مقتطفات من كتاب الولاء والبراء في الإسلام (( الجزء الأول ))

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • احمد اسماعيل
    محظور
    • 04-04-2010
    • 55

    مقتطفات من كتاب الولاء والبراء في الإسلام (( الجزء الأول ))

    مقتطفات من كتاب
    الولاء والبراء
    في الإسلام
    تأليف
    محمد بن سعيد القحطاني
    (( الجزء الأول من المقتطفات ))
    (1)
    صور موالاة الكفار في أمور شتى منها:
    (1) محبة الكفار وتعظيمهم ونصرتهم على حرب أولياء الله، وتنحية شريعة الله عن الحكم في الأرض ورميها بالقصور والجمود وعدم مسايرة العصر ومواكبة التقدم الحضاري.
    (2) ومنها: استيراد القوانين الكافرة – شرقية كانت أم غربية – وإحلالها محل شريعة الله الغراء وغمز كل مسلم يطالب بشرع الله بـ: التعصب والرجعية والتخلف
    (3) ومنها: التشكيك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والطعن في دواوينها الكريمة والحط من قدر أولئك الرجال الأعلام الذين خدموا هذه السنة حتى وصلت إلينا.
    (4) قيام دعوات جاهلية جديدة تعتبر جديدة في حياة المسلمين، ذلك مثل دعوة القومية الطورانية والقومية العربية والقومية الهندية و.. و... الخ.
    (5) إفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق وسائل التربية والتعليم وبث سموم الغزو الفكري في المناهج والوسائل الإعلامية .
    🌍🌎🌏
    (2)
    ورحم الله الإمام الداعية شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حين قال:
    (إن الإنسان لا يستقيم له إسلام ولو وحد الله وترك الشرك إلا بعداوة المشركين
    كما قال تعالى :
    { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [سورة المجادلة: 22].
    🌍🌎🌏
    (3)
    كلمة التوحيد (لا إله إلا الله محمد رسول الله)
    ومعناها:
    لا معبود بحق إلا الله، وبذلك تنفي الإلهية عما سوى الله ونثبتها لله وحـده .
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    (ليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله، والتقرب إليه بما يحبه، ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة (لا إله إلا الله) وهي ملة إبراهيم الخليل عليه السلام وسائر الأنبياء والمرسلين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين
    أما شقها الثاني (محمد رسول الله)
    فمعناه
    تجريد متابعته صلى الله عليه وسلم فيما أمر والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
    ومن هنا كانت (لا إله إلا الله) ولاء وبراء، نفياً وإثباتاً.
    ولاء لله ولدينه وكتابه وسنة نبيه وعباده الصالحين.
    وبراء من كل طاغوت عبد من دون الله
    { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ { [سورة البقرة:256].

    وفي هذا يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
    واعلم أن الإنسان ما يصير مؤمناً بالله إلا بالكفر بالطاغوت والدليل هذه الآية (10) يعني الآية السابقة 256 سورة البقرة.
    وكلمة التوحيد ولاء لشرع الله
    :{اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ { [سورة الأعراف:3].
    {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا{ [سورة الروم:30].
    وبراء من حكم الجاهلية:
    {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون}[سورة المائدة:50].
    وبراء من كل دين غير دين الإسلام:
    { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ{.[سورة آل عمران:85].
    ثم هي نفي وإثبات تنفي أربعة أمور. وتثبت أربعة أمور.
    (تنفي: الآلهة، والطواغيت، والأنداد، والأرباب.
    فالآلهة: ما قصدته بشيء من جلب خير أو دفع ضر، فأنت متخذه إلهاً.
    والطواغيت: من عبد وهو راض، أو رشح للعبادة.
    والأنداد: ما جذبك عن دين الإسلام، من أهل، أو مسكن، أو عشيرة، أو مال: فهو ند لقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ { [سورة البقرة: 165].
    والأرباب: من أفتاك بمخالفة الحق وأطعته، مصداقاً لقوله تعالى:
    {اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أرباباً من دون الله{ [سورة التوبة:31].
    وتثبيت أربعة أمور:
    القصد: وهو كونك ما تقصد إلا الله.
    والتعظيم والمحبة:
    لقوله تعالى:
    {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ { [سورة البقرة:165].
    والخوف والرجاء:
    لقوله تعالى:
    {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ راد لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ{ [سورة يونس: 107].
    فمن عرف هذا قطع العلاقة مع غير الله ولا تكبر عليه جهامة الباطل، كما
    أخبر تعالى عن إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام بتكسير الأصنام وتبريه من قومه
    :
    {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ{ [سورة الممتحنة: 4].(11)
    🌍🌎🌏
    (4)
    شروط لا إله إلا الله
    الشرط الأول:
    العلم بمعناها
    المراد منها نفياً وإثباتا، المنافي للجهل بذلك
    قال تعالى:
    {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ{ [سورة محمد:19].
    وقال تعالى:
    {إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ { [سورة الزخرف:86].
    أي: بــ "لا إله إلا الله": (وهم يعلمون) بقلوبهم ما نطقوا به بألسنتهم.
    وقال تعالى:
    {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ{ [سورة آل عمران:18].
    الشرط الثاني:
    اليقين المنافي للشك
    . معنى ذلك: أن يكون قائلها مستيقناً بمدلول هذه الكلمة، يقيناً جازماً، فإن الإيمان لا يغني فيه إلا علم اليقين لا علم الظن
    قال تعالى:
    {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{ [سورة الحجرات:15].
    وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
    (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقي الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة)
    الشرط الثالث:
    القبول لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه،
    وقد قص الله عز وجل علينا من أنباء ما قد سبق من إنجاء من قبلها، وانتقامه ممن ردها وأباها كما
    قال تعالى:
    {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ {23}قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ {24} فانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ{ [سورة الزخرف:23-25].
    الشرط الرابع:
    الانقياد لما دلت عليه، المنافي لترك ذلك
    قال تعالى
    : {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ { [سورة الزمر:54].
    وقال
    : {ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجه لله وهو محسن} [سورة النساء: 125].
    وقال تعالى
    : {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى{ [سورة لقمان:22].
    أي بلا إله إلا الله
    وفي الحديث
    (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)
    وهذا هو تمام الانقياد وغايته
    وقال تعالى
    :{فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا{ [سورة النساء:65].
    قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها:
    يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطناً وظاهراً، ولهذا قال: (ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجاً مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليماً كلياً من غير ممانعة ولا مدافعة، ولا منازعة،
    كما ورد في الحديث
    (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)
    الشرط الخامس:
    الصدق المنافي للكذب،
    وهو أن يقولها صدقاً من قلبه، ويواطئ قلبه لسانه،
    قال تعالى
    : {الم {1}أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) [سورة العنكبوت:1 – 3].
    وقال تعالى
    :{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ {8} يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ {9}فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ{ [سورة البقرة:8-10].
    وفي "الصحيحين
    " عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار"
    قال العلامة ابن القيم:
    (والتصديق بلا إله إلا الله يقتضي الإذعان والإقرار بحقوقها وهي شرائع الإسلام التي هي تفصيل هذه الكلمة، والتصديق بجميع أخباره وامتثال أوامره واجتناب نواهيه.. فالمصدق بها على الحقيقة هو الذي يأتي بذلك كله، معلوم أن عصمة المال والدم على الإطلاق لم تحصل إلا بها وبالقيام بحقها، وكذلك النجاة من العذاب على الإطلاق لم تحصل إلا بها وبحقها).
    وفي الحديث، قال صلى الله عليه وسلم
    : "شفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه] (31).
    وقال ابن رجب:
    (أما من قال: لا إله إلا الله بلسانه، ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذب فعله قوله، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى.
    {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ { (32) [سورة القصص:50].
    {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ{ [سورة ص:26].
    الشرط السادس:
    الإخلاص،
    وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك .
    قال تعالى
    {ألا لله الدين الخالص{ [سورة الزمر: 3]
    وقال تعالى
    : {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} [سورة البينة: 5].
    وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:
    (أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه): أو نفسه)
    وفي الصحيح عن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
    : (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل)
    وللنسائي في اليوم والليلة
    من حديث رجلين من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم
    (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير مخلصاً بها قلبه، يصدق بها لسانه، إلا فتق الله لها السماء فتقاً حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض، وحق لعبد نظر الله إليه أن يعطيه سؤله)
    وقال الفضيل بن عياض رحمة الله
    : (إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً. والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة)
    ولقد ضرب الله سبحانه في القرآن العظيم مثلاً واضحاً للمخلص في توحيده وللمشرك
    قال تعالى:
    {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} [سورة الزمر: 29].
    يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله في تفسيرها:
    (هذا مثل يضربه الله للعبد الموحد والعبد المشرك،
    بعبد يملكه شركاء يخاصم بعضهم بعضاً فيه، وهو بينهم موزع، ولكل منهم فيه توجيه، ولكل منهم عليه تكليف، وهو بينهم حائر لا يستقر على نهج ولا يستقيم على طريق ولا يملك أن يرضي أهواءهم المتنازعة المتشاكسة..
    وعبد يملكه سيد واحد، وهو يعلم ما يطلبه منه، ويكلفه به، فهو مستريح مستقر على منهج واحد صريح) (هل يستويان)؟ لا. لأن
    الذي يخضع لسيد واحد ينعم براحة الاستقامة والمعرفة واليقين، وتجمع الطاقة ووحدة الاتجاه، ووضوح الطريق.
    والذي يخضع لسادة مشتركين معذب مقلقل، لا يستقر على حال، ولا يرضى واحداً منهم فضلاً عن أن يرضي الجميع.
    وهذا المثل يصور حقيقة التوحيد، وحقيقة الشرك في جميع الأحوال. فالقلب المؤمن بحقيقة التوحيد هو القلب الذي يسير على هدى من الله يستمد منه وحده ويتجه إليه وحده)
    ويقول الشيخ القاسمي رحمه الله:
    (إن القصد هو توحيد المعبود في توحيد الوجهة، ودرء الفرقة كما
    قال تعالى:
    {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ{ (40) [سورة يوسف: 39].
    إن الإسلام لابد فيه من الاستسلام لله وحده، وترك الاستسلام لما سواه وهذا حقيقة (لا إله إلا الله) فمن أسلم لله ولغير الله فهو مشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته
    وقد قال تعالى:
    {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ { (41).[سورة غافر: 60].
    الشرط السابع:
    المحبة
    لهذه الكلمة، ولما اقتضته ودلت عليه، ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها، وبغض ما ناقض ذلك،
    قال تعالى:
    {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ { (42) [سورة البقرة:165].
    وقال تعالى:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ { [سورة المائدة: 54].
    وفي الحديث
    : (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار)
    قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله :
    (وعلامة حب العبد ربه: تقديم محابه وإن خالفت هواه، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه، وموالاة من والى الله ورسوله. ومعاداة من عاداه واتباع رسوله، واقتفاء أثره وقبول هداه)

    🌏🌎🌍

    (5)
    الولاء والبراء من لوازم لا إله الله
    (لما كان أصل الموالاة: الحب. وأصل المعاداة: البغض. وينشأ عنهما من القلوب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة كالنصرة والأنس والمعاونة، وكالجهاد، والهجرة، ونحو ذلك)
    . فإن الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله. وأدلة ذلك كثيرة من الكتاب والسنة.
    أما الكتاب فمن ذلك قوله تعالى:
    {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ{ [سورة آل عمران: 28].
    ويقول تعالى
    : {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {31} قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإن تَوَلَّوْاْ فإن اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ{ [سورة آل عمران: 31-32].
    ويقول تباركت أسماؤه عن أهداف أعداء الله:
    {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاءً فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ{ [سورة النساء: 89].
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فإنهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ [سورة المائدة: 51].
    ويقول تعالى:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ{ [سورة المائدة: 54].
    أما الأحاديث والآثار: فكثيرة وأذكر منها:-
    (1) ما رواه الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعه على أن (تنصح لكل مسلم، وتبرأ من الكافر)
    (2) روي أبي شيبة بسنده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله)
    (3) روى الطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
    قال:
    (أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعادة في الله، والحب في الله والبغض في الله)
    (4) أخرج ابن جرير ومحمد بن نصر المروزي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال
    : (من أحب في الله وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت مؤاخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئاً)
    يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في شرح قول ابن عباس هذا:
    قوله: (ووالى في الله)
    هذا بيان للازم المحبة في الله، وهو الموالاة، فيه، إشارة إلى أنه لا يكفي في ذلك مجرد الحب، بل لا بد مع ذلك من الموالاة التي هي لازم الحب. وهي النصرة والإكرام، والاحترام والكون مع المحبوبين باطناً وظاهراً.
    وقوله (وعادى في الله)
    هذا بيان للازم البغض في الله، وهو المعاداة فيه. أي إظهار العداوة بالفعل كالجهاد لأعداء الله، والبراءة منهم، والبعد عنهم باطناً وظاهراً، وإشارة إلى أنه لا يكفي مجرد بغض القلب، بل لا بد مع ذلك من الإتيان بلازمه
    كما قال تعالى:
    { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءاؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ {(52) [سورة الممتحنة: 4].
    قلت: ومما سبق يتضح أن
    الولاء في الله هو:
    محبة الله ونصرة دينه، ومحبة أوليائه ونصرتهم
    . والبراء هو:
    بغض أعداء الله ومجاهدتهم.
    وعلى ذلك جاءت تسمية الشارع الحكيم للفريق الأول بـ: (أولياء الله)، والفريق الثاني بـ: (أولياء الشيطان)
    قال تعالى:
    {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ [سورة البقرة: 257].
    وقال تعالى:
    {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا { [سورة: 76].
    واعلم أن الله سبحانه لم يبعث نبياً بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء،
    كما قال تعالى:
    {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا { [سورة الأنعام: 112].
    وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة، وكتب وحجج
    كما قال تعالى:
    {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون{ [سورة غافر: 83].
    (والواجب على المسلم أن يتعلم من دين الله ما يصير له سلاحاً يقاتل به هؤلاء الشياطين، ومن ثم لا خوف ولا حزن لأن:
    {كيد الشيطان كان ضعيفاً}[سورة النساء: 76].
    (والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء المشركين
    كما قال تعالى
    { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ{ [سورة الصافات: 173].
    فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان، كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان)
    وإذا كانت أهداف أعداء الإسلام من ملحدين ويهود ونصارى ومستغربين وصهيونية عالمية وشيوعية عالمية هي تمييع عقيدة المسلمين، وتذويب شخصيتهم المتفردة، لجعلهم حميراً للشعب المختار كما تنص على ذلك بروتوكولات حكماء صهيون
    . فإنه يتضح لدى المسلم أهمية هذا الموضوع حتى يحذر هو ومن معه، بل يحذر المسلمون عامة، من الانزلاق في مهاوي الردى خاصة وأن الدعوات المشبوهة الملحدة تدعو إلى ما يسمى بالأخوة والمساواة وأن الدين لله والوطن للجميع.!
    فبان بهذه الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة أن الولاء من لوازم لا إله إلا الله) وهو أيضاً تحقيق معناها
    كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
    (إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا الله، ولا يبغض إلا لله، ولا يوالي إلا لله، ولا يعادي إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله ويبغض ما أبغضه الله ويوالي المؤمنين في أي مكان حلوا ويعادي الكافرين ولو كانوا أقرب قريب.
    ثم إن من الولاء والبراء ما هو شطر العقيدة وركنها الثاني الذي لا تتم إلا به وهو الكفر بالطاغوت.
    قال تعالى:
    { فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ {[سورة البقرة:256].
    فلا يكون مؤمناً من لا يكفر بالطاغوت، وهو كل متبوع أو مرغوب أو مرهوب من دون الله.
    فقبول الإيمان والاستمساك بالعروة الوثقى مستلزم للكفر بالطاغوت كما نصت على ذلك الآية الكريمة.
    (( نهاية الجزء الأول من المقتطفات ))


    📡📡📡
  • احمد اسماعيل
    محظور
    • 04-04-2010
    • 55

    #2



    📡📡📡

    مقتطفات من كتاب



    الولاء والبراء
    في الإسلام


    تأليف
    محمد بن سعيد القحطاني


    (( الجزء الثاني من المقتطفات ))




    🌍🌎🌏
    الرد على من زعم أن كلمة التوحيد لفظ فقط

    مع بيان المذهب الصحيح في الأحاديث الواردة بخصوصها

    يقول العلامة ابن القيم رحمه الله:


    (ليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه: لا خالق إلا الله، وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان عباد الأصنام مقرين بذلك وهم مشركون،

    بل التوحيد يتضمن من محبة الله، والخضوع له، والذل له، وكمال الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال، والمنع والعطاء، والحب والبغض، ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى المعاصي والإصرار عليها،

    ومن عرف هذا عرف قول النبي صلى الله عليه وسلم:

    (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)

    وقوله (لا يدخل النار من قال لا إله إلا الله)

    , وما جاء من هذا الضرب من الأحاديث، التي أشكلت على كثير من الناس، حتى ظنها بعضهم منسوخة! وظنها بعضهم قيلت قبل ورود الأوامر والنواهي واستقرار الشرع، وحملها بعضهم على نار المشركين والكفار، وأول بعضهم الدخول بالخلود وقال: المعنى لا يدخلها خالداً، ونحو ذلك من التأويلات المستكرهة.

