ليلة عزاء العمدة !!!!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    ليلة عزاء العمدة !!!!

    [align=center]ليلة عزاء العمدة !!!!!
    بالفعل كانت ليلة رهيبة .. عاشتها قرية الناصر .. كنت تستطيع أن تسمع بوضوح .. ولو كنت هناك على مشارف حدودها .. أصوات الرجال .. وهى تصهل فى ليلها .. و كأنهم بين وهج نار .. بين أنياب وحوش ضارية .. الغوث يطلبون .. بينما بين الفينة و الأخرى تعلو.. أصوات ضربات .. و طرقات عصى ..تشج الحجر الصوان ..وربما صراخ نسوة..وفى الخلاء ركضهن..يبدو واضحا .. مسرعات طالبات النجدة !!!
    لن تنسى القرية ليلة بالتأكيد.. نكص رؤوسهم فيها الرجال .. و بشكل مفاجىء .. ومبكٍ لأبعد حد .. أمام نسائهن .. فقد كانت ليلة .. ودعوا فيها ابن العمدة الصغير .. و بكامل عددهم احتشدوا لعزاء كبيرهم .. و أحد منهم لم يتخلف.. مخافة ورهبة .. وربما اتباعا لحديث رسولنا الكريم !!!!
    اندفع الرجال .. كل من طريق .. و كأنهم بالفعل يعرفون ما انتابهم .. كان ذلك قبيل أذان الفجر بساعتين على الأكثر .. كل وضع فى عينيه صورة .. و قامة ..وكفا أطبقت على كفه .. كف كان لها قوة السحر.. و اتجاها يسير فيه .. و بأسرع ما يمكن ..لدرء خطر داهم.. بعد أن طاشت رجولتهم .. و هراء أمست .. و عجزا ناقعا .. و ربما حمل واحد منهم شرشرة .. أو فأسا .. أو بلطة .. دفاعا كانت عن كينونتهم .. ووجودهم .. فلا يصح بأية حال .. ومهما كان .. أن يصبحوا أمام النساء .. بلا جدوى.. ليكون التخبط .. وقلة القيمة ..و البحث عن بدائل .. !!
    عطوان .. كانت البلطة معلقة في جيب سرواله .. و قد لف جلبابه .. حول وسطه .. و بين المزارع اتخذ طريقا.. و قطيع من كلاب يطارده .. فما كان منه .. سوى التقاط كمية هائلة من الطوب و الحصى .. و صكها في رؤوسها.. أو كيفما اتفق .. حتى و صل بعد مكابدة إلى عزبة السبع .. التى ترقد فيها بغيته .
    بجانب مصرف كانت مشاية.. و نقيق يدوى .. و لا ينقطع صرير.. و عفاريت تترقص .. و ترمى بنفسها .. على تراب السكة .. تتلاعب به .. وتنهكه ..وهو لا يهدأ .. وإن نال منه الخوف .. إلا أنه مستمر .. و بالحصوات .. و بعض آيات قرآنية .. يطارد شياطين و عفاريت .. تراوغه وتكاد تبكيه .. حتى وصل أخيرا .. و قد طقطق شعر رأسه تماما .. و طرق بابا مغلقا بالبلطة.. أفزع من كان خلفه .. و لكن سرا في الأمر .. الباب فتح .. و قابله وجه الشيخ بركات .. عبوسا في أول الأمر .. وحين تأكدت حاجة القادم .. ابتسم وهو يتابع شيئا خلفه .. وأخيرا فتح له ؛ ليعبر إلى الداخل :" أنا مش جى أتضايف .. اخلص ".
    بافتعال تصنع الغضب :" قال يا قاعدين يكفيكم شر الجايين .. مالك ".
    و فجأة رفع البلطة :" قلت لك اخلص .. و بلاش لف و دوران .. يللا ..لأحش رقبتك !! ".
    هنا تراجع بركات قليلا .. و على دكة خلفه .. استرخى:" طيب ماشى .. أمرك .. بس أعرف ..مش نتفق الأول على الحلاوة ؟!!".
    قليلا هدأ عطوان .. وعن غضبه لم يتنازل:" اللى تقول عليه يا كافر .. بس خلصني ".
