاشوا حول شعرك .. يا لك من حيّ غريب ..وميّت مختلف ، هكذا يا محمود ..تتركنا لكل هذا القهر ..وتمضي ، هل سمعك الموت ..ومنحك المزيد من الحلم لتعد جنازتك في الربيع الهش حيث ولدت ، حيث ستمنع الخطباء من ترديد ما قالوا عن البلد الحزين ..وعن صمود التين والزيتون في وجه الزمان وجيشه ، ؟ هل استطعت ترتيب حقيبتك ، فرشاة أسنانك ، صابونك ، ماكنة الحلاقة ..والكولونيا والثياب ؟ .
عد أيها المسكون فينا نسألك ..كما سألت من قبل ..عن اعتدال المناخ هناك ..وتحول الأبدية البيضاء في الخريف وفي الشتاء ...عد لتخبرنا ما لغة الحديث هناك ..دارجة لكل الناس ، أم عربية فصحى ..وكيف وجدت ..هل كتاب واحد يكفي ..أم تحتاج مكتبة لتسليتك مع اللاوقت ؟ ...وكيف الموت يا محمود ؟؟ هل كان صياداً شريفاً ..أم كما تنبأت له يوماً ..تخيّر شريانك المتعب ، ورصد لحظة الضعف الأخيرة ...واحتاج مرضك كي يقتلك ؟ لمَ لا تقل فنطمئن عليك ؟ وقد خسرنا نصف الشعر من بعدك ..ولا أقول كلّه كي أرضي غرور بعض الشعراء ..وأستفزهم لفعل الكتابة ، قلّة فقط يعرفون أن كل كتابة بعدك عدم ...وكلّ شعر ألم ..وكل كلمة تقطر حروفّها سُمّاً أو لحنَ دَمْ .
محمود ...لست حزيناً جداً ..فلا تغضب ، فبعد رحيلك فقدت حتى إحساسي بكنه الحزن وطبيعته وأسراره ، ولم نستطع نحن المدمنون عليك ، حتى من فهم الغصص التي خلّفتها ..فكيف لك أن تقلب طاولة الموت على رأسه ..وتجعل منه تافهاً ، مخادعاً ..وجباناً ..غادراً بكل هذا البرود ..والهدوء والصمت ؟ ليرحل من يرحل بعدك ...فلم يعد للرحيل ذات النكهة فينا ..فقد أنهيت ببراعتك المعهودة أحاسيس الفقد كلّها ..فانسكبت أرواحنا في قبرك ..وسؤالك الأبدي تلبّس كل منا ...فبات يسأل .." هل أنا حقاً أنا ..هذه لغتي ..وهذا الصوت وخز دمي ؟؟ "... كم مرّة سيعود التاسع من آب ..مثقلاً بالهزائم الجوّانية ..وأوني الخزف التي حطمتها فينا ومضيت ، لمن تركت فلسطين ؟؟ لمن ؟؟ لهزيمة الذات أمام ذاتها في غزّة ..أم لانتكاسة أوسلو التي رفضتها ومهزلة أخواتها في رام الله ؟ .. وأنت تعرف جيداً أن قبرك أرحب مما تؤول إليه اريحا ...لهذا اختصرت الطريق علينا وعليك وعليهم ..ومضيت مكلّلاً بغار الشعر طوع حنينك للتراب ورحابة القبر . ..، ننزفك كلّ حرف كما لم لو أننا ندخل تخوم اللغة قبلك قط ،..وننتظر مل صباح قصيدتك الجديدة ...ونتذكر أنك ستمتبها في عالم آخر ..ربّما للملائكة الصغار الطيبين ، كما كنت بيننا أبدا .أيها الماهر حتى الموت ..كيف رحلت قبل أن تنمو عريشة العنب الظليلة ...والنعناع في خُوذ الجنود ؟ هل قدّرت أنك فائض عن حاجة هذه الأمّة المثقلة بالهزائم والانكسارات ....هل كنت ستكتب لو بقيت على قيد الشعر " وانت تموت ..فكّر بشعبك ..( ثمة من يرفضون الرحيل ) ؟ " ..[/align]
*******
21/8/2008
تعليق