    فإن الشارع صلوات الله وسلامه عليه لم يجعل ذلك حاصلاً بمجرد قول اللسان فقط، فإن هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام، لأن المنافقين يقولونها بألسنتهم، وهم تحت الجاحدين لها في الدرك الأسفل من النار.

    بل لا بد من قول القلب، وقول اللسان.

    وقول القلب: يتضمن من معرفتها والتصديق بها، ومعرفة حقيقة ما تضمنته من النفي والإثبات، ومعرفة حقيقة الإلهية المنفية عن غير الله، المختصة به، التي يستحيل ثبوتها لغيره، وقيام هذا المعنى بالقلب علماً ومعرفة ويقيناً وحالاً: ما يوجب تحريم قائلها على النار.

    وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة، ويقابلها تسعة وتسعون سجلاً، كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة وتطيش السجلات، فلا يعذب صاحبها ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة،... ولكن السر الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل هو أنه حصل له ما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات.

    وتأمل أيضاً ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية فجعل ينوء بصدره، ويعالج سكرات الموت، لأن ذلك كان أمراً آخر، وإيماناً آخر ولذلك ألحق بأهل القرية الصالحة

    . وقريب من هذا ما قام بقلب البغي التي رأت ذلك الكلب وقد اشتد به العطش، يأكل الثرى – فقام بقلبها ذلك الوقت – مع عدم الآلة، وعدم المعين، وعدم من ترائيه بعملها ما حملها على أن غررت بنفسها في نزول البئر وملء الماء في خفها، ولم تعبأ بتعرضها للتلف وحملها خفها بفيها وهو ملآن حتى أمكنها الرقي من البئر، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكوراً. فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء فغفر لها)

    وقد ورد في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم

    (من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله)



    يقول محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

    (وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له،

    بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ودمه)

    ومن هنا نعلم فساد عقيدة المرجئة : الذين يقولون: إن الإيمان هو المعرفة فقط والكفر هو الجهل فقط وأخروا العمل عن الإيمان.

    ومن المعلوم أن كفار مكة قد علموا مراد النبي صلى الله عليه وسلم من كلمة لا إله إلا الله فأبوا واستكبروا ولم يك ينفعهم إيمانهم بأن الله واحد رازق محي مميت

    . ولما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم
    قولوا: لا إله إلا الله قالوا:
    {أجعل الألهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب{ [سورة ص: 5].

    (فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك، فالعجب ممن يدعي الإسلام، وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار، بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير اعتقاد القلب بشيء من المعاني، والحاذق من يظن أن معناها: لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت ولا يدبر الأمر كله إلا الله)

    ويتابع الإمام محمد بن عبد الوهاب رده عليهم فيقول:

    (وهنا شبهة: وهي قول من يقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال: (لا إله إلا الله)

    وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم

    (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)

    وأحاديث أخر، في الكف عمن قالها؟!
    (ومراد هؤلاء الجهلة: أن من قالها لا يكفر، ولا يقتل ولو فعل ما فعل

    فيقال لهؤلاء المشركين الجهال

    : معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون (لا إله إلا الله) وأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويصلون ويدعون الإسلام، وكذلك الذين حرقهم علي بن أبي طالب بالنار (68). وهؤلاء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال لا إله إلا الله، وأن من جحد شيئاً من أركان الإسلام كفر وقتل ولو قالها.

    (فكيف لا تنفعه إذا جحد فرعاً من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل ورأسه؟!.

    (ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث. فمعلوم أن الرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك

    كما قال تعالى
    : {يأيها الذين ءامنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا{ [سورة النساء:94].

    أي فتثبتوا. فدلت الآية على وجوب الكف حتى يثبت منه، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله تعالى: (فتبينوا) ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبيت معنى.

    وأيضاً أمره صلى الله عليه وسلم بقتل الخوارج
    (أينما لقيتموهم فاقتلوهم لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهليلاً وتسبيحاً، حتى أن الصحابة يحقرون صلاتهم عندهم. وقد تعلموا العلم من الصحابة، فلم تنفعهم (لا إله إلا الله) ولا كثرة العبادة ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة) ا.هـ.



    ويعلم كل ذي لب أنها لو كانت كلمة – مجرد كلمة – لكان أمرها على قريش سهلاً فتنطقها وتتخلص من هذا العناء وتسفيه الآلهة!


    ولكنها تعلم أن هذه الكلمة لها مدلولها الذي يغير أوضاع قريش الجاهلية ولها مقتضياتها التي تحطم طغيان قريش واستعبادها للناس.


    ولها أهميتها في تحرير الناس من عبودية بعضهم لبعض إلى عبودية الواحد القهار وجعل التقوى هي الميزان والفخار الذي ينشده الناس، وليس العادات والتقاليد الجاهلية التي توارثها الأبناء عن الآباء والأجداد.


    فحريٌّ بكل مسلم جاد في إسلامه أن يقدر لهذه الكلمة قدرها حتى يكون ممن عبد الله على بصيرة وعلم ويقين.


    🌍🌎🌏

    آثار الإقرار بلا إله إلا الله في حياة الإنسان


    ذكر الأستاذ المودودي رحمه الله
    في كتابه القيم (مبادئ الإسلام)

    تسعة آثار لكلمة التوحيد أذكر ملخصها فيما يلي:-

    (1) إن المؤمن بهذه الكلمة لا يكون ضيق النظر، بخلاف من يقول بآلهة متعددة. أو من يجحدها.
    *** (2) إن الإيمان بهذه الكلمة ينشئ في النفس من الأنفة وعزة النفس ما لا يقوم دونه شيء، لأنه لا نافع إلا الله ولا ضار إلا الله، وهو المحيي المميت. وهو صاحب الحكم والسلطة والسيادة.

    ومن ثم ينزع من القلب كل خوف إلا منه سبحانه، فلا يطأطئ الرأس أمام أحد من الخلق، ولا يتضرع إليه، ولا يتكفف له، ولا يرتعب من كبريائه وعظمته. لأن الله هو العظيم القادر.

    وهذا بخلاف المشرك والكافر والملحد.
    ***
    (3) ينشأ من الإيمان بهذه الكلمة مع أنفة النفس وعزتها: تواضع من غير ذل وترفع من غير كبر فلا يكاد ينفخ أوداجه شيطان الغرور ويزهيه بقوته وكفاءته لأنه يعلم ويستيقن أن الله الذي وهبه كل ما عنده قادر على سلبه إياه إذا شاء.

    أما الملحد فإنه يتكبر ويبطر إذا حصلت له نعمة عاجلة.
    ***
    (4) المؤمن بهذه الكلمة: يعلم علم اليقين أنه لا سبيل إلى النجاة والفلاح إلا بتزكية النفس والعمل الصالح

    أما المشركون والكفار فإنهم يقضون حياتهم على أماني كاذبة. فمنهم من يقول: إن ابن الله قد أصبح كفارة عن ذنوبنا، عند أبيه،

    ومنهم من يقول: نحن أبناء الله وأحباؤه فلن يعذبنا بذنوبنا
    .
    ومنهم من يقول: إنا سنشفع عند الله بكبرائنا وأتقيائنا،

    ومنهم من يقدم النذور والقرابين إلى آلهته زاعماً أنه نال بذلك رخصة في العمل بما يشاء.

    أما الملحد الذي لا يؤمن بالله فيعتقد أنه حر في هذه الدنيا غير مقيد بشرع الله وإنما إلهه هواه وشهوته وهو عبدهما.
    ***
    (5) قائل هذه الكلمة لا يتسرب إليه اليأس ولا يقعد به القنوط، لأنه يؤمن أن الله له خزائن السموات والأرض. ومن ثم فهو على طمأنينة وسكينة وأمل، حتى ولو طرد وأهين وضاقت عليه سبل العيش.

    إن عين الله لا تغفل عنه ولا تسلمه إلى نفسه، وهو يبذل جهده متوكلاً على الله،

    بخلاف الكفار الذين يعتمدون على قواهم المحدودة، وسرعان ما يدب لهم اليأس، ويساورهم القنوط عند الشدائد مما يفضي بهم أحياناً إلى الانتحار.
    ***
    (6) الإيمان بهذه الكلمة يربي الإنسان على قوة عظيمة من العزم والإقدام والصبر والثبات والتوكل حينما يضطلع بمعالي الأمور ابتغاء مرضاه الله.

    إنه يشعر أن وراءه قوة مالك السماء والأرض. فيكون ثباته ورسوخه وصلابته التي يستمدها من هذا التصور، كالجبال الراسية،

    وأنى للكفر والشرك بمثل هذه القوة والثبات؟
    ***
    (7) هذه الكلمة تشجع الإنسان وتملأ قلبه جرأة. لأن الذي يجبن الإنسان ويوهن عزمه شيئان: حبه للنفس والمال والأهل، أو اعتقاده أن هناك أحداً غير الله يميت الإنسان،

    فإيمان المرء بلا إله إلا الله ينزع عن قلبه كلا من هذين السببين، فيجعله موقناً أن الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله فعندئذ يضحي في سبيل مرضاة ربه بكل غال ورخيص عنده. وينزع الثاني بأن يلقي في روعه أنه لا يقدر على سلب الحياة منه إنسان ولا حيوان ولا قنبلة ولا مدفع، ولا سيف ولا حجر وإنما يقدر على ذلك الله وحده.

    من أجل ذلك لا يكون في الدنيا أشجع ولا أجرأ ممن يؤمن بالله تعالى، فلا يكاد يخيفه أو يثبت في وجهه زحف الجيوش، ولا السيوف المسلولة، ولا مطر الرصاصات والقنابل، فإنه عندما يتقدم في سبيل الله للجهاد، يهزم قوة تزيد على قوته بعشر مرات وأنى بمثل هذا للمشركين والكفار والملحدين؟
    ***
    (8) الإيمان بلا إله إلا الله يرفع قدر الإنسان وينشئ فيه الترفع والقناعة والاستغناء، ويطهر قلبه من أوساخ الطمع والشره والحسد والدناءة واللؤم. وغيرها من الصفات القبيحة.
    ***
    (9) وأهم شيء وأجدره في هذا الصدد: أن الإيمان بـ (لا إله إلا الله) يجعل الإنسان متقيداً بشرع الله ومحافظاً عليه، فإن المؤمن يعتقد بيقين أن الله خبير بكل شيء، وهو أقرب إليه من حبل الوريد وأنه كان يستطيع أن يفلت من بطش أي كان، فإنه لا يستطيع أن يفلت من الله عز وجل.

    وعلى قدر ما يكون هذا الإيمان راسخاً في ذهن الإنسان يكون متبعاً لأحكام الله، قائماً عند حدوده لا يجرؤ على اقتراف ما حرم الله، ويسارع إلى الخيرات والعمل بما أمر الله.

    ومن أجل ذلك جعل الإيمان بلا إله إلا الله أول ركن وأهمه ليكون الإنسان مسلماً.والمسلم هو: العبد المطيع المنقاد لله تعالى ولا يكون كذلك إلا إذا كان مؤمناً من قلبه بأن لا إله إلا الله. وهذا هو أصل الإسلام، ومصدر قوته، وكل ما عداه من معتقدات الإسلام وأحكامه إنما هي مبنية عليه، ولا تستمد قوتها إلا منه، والإسلام لا يبقى منه شيء لو زال هذا الأساس .

    ومن فضائلها ما ذكره ابن رجب،

    حيث أورد قول سفيان بن عيينة:

    ما أنعم الله على عبد من العباد نعمة أعظم من أن عرفهم لا إله إلا الله، وأن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدنيا، ولأجلها أعدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه هدر، وهي مفتاح الجنة، ومفتاح دعوة الرسل .

    ولو أردت أن أذكر ما أورده العلماء، رحمهم الله تعالى حول فضلها وما في ذلك من الأحاديث النبوية وآثار السلف لطال المقام.



    🌍🌎🌏
    نواقض (لا إله إلا الله)
    (حرص الإسلام على بيان حقيقته وحقيقة ما يناقضه)



    سبق الكلام على مفهوم (لا إله إلا الله) وشروطها، وحقيقتها، وآثارها

    . وهنا أذكر نواقضها، من أجل أن تتضح معالم الصورة الكاملة لحقيقة (لا إله إلا الله) ذلك أن معرفة الضد يميز الشيء المراد إيضاحه. كما قيل (وبضدها تتميز الأشياء)

    . ومعلوم أن الكفر والشرك والنفاق والردة هي نواقض الإسلام، بشتى صورها، وقبل إيراد ذلك، لابد من أن نورد – قاعدة جليلة لأهل السنة والجماعة، بها تنضبط المسائل أصولاً وفروعاً. وسيتضح من خلال هذه القاعدة الرد على فرقة المرجئة، والذين ميعوا مفهوم هذه العقيدة. والرد أيضاً على الخوارج الذين غلوا وحادوا عن الصراط. ودين الإسلام وسط بين الإفراط والتفريط.

    وقد كثر كلام الناس حول هذا في القديم والحديث ولكل وجهة هو موليها بيد أني وجدت للعلامة ابن القيم كلاماً قيماً في هذا الموضوع – وهو القاعدة التي أشرت إليها آنفاً – سأورده كاملاً على الرغم من طوله

    : قال رحمه الله في كتاب الصلاة

    : (الكفر والإيمان متقابلان، إذا زال أحدهما خلفه الآخر. ولما كان الإيمان أصلاً له شعب متعددة، وكل شعبة منها تسمى إيماناً: فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة والحج والصيام، والأعمال الباطنة كالحياء، والتوكل، والخشية من الله، والإنابة إليه، حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق فإنه شعبة من شعب الإيمان.

    وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان بزوالها كشعبة الشهادتين. ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق. وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً. منها

    ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب، ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى ويكون إليها أقرب.

    وكذلك الكفر ذو أصل وشعب، فكما أن شعب الإيمان إيمان فشعب الكفر كفر . والحياء شعبة من الإيمان، وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر. والصدق شعبة من شعب الإيمان، والكذب شعبة من شعب الكفر، والصلاة والزكاة والحج والصيام من شعب الإيمان وتركها من شعب الكفر والحكم بما أنزل الله من شعب الإيمان، والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر، والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان.

    (وشعب الإيمان قسمان: قولية وفعلية، وكذلك شعب الكفر نوعان: قولية وفعلية. ومن شعب الإيمان القولية شعب يوجب زوالها زوال الإيمان، فكذلك من شعبه الفعلية ما يوجب زوالها زوال الإيمان، وكذلك شعب الكفر القولية والفعلية. فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختياراً – وهي شعبة من شعب الكفر – فكذلك يكفر بفعل شعبة من شعبه كالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، فهذا أصل)

    (وها هنا أصل آخر: وهو أن حقيقة الإيمان مركبة من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب: هو الاعتقاد. وقول اللسان: وهو التكلم بكلمة الإسلام.

    والعمل قسمان: عمل، وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح. فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله. وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق: فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة

    فأهل السنة: مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سراً وجهراً ويقولون: ليس بكاذب ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به.

    (وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب فغير مستنكر أن يزول بزوال أعظم أعمال الجوارح ولا سيما إذا كان ملزوماً لعدم محبة القلب وانقياده،

    والذي هو ملزم لعدم التصديق الجازم كما تقدم تقريره، فإنه يلزم من عدم طاعة القلب عدم طاعة الجوارح، إذ لو أطاع وانقاد أطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعته وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، وهو حقيقة الإيمان

    . فإن الإيمان ليس مجرد التصديق – كما تقدم – وإنما هو التصديق المستلزم للطاعة والانقياد وهكذا الهدى ليس هو مجرد معرفة الحق وتبيينه، بل هو معرفته المستلزمة لاتباعه والعمل بموجبه، وإن سمي الأول هدى فليس هو الهدى التام المستلزم للاهتداء، كما أن اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقاً – فليس هو التصديق المستلزم للإيمان. فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته.

    (وهاهنا أصل آخر: وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد

    . فكفر الجحود: أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً، من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه. وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه

    وأما كفر العمل: فينقسم إلى ما يضاد الإيمان، وإلى ما لا يضاده.
    فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان.
    وأما الحكم بغير ما أنزل) الله، وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعاً، ولا يمكن أن ينفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه. فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد. ومن الممتنع أن يسمى الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً، ويسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافراً ، ولا يطلق عليهما اسم الكفر.