    كانت لعبة .. لعبها عبد الجبار بمهارة .. بعد كساد الحال .. و عجزه تماما .. عن تدبير مال لازم لسفر ولده .. إلى الإمارات .. فراح يلف على كل معارفه .. من شيوخ المندل .. و الكوتشينة .. و الربط .. و الأعمال .. و غيرهم من الدجالين المهمين.. والمعروفين بسوء فعالهم .. ممن وضعهم الناس .. فى بؤرة أهل الإيذاء والسحر .. و تناسوهم .. حتى بالسلام .. دبر معهم الأمر .. على أن ينال نسبة من حصاد عملهم .. ووافقوه تماما .. و كانت مناسبة عزاء العمدة فى ولده .. كافية .. تماما كافية .. وعز الطلب .. لملء جيوبهم .. بل أكثر .. امتلاك مالم يستطيعوا خلال سنين من أغنام و ماعز !!!!
    في طابور المعزين .. على منافذ المقابر ..اندسوا.. متباعدين وقفوا .. و كل أهل القرية مروا عليهم.. رجالها و شبابها .. و برغم اكتراث الجميع .. و محاولة تجاهلهم .. إلا أنهم .. و بلا استثناء وقعوا في الشرك .. و سلموا عليهم .. لتكون هواجس و قلق و استرابة .. تلازمهم بشكل بشع .. بل مرضى .. حتى فراشهم .. و لم يستطع سوى قلة .. التغلب على هذه الحالة .. لأن رؤوسهم كانت قادرة .. على الفتك بأي هاجس قد يحاول النيل منها .. وهؤلاء يطلق عليهم الدجالون :" دمهم زفر كالشياطين !!!!!".
    طائرا عاد عطوان .. يركل الأرض .. و الشياطين يضاحك .. وعفاريت المصرف .. بل و يكاد ينازلهم .. و من بعيد تنتظر أوبته الكلاب.. و مر من بينها .. و بكل بساطة .. و حين ابتعد قليلا .. كانت تركض خلفه .., وهو يطير .. مفعما .. يلوح بالبلطة .. كان يلمح على مدد الرؤية الكثير من الهياكل .. تسعى فى ظلام البلدة .. بين مغادر و عائد .. حتى وصل داره .. فرمى بالبلطة جانبا .. وفى لمح البصر تخلص من جلبابه ..و كافة ثيابه .. وطار .. وحط في أحضان زوجته .. أكثر فحولة وبأسا !!!
    :" أنت واد غلبان .. كفاية عليك ورقة بخمسة .. قلت إيه ؟!!".
    :" يعنى جيت فى جمل .. يللا بس أنت .. الله لا يسيئك ".
    قدم له الورقة .. و هو يتأملها .. و بيد مترددة .. فلقفها منه بركات .. وفورا وضعها فى جيبه .. و أمسك به .. يعزم عليه .. و ببعض كلمات يتمتم.. وسهم الله كأنه حط بقلب عطوان .. لا ينطق .. ولا يأتي ببنت شفة .. يفغر فاهه كأنه يعبئه .. بأشكال التمتمات .. و رائحتها .. أو هو يتذوقها .
    :" خلاص ياعم .. يللا .. بقيت صاغ سليم .. اتكل على الله ".
    :" جد .. أما لو بتضحك عليه .. و الله لأجيب خبرك .. أفلقك اتنين ".
    :" يللا يارجل .. بلاش جعجعة زى عدمها .. لا .. تعالى من هنا .. ما يصحش حد يشوفك ياوله .. يللا .. الباب التانى وراك أهووه ".
    و عاد الهدوء للقرية مع حلول الفجر .. حين خمدت أوتار النشوة .. و نامت رؤوس النار.. بينما كانت دار عبد الجبار تلفها ألسنة دخان معبأ بالكيف .. و ضحكات ساخرة تعلو فيها.. و ربما مساومة أحد الرجال على حصة أكبر .. و لكنه بالتأكيد كان يفكر فى حيلولة فعل ذلك مرة أخرى .. فى الوقت الحالي على الأقل .. حتى ينسى أهل القرية .. و العزب المجاورة .. ليلة عزاء العمدة في ولده الأصغر !!!![/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة ربيع عقب الباب; الساعة 23-08-2008, 17:41.
    sigpic
  • عبدالرؤوف النويهى
    أديب وكاتب
    • 12-10-2007
    • 2218

    #2
    [align=justify]هناك قصة تتحداك أن تقرأها وقصة أخرى تتحداك ألا تقرأها.

