التلال المنفردة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد الغانم
    عضو الملتقى
    • 21-10-2016
    • 185

    التلال المنفردة

    التلال المنفردة


    احمد الغانم
    الوقت مساءا ًوأشعة الشمس تميل عن كبد السماءترسم بأنبهار
    شديد أشعتها الملونة للمغيب . تحرك الرياح الخفيفة سعف النخيل
    في ذلك البستان الذي احتوى تواجدنا ، نحن المنتسبين للسرية الثانية لاعادة تنظيمنا بعد هجوم مباغت وعنيف فقدنا فيه بعض الاراضي التي كانت بحوزتنا منذ خمسة ليال .
    كنا نتجاذب أطراف الحديث .. قطع علينا ذلك دوي صوت النقيب محمد آمـر السرية عالياً : السرية الثانية أرزم !
    نعرف تلك الحكاية وذلك الإيعاز بمعناه العسكري ، وبسرعة كانت
    افرشتنا البسيطة التي نسميها (اليطغ) من بطانيتين وبعض الحاجيات الشخصية قد طويت على عجل وشدت من وسطها بحبل ، وماعاد لنا سوى ان نسمع صوت التجمع من ملازم عاصم متخرج من دورة حديثة لكنه يشعر بحماس لاداء واجبه .
    وقفنا بالنسق لثلاث صفوف وحرصنا ان نقف سوية نحن الخمسة
    الذين يطلقون علينا فصيل المثقفين !
    تلك التسمية لم تأتي جزافا ً، رغم ان ثلاثة منا يتوزعون على فصائل اخرى من السرية ،التي كانت لها مواضعها المنتشرة بعد
    وادي حران ،في عمق مقتربات عارضة كيسكا وقمتها العاليه التي تشرف على مناطق مندلي، وتواجهها اراضينا المتموجة بارتفاعات قليلة نسبيا والتي كانت تفرض ظروفا صعبه شديدة وحذرة وقلقة من القناصين وقنابل الهاون، تحد من حركتنا خلال ساعات النهار
    ، سوى واجبات الرصد من مواضع أعدت لهذا الغرض ..
    وحتى مع خيوط الظلام الاولى يتسلل بعض القناصين بالقرب من
    دبابة معطوبة من ايام الهجوم الكبيرلتشكل صعوبة مضافة في
    جلب ألارزاق وسيارة الحانوت التي تقفان على مسافة بعيده وهي
    تاتي مرة واحدة في كل مساء .
    كان الوضع مأساويا لا حركة ولا خروج خلال ساعات النهار ومعاناة مرهقة في قضاء الحاجة !
    يتناوب الجميع على الرصد من مزاغل مطمورة اختيرت بعناية
    تشرف على الطرق الممكن ان تمرمنها الجحافل المعادية .
    كنا نجلس خمستنا في موضع محفور في الارض اسفل تلة
    وعملنا شقا متعرجا للوصول اليه وسقفناه بالخشب البورمي
    وقطع الجينكو والتراب والصخور .
    لم تكن التسمية جزافاً كما قلت .. كان شاكر يعمل صحفيا ومحسن
    شاعرا شعبيا جميلا ورياض كاتبا للقصة وسعدي مدرسا وهادي
    قارئا نهماً للروايات وحافظا لامهات القصائد، كنا نجلب معنا في اجازاتنا الدورية روايات وقصص مختلفة نتبادلها في القراءة ونحن نمضي تلك النهارات التي لايستطع الفرد ان يتحرك خوفا من القناصين وبعض قنابر الهاون قابعين في المواضع سوى تبادل المراقبة من مواقع اختيرت تشرف على الطرق الميسمية .
    تكلم النقيب بصوت عالي وبلهجة بد أ فيها الامر واضحا ان نضع اليطغات في سيارت الإيفا وان نعود الى هنا على جناح السرعة
    مع اسلحتنا وأعتدتها، وفعلا بحركة وهرج سريعين رميت اليطغات
    في سيارة الإيفا وعدنا لوضعنا في النسق . قال آمر السرية:
    كما تعرفون لنا واجب بسيط، سنذهب الى هناك تسبقنا رشقات الراجمات والمدفعية التي ستدك مواقعهم بحممها . سنكمن في مكان كنا قد استلطعناه اليوم. واجبنا
    بسيط وكل مانحتاجه
    الهدوء واليقظة حتى اشعار الصولة . جميعكم يعرف دوره ،
    و أنا أعرف وألتمس فيكم النخوة والشجاعة الان اركبوا السيارات ايها الأبطال ...السلامة لكم والنصر حليفنا .
    وتأكدوا من أعتدتكم وسلاحكم صار مفهوم ؟ اجاب الجميع : نعم سيدي ...
    صعدنا السيارات جلسنا متقابلين وضجرين.. لاننا ندرك الموقف
    جيدا ، اخرجت لفافا ابيض ربطته على عنقي كان مطرزا عليه