    وقد نفى رسول الله الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر، وعمن لا يأمن جاره بوائقه. وإذا نفى عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد.

    (وكذلك قوله
    (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)

    فهذا كفر عمل. وكذلك قوله (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول أو أتى امرأته في دبرها فقد برئ مما أنزل على محمد

    وقوله
    (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)

    (وقد سمى الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه، وترك العمل ببعضه مؤمناً بما عمل به وكافراً بما ترك العمل به

    فقال تعالى:
    {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ {84}ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ{ [سورة البقرة:84-85].

    فأخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه، وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، ثم أخبر أنهم عصوا أمره وقتل فريق منهم فريقاً وأخرجوهم من ديارهم. فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب. ثم أخبر أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق، وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم في الكتاب، فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق، كافرين بما تركوه منه.

    (فالإيمان العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي. وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلناه في الحديث الصحيح (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) ففرق بين قتاله وسبابه. وجعل أحدهما فسوقاً لا يكفر به، والآخر كفراً. ومعلوم إنما أراد الكفر العملي الاعتقادي ، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم الإيمان.

    (وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله وبالإسلام والكفر ولوازمها فلا تتلقى هذه المسائل إلا عنهم، فإن المتأخرين لم يفهموا مرادهم فانقسموا فريقين: فريقاً أخرجوا من الملة بالكبائر، وقضوا على أصحابها بالخلود في النار ، وفريقاً جعلوهم مؤمنين كاملي الإيمان فهؤلاء غلوا، وهؤلاء جفوا. وهدى الله أهل السنة للطريقة المثلى والقول الوسط الذي هو في المذاهب كالإسلام في الملل. فها هنا كفر دون كفر ونفاق دون نفاق، وشرك دون شرك، وفسوق دون فسوق، وظلم دون ظلم.

    وقال سفيان بن عيينة: عن هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس في قوله تعالى:
    {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون{ [سورة المائدة: 44].
    (قال: هو بهم كفر، وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله، وقال في رواية أخرى عنه: كفر لا ينقل عن الملة

    . وقال طاووس:
    ليس بكفر ينقل عن الملة).

    وقال وكيع بن سفيان عن ابن جريج عن عطاء:
    كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق

    وهذا الذي قال عطاء بين في القرآن لمن فهمه، فإن الله سبحانه سمى الحاكم بغير ما أنزله كافراً، وسمى جاحد ما أنزله على رسوله كافراً. وليس الكافران على حد سواء.

    وسمى الكافر ظالماً كما في قوله تعالى
    : {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ{ [سورة البقرة:254].

    (وسمى متعدي حدوده في النكاح والطلاق والرجعة والخلع ظالماً فقال:
    {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ{ [سورة الطلاق:1].

    وقال نبيه يونس {لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ { [سورة الأنبياء:87].
    وقال صفيه آدم {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا{ [سورة الأعراف: 23].

    وقال كليمه موسى {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي{ [سورة القصص:16].
    وليس هذا الظلم مثل ذلك الظلم.

    (ويسمى الكافر فاسقاً: كما في قوله:{وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ {26} الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ{ [سورة البقرة:26 – 27].

    وقال: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ { [سورة البقرة: 99].
    (وهذا كثير في القرآن.

    ويسمى المؤمن فاسقاً كما في قوله تعالى:
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ{ [سورة الحجرات: 6].
    (نزلت في الحكم بن أبي العاص. وليس الفاسق كالفاسق.

    وقال تعالى:
    {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [سورة النور: 4].

    وقال عن إبليس:{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ{ [سورة الكهف: 50].وقال: {فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق{ [سورة البقرة:197].
    وليس الفسوق كالفسوق.

    والكفر كفران، والظلم ظلمان، والفسق فسقان، وكذا الجهل جهلان:

    جهل كفر كما في قوله تعالى:
    {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ{ [سورة الأعراف: 199].

    وجهل غير كفر كقوله تعالى:
    {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ { [سورة النساء: 17].

    (وكذلك الشرك شركان: شرك ينقل عن الملة وهو الشرك الأصغر، وهو شرك العمل كالرياء.

    قال تعالى في الشرك الأكبر:
    {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ { [سورة المائدة: 72].

    وقال: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ { [سورة الحج: 13].

    "وفى شرك الرياء:
    {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا { [سورة الكهف: 110].

    ومن هذا الشرك الأصغر قوله صلى الله عليه وسلم "من حلف بغير الله فقد أشرك" رواه أبو داود وغيره

    ) ومعلوم أن حلفه بغير الله لا يخرجه عن الملة، ولا يوجب له حكم الكفار

    . ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم " الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل "

    (فانظر كيف انقسم الشرك والكفر والفسوق والظلم والجهل إلى ما هو كفر ينقل عن الملة، وإلى ما لا ينقل عنها.

    وكذا النفاق نفاقان: نفاق اعتقاد، ونفاق عمل، فنفاق الاعتقاد: هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار.
    (ونفاق عمل كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)

    ). وفي الصحيح أيضاً (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا ائتمن خان) فهذا نفاق عمل، قد يجتمع مع أصل الإيمان، ولكن إذا استحكم وكمل فقد ينسلخ صاحبه عن الإسلام بالكلية، وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فإن الإيمان ينهي المؤمن عن هذه الخلال، فإذا كملت في العبد ولم يكن له ما ينهاه عن شيء منها فهذا لا يكون إلا منافقاً خالصاً.

    (وكلام الإمام أحمد يدل على هذا، فإن إسماعيل بن سعيد الشالنجي قال:
    سألت أحمد بن حنبل عن المصر على الكبائر يطلبها بجهده، إلا أنه لم يترك الصلاة والزكاة والصوم، هل يكون مصراً من كانت هذه حاله؟

    قال: هو مصر مثل قوله (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) يخرج من الإيمان ويقع في الإسلام، ونحو قوله (لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن) .

    ونحو قول ابن عباس في قوله:
    {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{ [سورة المائدة: 44].
    (قال إسماعيل: فقلت له ما هذا الكفر؟ قال: لا ينقل عن الملة، مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه.

    (وهاهنا أصل آخر: وهو أن الرجل قد يجتمع فيه كفر وإيمان، وشرك وتوحيد وتقوى وفجور، ونفاق وإيمان. وهذا من أعظم أصول أهل السنة،

    وخالفهم فيه غيرهم من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة ، والقدرية

    (ومسألة خروج أهل الكبائر من النار وتخليدهم فيها مبنية على هذا الأصل وقد دل عليه القرآن والسنة والفطرة وإجماع الصحابة
    . قال تعالى:
    {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ{ [سورة يوسف: 106].

    فأثبت لهم إيماناً به سبحانه مع الشرك،

    وقال تعالى:

    {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ { [سورة الحجرات:14].

    فأثبت لهم إسلاماً وطاعة لله ورسوله مع نفي الإيمان عنهم وهو الإيمان المطلق الذي يستحق اسمه بمطلقه:

    {الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ{ [سورة الحجرات:15].

    وهؤلاء ليسوا منافقين في أصح القولين، بل هم مسلمون بما معهم من طاعة الله ورسوله، وليسوا مؤمنين. وإن كان معهم جزء من الإيمان أخرجهم من الكفار.

    (قال الإمام أحمد: من أتى هذه الأربعة أو مثلهن أو فوقهن – يريد الزنا والسرقة وشرب الخمر والانتهاب – فهو مسلم ولا أسميه مؤمناً، ومن أتى دون ذلك – يريد دون الكبائر – سميته مؤمناً ناقص الإيمان، فقد دل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم (فمن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق). فدل على أنه يجتمع في الرجل نفاق وإسلام.

    كذلك الرياء شرك، فإذا رآى الرجل في شيء من عمله اجتمع فيه الشرك والإسلام.
    (وإذا حكم بغير ما أنزل الله، أو فعل ما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كفراً، وهو ملتزم للإسلام وشرائعه فقد قام به كفر وإسلام.

    وقد بينا أن المعاصي كلها شعب من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها شعب من شعب الإيمان، فالعبد تقوم به شعبة أو أكثر من شعب الإيمان، وقد يسمى بتلك الشعبة مؤمناً، وقد لا يسمى. كما أنه قد يسمى بشعبة من شعب الكفر كافراً، وقد لا يطلق عليه هذا الإسلام.

    فها هنا أمران: أمر اسمي لفظي، وأمر معنوي حكمي.
    فالمعنوي: هل هذه الخصلة كفر أم لا؟
    واللفظي: هل يسمى من قامت به كافراً أم لا؟

    فالأمر الأول : شرعي محض، والثاني لغوي وشرعي.

    (وها هنا أصل آخر: وهو أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمي مؤمناً وإن كان ما قام به إيماناً، ولا من قيام شعبة من شعب الكفر به أن يسمى كافراً، ,إن كان ما قام به كفراً.

    كما أنه لا يلزم من قيام جزء من أجزاء العلم به أن يسمى عالماً: ولا من معرفة بعض مسائل الفقه والطب أن يسمى فقيهاً ولا طبيباً، ولا يمنع ذلك أن تسمى شعبة الإيمان إيماناً، وشعبة النفاق نفاقاً، وشعبة الكفر كفراً.

    وقد يطلق عليه الفعل كقوله (فمن تركها فقد كفر) و (من حلف بغير الله فقد كفر) وقوله (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر ومن حلف بغير الله فقد كفر). رواه الحاكم في صحيحه بهذا اللفظ. فمن صدر منه خلة من خلال الكفر فلا يستحق اسم كافر على الإطلاق، وكذا يقال لمن ارتكب محرماً أنه فعل فسوقاً وأنه فسق بذلك المحرم، ولا يلزمه اسم فاسق إلا لغلبة ذلك عليه) ا. هـ.

    🌍🌎🌏 تعليق لا بد منه

    في النص المتقدم بعض العبارات التي قد توهم بعض الناس في قضية (الحاكمية) حيث ذكر ابن القيم أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر. وهنا لابد من إيضاح هذه القضية حتى يزول ما قد يحصل من إشكال.

    إن المجتمع الإسلامي منذ قيامه على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قام على الحكم بشريعة الله، ومضى على ذلك خلفاؤه الراشدون، ثم الخلفاء الأمويون مضوا على ذلك وإن كان بدر منهم بعض الانحرافات، إلا أن الحكم الذي يتحاكمون إليه الناس هو شرع الله، يظلهم برايته ويرعاهم بحكمته وعدالته.

    ثم جاءت الدولة العباسية وكان الشرع أيضاً هو نظام الحكم مع وجود ثغرات قوية بعض الشيء. ثم جاء التتار، وأتى (هولاكو) بـ (لياسق) – وسيرد كلام العلماء بخصوصه في مكانه المناسب إن شاء الله –
    ولما كان الأمر كذلك فإن كلام السلف ومنهم ابن القيم كلام لا غبار عليه، فإذا حكم الحاكم برشوة أو لقرابة، أو شفاعة أو ما أشبه ذلك فلا شك أن ذلك كفر دون كفر.

    وأما ما جد في حياة المسلمين – ولأول مرة في تاريخهم – وهو تنحية شريعة الله عن الحكم ورميها بالرجعية والتخلف وأنها لم تعد تواكب التقدم الحضاري، والعصر المتطور فهذه ردة جديدة في حياة المسلمين

    . إذ الأمر لم يقتصر على تلك الدعاوى التافهة، بل تعداه إلى إقصائها فعلاً عن واقع الحياة واستبدال الذي هو أدنى بها، فحل محلها القانون الفرنسي أو الإنجليزي أو الأمريكي أو الاشتراكية الإلحادية وما أشبه ذلك من تلك النظم الجاهلية الكافرة.

    ولي على هذا الكلام أدلة كثيرة منها:

    (1) ما أورده ابن القيم نفسه رحمه الله من قول الإمام أحمد الذي تقدم ص 65 وهو قوله (حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه).
    نعم إنه أمر لا يختلف فيه أبداً وهو تنحية الشريعة ورميها بالقصور والنقصان وأن القانون أكمل منها، وألين منها في مسايرة تطورات العصر كفر صريح.
    ***
    (2) ما أورده ابن القيم أيضاً ص 67 من أن الكفر الذي هو كفر دون كفر ينطبق على الحاكم (الملتزم للإسلام وشرائعه) فهذا إذا خالف النص أو حاد عنه – كما تقدم شرحه – هو الذي ينطبق عليه هذا الحكم. وليس الأمر سارياً على من يحل القانون محل شرع الله.
    ***
    (3) قضية التحليل والتحريم، والتشريع للناس، اتفقت أقوال العلماء قديماً وحديثاً على أن ذلك من خصائص رب العالمين جل جلاله فمن ادعاها لنفسه فقد أله نفسه ونصبها نداً يعبد من دون الله وسيرد إيضاح هذا قريباً.
    ***
    (4) إن إقصاء الشريعة الربانية وإحلال أهواء البشر محلها هذا من الأشياء التي كفر العلماء قديماً وحديثاً فاعلها لأنها من المعلوم من الدين بالضرورة. وهل يجادل أحد في ذلك والله يقول.
    {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ{ [سورة الأعراف: 54].

    فكما أنه سبحانه – وباعتراف الناس جميعاً – مؤمنهم وكافرهم – هو خالق السماء والأرض، فهو أيضاً صاحب الأمر والسلطان، والحكم والسيادة .
    ***
    (5) يوضح كلمة الإمام أحمد رحمه الله وهي قوله (حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه) علم من أعلام المسلمين هو الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله حيث يقول:

    (إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين) .
    ***
    (6) ما ذكره أيضاً ابن القيم رحمه الله في كتاب (مدارج السالكين حيث قال بعد أن أورد الأقوال في قضية الحكم قال: (والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين، الأصغر والأكبر بحسب حال الحاكم فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة، وعدل عنه عصياناً مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا كفر أصغر. وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله. فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه: فهذا مخطئ له حكم المخطئين)
    ***
    (7) ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتاب (منهاج السنة) حيث قال: (ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله فهو كافر. فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلاً من غير اتباع لما أنزل الله فهو كافر. فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله، كسواليف البادية وكانوا الأمراء المطاعين، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة، وهذا هو الكفر، فإن كثيراً من الناس أسلموا ولكن لا يحكمون إلا بالعادات الجارية التي يأمر بها المطاعون، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز لهم الحكم إلا بما أنزل الله، فلم يلتزموا ذلك، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار)
    ***
    (8) يقول: العلامة ابن القيم في تفسير قوله تعالى:

    {تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ {97} إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ { [سورة الشعراء: 97 – 98].

    (هذه التسوية إنما كانت في الحب والتأله واتباع ما شرعوا، لا في الخلق والقدرة والربوبية، وهي العدل الذي أخبر به عن الكفار كقوله:

    {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ{ [سورة الأنعام: 1].

    وأصح القولين: أن المعنى: ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، فيجعلون له عدلاً يحبونه ويقدسونه ويعبدونه، كما يعبدون الله ويعبدونه، ويعظمون أمره

    وهذه التسوية لم تكن منهم في الأفعال والصفات، بحيث اعتقدوا أنها مساوية لله سبحانه في أفعاله وصفاته، وإنما كانت تسوية منهم بين الله وبينها في المحبة والعبودية والتعظيم مع إقرارهم بالفرق بين الله وبينها،

    فتصحيح هذه: هو تصحيح شهادة أن لا إله إلا الله)

    وإن مما يزيد إيضاح الحقيقة في أمر إحلال القانون والهوى محل الشرع، وما ذكره العلماء من أن

    كفر الاعتقاد ينقسم إلى خمسة أنواع هي:

    (1) كفر تكذيب: وهو اعتقاد كذب الرسل. وهذا القسم قليل في الكفار، فإن الله تعالى أيد رسله، وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام به الحجة وأزال به المعذرة.

    قال تعالى عن فرعون وقومه:
    {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا { [سورة النمل: 14].

    وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم:
    {فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ { [سورة الأنعام: 33].
    ***
    (2) كفر إباء واستكبار: مثل كفر إبليس: ومن هذا كفر من عرف الرسول ولم ينقد له إباء واستكباراً وهو الغالب على كفر أعداء الرسل

    كما قال تعالى عن فرعون وقومه:
    {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ{ [سورة المؤمنون:47].