    وليلة عزاء العمدة من النوع الأول ،تأخذك مرة بعد مرة و دون أن تدرى إلى سحرها المبين ،وعطرها الجامح ، وجوها الساحر الساخر، المضحك والمبكى فى آن واحد،وعوالم الريف المغموسة بالشعوذة والخرافات .

    مابين عزبة الناصر وعزبة السبع ،حدوتة ،لايرويها سوى القاص الموهوب ربيع عقب الباب.

    سيطرة الموت و رائحة الطمى ونقيق الضفادع وهمسات النفوس الملتاعة ولهاث الجنس واضطرابات الفحولة وضحكات الأبالسة وقهقهات الشياطين والدخان الذى يطوى الرجال بين فكيه الفولاذيتين القاسيتين والعوالم الغرائبية والعجائبية التى تسيطر على قرية الناصر .

    ألا تُذّكرك بعوالم ماركيز .. مائة عام من العزلة ،وخريف البطريرك وفى ساعة نحس ومأتم الأم الكبيرة!!!
    ألا تٌذّكرك بالسيدة بربارة لرمللو جلاجوس..

    قرية "الناصر" المهزومة هزيمة ساحقة والخضوع المزرى لرجالها ونسائها ،لأساطيرزائفة وأوهام مريضة .

    عالم الريف المصرى.. الذى أهمله كتابنا من زمن طويل .
    عالم الريف.. الذى عاشه محمد روميش وأبدع فيه وتجلى.

    محب والخوف والرائد المبدع عبد الفتاح الجمل.
    عالم الريف والفلاحون المهمشون منذ الأزل.
    عالم الريف.. يعود بنا القاص الموهوب كى نعيشه ونحياه بأساطيره وأوهامه وخرافاته وأباطيله وعوالمه الغرائبية .
    هذا المنجم الزاخر بالأقاصيص والحكايات والأعاجيب.

    هذه السطور .. قطرة من بحر لجى عارم لليلة عزاء العمدة .

    هذا إبداع شامخ زاخر نضر مفعم بالحياة .
    ولى معه وقفات طويلة.[/align
    ]

    تعليق

    • حماد الحسن
      سيد الأحلام
      • 02-10-2009
      • 186

      #3
      صباح الخير أستاذي ربيع
      عودتي لكل مشاركاتك كانت مشروعي الأول في الملتقى ,وربما هذا سبب تقصير مني بحق بقية الأصدقاء الذين يعز علي التأخر عنهم, على كل حال عذري لهم أني سأعود الى كل ماكتبوه!!!
      وقبل الخوض برائعتك المسرحية القصصية ليلة عزاء العمدة أحب أن أشير أني عندما يعجز يراعي عن الكتابة أسجل مروري وهذا ابداً لا أقصد به المجاملة وانا غني عنها.
      القصة جميلة, كأني أمام عرض مسرحي بحق, أحداث في مقدمة المسرح, وأحداث في الوسط,وأحداث هناك في الخلفية,تمازج غريب عجيب لا يقدر عليه إلا ربيع بحق, أتعبني اللحاق بالشخصيات, أتعبني ملاحظة الأحداث, ولكن في النهاية كان التعب لذيذاً, أمام نوعية من القص المتقن, والجمل المختبرة بايقاعها, والخبرة الراقيه التي يتمتع بها ربيع عقب الباب, ولولا ذلك لكنت أطحت برأسي لأني استغرقت وقتاً طويلاً في القراءة!!!
      شكراً أستاذي
      ودمتم بمودة واحترام بالغين
      التعديل الأخير تم بواسطة حماد الحسن; الساعة 29-10-2009, 11:43. سبب آخر: خطأ

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        أنا فى قمة سعادتى اليوم
        لا أحد مثلى فى العالم
        فرحان .. فرحان .. فرحان
        و أدرى أن الفرح عندى كما الحزن
        كلاهما مكلف
        و لكن أهلا بالتكلفة
        أتدرون لم ؟
        هى تعرف لم !!!
        هى تعرف


        لى عودة للتعقيب عبد الرؤوف و حماد الرائعين
        sigpic

        تعليق

        يعمل...
        X