    اسمي واسمها بخيوط حمراء كانت قد عملته بعناية واهدته لي في أجازتي الاخيرة ، لفت ذلك انتباه محسن الذي علق: هل تريد اسقاط فرض الوفاء ، أجبته يا عزيزي
    أنت تعرف انها التميمة التي اشعر انها تحفظني ولها أعيش ضحكنا جميعا.
    نزلنا في المكان المقرر وكانت حمم الجهنم تنصب على المكان .
    تقرب آمر السرية قائلا: هل ترون تلك (الجينكوه) الظاهرة على
    الرابيه ؟ قلنا نعم سيدي . . صمتَ برهة ثم أضاف : هي هدفنا أسباع .. أبطال ! ضحك رياض
    وعلق قائلا:سيدي الجينكوه إلي !
    رد النقيب بابتسامة خبيثه :اخذها هي والبيها ؟
    توقف الرمي المساند لنا وحانت الصولة وأطلقنا النيران الكثيفة بإتجاه الهدف..
    كنا نركض متقاربين واجهتنا نيران كثيفة وأزيز رصاص مسعور، سمعت صرخة محسن خلفي ألتفت أليه ، أمسكت يده.. دققت إصابته كانت في خاصرته قررت
    أن احمله الى المكان الذي انطلقنا منه قبل قليل ، لاننا تركنا هناك المفرزة الطبية اوصلته مغميا عليه لكنه يتنفس ،كان هناك رجال لا أعرفهم ومتى حضروا لا ادري أمروني باللحاق بالسرية .
    لحظات صعبة بدأ التفوق واضحا من المرتفعات وشتت سريتنا
    استشهد النقيب محمد وملازم عاصم وعريف خضير ورياض وبعض الجنود، كابدتُ مع
    سعدي وهادي كثيراً في حمل وسحب رياض وعدم تركه على ارض المعركة في انسحاب غير منظم تحت وابل الرصاص والقذائف وعدنا منكسرين من حيث انطلقنا ثم للبستان يلفنا الحزن والتعب .
    صباحا تقرر انا وسعدي نذهب الى وحدة الميدان الطبية
    في بلدروز وزودنا بكتب لاستلام جثامين الشهيدين محسن ورياض
    كوننا نعرفهم ونعرف ذويهم .وصلنا الى هناك وجدنا جثمان الشهيد رياض وتمت الاجراءات والمراسم للفه براية الوطن وحمله على سيارة الاجرة
    (التاكسي )التي احضرها رجال الانضباط العسكري ، أجهشنابالبكاء بحرقة و ألم بصوت عال ، محسن لم يكن من بين الاسماء التي عبرتها المواقف ! طالبت الاستعلامات بتدقيق السجل مرة ومرتين قال : تأكدت من ذلك ربما نقل الى مستشفى بعقوبة من
    دون المرور هنا ، قررت أن اركب السيارة مع سعدي الذاهب
    الى بغداد ،حاملا في تابوت أحلام رياض الكاتب والمثقف ولا أعرف من اين ستأتيه الشجاعة وكيف سيطرق باب أم رياض ! ودعت سعدي بحزن عميق ،نزلت قرب مستشفى بعقوبة العسكري
    ابحث عن محسن ، سالت الاستعلامات الذي ابدى تجاوبا لتدقيق
    السجل ، قال لي: للاسف غير موجود .. قلت له: أخليتهُ بنفسي من ارض المعركة ،ولم يقيد أسمه في وحدة الميدان الطبية ، وهم من ارسلوني الى هنا ؟
    قال: يمكنك التاكد من مستشفى بعقوبه العام ، قد يكون نقل الى هناك ! ...أنتهى كل شىء في داخلي وأنا اعيش الدوامة وتسرب الشك الى نفسي هل معقول انه ترك في موقع الاخلاء بعد ماحصل ! جمعتنا الحرب وعمدت صداقتنا واصبحنا نحمل الهموم المشتركة كنا نشعركعائلة صغيرة متحابين ..
    نتجاذب الاحاديث والحكايات والنكات ،كل ذلك تبادر الى ذهني
    وانا أعيش المأزق في البحث عن محسن ،لم اتذوق الطعام وحدها السكائر التي افرطت بتدخنيها ، وجدت نفسي في مستشفى بعقوبة العام بحثت عن محسن ..فتحت فمي مبهورا غير مصدق حين أخبروني أنه خرج قبل ساعتين من هنا تلقى العلاج ومنح أجازة طبية ، خرجت مسرعا صوب دائرة البريد القريبة ، أتصلت بمحسن عبر الهاتف
    ردت زوجته على التلفون طلبت منها ان أكلمه : قلت مللت ويئست من البحث عنك ، كيف هي أصابتك يا الهي ظننتك شهيدا الحمد لله على سلامتك !
    فاجأني ضاحكا هل تعرف ان اصابتي في كليتي واوضحت الصور الشعاعية ان لي ثلاث كلى وبذلك لا انفع للخدمة العسكرية المسلحة
    التعديل الأخير تم بواسطة أحمد الغانم; الساعة 24-12-2016, 05:03.
  • حسن لشهب
    أديب وكاتب
    • 10-08-2014
    • 654