    ومنه كفر أبي طالب فإنه صدقه ولم يشك في صدقه ولكن أخذته الحمية، وتعظيم آبائه أن يرغب عن ملتهم.
    ***
    (3) كفر إعراض: مثل من يعرض عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسمعه، ولا يصدقه، ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه ولا يصغي إلى ما جاء به البتة،

    كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي صلى الله عليه وسلم (والله أقول لك كلمة: إن كنت صادقاً فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك وإن كنت كاذباً فأنت أحقر من أن أكلمك)
    ***
    (4) كفر الشك: حيث لا يجزم بصدقه، ولا يكذبه، بل يشك في أمره، وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول صلى الله عليه وسلم جملة، وأما مع التفاته إليها ونظره فيها فإنه لا يبقى معه شك لأنها مستلزمة للصدق.
    ***
    (5) كفر نفاق: وهو أن يظهر بلسانه الإيمان وينطوي بقلبه التكذيب وهذا هو النفاق الأكبر.

    وبعد أن وضحنا الكفر بنوعيه – نعوذ بالله منه –
    ننتقل إلى تبيان الشرك – نعوذ بالله منه –

    وهو كما ورد سابقاً في كلام ابن القيم ينقسم إلى أكبر مخرج من الملة وإلى أصغر وهو الرياء
    ***
    : أما الشرك الأكبر فدليله قوله تعالى:
    {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء { [سورة النساء: 116].

    وهو أربعة أنواع كما ذكر ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب وهي:

    (1) شرك الدعاء:

    قال تعالى:
    {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ { [سورة العنكبوت: 65].
    ***
    (2) شرك النية والإدارة والقصد:

    قال تعالى:
    {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ {15} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{ [سورة هود: 15-16].
    ***
    (3) شرك الطاعة:
    قال تعالى:
    {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ{ [سورة التوبة: 31].

    وفي الحديث:
    عن عدي بن حاتم حين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) قال: فقلت: إنهم لم يعبدوهم؟ فقال: (بلى إنهم حرموا عليهم الحلال وأحلوا لهم الحرام فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم) ،

    قال حذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وغيرهما في تفسيرها: إنهم اتبعوهم فيما حللوا وحرموا.
    ***
    (4) شرك المحبة:

    قال تعالى
    : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ{ [سورة البقرة: 165].

    وأما النفاق:
    فمنه ما هو مخرج من الملة، وهذا هو النفاق الأكبر

    وفيه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
    (والنفاق منه ما هو أكبر، يكون صاحبه في الدرك الأسفل من النار، كنفاق عبد الله بن أبي وغيره، بأن يظهر تكذيب الرسول، أو جحود بعض ما جاء به، أو بعضه، أو عدم اعتقاد وجوب اتباعه، أو المسرة بانخفاض دينه، أو المساءة بظهور دينه، ونحو ذلك مما لا يكون صاحبه إلا عدواً لله ورسوله)

    ومنه ما هو نفاق أصغر وهو الرياء وقد سبق عليه الكلام.

    وأما الردة:
    فهي الكفر بعد الإيمان
    فمن قال الكفر أو فعله أو رضي به مختاراً كفر، وإن كان مع ذلك يبغض بقلبه،

    وبهذا قال علماء السنة والحديث، وذكروا ذلك في كتبهم فقالوا:

    إن المرتد هو الذي يكفر بعد إسلامه إما نطقاً، وإما فعلا وإما اعتقاداً. وقرروا أن من قال الكفر كفر وإن لم يعتقده ولم يعمل به إذا لم يكن مكرهاً.

    وكذلك إذا فعل الكفر كفر وإن لم يعتقده ولا نطق به،

    وكذلك إذا شرح بالكفر صدره أي فتحه ووسعه وإن لم ينطق بذلك ولم يعمل به. وهذا معلوم قطعاً من كتبهم ومن له ممارسة في العلم فلا بد أن يكون قد بلغ طائفة من ذلك .

    ومن باب التفصيل والتوضيح وذكر التفصيل بعد الإجمال: إليك نواقض الإسلام العشرة كما قررها أهل العلم.





    🌏🌎🌍
    نواقض الإسلام


    ذكر أهل العلم أن هناك عشرة نواقض هامة هي:

    (1) الشرك في عبادة الله وحده لا شريك له،

    قال تعالى:
    {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء{ [سورة النساء: 116].
    ***
    (2) من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة. كفر إجماعاً.
    ***
    (3) من لم يكفر المشركين، أوشك في كفرهم، أو صحح مذهبهم. كفر إجماعاً.
    ***
    (4) من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر.
    ***
    (5) من أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر إجماعاً.

    والدليل قوله تعالى:
    { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ { [سورة محمد: 9].
    ***
    (6) من استهزأ بشيء من دين الله، أو ثوابه، أو عقابه، كفر

    والدليل قوله تعالى: {
    قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ{ [سورة التوبة: 65، 66].
    ***
    (7) السحر، ومنه الصرف، والعطف فمن فعله أو رضي به كفر

    والدليل قوله تعالى
    : {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ { [سورة البقرة: 102].
    ***
    (8) مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين

    والدليل قوله تعالى:
    {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ [سورة المائدة: 51].
    ***
    (9) من اعتقد أن بعض الناس لا يجب عليه اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يسعه الخروج من شريعته كما وسع الخضر الخروج من شريعة موسى عليهما السلام، فهو كافر.
    ***
    (10) الإعراض عن دين الله لا يتعلمه، ولا يعمل به،

    والدليل قوله تعالى
    {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ{ [سورة السجدة: 22].

    ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطراً، ومن أكثر ما يكون وقوعاً، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه
    ***
    ويجدر بنا ونحن نستعرض هذه النواقض أن نقف عند اثنين منها، نظراً لأهميتهما وخطروتهما على حياة المسلمين وليتضح سبب الإسهاب في قضية الحاكمية وعلاقة الولاء والبراء بذلك.

    الأول: (من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه فهو كافر).

    إن تنحية شريعة الله عن مجرى الحياة، واستيراد قوانين البشر القاصرة: ردة جديدة برزت في القرون الأخيرة من حياة المسلمين، وذلك أن المجتمع الإسلامي عاش قروناً طوالاً يستظل بشرع الله وتهيمن الشريعة على حياة أفراده حكاماً ومحكومين – مع وجود بعض المعاصي سواء كانت كبائر أم صغائر – ولكن نظام حياة الناس، والتشريع المنفذ في أمورهم هو شرع الله وحكمه، وكذلك جهاد الكفار ونشر كلمة الإسلام في الأرض كانت كل هذه الأمور في ازدياد وتوسع.

    أما رمي الشريعة الإسلامية بالقصور والرجعية وعدم مسايرة تطورات العصر فهذا شيء لم يحدث إلا بعد أن مكن المسلمون الاستعمار العالمي من ذلك وبعد أن نسوا الله فأنساهم أنفسهم.
    ولقد جاء القرآن الكريم والسنة المطهرة بنصوص كثيرة صريحة واضحة حول قضية الحكم وأنها من عقيدة المسلم، ومن أهم أمور الدين

    قال تعالى:
    {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ {[سورة المائدة: 44].

    وقال تعالى
    : {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{[سورة المائدة: 45].

    وقال تعالى:
    {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{ [سورة المائدة: 47]

    وقال تعالى:
    {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ{ [سورة المائدة: 50].

    وقال تعالى:
    {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا{ [سورة النساء: 65].

    وقال تعالى:
    {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ { [سورة الشورى:21].

    و قال تعالى :
    : {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ {47}وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ {48} وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ {49}أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {50} إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [سورة النور: 47 –51].

    ويقول سبحانه:
    {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا{ [سورة النساء: 115].

    ثم يبين سبحانه وتعالى زيف زعم من يدعي الإيمان ويريد التحاكم إلى الطاغوت

    فيقول:
    {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا {60}وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا { [سورة النساء:60 – 61].

    ولقد أحسن أحد العلماء في وصف من طمست بصيرته فاستبدل بالشريعة القانون حيث قال

    : إن مثل هذا (الجعل يتأذى من رائحة المسك والورد الفواح، ويحيا بالعذرة والغائط في المستراح)

    ولقد قال تعالى:
    {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ { [سورة المجادلة: 20].

    ومن أعظم المحادة لله ورسوله التولي عن حكم الله وشرعه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما هذه الذلة التي يعيشها المسلمون اليوم في الأرض إلا نتيجة طبيعية لترك شرع الله

    فهاهم أولاء اليوم كثير ولكنهم غثاء كغثاء السيل، وطمعت فيهم أحقر الأمم وسيطرت عليهم أراذل الناس،

    ولقد صدقت فيهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم حين قال
    : (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: (بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن) فقال قائل: يا رسول الله: وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت)

    وإن جزءاً كبيراً من هذا الانحراف الذي سيطر اليوم على حياة المسلمين يتحمله الذين يتزيون بزي العلماء ويحسنون للناس أن يستبدلوا بشرع الله أهواء البشر،

    إن هؤلاء ليحملون أوزارهم كاملة ومن أوزار الذين يضلونهم إلى يوم القيامة والإسلام بريء من هؤلاء.

    ويرحم الله علماء السلف الذين كانوا حماة على ثغور الإسلام حتى لا يؤتى الإسلام من قبل أحدهم.

    فهذا الإمام الجليل الحافظ ابن كثير رحمه الله يذكر في كتابه (تفسير القرآن العظيم) ما حل بالأمة الإسلامية أيام التتار، وذلك عند قوله تعالى:
    {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ{ [سورة المائدة: 50].

    قال: (ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم،

    وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان، الذي وضع لهم الياسق،
    (وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً، يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله، حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير)

    ويوضح الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله

    الحالات التي إن فعلها الحاكم دخلت في الكفر المخرج من الملة وهي:


    (1) إذا جحد الحاكم بغير ما أنزل الله أحقية حكم الله ورسوله.

    وهو معنى ما روى عن ابن عباس، واختاره ابن جرير،

    وجحود ما أنزل الله من الحكم الشرعي لا نزاع فيه بين أهل العلم، فإن الأصول المتقررة المتفق عليها بينهم، إن من جحد أصلاً من أصول الدين أو فرعاً مجمعاً عليه، أو أنكر حرفاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم قطعياً فإنه كافر كفراً ينقل عن الملة .
    ***
    (2) إن لم يجحد الحاكم بغير ما أنزل الله أن حكم الله ورسوله حق، ولكنه اعتقد أن حكم غير الرسول صلى الله عليه وسلم أحسن من حكمه، وأتم وأشمل لما يحتاجه الناس وما استجد لهم من حوادث نشأت عن تطور الزمان، وتغير الأحوال

    فهذا أيضاً لا ريب في كفره لتفضيله أحكام المخلوقين التي هي زبالة الأذهان وحثالة الأفكار على حكم الحكيم الخبير.

    فإنه ما من قضية كائنة ما كانت إلا وحكمها في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصاً أو ظاهراً أو استنباطاً أو غير ذلك، علم ذلك من علمه وجهله من جهله.
    ***
    (3) أن لا يعتقد كونه أحسن من حكم الله ورسوله، لكن اعتقد أنه مثله، فهذا كالنوعين السابقين كافر كفراً ينقل عن الملة لما في ذلك من تسوية المخلوق بالخالق
    ***
    (4) من اعتقد جواز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله فهو كالذي قبله.
    ***
    (5) من أعظم ذلك وأظهرها معاندة للشرع ومكابرة لأحكامه، ومشاقة لله ولرسوله: إيجاد المحاكم الوضعية التي مراجعها القانون الوضعي، كالقانون الفرنسي أو الأمريكي أو البريطاني أو غيرها من مذاهب الكفار، وأي كفر فوق هذا الكفر؟! وأي مناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله بعد هذه المناقضة؟!
    ***
    (6) ما يحكم به كثير من رؤساء العشائر والقبائل من البوادي ونحوهم من حكايات آبائهم وأجدادهم وعاداتهم التي يسمونها (سلومهم) يتوارثون ذلك منهم ويحكمون به رغبة وإعراضاً عن حكم الله.
    ***

    (أما الكفر الذي لا ينقل عن الملة:
    والذي ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما بأنه كفر دون كفر
    وقوله أيضاً: (ليس بالكفر الذي تذهبون إليه) فذلك مثل،

    أن تحمله شهوته وهواه على الحكم في القضية بغير ما أنزل الله مع اعتقاده أن حكم الله ورسوله هو الحق، واعترافه على نفسه بالخطأ ومجانبة الهدى. وهذا وإن لم يخرجه كفره عن الملة فإنه معصية عظمى أكبر من الكبائر كالزنا وشرب الخمر والسرقة وغيرها فإن معصية سماها الله في كتابه كفراً أعظم من معصية لم يسمها الله كفراً)

    وإن الذي جعلنا نسهب في ذكر شؤون الحاكمية وتفصيل أحوالها هو خطورتها وعظمها

    . فإن موالاة الحاكم بغير ما أنزل الله وإقرار تشريعه للناس من عند نفسه وتحليله وتحريمه ما لم يأذن به الله، مناقضة بأن الله هو الإله الذي تألهه القلوب بالحب والتعظيم والطاعة والانقياد، ومناقضة للشهادة بأن محمداً رسول الله فهو المطاع فيما أمر ونهى عنه وزجر ولو فهم الناس هذا لما بقي لطاغية في الأرض حق الوجود والتشريع. وإقرار الكفر وتنحيه شرع الله المحكم.

    الثاني: من الأمور التي يجب أن نتدبرها بروية – من نواقض الإسلام – مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين،

    والدليل قوله تعالى:
    {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ { [سورة المائدة:51].

    وهذا من أعظم النواقض التي وقع فيها سواد الناس اليوم في الأرض، وهم بعد ذلك يحسبون على الإسلام ويتسمون بأسماء إسلامية.

    فلقد صرنا في عصر يستحي فيه أن يقال للكافر: يا كافر!!

    بل زاد الأمر عتواً بنظرة الإعجاب والإكبار والتعظيم والمهابة لأعداء الله، وأصبحوا موضع القدوة والأسوة لضعاف الإيمان، ينظرون إلى أعداء الله نظرة انبهار ملؤها التمني أن يكونوا مثلهم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه.

    مظاهرة أخذت صوراً شتى فمن الميل القلبي إلى انتحال مذاهبهم الإلحادية إلى مجاراتهم في تشريعاتهم، إلى كشف عورات المسلمين لهم، إلى كل صغير وكبير في حياتهم

    . وسيأتي تفصيل الحديث في هذا الأمر – إن شاء الله – في فصل صور الموالاة.

    من هنا فإن إدراك حقيقة هذه العقيدة ونواقضها، أمر كفيل بأن يجعل المسلم على بصيرة من أمره في عقيدة الولاء والبراء. حسب المقياس الشرعي الصحيح، وليس حسب مقياس أهواء البشر

    . إنه لا ولاء إلا لله ولرسوله ودينه والمؤمنين. والبراء من كل متبوع أو مرغوب أو مرهوب يحاد الله ورسوله.





    (( انتهى الجزء الثاني



    📡📡📡

    تعليق

    • احمد اسماعيل
      محظور
      • 04-04-2010
      • 55

      #3
      📡📡📡
      ملحوظة : مؤلف هذا الكتاب عالم قدير يستحق التقدير ...
      محمد بن سعيد القحطاني وصل بهذا المؤلف (( الولاء والبراء في الإسلام )) لمنزلة علمية ارتقى بها مؤلفه فوصل لملائكة السماء السابعة ...
      والآن يتابعه معي ملائكة السماء الثالثة كي يثبتوا مقدرة هذا الرجل في الدعوة لدين الإسلام وأسلمة أمم وأجيال اسلاما صحيحا يرقى بأصحابه لأعلى الدرجات
      يارب ارضي محمد بن سعيد القحطاني واكتب له النجاة هو وأسرته قبل شهر رمضان

      أحمدجبيلي 16-1-2017
      3:20 فجرا

      ★★★★★★★★
      تنسيق كتاب الولاء والبراء في الإسلام
      الجزء الثالث من التنسيق
      ★★★★★★★★



      الفصل الثاني
      أولياء الرحمنوأولياء الشيطان




      أولياء الرحمن وأولياء الشيطان
      وطبيعة العداوة بينهما

      إن وجود أولياء الرحمن وأولياء الشيطان أمر قديم نشأ منذ خلق آدم عليه السلام وأمر الله للملائكة بالسجود له فسجدت إلا إبليس أبى واستكبر.

      وقد تحدث القرآن الكريم عن قصة هذه العداوة بين آدم وإبليس في سور شتى من أبرزها سورة البقرة وسورة الأعراف وسورة طه وغيرها.

      قال تعالى:
      {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ {34}وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ {35} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ {36} فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {37}قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{ [سورة البقرة:34 – 38].

      وفي سورة الأعراف يأتي بيان عدم سجود إبليس:

      {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ{[سورة الأعراف:12] .

      لقد كان أمر الله لإبليس أن يسجد فكان رده لعنه الله الامتناع والاستكبار مستخدماً في ذلك قياسه الفاسد:

      إن النار أشرف من الطين!

      وهو بهذا ينصب نفسه نداً لله سبحانه وتعالى

      : الله يقول كذا. فيقول إبليس أنا أرى كذا. ولذلك استحق اللعنة والطرد من رحمة الله.

      وانقسام الناس

      إلى فريق الهدى وفريق الضلال بدأ بهذه البداية كما ذكر ذلك المولى سبحانه:

      {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {[سورة التغابن: 2].

      فأما الفريق الذي أجاب دعوة الرسل وآمن بكتب الله المنزلة ورسله المبعوثين رحمة للناس فهؤلاء أولياء الرحمن.

      وأما الفريق الذي أعرض واستكبر فهم أولياء الشيطان.

      وقبل الحديث عن الفريقين لا بد أن نعلم أن الله سبحانه وتعالى قد أقام الحجة على عباده فبين لهم عداوة الشيطان – حتى بعد قصته مع آدم –

      فهو سبحانه لم يذكر قصة آدم وعداوة إبليس له عدة مرات في القرآن فحسب، بل زاد الأمر بياناً فحذر بني آدم في مواضع كثيرة من القرآن أن يستمعوا لغواية الشيطان ويعرضوا عن طريق الله المستقيم

      قال تعالى:

      {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{[سورة البقرة: 208].

      ثم يأتي التذكير مع التحذير في قوله تعالى:

      {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ{[سورة الأعراف: 27].

      ولم يقتصر البيان القرآني الكريم على هذا بل قد كشف للناس المخطط الشيطاني، حتى يبصر كل ذي عينين ويتفكر أولوا الألباب

      فقال تعالى عن إبليس:

      {وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا{[سورة النساء: 118 – 120] .

      ثم يذكر الله للناس مشهداً من مشاهد يوم القيامة حين يندم أولياء الشيطان ولات ساعة مندم

      فيقول سبحانه:

      {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ {59} أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {60}وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{ [سورة يس: 59 – 61].

      ومشهد آخر لإبليس حين يتبرأ من أتباعه:

      {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{ [سورة إبراهيم: 22].

      # إنه ليس بعد بيان الله بيان. والأشياء لأصلها تعود كما يقولون

      # فما دام أن إبليس عدو لآدم فلا شك أن أتباع إبليس وحزبه أعداء لأولياء الرحمن وأتباع المرسلين

      #. ومن ثم فلا التقاء بين الفريقين ولا هوادة بينهما.

      # إنها الحرب والعداوة والحسد والاستهزاء والسخرية والمكر والخديعة وكل ما يوحي به إبليس لأتباعه ذلك سلاح حزب الشيطان.


      وحزب والشيطان

      أناس يتربصون بالمؤمنين يحاولون ما استطاعوا أن يصدوهم عن ذكر الله،

      ولقد أخبرنا الله جل جلاله بذلك في مواضع عدة من كتابه الكريم

      فقال سبحانه عن سخرية أعداء الله بحزب الله.

      { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ{ [سورة البقرة: 212].


      {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ{ [سورة الأعراف: 66].


      {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ {29} وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ {30}وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ {31}وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ{ [سورة المطففين: 29- 32].

      وانظر إلى تصوير القرآن لعداوة حزب الشيطان، وما تنطوي عليه نفوسهم ضد المؤمنين في قوله تعالى:

      {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفأنبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ{ [سورة الحج: 72].

      وهاهنا حقيقة هامة وهي: أن العداوة التي وقعت بين آدم عليه السلام وبين إبليس هي عداوة قائمة بين إبليس وبني آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

      وتاريخ البشرية كله ما هو إلا مصداق لحقيقة انقسام الناس إلى فريق الهدى والرشاد وفريق الهوى والشهوة والشيطان.

      {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ والله بما تعملون بصير{ [سورة التغابن:2].

      وعلى ذلك فإنه لا التقاء بين الفريقين في الدنيا ولا في الآخرة

      ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

      (ومن سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه، أقام من يعارضه فيحق الحق بكلماته، ويقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق)

      وانظر إلى عداوة قوم نوح عليه السلام له وقوم عاد وقوم صالح وشعيب وإبراهيم وموسى وعيسى ثم محمد صلى الله عليه وسلم، ثم العداوة التي تقابل بها الجاهلية أهل الإيمان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

      وإذا كان أولياء الرحمن مصرين على اتباع هدي ربهم فإن أولياء الشيطان يصرون أيضاً على التردي في حمأة الجهل والضلال، عابدين للطاغوت سواء كان هذا الطاغوت نداً يعبد أو شهوة يراد إشباعها أو جنساً أو لغة أو سلطة أو أرضاً أو دين الآباء الأولين.

      وصدق الله العظيم إذ يقول:

      {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{ [سورة البقرة: 257].

      أما حزب الرحمن فهم

      (الذين ينتمون إليه سبحانه، ويستظلون برايته، ويتولونه ولا يتولون أحداً غيره،

      وهم أسرة واحدة وأمة واحدة من وراء الأجيال والقرون، ومن وراء المكان والأوطان ومن وراء القوميات والأجناس، ومن وراء الأرومات والبيوت

      وقد جاء الدين الإسلامي بفيصل التفرقة بين الحق والباطل، وبين الإسلام والجاهلية فلم يجعل التقاء الناس على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو التراب كما تفعل ذلك الجاهليات القديمة والحديثة على سواء- بل جعل التقاء الناس على العقيدة في الله، وجعل المفاضلة بينهم بالعمل الصالح

      قال تعالى
      {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ { [سورة الحجرات: 13].

      وقال صلى الله عليه وسلم:
      (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أبيض، ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. كلكم لآدم وآدم من تراب)(55).

      وقال أيضاً
      : إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي أو فاجر شقي)

      ولقد تبرأ المصطفى صلى الله عليه وسلم من أقرباء له ليسوا على دينه، ليضع من نفسه قدوة للمؤمنين فقال فيما رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جهاراً من غير سر

      (إن آل فلان – أناس من أقاربه – ليسوا لي بأولياء، وإنما ولي الله وصالح المؤمنين) متفق عليه

      وقال صلى الله عليه وسلم
      : (إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا)

      وهذا موافق لقوله تعالى:
      {َإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ{ [سورة التحريم: 4].

      من هنا: كان المؤمنون هم أولياء الله لأنهم استجابوا لما أراد الله فتلقوا منه وحده، وعبدوه وحده، وخافوه وحده. بعكس الفريق الثاني فإنهم كلما دعاهم رسول من رسل الله قالوا

      {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ{ [سورة البقرة: 170].

      {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ
      قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ{ [سورة المائدة: 104].

      ومن صفات أولياء الرحمن: الاستجابة والانقياد لحكم الله وشرعه واتباع أمره

      قال تعالى:
      {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ { [سورة النور: 51].

      أما أولياء الشيطان: فمن سماتهم الاعراض عن حكم الله وشرعه، واتباع الهوى والشيطان

      قال تعالى:
      {ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع ورعنا لياً بألسنتهم وطعناً في الدين{ [سورة النساء: 46].

      وقال
      {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ { [سورة السجدة: 22] .

      يقول العلامة ابن القيم:
      (كل من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرض عن متابعته، وحاد عن شريعته، ورغب عن ملته، واتبع غير سنته، ولم يتمسك بعهده، ومكن الجهل من نفسه، والهوى والفساد من قلبه، والجحود والكفر من صدره، والعصيان والمخالفة من جوارحه فهو ولي الشيطان)

      ومن سمات أولياء الشيطان أنهم:
      أ)) (إذا جاء الحق معارضاً في طريق رياستهم طحنوه، وداسوه بأرجلهم،

      ب)) فإن عجزوا عن ذلك دفعوه دفع الصائل،

      ج)) فإن عجزوا عن ذلك حبسوه في الطريق، وحادوا عنه إلى طريق أخرى،

      د)) وهم مستعدون لدفعه بحسب الإمكان، فإن لم يجدوا منه بداً أعطوه السكة والخطبة، وعزلوه عن التصرف والحكم والتنفيذ،

      ه)) وإن جاء الحق ناصراً لهم، وكان لهم صالوا به وجالوا، وأتوا إليه مذعنين لا لأنه حق بل لموافقته غرضهم وأهوائهم،

      {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ {48} وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ {49}أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {(60) [سورة النور 48-50].

      ***********************

      طبيعة العداوة بين الفريقين
      بعد أن بينا سمات الفريقين، نتحدث الآن عن العداوة بينهما، ومعرفة هذه العداوة أمر لا بد منه لتمييز الخبيث من الطيب.
      {مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ{ [سورة آل عمران: 179].
      ومعرفة العداوة بين الفريقين
      أمر هام يكشف ألعوبة بعض المتسمين بأسماء إسلامية وهم يسعون لتذويب المسلم في خضم الجو الجاهلي المعاصر وتمييع ولائه لربه ودينه وإخوانه المسلمين. وأمانة براءته وعداوته لكل عدو لهذا الدين.
      هذه الحقيقة الهامة الناصعة
      يحاول أعداؤنا تزييفها: بأن الكفار أصدقاء أوفياء شرفاء يجب أن يكون لهم الحب والتقدير، والإجلال والإكبار والتعظيم،
      يقولون أننا
      متأخرون وهؤلاء القوم متقدمون يجب أن نسلك مسلكهم، وننهج نهجهم نقتفي آثارهم في كل وضع وحال، نأخذ حضارتهم بكاملها حلوها ومرها، حقها وباطلها، بل إنه لا باطل فيها
      ولكن هيهات
      خسئوا وخابوا، إن حزب الله هم الأعلون عند الله قدراً، وهم الأعلون ولو كانوا أقل عدداً، وحزب الشيطان هم الخاسرون ولو كانوا عدد الحصى.
      ولابد أن يسبق حديث العداوة بين الفريقين، نبذة بسيطة عن عداوة إبليس للإنسان حتى نعلم مداخل الشيطان لهذه النفس البشرية، ومدى تلبيسه الحق بالباطل على أوليائه فيبين الحق للمؤمن فيأخذ الحذر على نفسه ومن معه، ويعبد الله على بصيرة منه ونور من شرعه.

      ***********************
      وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن عداوة الشيطان للإنسان تتمثل في سبع مراتب أذكرها هنا بالاختصار.



      (1) الكفر والشرك، ومعاداة الله ورسوله،


      فإذا ظفر الشيطان بذلك من ابن آدم برد أنينه، واستراح من تعبه معه، وهو أول ما يريد من العبد، فإن ظفر به صيره من عسكره ونوابه، فصار من دعاة إبليس، فإن يئس من ذلك نقله للمرتبة الثانية من الشر وهي.



      ***********************
      (2) البدعة:


      لأنها أحب إليه من: الفسوق والعصيان، وذلك أن ضررها في نفس الدين وهو ضرر متعد، وهي مخالفة لدعوة الرسل، فإن كان الشخص ممن يعادي أهل البدع والضلال نقله إلى المرتبة الثالثة وهي:


      ***********************
      (3) الكبائر على اختلاف أنواعها،


      فيحرص أن يوقعه فيها، خاصة إذا كان عالماً متبوعاً لينفر الناس عنه. ومن المعلوم أن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم، هذا إذا أحبوا إشاعتها، فكيف إذا تولوا هم إذاعتها؟ فإن عجز عن هذه نقله للتي بعدها وهي:



      ***********************
      (4) الصغائر


      التي إذا اجتمعت ربما أهلكت صاحبها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (إياكم ومحقرات الذنوب، فإن مثل ذلك قوم نزلوا بفلاة من الأرض)(62). وذكر حديثاً معناه أن كل واحد منهم جاء بعود حطب حتى أوقدوا ناراً عظيمة فطبخوا واشتووا. ولا يزال يسهل عليه أمر الصغائر حتى يستهين بها. فيكون صاحب الكبيرة الخائف أحسن حالاً منه، فإن أعجزه العبد عن هذه نقله للخامسة.




      ***********************
      (5) إشغاله بالمباحات التي لا ثواب ولا عقاب،


      بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها، فإن أعجزه العبد عن هذه بأن كان حافظاً لوقته شحيحاً به، يعلم مقدار أنفاسه وما يقابلها من النعيم والعذاب نقله للتي بعدها.

      ***********************
      (6) إشغاله بالعمل المفضول عن الفاضل


      ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل، ويفتح له أبواب خير كثيرة، كما ورد أنه يأمر بسبعين باباً من أبواب الخير إما ليتوصل إلى باب واحد من الشر وإما ليفوت بها خيراً أعظم من تلك السبعين وأجل وأفضل. وهذا أمر لا يتوصل إلى معرفته إلا بنور من الله يقذفه في قلب العبد، يكون سببه تجريد متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم وشدة عنايته بمراتب الأعمال عند الله، وأحبها إليه، وأرضاها له، وهذا لا يعرفه إلا من كان من ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ونوابه في الأمة، وخلفائه في الأرض والله يمن بفضله على من يشاء من عباده

      ***********************
      (7) فإذا أعجزه العبد من هذه المراتب الست: سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع والتحذير منه وقصد إخماله وإطفاءه







      ليشوش عليه قلبه، ويمنع الناس من الانتفاع به فيبقى سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجن عليه لا يفتر ولا يني فحينئذ يلبس المؤمن لأمة الحرب ولا يضعها عنه إلى الموت، ومتى وضعها أسر أو أصيب فلا يزال في جهاد حتى يلقى الله.
      ***********************
      وما دام أن هذا هو كيد الشيطان للإنسان
      فما هو سبب العداوة ومثيرتها بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان؟
      والجواب على ذلك أحد أمور أربعة أو الأربعة مجتمعة.
      (1) الكبر:
      فأولياء الشيطان استكبروا على الحق وعلى الرسول وعلى الرسالة.
      قال الله تعالى فيهم:
      {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ{ [سورة غافر: 56].




      وقال تعالى:
      {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوي أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون{ [سورة البقرة: 7].
      وقال تعالى
      : {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ{ [سورة لقمان: 7].
      (2) استحباب الحياة الدنيا على الآخرة، واللصوق بالشهوات واللذائذ
      قال تعالى
      : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ { [سورة النحل: 107].
      {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ { [سورة إبراهيم: 3].
      وإذا وجد الكبر وحب الدنيا على الآخرة أو أحدهما:
      فإن أرباب ذلك ينزعجون من وجود عباد الله المخلصين، حتى ولو لم يظهر لهم منهم أي احتكاك فإن وجودهم بهذا النقاء وبهذه الطهارة وبذلك الاستعلاء أمر يغيظ أعداء الله
      قال تعالى:
      {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء{ [سورة النساء: 89].




      ذلك أن وجود الفريق الطاهر يشعر الفريق الدنس بخبث طويته وقبيح فعله،
      فمن هنا يبدأ كيد أعداء الله لأولياء الله بكل ما تعني كلمة (كيد) سواء كان ذلك بالسخرية أو الاستهزاء، أو العذاب والاضطهاد، أو التربص للمؤمنين بكل ما يسوء.
      (3) الحسد:
      فثائرة أولياء الشيطان لا تهدأ، ولذلك يكنون للمؤمنين الحسد والحقد، وقد بين الله ذلك في كتابه العزيز
      بقوله تعالى:
      {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{ [سورة البقرة:109].
      أجل هذه هي أمنيتهم أن يكفر عباد الله ليتساووا معهم في الكفر والضلال،
      وقد بين الله عظيم حقدهم وحسدهم لو ظهروا على المؤمنين
      فقال تعالى
      :{كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً{ [سورة التوبة:8].
      (4) سلب الهيمنة والولاء:
      وهذا أمر يختص بـ(الملأ) أي السادة والطواغيت الذين يستعبدون الناس،
      حيث يتقدم الناس لهم بالإجلال والتعظيم والرغبة والرهبة، والخوف والرجاء.
      فإذا جاء دين الله وشرعه الذي يحرر الناس من عبودية العبيد إلى عبادة الواحد القهار
      فإن (الملأ) يثورون ويعادون عادة الخير،
      لأنهم يشعرون حينئذ أن سلطانهم قد سلب
      وأن شرفهم قد زال،
      وأن الناس لم يعودوا يخشونهم أو يرهبونهم،
      لأن دين الله قد حررهم وأعزهم وعبدهم لله فخوفهم من الله، وحبهم لله، وولاؤهم لله، وبغضهم في الله.

      ودليل هذا

      فعل كسرى حين جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الدخول في الإسلام
      فاستكبر في نفسه وكأنه يقول: أمر عجيب الأعراب الذين كانوا رعاة لنا يأتون إلي لأدخل في دينهم الجديد!
      وظن أن ملكه سيزول إذا دخل في الدين الجديد،
      فما كان منه إلا أن مزق الكتاب.
      وقد استجاب الله دعوة نبيه فمزق الله ملك كسرى شر ممزق،
      فهكذا الطواغيت التي لا تدين لله بالولاء والسلطة والحاكمية تعادي أولياء الرحمن وتصب عليهم أشد أنواع العذاب
      كما قال تعالى:
      {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ{ [سورة البروج: 8].