    #2
    نص قوي . تمكن الكاتب من خلال سرده السلس من نقل الوقائع والأحداث بدقة وصدق .
    جميل ما قرأته هنا .
    كتبت وأجدت أخي الغانم .
    شكرا لك.
    التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 21-12-2016, 15:50.

    تعليق

    • أحمد الغانم
      عضو الملتقى
      • 21-10-2016
      • 185

      #3
      الكاتب والاديب المبدع حسين لشهب
      تحية اعتزاز وتقدير لمروك البهي على نصي
      التلال المنفردة وهو تسجيل ليوميات واحدة من
      المعارك في دفتر يومياتي ممتن جدا من اطراءك
      واشارتك الى سلاستها

      ايها الصديق المبدع انه نص تسجيلي لواحدة من الايام الصعبة
      التي عشناها في اتون تلك الحروب
      اصافحك بحرارة واتمنى لك الالق والابداع

      التعديل الأخير تم بواسطة أحمد الغانم; الساعة 22-12-2016, 17:20.

      تعليق

      • عبد الحميد عبد البصير أحمد
        أديب وكاتب
        • 09-04-2011
        • 768

        #4
        من أجمل النصوص التى قرأتها..
        دام لنا قلمك السامق
        الحمد لله كما ينبغي








        تعليق

        • أحمد الغانم
          عضو الملتقى
          • 21-10-2016
          • 185

          #5

          الصديق العزيز احمد فريد
          تحية طيبة
          باعتزاز وتقديري شرفني مرورك وقراءتك لنصي
          التلال المنفردة -وهي من تجارب الحياة في الحرب
          التي تفرز الجوانب الانسانية من وجهها المتوحش
          في الموت المجاني...اصافحك بحرارة واثني على
          مرورك العبق

          تعليق

          • عبير هلال
            أميرة الرومانسية
            • 23-06-2007
            • 6758

            #6
            نص بديع للغاية

            يدل على قلم محترف

            وذاكرة حديدية

            من التصوص المتميزة


            التي ترسخ في الذاكرة..

            ذكرتني قصتك البديعة برواية الوداع للسلاح


            حيث جمع همنجوي بين الحب والحرب

            ولكن في روايته كان الانتصار للحرب وخسارة الحب

            بينما في نصك كان النصر للحب والبطولة .


            تحية وتقدير للمبدع

            أمنياتي لك بالمزيد من الابداع والتآلق
            sigpic

            تعليق

            • أحمد الغانم
              عضو الملتقى
              • 21-10-2016
              • 185

              #7

              القاصة والشاعرة عبير هلال
              تحية طيبة
              بأعتزاز وتقدير اشكر مرورك على نصي التلال المنفردة
              وقراءتك له بحيادية وممتن جدا من اطراءك الجميل
              والاماني بالقادم من الكتابات .
              الاحداث والتحولات الساخنة التي رسمت في ذاكرتنا
              ربما نقشت كالنحت على الحجر بساعاتها وايامها المرة
              عشنا هواجسها مجموعة من الاصدقاء وفتحنا عيوننا على مأسيها
              وحوادثها المؤسفة فعملت على انتشالها من الذاكرة الى واقع القصة
              خضنا تلك التجربة واحداثها المرعبة ونحن بوعي ومعرفة بتداعياتها
              ربما لايعرف الكثير اننا دخلنا الحرب وفي دفاتر سوقنا ان نخدم
              18 شهرا لتمتد لسنوات من القلق والخوف والمواقف الصعبة
              في مواجهة الموت والقهر لكنها قضية وطن ومحنة كبرى علينا
              ان نعيشها لاننا ابنائه وهو مستقبل وجودنا وسعادتنا
              مرة ثانية اشكر اهتمامك بما ينشرعلى موقع القصة وهو دليل
              الاهتمام والمتابعة ....اتمنى لك الالق والابداع الدائم
              التعديل الأخير تم بواسطة أحمد الغانم; الساعة 25-12-2016, 13:48.

              تعليق

              يعمل...
              X