      (والجاهلية لا تكره الإسلام لأنها – في دخيلة نفسها – لا تعرف ما فيه من الحق والخير، أو لأنها بينها وبين نفسها – تعتقد حقاً أن باطلها الذي تعيش فيه أصوب وأقوم من الإسلام!


      كلا

      ! فهي تكرهه وهي عالمة بما فيه من الحق والخير وبأنه هو الذي يقوم ما آعوج من شؤون الحياة،

      وإنما تكرهه لأنها

      حريصة على هذا العوج لا تريد تقويمه، وتود أن تبقى الأمور على آعوجاجها ولا تستقيم،

      ! تكرهه لأنها هي الجاهلية.. وهو الإسلام!

      { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى{(64) [سورة فصلت:17].
      أما طبيعة عداوة أولياء الرحمن لأعدائهم
      : فهي جزء من عقيدتهم
      وأحسب أني فصلت القول في هذا في التمهيد حين تكلمت عن لوازم لا إله إلا الله – أنهم يبغضون في الله من حاد الله ورسوله
      قال تعالى:
      {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [سورة المجادلة: 22].
      إنهم لا يلتقون مع أعدائهم في منتصف الطريق بل يقولون كما قال إمامهم إبراهيم عليه السلام:
      {إِنَّا بُرَاءؤا مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ{ [سورة الممتحنة:4].
      يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
      (إنه لا يستقيم للإنسان إسلام – ولو وحد الله وترك الشرك – إلا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض
      كما قال تعالى:
      {لا تَجِدُ قَوْمًا... { [سورة المجادلة: 22] (65)


      وما دمنا قد عرفنا منطلق العداوة وحقيقتها فيجب أن نعلم أن هذا هو (القاسم المشترك) بين أعداء الإسلام بشتى أصنافهم كفار ومشركين ومنافقين وكل من كره الإسلام وعاداه.
      إن طبيعة المنهج الإسلامي التي يعرفها جيداً أصحاب المناهج الأخرى طبيعة
      الإصرار على إقامة مملكة الله في الأرض،
      وإخراج الناس كافة من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده،
      وتحطيم الحواجز المادية التي تحول بين الناس كافة وبين حرية الاختيار الحقيقية..
      ثم إنها طبيعة التعارض بين منهجين للحياة، لا التقاء بينهما في صغيرة ولا كبيرة
      وحرص أصحاب المناهج الأرضية على سحق المنهج الرباني الذي يهدد وجودهم ومناهجهم وأوضاعهم قبل أن يسحقهم، فهي حتمية لا اختيار فيها في الحقيقة لهؤلاء ولا لهؤلاء..
      . وهذه الظاهرة يقررها القرآن بقوله

      (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)(66).


      ونذكر بعض عداوات هذه الأصناف حسبما نص عليه القرآن الكريم

      فأما الكفار فقد قال الله تعالى عنهم:
      {يُرِيدُونَ ليطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّهُ مُتِمُ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ{ [سورة الصف: 8].
      وقال في شأن "المشركين ":
      {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ{ [سورة البقرة: 105].

      {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُـونَ{ [سورة الصف:9].
      وأما عداوة " أهل الكتاب" فالله يقول عنهم:
      {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ { [سورة البقرة: 120].
      {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ { [سورة المائدة:82].
      {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل{ [سورة النساء:44].
      {وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ{ [سورة آل عمران: 119]


      أما عداوة " المنافقين
      ": فقد نبه القرآن الكريم على ذلك في مواضع كثيرة ومن ذلك ما ورد في أول سورة البقرة حيث ذكرهم في ثلاث عشرة آية من آية 8 – 20

      وذلك لكثرتهم وعموم الابتلاء بهم، وشدة فتنتهم على الإسلام وأهله،


      فإن بلية الإسلام بهم شديدة جداً،


      لأنهم منسوبون إليه، وإلى نصرته وموالاته وهم أعداؤه في الحقيقة،


      يخرجون عداوته في كل قالب،


      يظن الجاهل أنه علم وإصلاح وهو غاية الجهل والإفساد.

      فلله كم معقل للإسلام قد هدموه!
      وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه،
      وكم من لواء مرفوع قد وضعوه..
      اتفقوا على مفارقة الوحي فهم على ترك الاهتداء به مجتمعون:
      { فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون{ [سورة المؤمنون:53].
      رأس مالهم الخديعة والمكر،
      وبضاعتهم الكذب والختر،
      وعندهم العقل المعيشي: إن الفريقين عنهم راضون وهم بينهم آمنون.
      {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ{ [سورة البقرة: 9]
      من علقت مخالب شكوكهم بأديم إيمانه مزقته كل تمزيق،
      ومن تعلق شرر فتنتهم بقلبه ألقاه في عذاب الحريق،
      خرجوا في طلب التجارة البائرة في بحار الظلمات
      فركبوا مراكب الشبه والشكوك، تجري بهم في موج الخيالات،
      فلعبت بسفنهم الريح العاصف، فألقتها بين سفن الهالكين.

      {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ{(67) [سورة البقرة: 16].

      وقد نزل بخصوصهم سورة كاملة في القرآن هي سورة (المنافقون) وقد ورد فيها صريح عداوتهم للمؤمنين في
      قوله تعالى عنهم:
      {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ {7} يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ{ [سورة المنافقون: 7-8].
      وما دمنا قد عرفنا عداوات هذه الأصناف للإسلام، فإنه لجدير بنا أن نؤكد
      خطورة عداوة اليهود والنصارى
      لأنهم هم المسيطرون اليوم على معظم بقاع الأرض،
      وهم الذين يثبتون غزوهم بشتى الأساليب،
      وهم رمز (البهرج والانبهار) أمام المخدوعين من أبناء المسلمين.

      يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله:

      (إن حقيقة المعركة التي يشنها اليهود والنصارى في كل أرض وفي كل وقت ضد الجماعة المسلمة هي من أجل العقيدة.
      وهم قد يختصمون فيما بينهم ولكنهم يلتقون دائماً في المعركة ضد الإسلام والمسلمين.
      وقد يرفعون لهذه المعركة أعلاماً شتى – في خبث ومكر وتورية –
      لأنهم قد جربوا حماسة المسلمين لدينهم وعقيدتهم حين واجهوهم تحت راية العقيدة،
      فخوفاً من حماس العقيدة الإسلامية وجيشانها: أعلنوا الحرب باسم الأرض والاقتصاد والسياسة والمراكز العسكرية، وألقوا في روع المخدوعين منا:
      إن حكاية العقيدة قد صارت حكاية قديمة لا معنى لها! ولا يجوز رفع رايتها، وخوض المعركة باسمها،
      فهذه سمة المتخلفين المتعصبين
      ! وذلك ليأمنوا جيشان العقيدة من جديد،
      بينما هم في قرارة نفوسهم جميعاً: يخوضون المعركة أولاً وقبل كل شيء لتحطيم هذه الصخرة العاتية التي نطحوها طويلاً فأدمتهم جميعاً!
      فإذا نحن خدعنا بخدعتهم فلا نلومن إلا أنفسنا،
      ونحن نبتعد عن توجيه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته وهو سبحانه أصدق القائلين:
      {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ { [سورة البقرة:120].
      وهذا هو الثمن الوحيد الذي يرتضونه وما سواه فمرفوض ومردود
      . ولكن الأمر الحازم والتوجيه الصادق ((قل إن هدى الله هو الهدى)) على سبيل القصر والحصر هدى الله هو الهدى وما عداه فليس بهدى)

      وخلاصة القول:
      إن حقيقة العداوة وطبيعتها هو اختلاف الدينين، وافتراق المنهجين
      . فإما دين الله واتباع شرعه وموالاة عباده المؤمنين.

      وإما دين الباطل واتباع الهوى والشهوات والانضمام إلى حزب الشيطان،
      فعلى أولياء الله أن يعتزوا بدينهم، وأن يستعلوا فوق وطأة الباطل فإنهم هم المنصورون،
      وإذا كان أعداء الله يتباهون بقوتهم وكثرة عددهم وعدتهم فإن المؤمنين يفخرون بنصر الله وكريم معيته وعونه لهم.
      فقد ورد في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال
      يقول الله تعالى
      ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولا بد له منه))
      ويقول الله تبارك وتعالى:
      {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ { [سورة النحل:128].
      ويقول:
      {ذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ{ [سورة الأنفال: 12].


      ويقول تعالى:
      {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ{ [سورة محمد: 35].
      وإذا قلبنا صفحات التاريخ وجدنا مصداق ذلك،
      ففي غزوة بدر نصر الله القلة المؤمنة على الكثرة الكافرة، وأعز دينه ونصر حزبه،
      وفتوحات المسلمين شرقاً وغرباً وتحطيم عروش كسرى وقيصر ليست بغائبة عن الأذهان.
      ونصر الله وتأييده للمؤمنين في معركتهم مع التتار ومع الصليبين الحاقدين.
      وغيرها من مئات الحوادث سواء كانت على مستوى الفرد أم الجماعة خير شاهد على ما نقول.
      وسيبقى النصر والعون والمدد لأولياء الله إن شاء الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وما على المؤمنين إلا الصدق مع الله والإخلاص في العمل ابتغاء مرضاته هو وحده، والعمل وفق كتابه وسنة نبيه ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً.

      انتهى الجزء الثالث من التنسيق







      📡📡📡

      تعليق

      • احمد اسماعيل
        محظور
        • 04-04-2010
        • 55

        #4

        ★★★★★★★★







        تنسيق كتاب الولاء والبراء في الإسلام



        الجزء الرابع من التنسيق







        ★★★★★★★★







        الفصل الثالث

        عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء




        لابد أن نذكر معتقد أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء حتى يخرج بذلك (( من الانتساب لدين الإسلام من اعتقد معتقدات )) أرباب البدع والأهواء التي لا تستند إلى دليل قوي من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.


        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
        على المؤمن أن يعادي في الله ويوالي في الله،


        فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه – وإن ظلمه.


        فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية.


        قال تعالى :
        {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما { [سورة الحجرات:9].


        فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي،


        وأمر بالإصلاح بينهم،


        فليتدبر المؤمن: أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك،


        والكافر تجب معاداته وإن أعطاك وأحسن إليك.


        فإن الله سبحانه بعث الرسل، وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه، والإكرام والثواب لأوليائه والإهانة والعقاب لأعدائه.


        وإذا اجتمع في الرجل الواحد: خير وشر، وفجور وطاعة، ومعصية وسنة وبدعة


        استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير،


        واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر،


        فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة


        كاللص تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته.


        هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة، وخالفهم الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم)


        ولمّا كان الولاء والبراء مبنيين على قاعدة الحب والبغض كما أسلفنا فيما سبق


        فإن الناس في نظر أهل السنة والجماعة – بحسب الحب والبغض والولاء والبراء – ثلاثة أصناف:


        الأول: من يحب جملة. وهو


        ((أ))من آمن بالله ورسوله،


        ((ب))وقام بوظائف الإسلام ومبانيه العظام علماً


        ((ج))وعملاً واعتقاداً.


        ((د))وأخلص أعماله وأفعاله وأقواله لله،


        ((ه))وانقاد لأوامره وانتهى عما نهى الله عنه،


        ((و))وأحب في الله،


        ((ز))ووالى في الله وأبغض في الله،


        ((ح))وعادى في الله،


        ((ط))وقدم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد كائناً من كان


        الثاني: من يحب من وجه ويبغض من وجه، فهو


        # المسلم الذي خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً،


        # فيحب ويوالي على قدر ما معه من الخير،


        # ويبغض ويعادي على قدر ما معه من الشر


        # ومن لم يتسع قلبه لهذا كان ما يفسد أكثر مما يصلح..


        # وإذا أردت الدليل على ذلك فهذا عبد الله بن حمار ، وهو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان يشرب الخمر، فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتى به،


        فقال النبي صلى الله عليه وسلم
        ((لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)) مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه .




        الثالث: من يبغض جملة وهو


        ((أ))من كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر،


        ((ب))ولم يؤمن بالقدر خيره وشره، وأنه كله بقضاء الله وقدره


        ((ج))وأنكر البعث بعد الموت،


        ((د))وترك أحد أركان الإسلام الخمسة،


        ((ه))أو أشرك بالله في عبادته أحداً من الأنبياء والأولياء والصالحين،


        ((و))وصرف لهم نوعاً من أنواع العبادة


        (( كالحب والدعاء، والخوف والرجاء

        والتعظيم والتوكل، والاستعانة

        والاستعاذة والاستغاثة،

        والذبح والنذر والإبانة

        والذل والخضوعوالخشية

        والرغبة والرهبة

        والتعلق ))


        ((ز))أو ألحد في أسمائه وصفاته واتبع غير سبيل المؤمنين،


        ((ح))وانتحل ما كان عليه أهل البدع والأهواء المضلة،


        ((ط))وكذلك كل من قامت به نواقض الإسلام العشرة أو أحدها .




        فأهل السنة والجماعة – إذن –


        يوالون المؤمن المستقيم على دينه ولاء كاملاً ويحبونه وينصرونه نصرة كاملة،


        ويتبرأون من الكفرة والملحدين والمشركين والمرتدين ويعادونهم عداوة وبغضاً كاملين.


        أما من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً فيوالونه بحسب ما عنده من الإيمان، ويعادونه بحسب ما هو عليه من الشر.




        وأهل السنة والجماعة


        يتبرأون ممن حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب،


        قال تعالى:
        {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ{ [سورة المجادلة:22].


        ويمتثلون لنهيه تعالى في قوله:
        {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {23} قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ{ [سورة التوبة:23-24].


        ويلخص الإمام ابن تيمية مذهب أهل السنة والجماعة


        فيقول:
        (الحمد والذم والحب والبغض والموالاة والمعادة إنما تكون بالأشياء التي أنزل الله بها سلطانه، وسلطانه كتابه،


        فمن كان مؤمناً وجبت موالاته من أي صنف كان،


        ومن كان كافراً وجبت معاداته من أي صنف كان.


        قال تعالى:
        {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ {55} وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فإن حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ{ [سورة المائدة: 55-56].


        وقال:
        {يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض{ [سورة المائدة: 51].


        وقال:
        {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ{ [سورة التوبة:71].


        ومن كان فيه إيمان وفيه فجور أعطي من الموالاة بحسب إيمانه،


        ومن البغض بحسب فجوره،


        ولا يخرج من الإيمان بالكلية بمجرد الذنوب والمعاصي كما يقول الخوارج والمعتزلة.




        ولا يجعل الأنبياء والصديقون والشهداء والصالحون بمنزلة الفساق في الإيمان والدين والحب والبغض والموالاة والمعاداة


        قال تعالى:
        {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا


        إلى قوله:
        إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ{ [سورة الحجرات: 9-10].


        فجعلهم إخوة مع وجود الاقتتال والبغي


        ... ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضاً موالاة الدين لا يعادون كمعاداة الكفار،


        فيقبل بعضهم بشهادة بعض،


        ويأخذ بعضهم العلم من بعض،


        ويتوارثون ويتناكحون، ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض مع ما كان بينهم من القتال والتلاعن وغير ذلك)


        ★★★★★★★★


        الولاء والبراء القلبي:

        ومن عقيدة أهل السنة والجماعة في هذا الموضوع أن الولاء القلبي وكذلك العداوة يجب أن تكون كاملة.
        يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:
        (فأما حب القلب وبغضه،
        وإرادته وكراهته،
        فينبغي أن تكون كاملة جازمة،
        لا توجب نقص ذلك إلا بنقص الإيمان،
        وأما فعل البدن فهو بحسب قدرته،
        ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة وفعل العبد معها بحسب قدرته فإنه يعطى ثواب الفاعل الكامل.
        ذلك أن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبة نفسه وبغضها،
        لا بحسب محبة الله ورسوله، وبغض الله ورسوله

        وهذا نوع من الهوى، فإن اتبعه الإنسان فقد اتبع هواه {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ
        ص142
        اللَّهِ{ [سورة القصص: 50].77)




        موقف أهل السنة والجماعة من أصحاب البدع والأهواء:

        يدخل في معتقد أهل السنة والجماعة البراءة من أرباب البدع والأهواء.

        والبدعة: مأخوذة من الابتداع

        وهو الاختراع،

        وهو الشيء يحدث من غير أصل سبق ولا مثال احتذي ولا ألف مثله

        ومنه قولهم: ابتدع الله الخلق أي خلقهم ابتداء

        ومنه قوله تعالى:
        {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ{ [سورة البقرة: 117].

        وقوله:
        {قل ما كنت بدعاً من الرسل{ [سورة الأحقاف: 9].

        أي لم أكن أول رسول إلى أهل الأرض.

        وهذا الاسم يدخل فيما تخترعه القلوب،

        وفيما تنطق به الألسنة وفيما تفعله الجوارح


        قال ابن الجوزي:
        ((البدعة عبارة عن فعل لم يكن فابتدع. ط

        والأغلب في المبتدعات أنها تصادم الشريعة بالمخالفة وتوجب التعاطي عليها بزيادة أو نقصان))




        ولقائل أن يقول: ما شأننا الآن وأصحاب البدع لا سيما وأنت تتكلم عن ولاء الكفار والبراء منهم وموالاة المؤمنين ونصرتهم؟؟

        والجواب على ذلك:

        أولاً:

        أن البدعة خطرها عظيم وكبير،

        والدليل على ذلك أنها تنقسم إلى رتب متفاوتة ما بين الكفر الصريح إلى الكبيرة والصغيرة،

        وفي هذا يقول الإمام الشاطبي:
        (البدعة تنقسم إلى رتب متفاوتة

        منها ما هو كفر صراح، كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن

        بقوله:
        {وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا{ [سورة الأنعام: 136].

        وقوله تعالى:
        {وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء { [سورة الأنعام: 139].

        وقوله:
        {ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام{[سورة المائدة: 103].

        وكذلك بدعة المنافقين حين اتخذوا الدين ذريعة بحفظ النفس والمال وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح )

        وقضية التحليل والتحريم خصوصية لله عز وجل،

        فمن ادعى التحليل والتحريم فقد شرع ومن شرع فقد أله نفسه

        . وكما أن الله سبحانه وتعالى هو الخالق فهو أيضاً صاحب الأمر والسلطان،

        قال تعالى:
        {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ{ [سورة الأعراف: 54].

        وقال سبحانه:
        {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ { [سورة النحل:116].

        فهذه البدعة الكفرية وأمثالها لأصحابها منا العداء والبغض والكره والجهاد بعد الإعذار والإنذار،.

        والبراءة منهم لا تختلف عن البراءة من الكافر الأصلي.

        فقد قال صلى الله عليه وسلم
        ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (81

        قال البغوي:
        (وقد اتفق علماء السنة على معاداة أهل البدعة ومهاجرتهم) (82.

        ونعود لرتب البدع كما ذكرها الشاطبي فقال:

        (ومن البدع ما هو من المعاصي التي ليست بكفر أو يختلف فيها هل هي كفر أم لا؟

        كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ومن أشبههم من الفرق الضالة.

        ومنها ما هو معصية ويتفق على أنها ليست بكفر،

        كبدعة التبتل والصيام قائماً في الشمس والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع.

        ومنها: ما هو مكروه كالاجتماع للدعاء عشية عرفة، وذكر السلاطين في خطبة الجمعة على ما قاله ابن عبد السلام الشافعي (وما أشبه ذلك)

        فأرباب هذه البدع يتبرأ منهم أهل السنة والجماعة.

        ثانياً :

        لخطورة البدع على الدين أورد هنا نماذج من أقوال سلف الأمة في التحذير من البدع وأصحابها.

        ومن ذلك ما قاله الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حيث يقول:

        ((من كان مستناً فليستن بمن قد مات: أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم كانوا على الهدى المستقيم ))

        . وقال سفيان الثوري رحمه الله:

        البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، المعصية يتاب منها، والبدعة لا يتاب منها .

        وقال الإمام مالك رحمه الله:

        من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الدين،

        لأن الله تعالى يقول:
        {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ{[سورة المائدة:3].
        فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً


        وذكر الشاطبي رحمه الله أن مفاسد البدع تنحصر في أمرين:

        (1) أنها مضادة للشارع، ومراغمة له، حيث نصب المبتدع نفسه منصب المستدرك على الشريعة لا منصب المكتفي بما حد له.

        (2) أن كل بدعة – وإن قلت – تشريع زائد أو ناقص، أو تغيير للأصل الصحيح، وكل ذلك قد يكون على الانفراد، وقد يكون ملحقاً بما هو مشروع فيكون قادحاً في المشروع، ولو فعل أحد مثل هذا في نفس الشريعة عامداً، لكفر، إذ الزيادة والنقصان فيها أو التغيير – قل أو كثر – كفر .
        ويعضد هذا النظر عموم الأدلة في ذم البدع ومنها:

        قوله صلى الله عليه وسلم
        ((كل بدعة ضلالة))

        وقوله صلى الله عليه وسلم
        ((من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهــم شيئاً))

        وقال أحد علماء السلف:
        (لا تجالسوا أصحاب الأهواء، أو قال أصحاب الخصومات فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، ويلبسوا عليكم بعض ما تعرفون) .

        فالخلاصة: أنه من معتقد أهل السنة والجماعة البراء من البدعيين خاصة أصحاب البدع الكفرية ولذلك سيرد مزيد من تفصيل هذا في الباب الثاني إن شاء الله.


        🌏🌎🌍



        الفصل السابع


        صور الموالاة ومظاهرها

        ★★★★★★★★★★★★★★★★★



        ★★★★★★★★★★★★★★★★★
        (1) الرضى بكفر الكافرين وعدم تكفيرهم أو الشك في كفرهم أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة (207).
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        ويتضح هذا الأمر في كونه ولاء للكفار:

        إنه يسرهم ويسعدهم أن يروا من يوافقهم على كفرهم ويجاريهم على مذاهبهم الإلحادية.


        وقد سبق في التمهيد القول بأن من معتقد أهل السنة والجماعة:


        إن حب القلب وبغضه يجب أن يكون كاملاً


        . فالذي يحب الكافر لأجل كفره فهو كافر بإجماع الأمة، ولم يخالف في ذلك أحد من علماء المسلمين.


        يقول ابن تيمية رحمه الله:

        (أما حب القلب وبغضه، وإرادته وكراهيته فينبغي أنتكون كاملة جازمة لا توجب نقص ذلك إلا بنقص الإيمان.
        أما فعل البدن فهو بحسب قدرته.
        ومتى كانت إرادة القلب وكراهته كاملة تامة وفعل العبد معها بحسب قدرته فإنه يعطي ثواب الفاعل الكامل،
        ذلك أن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبة نفسه وبغضها، لا بحسب محبة الله ورسوله وبغض الله ورسوله،
        وهذا من نوع الهوى،فإن اتبعه الإنسان فقداتبع هواه
        {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ { [سورة القصص: 50]
        إذن: فالمحبة والرضى أمران جازمان لا يخرجان عن كونهما كفراً إذا كانا للكفار أو إيماناً إذا كانا للمؤمنين.


        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (2) التولي العام واتخاذهم أعواناً وأنصاراً وأولياء أو الدخول في دينهم
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        وقد نهى الله عن ذلك فقال:

        {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ{ [سورة آل عمران: 28].
        قال ابن جرير في تفسيرها:
        (من اتخذ الكفار أعواناً وأنصاراً وظهوراً يواليهم على دينهم ويظاهرون على المسلمين فليس من الله في شيء
        . أي قد برئ من الله وبرئ الله منه، بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر
        . (إلا أن تتقوا منهم تقاة)

        أي إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ولا تعينوهم على مسلم بفعل)
        وقال تعالى
        : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ [سورة المائدة: 51].

        قال ابن جرير رحمه الله في تفسيرها:
        (من تولى اليهود والنصارى من دون المؤمنين فإنه منهم.

        أي من أهل دينهم وملتهم،

        فإنه لا يتولى متول أحداً إلا وهو به وبدينه وما هو عليه راض،

        وإذا رضيه ورضي دينه فقد عادى ما خالفه وسخطه وصــار حكمه حكمه) .
        وقال ابن حزم
        : صح أن قول الله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ
        { إنما هو على ظاهره: بأنه كافر من جملة الكفار،
        وهذا حق لا يختلف فيه اثنان من المسلمين .
        وقال ابن تيمية:
        أخبر الله في هذه الآية: أن متوليهم هو منهم
        وقال سبحانه: {ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء { [سورة المائدة : 81].
        فدل على أن الإيمان المذكور ينفي اتخاذهم أولياء ويضاده ولا يجتمع الإيمان واتخاذهم أولياء في القلب. فالقرآن يصدق بعضه بعضاً .
        وقال ابن القيم:
        (إن الله قد حكم ولا أحسن من حكمه أنه من تولى اليهود والنصارى، فهو منهم
        " ومن يتولهم منكم فإنه منهم "
        فإذا كان أولياؤهم منهم بنص القرآن كان لهم حكمهم.
        وهذا عام،
        خص منهم من يتولاهم ودخل في دينهم بعد التزام الإسلام
        فإنه لا يقر ولا تقبل منه الجزية.
        بل إما الإسلام أو السيف لأنه مرتد بالنص والإجماع،

        ولا يصح إلحاق من دخل في دينهم من الكفار قبل التزام الإسلام بمن دخل فيه من المسلمين لأن من دان بدينهم من الكفار بعد نزول القرآن فقد انتقل من دين إلى دين خير منه

        – وإن كانا جميعاً باطلين –

        وأما المسلم فإنه قد انتقل من دين الحق إلى الدين الباطل بعد إقراره بصحة ما كان عليه وبطلان ما انتقل إليه فلا يقر على ذلك).

        ويستبعد الأستاذ سيد قطب
        أن يكون بين المسلمين، من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين

        . وإنما المراد ولاء التحالف والتناصر

        . يقول رحمه الله:
        (إن الولايةالمنهي عنها ولاية التناصر والتحالف معهم،
        ولا تتعلق بمعنى اتباعهم في دينهم،
        فبعيد جداً أن يكون بين المسلمين من يميل إلى اتباع اليهود والنصارى في الدين.

        إنما هو ولاء التحالف والتناصر الذي كان يلتبس على المسلمين أمره،

        فيحسبون أنه جائز لهم بحكم ما كان واقعاً من تشابك المصالح والأواصر،

        ومن قيام هذا الولاء بينهم وبين جماعات من اليهود قبل الإسلام وفي أوائل العهد بقيام الإسلام في المدينة حتى نهاهم الله عنه وأمر بإبطاله.

        يوضح ذلك قوله تعالى بشأن المسلمين الذين لم يهاجروا

        {مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ { [سورة الأنفال: 72].
        أي ولاية التناصر والتعاون وليس ولاية الدين.
        (نقول هذا
        : لأن البعض يخلط بين دعوة الإسلام إلى السماحة في معاملة أهل الكتاب والبر بهم في المجتمع المسلم الذي يعيشون فيه
        وبين الولاء الذي لا يكون إلا لله ورسوله وللجماعة المسلمة.
        ناسين ما يقرره القرآن الكريم من أن أهل الكتاب بعضهم أولياء بعض في حرب الجماعة المسلمة،
        وأن هذا شأن ثابت لهم، وأنهم لن يرضوا عن المسلم إلا أن يترك دينه ويتبع دينهم.

        وسذاجة أية سذاجة، وغفلة أية غفلة:
        أن تظن أن لنا وإياهم طريقاً واحداً نسلكه للتمكين للدين!! أمام الكفار والملحدين.
        فهم مع الكفار والملحدين إذا كانت المعركة ضد المسلمين.
        فلندع من يغفل عن هذا ولنكن واعين للتوجيه القرآني
        : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء { الآية (214).


        ★★★★★★★★★★★★★★★★★
        (3) الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر،أو التحاكم إليهم دون كتاب الله
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        كما قال تعالى:
        {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً{ [سورة النساء: 51].
        ونظير هذه الآية قوله تعالى عن بعض أهل الكتاب:
        {وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ {101}وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ{ [سورة البقرة: 101-102].
        فأخبر سبحانه أنهم اتبعوا السحر وتركوا كتاب الله كما يفعله كثير من اليهود وبعض المنتسبين إلى الإسلام.
        فمن كان من هذه الأمة موالياً للكفار: من المشركين أو أهل الكتاب ببعض أنواع الموالاة كإتيانه أهل الباطل واتباعهم في شيء من فعالهم ومقالهم الباطل: كان له من الذم والعقاب والنفاق بحسب ذلك .
        وإن هذه الصورة من صور الموالاة قد وقع فيها معظم المنتسبين إلى الإسلام اليوم،
        فالإيمان ببعض ما هم عليه أمر واقع في (العالم الإسلامي) لا ينكره إلا مكابر جاهل،
        فها هي الببغوات من أبناء أمتنا وممن ينطقون بألسنتنا قد آمنت بالشيوعية مذهباً تارة وبالاشتراكية تارة أخرى، وبالديمقراطية نظاماً أو العلمانية دستوراً،
        فأخذت هذه المبادئ الكافرة وطبقتها في بلاد المسلمين ملزمة الناس بعبادتها (في الطاعة والانقياد والتنفيذ) ونصبت العداء لكل مسلم موحد ينادي في الأمة أن تعود إلى كتاب الله وسنة رسوله.
        وهذه الردة الجديدة سيأتي تفصيل الحديث عنها إن شاء الله – في الباب الأخير.

        وإن من الإيمان ببعض ما هم عليه:
        مسألة فصل الدين عن الدولة وإنه لا علاقة للإسلام بالسياسة فهذه أيضاً فرع للقضية السابقة لم توجد إلا في أوروبا أيام الاضطهاد الكنسي لرجال العلم.
        ولكن أين الإسلام دين العدل ودين السياسة ودين القوة من (هرطقة) رجال الكنيسة حتى يأتي بعض الأقزام فيستورد تلك السموم من أوروبا ليلبس الإسلام قناعاً مزيفاً فيقول: الإسلام علاقة بين العبد وربه والسياسة لها رجالها ولها قضاياها التي لا تمت إلى الدين بصلة .




        ★★★★★★★★★★★★★★★★★
        (4) مودتهم ومحبتهم.
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★
        وقد نهى الله عنها بقوله:
        {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ {[سورة المجادلة:22].
        قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
        (أخبر الله أنك لا تجد مؤمناً يواد المحادين لله ورسوله فإن نفس الإيمان ينافي موادته كما ينفي أحد الضدين الآخر،
        فإذا وجد الإيمان انتفى ضده موالاة أعداء الله
        . فإذا كان الرجل يوالي أعداء الله بقلبه كان ذلك دليلاً على أن قلبه ليس فيه الإيمان الواجب) .
        وقال تعالى:
        {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ{ [سورة الممتحنة: 1].



        ★★★★★★★★★★★★★★★★★
        (5) الركون إليهم:
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        قال تعالى:
        { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }[سورة هود: 113].
        قال القرطبي:
        الركون حقيقته: الاستناد والاعتماد، والسكون إلى الشيء والرضا به .

        وقال قتادة معنى الآية:
        لا تودوهم ولا تطيعوهم.

        قال ابن جريج:
        لا تميلوا إليهم.


        وهذه الآية دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم
        فإن صحبتهم كفر أو معصية.
        إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة
        كما قيل
        عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدى

        وقال تعالى
        {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً {74} إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا { [سورة الإسراء: 74 – 75].

        وإذا كان هذا الخطاب لأشرف مخلوق صلاة الله وسلامه عليه فكيف بغيره؟



        ★★★★★★★★★★★★★★★★★
        (6) مداهنتهم ومداراتهم ومجاملتهم على حساب الدين
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        قال تعالى:
        {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ{[سورة القلم: 9].
        والمداهنة والمجاملة والمداراة على حساب الدين أمر وقع فيه كثير من (المسلمين) اليوم
        وهذه نتيجة طبيعية للانهزام الداخلي في نفوسهم.

        حيث رأوا أن أعداء الله تفوقوا في القوة المادية فانبهروا بهم،

        ولأمر ما رسخ وترسب في أذهان المخدوعين أن هؤلاء الأعداء هم رمز القوة ورمز القدوة –

        فأخذوا ينسلخون من تعاليم دينهم مجاملة للكفار ولئلا يصمهم أولئك الكفرة بأنهم (متعصبون)!

        وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ يقول في مثل هؤلاء

        (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم).
        قلنا. يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: (فمن)؟
        إن المداهنة والمجادلة قد تبدأ بأمر صغير ثم تكبر وتنمو حتى تؤدي – والعياذ بالله – إلى الخروج من الملة.
        وهذه إحدى مزالق الشيطان فليحذر المسلم منها على نفسه،
        وليعلم أنه هو الأعز وهو الأقوى إذا امتثل منهج الله وتقيد بشرعه ومقتضيات عقيدته.
        ومن الأمور الواضحة في تاريخ المسلمين:

        أن من أكبر العوامل في انتصارهم – بعد الإيمان بالله ورسوله – الاعتزاز بالإسلام.

        يصدق ذلك ويؤيده قول الفاروق رضي الله عنه:

        (إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله)

        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (7) اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        قال تعالى:
        { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ{ [سورة آل عمران: 118].
        نزلت هذه الآية في أناس من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين، ويواصلون رجلاً من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والجوار فأنزل الله هذه الآية تنهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة منهم عليهم .
        وبطانة الرجل: خاصته تشبيهاً ببطانة الثوب التي تلي بطنه
        لأنهم يستبطنون أمره ويطلعون منه على ما لا يطلع عليه غيرهم.
        وقد بين الله العلة في النهي عن مباطنتهم فقال
        (لا يألونكم خبالاً)

        أي لا يقصرون ولا يتركون جهدهم فيما يورثكم الشر والفساد،

        ثم إنهم يودون ما يشق عليكم من الضر والهلاك.


        والعداوة التي ظهرت منهم
        : شتم المسلمين والوقيعة فيهم،
        وقيل: باطلاع المشركــين علـى أسرار المسلمين).
        وفي سنن أبي داود قوله صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم مــن يخالل)


        ★★★★★★★★★★★★★★★★★
        (8) طاعتهم فيما يأمرون ويشيرون به

        ★★★★★★★★★★★★★★★★★
        قال تعالى ناهياً عن ذلك:
        {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا{ [سورة الكهف: 28].
        وقال:
        {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ{ [سورة آل عمران: 149].
        وقال:
        {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ{ [سورة الأنعام: 121].
        قال ابن كثير في تفسير هذه الآية:
        (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون)

        حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره،

        فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك،

        كما قال تعالى:

        {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ { [سورة التوبة: 31]

        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (9) مجالستهم، والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله.
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        وقال تعالى في النهي عن مجالستهم:
        {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ { [سورة النساء: 140].
        قال ابن جرير:
        (قوله (إنكم إذاً مثلهم) أي
        إنكم إذا جالستم من يكفر بآيات الله ويستهزئ بها وأنتم تسمعون فأنتم مثلهم إن لم تقوموا عنهم في تلك الحال،
        لأنكم قد عصيتم الله بجلوسكم معهم وأنتم تسمعون آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها.

        وفي الآية دلالة واضحة على النهي عن مجالسة أهل الباطل من كل نوع من الكفرة والمبتدعة والفسقة عند خوضهم في باطلهم .
        وفي الحديث (لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل ما أصابهم)




        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (10) توليتهم أمراً من أمور المسلمين:
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        كالإمارة والكتابة وغيرها
        والتولية شقيقة الولاية لذلك فتوليتهم نوعاً من توليهم.
        وقد حكم الله أن من تولاهم فإنه منهم.

        ولا يتم الإيمان إلا بالبراءة منهم.

        والولاية تنافي البراءة فلا تجتمع البراءة والولاية أبداً.
        والولاية إعزاز فلا تجتمع هي وإذلال الكفر أبداً.
        والولاية صلة فلا تجامع معاداة الكافر أبداً.
        ولو علم ملوك الإسلام بخيانة النصارى الكتاب – مثلاً – ومكاتبتهم الفرنج أعداء الإسلام، وتمنيهم أن يستأصلوا الإسلام وأهله، وسعيهم في ذلك بجهد الإمكان: لثناهم ذلك عن تقريبهم وتقليدهم الأعمال
        فهذا الملك (الصالح) كان في دولته نصراني يسمى: محاضر الدولة أبا الفضل بن دخان ولم يكن في المباشرين أمكن منه.
        كان قذى في عين الإسلام، وبثرة في وجه الدين.

        ((أ))بلغ من أمره أنه وقع لرجل نصراني أسلم برده إلى دين النصرانية وخروجه من الملة الإسلامية،

        ((ب))ولم يزل يكاتب الفرنج بأخبار المسلمين، وأعمالهم، وأمر الدولة وتفاصيل أحوالها.
        ((ج))وكان مجلسه معموراً برسل الفرنج والنصارى وهم مكرمون لديه، وحوائجهم مقضية عنده، ويحمل لهم الإدرار والضيافات،
        ((د))وأكابر المسلمين محجوبون عن الباب لا يؤذن لهم، وإذا دخلوا لم ينصفوا في التحية ولا في الكلام.
        ((ه))وحدث أن اجتمع في مجلس (الصالح) أكابر الناس من الكتاب والقضاة والعلماء فسأل السلطان بعض الجماعة عن أمر أفضى به إلى ذكر مخازي النصارى فبسط لسانه في ذلك وذكر بعض ما هم عليه من الأفعال والأخلاق.

        ((و))وقال من جملة كلامه: إن النصارى لا يعرفون الحساب، ولا يدرونه على الحقيقة لأنهم يجعلون الواحد ثلاثة والثلاثة واحداً.

        والله تعالى يقول:
        {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ{ [سورة المائدة: 73].
        ((ز))وأول أمانتهم وعقد دينهم: (بسم الأب والابن وروح القدس إله واحد)


        فأخذ هذا المعنى بعض الشعراء وقال في قصيدة له:
        كيف يدري الحساب من جعل
        الواحد رب الورى تعالى ثلاثة
        ((ح))ثم قال: كيف تأمن أن يفعل في معاملة السلطان كما فعل في أصل اعتقاده ويكون مع هذا أكثر النصارى أمانة؟
        ((ط))وكلما استخرج ثلاثة دنانير دفع إلى السلطان ديناراً وأخذ لنفسه اثنين ولا سيما وهو يعتقد ذلك قربة وديانة؟
        ((ي))وانصرف القوم واتفق أن كبت النصراني بطنته، وظهرت خيانته فأريق دمه وسلط على وجوده عدمه .


        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (11) استئمانهم وقد خونهم الله:
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        قال تعالى:
        {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[سورة آل عمران: 75].



        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (12) الرضى بأعمالهم والتشبيه بهم، والتزيي بزيهم
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        لايوجد نص
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (13) البشاشة لهم والطلاقة وانشراح الصدر لهم وإكرامهم وتقريبهم
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        لايوجد نص
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (14) معاونتهم على ظلمهم ونصرتهم

        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        ويضرب القرآن لذلك مثالين هما: امرأة لوط التي كانت ردءاً لقومها، حيث كانت على طريقتهم، راضية بأفعالهم القبيحة، تدل قومها على ضيوف لوط. وكذلك فعل امرأة نوح .

        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (15) مناصحتهم والثناء عليهم ونشر فضائلهم
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        وهذه الصورة ظهرت واضحة في العصور الأخيرة
        فقد رأينا (أفراخ المستشرقين) – مثلاً – ينشرون فضائلهم وأنهم أصحاب المنهج العلمي السديد و.. و.. الخ.
        كذلك جاء من ينشر (فضائل) الغرب أو الشرق مضيفاً عليها ألقاب التقدم والحضارة والرقي، واصماً الإسلام والمنتسبين إليه بالرجعية والجمود والتأخر عن مسايرة الركب الحضاري والأمم المتقدمة!!

        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        16) تعظيمهم وإطلاق الألقاب عليهم مثل: السادة والحكماء ومبادأتهم بالسلام
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (ومما يجب النهي عنه ما يفعله كثير من الجهال في زماننا
        إذا لقي أحدهم عدواً لله سلم عليه ووضع يده على صدره إشارة إلى أنه يحبه محبة ثابتة في قلبه.

        أو يشير بيده إلى رأسه إشارة إلى أن منزلته عنده على الرأس

        وهذا الفعل المحرم يخشى على فاعله أن يكون مرتداً عن الإسلام لأن هذا من أبلغ الموالاة والموادة والتعظيم لأعداء الله)

        والتعظيم واللقب الرفيع رمز للعزة والتقدير وهما مقصورتان على المؤمن.

        أما الكافر فله الإهانة والذلة

        وقد ورد في الحديث الصحيح النهي عن مبادأتهم بالسلام

        فقال صلى الله عليه وسلم

        (لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه)

        وسيأتي تفصيل هذه القضية في الباب الثاني.




        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (17) السكنى معهم في ديارهم وتكثير سوادهم
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★
        قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
        (من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله)
        وقال
        (لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا)(238).


        وسوف يأتي بمشيئة الله – في الباب الثاني تفصيل لهذه المسألة إذا كانت هناك ضرورة لهذه المساكنة.

        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (18) التآمر معهم، وتنفيذ مخططاتهم والدخول في أحلافهم وتنظيماتهم والتجسس من أجلهم، ونقل عورات المسلمين وأسرارهم إليهم والقتال في صفهم
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        وهذه الصورة من أخطر ما ابتليت به أمتنا في هذا العصر.
        ذلك أن وجود ما يسمى في المصطلح الحديث (الطابور الخامس)قد أفسد أجيال الأمة في كل مجال
        سواء في التربية والتعليم أم في السياسة وشؤون الحكم أم في الأدب والأخلاق أم في الدين والدنيا معاً.
        وصدق الشاعر محمود أبو الوفا فيما نقله عنه أستاذنا الفاضل الشيخ محمد قطب أنه قال حين خرج الاستعمار الإنجليزي من مصر
        : (خرج الإنجليز الحمر وبقي الإنجليز السمر!!) – نعم إن داءنا هم الإنجليز السمر.


        ترى من هو الساهر على تنفيذ خطة (دنلوب) في التربية والتعليم؟
        ومن هو القائم بتنفيذ مخططات اليهود الثلاثة: فرويد وماركس ودور كايم في أفكارهم الخبيثة؟ .
        إنهم المستغربون من أبناء هذه الأمة الذين حققوا لأعداء الله ما لا يحلمون به. ولكن هيهات لهم
        فإن الله يقول:
        {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ {171} إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ {172} وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ{ [سورة الصافات:171 – 173].


        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (19) من هرب من دار الإسلام إلى دار الحرب بغضاً للمسلمين وحباً للكافرين
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★
        لايوجد نص
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        (20) من انخرط في الأحزاب العلمانية أو الإلحادية كالشيوعية والاشتراكية والقومية والماسونية وبذل لها الولاء والحب والنصرة
        ★★★★★★★★★★★★★★★★★

        لايوجد نص

        🌍🌎🌏



        ما يقبل من الأعذار

        وما لا يقبل في هذه الصور




        قد يعتذر بعض الموالين للكفار بأنهم يخافون على سلطانهم وأموالهم ومراكزهم وغير ذلك من المخاوف التي لا تصح،


        ولا يعتبرها الله، عذراً لهم فيعذرهم من أجلها. لأنها من تزيين الشيطان وتسويله، وحب الدنيا والطمع في زينتها.


        والله سبحانه وتعالى لم يقبل عذراً لأحد في إظهار موالاته للكفار وطاعتهم وموافقتهم على دينهم إلا


        عذراً واحداً هو: الإكراه:


        قال تعالى:
        {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {106} ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ{ [سورة النحل: 106 – 107].


        وقال سبحانه
        : {لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً{[سورة آل عمران: 28].


        والإكراه لا ينفع أحداً فيما يتعلق بالرضى القلبي، والميل الباطني إلى الكفار لأنه غير مأذون فيه على أية حال


        لقوله تعالى
        (وقلبه مطمئن بالإيمان)


        ولأن الإكراه لا سلطان له على القلوب. فإنه لا يعلم ما في القلب إلا الله.


        فمن والى الكفار بقلبه ومال إليهم فهو كافر على كل حال.


        فإن أظهر موالاته بلسانه أو بفعله عومل في الدنيا بكفره وفي الآخرة يخلد في النار،


        وإن لم يظهرها بفعل ولا قول وعمل بالإسلام ظاهراً عصم ماله ودمه وهو منافق في الدرك الأسفل من النار


        ★★★★★★★★


        موقف المسلم تجاه هذه الصور:


        الولاء والبراء هو الصورة الفعلية للتطبيق الواقعي لهذه العقيدة


        وهو مفهوم ضخم في حس المسلم بمقدار ضخامة وعظمة هذه العقيدة.


        والله سبحانه وتعالى يقول:
        {قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{ [سورة البقرة: 256].


        والله جل جلاله أراد للمسلم – بل للإنسان – الكرامة في هذه الأرض


        {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ { [سورة الإسراء: 70].


        فحين يكون ولاء المسلم لله ولدينه وحزبه المؤمنين


        فهو بهذا يقدر هذا التكريم حق قدره،


        ويعبد الله حق عبادته،


        لأنه تخلى بل وعادى كل عبودية تريد إخضاعه لسلطانها من دون الله.


        أما حين ينتكس فيعبد غير الله – سواء بالشعائر أم بالشرائع أم بالطاعة والانقياد –


        فإنه بهذا يهبط من تلك المكانة والكرامة إلى عبودية أهواء شتى،


        وآراء ومذاهب تمزق عليه حياته وتضيع عليه آخرته،


        فيعيش شقياً – وإن زعم أنه سعيداً –


        ذلك أن مقياس السعادة والشقاوة، في التصور الإسلامي


        نابع من عبادة الله وحده


        وتحكيم شرعه والخلوص له،


        أو عكس ذلك: عبادة الطاغوت والهوى والشهوة


        وتلك هي دركات الشقاء التي يعيش فيها كل من أعرض عن هدى الله ودينه.


        وموالاة غير المؤمنين


        فضلاً عن أنها ردة وعصيان لله سبحانه


        – هي مصدر التذبذب والفصام النكد في حياة فاعلها،


        لأنه لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.


        وفي هذا العصر الذي اختلطت فيه المفاهيم، واضطربت فيه الآراء، وخلط الحق بالباطل بل أقصي الحق ورفعت شارة الباطل: أين يقف المسلم؟


        أين يكون ولاؤه ولمن يكون وهو يرى الكفر الصريح معلناً ومنفذاً في حياة الناس ثم يوضع لذلك (لافتة بسيطة) إن هذا لا يتعارض مع الإسلام؟


        ومثال ذلك


        من يدين بالاشتراكية أو الديمقراطية أو العلمانية أو القومية أو الشيوعية


        ثم يقال: هذا لا يعارض الإسلام لأنه علاقة بين العبد وربه.


        لمن يكون ولاء المسلم وهو يرى شرع الله مبعداً من الأرض ومحارباً،


        ثم يستورد القانون البشري ليكون هو دستور الناس في حياتهم ومنهج مسيرتهم


        ويقال، إن هذا لا يعارض الإسلام لأن التشريع الإسلامي – سواء قيلت بلسان الحال أو المقال، - لم يعد مسايراً لركب الحضارة والتطور؟!


        لمن يكون ولاء المسلم وهو يرى المنافقين يتمسحون باسم الإسلام وهم في الحقيقة أخطر على الدين من أعدائه الصرحاء؟


        هذه أسئلة وأسئلة غيرها كثيرة.. والإجابة عليها تكمن في الحقيقة التالية


        : إنه لا يمكن للمسلم أن يكون ولاؤه لله ولدينه وللمؤمنين خالصاً


        إلا إذا كان مدركاً لحقيقة التوحيد


        (لا إله إلا الله محمد رسول الله)


        متمثلاً لها،


        مدركاً مدلولها ومعناها


        عارفاً بمقتضياتها ولوازمها.


        ثم علمه بالجاهلية والشرك والكفر والردة والنفاق


        حتى لا يكون مصيدة للوقوع في هذا الشر.


        لأنه لا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية.


        ثم علمه بحقيقة الولاء والبراء في المفهوم الإسلامي الصحيح وهو:


        أن الولاء والحب والنصرة للمؤمنين من أي جنس كانوا وبأي لغة نطقوا وفي أي مكان حلوا،


        لأنه لا يؤمن بما تؤمن به الجاهليات من لوثة الدم ونتن العرق وخسة التراب.


        فهو مع إخوانه المؤمنين بقلبه ولسانه وماله ودمه، يألم لألمهم ويفرح لفرحهم


        وبغضه وبراءه لجميع أعداء الله سواء كانوا كفاراً أصليين أم مرتدين أم منافقين وموقفه منهم:


        الجهاد بالنفس والمال والقلم واللسان وكل ما أوتي من طاقة وعلى حسب جهده وطاقته.


        إن هذه الحقيقة هي التي – إذا أدركها المسلم وعمل بها يستطيع بها أن يحدد موقعه من كل صورة من الصور السابقة وغيرها،


        فيعرف من يوالي ومن يعادي، وماذا يريد الإسلام منه وماذا يريد للإسلام من أعدائه.


        وهو بهذا يكون مسلماً واعيًاً بعزة الله غير واهن ولا حزين لأن الله معه


        وهو القائل:
        {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }(244) [سورة آل عمران: 139].



        ومن كان الله معه فلن تضيره أن تجتمع البشرية بكاملها لأن تضره


        فهي بمجموعها لا تستطيع ذلك إلا إذا كان الله يريد له ذلك


        وإلا فهي أعجز من أن تنال منه شيئاً بسيطاً بغير قدر الله وإرادته.




        📡📡📡


        انتهى الاقتباس وتنسيق الكتاب

        تعليق

        يعمل...
        X