الهُمْهِيَّة في الكتابة الأدبية.(موضوع للنقاش).

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    الهُمْهِيَّة في الكتابة الأدبية.(موضوع للنقاش).

    الهُمْهِيَّة في الكتابة الأدبية


    "الهُمْهِيّة" نحت من اختراعي، فكم اخترعت من مثله وكم، وهو مصدر صناعي من "الهُمْ/هِيَّ" كما تحدثت بذلك في بعض تعاليقي في موضوعي "الإنسان العربي والحوار" (المشاركة رقم 4) حيث قلت:
    المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة
    أن كثيرا من الكُتَّاب لا يُفرِّقون بين ما يكتبون وبين ذواتهم، كأنهم هي أو كأنها هم، وبتعبير معاصر فهم "يتماهون" مع نصوصهم تماهيا مفرطا حتى كأن النقد الموجَّهَ إلى نصوصهم موجَّهٌ إلى شخوصهم، فلا فرق عندهم بين النصوص والشخوص، فَـ "هُمْ هِيَّ، وهِيَّ هُم" أو "هِيَّ هُمْ، وهُمْ هِيَّ"! (يا لها من عبارة تستحق أن تُصاغ، تُنحت، منها كلمةٌ جديدةٌ مثل "الهُمْهِيَّة" في الكتابة الأدبية والفكرية والسياسية وفي النقد العربي المعاصر، سأفكر في الموضوع إن شاء الله تعالى وأعرض الفكرة هنا وقد يكون العنوان:"الهُمْهِيَّةُ" في الكتابة والنقد العربيين وقد جعلت هذا العنوان عنوانا لهذه المشاركة هنا تبشيرا بالمقالة المقبلة إن شاء الله تعالى.)"
    اهـ بنصه وفصه؛ وها أنا ذا أفي بما وعدت القراء به وأكتب عن "الهُمْهِية" العجيبة والغريبة في الوقت نفسه.

    ينظر كثير من الأدباء إلى النقد الموجه إلى كتاباتهم وإبداعاتهم كأنه موجه إليهم هم بذواتهم فتراهم ينفعلون ويثورون ضد الناقد وليس ضد نقده، فالعملية عكسية إذن وهذا أمر معقول فما داموا يرون النقد موجها إليهم شخصيا فهم برد فعل عكسي يوجهون "نقدهم"، إنفعالهم، إلى الناقد ذاته وليس إلى نقده، ويقومون بالدفاع عن كتاباتهم، وهم في الواقع يدافعون وينافحون عن أنفسهم فقط ما داموا يتماهون مع كتاباتهم في وحدة وجود أو في حلول واتحاد يفوق ما يطمح إليه الصوفية المنحرفون في دعواهم وحدة الوجود أو الحلول والاتحاد كما يزعمونه، ذلك التماهي العجيب كأن النقد يهدد كيانهم أو وجودهم، ومن هنا تظهر "عجائبية" هذه الهُمْهِيَّة ... العجيبة.

    أما كون الهُمْهِية" غريبة فلأننا لم نسمع أحدا من النقاد أو الأدباء تحدث عنها بهذه الصفة أو هذه الصيغة المبتدعة، وأنا لا أتردد في صوغ كلمات غريبة للتعبير عن أفكاري حتى وإن صدمت "الصفائيين" (les puristes) دعاة المحافظة على صفاء اللغة العربية ونقائها الغيورين (الغُيُر) عليها وإن كنت منهم وهواهم هواي و غيرتهم على العربية غيرتي بل قد تزيد، وقد يستعمل النقاد كلمة "التماهي" المستحدثة في النقد الأدبي العربي وفي بعض من العلوم الإنسانية كعلم النفس وعلم السياسة إن كانت السياسة علما أصلا.

    لا يفوتني وأنا أتحدث عن العربية و"الصفائيين" من أبنائها أن أتساءل كيف لا يستعملون في صوغهم أسماء المخترعات في كل ميدان هذه "الحيلة" اللغوية لتسمية الأشياء والأفكار الجديدة، فالنحت والمصدر الصناعي يمكِّنان اللغوي من وضع الأسماء العربية التي تتماشى مع هذه اللغة الجميلة والراقية والمقدسة؛ وعلى ذكر هذه الصفة، المقدسة، فأنا لا أتردد كذلك في وصف العربية باللغة المقدسة ولا أتلكأ في إعلان هذا في الملأ حتى وإن عابه، أو عابني، اللغويون واللسانيون حتى من أبناء هذه اللغة ... المقدسة؛ إن اللغة العربية مقدسة لأنها، حسب المختصين المتعمقين في اللغات، اللغة الوحيدة بين جميع لغات العالم، قديمها وحديثها، التي احتوت اسم الله تعالى إذ لا يوجد هذا الاسم الجليل المقدس في أية لغة من اللغات حتى وإن ادعى أبناؤها أنها لغة مقدسة أو لغة دينية ربانية؛ هذه حقيقة ثابتة لا يعرفها كثير من الناس حتى بين "المختصين" السطحيين فكيف بغيرهم؟

    أعود إلى موضوعي بعد هذا الاستطراد العفوي وأقول: ما بال المبدعين يتماهون مع نصوصهم ويعدونها من شخوصهم كأنهم هي أو كأنها هم؟ ولعل الرد يكون في: لأن المبدع لما يربطه مع نصه من عاطفة يحسب أن نصه جزء منه كأنه ابنه، أو ابنته، فلذة كبده، فهو يعطيه من حبه وحنانه وعاطفته بلا ميزان ولا اعتدال ولا حتى تعقل، وإن الأب ليرى نفسه في ابنه ويتمنى له أن ينجح أكثر من نجاحه هو وقد قلت في المشاركة آنفة الذكر كذلك:

    المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة
    صحيح أن الكاتب يرتبط ارتاطا عاطفيا مع نصوصه ويحبها كأنها من صلبه وإن كانت من عقله [وبنات أفكاره] ويعدُّها مع فلذات كبده في دفتر عائلته [إن استطاع]، لكن هذا الارتباط وإن كان مقبولا بنسبة معتبرة لكنه غير مانع من قبول النقد والتمييز بين نقد النص ونقد الشخص، الكاتب نفسه، فالنصوص ومهما كانت عزيزة علينا نغار عليها ونصونها من الاعتداء لكنها ليست نحن ولا نحن هي، فقد يكون الكاتب شخصا رائعا في ذاته حميدا في أخلاقه لكنه يسيء التعبير أو يخطئ التفكير فيُنقَد على هذا الأساس فإن هو خلط بين النقد الموجه إلى نصه واعتبره موجها إلى شخصه الكريم فقد أخطأ خطأ فاحشا قد ينزله من مرتبة العقلاء إلى مرتبة السفهاء بكلمة أو تعبير جاءا عن انفعال مفرط فيه."
    اهـ بنصه وفصه إلا ما أضفته الآن فقط وجاء بين قوسين معقوفين هكذا:[...].

    وقلت أيضا:
    المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة
    وصحيح كذلك أن اختيار المرء جزء من عقله وأن عقله، أو بعضا منه ومن شخصيته، ينعكس على ما يكتب لكنه لا ينعكس كله على ما يكتب أو ما يقول، لأن الأنسان يكتب أو يتحدث حسب الحالة النفسية التي يكون عليها، فمرة يكون هادئا ومرة منفعلا ومرة نشطا ومرة كسولا ومرة كيسا ومرة عاجزا ومرة فرحا ومرة حزنا وهكذا حسب تداول حالاته النفسية عليه و"تكوُّره" فيها وتقلبه، وكذلك تأتي الكتابات متنوعة، ولذا يكون النقد أساسا تقويما للنص وليس تقويما للشخص إلا لماما أو تلميحا إلى حالته النفسية، أو ما يُستَشف منها، من خلال نصه أما أن يقصد بالنقد قصدا فليس هذا من النقد الأدبي أو الفكري أو السياسي في شيء ألبتة.
    اهـ بنصه وفصه كذلك.

    يمكننا بقراءة متفحصة، أو مدققة متعمقة، استشفافُ شخصية الكاتب في خطوطها العريضة وليس بدقائقها وتفاصيلها إلا أن تكون الكتابة عن الذات في سيرة ذاتية وحتى في هذه يكتم الكاتب جوانب كثيرة من حياته الشخصية أو السرية ولا يريد أن يطلع عليها القراء ويبقيها في ظلمات ذاكرته لا يعرفها إلا هو أو من كان قريبا جدا منه، وحتى هذا الشخص القريب لا يعرف التفاصيل كلها إلا أن يطلعه المَعْنِيُّ، الكاتب، عليها وهذا نادر؛ واستشفاف ملامح شخصية الكاتب هو ما يدرسه النقد الأدبي الذي يعتمد علم النفس والتحليل النفسي منهاجا في نقده وتحليله، ولذا صار فصح مسودات الكتابات حتى ينظر الناقد في التشطيبات أو التصحيحات وما يغيره من كلماته وتعبيراته من أدوات النقد الأدبي، بيد أن الوصول إلى المسودات أمر صعب جدا إن لم يكن مستحيلا ولاسيما بعد انتشار أدوات الكتابة الحديثة ووسائل بثها ونشرها.

    قد يصل الأمر ببعض "الهُمْهِيِّين"، كما أصفهم، أو "المتماهين" مع كتاباتهم إلى حالة من العداوة والبغضاء والشحناء والعنف مع النقاد حتى يسقط الأديب المزعوم، أو الكاتب الموهوم، إلى حضيض البذاءة في الرد أو النذالة في التعقيب، وقد يصل ببعضهم الغضب أن لو كان الناقد أمامهم لأوسعوه شتما وضربا وحتى قتلا إن اتسطاعوا إلى ذلك سبيلا، وقد ينحط المنقود إلى سفاهة البصق على الكِتَاب أو الصحيفة أو الشاشة، ولاسيما في حالنا هذه حيث صارت الشاشات وسيلة الاتصال في عالم "النت" الساحر والكاتب جالس في البيت يقرأ ويكتب و... يسب، وهذا كله بسبب التماهي المفرط أو "التَّهُمْهِي" مع الكتابة.

    إنها لظاهرة عجيبة ووضعية غريبة، ولاسيما عندنا نحن العربَ، أن يتقمص الكاتبُ كتابتَه، أقول يتقمص كتابته وليس شخصية ما يكتب الافتراضية الخيالية أو أن تلبسه كتابتُه حتى يصير هو هي أو تصير هي هو في "هُمهية" جنونية لا مثيل لها وهذا ضرب من الجنون لعل علم النفس أو التحليل النفسي لم يدرسه بعد و لست أدري، حفظنا الله من الهُمْهِيَّة ووقانا من شرورها حتى نميز بين شخوصنا ونصوصنا فلا نحن هي ولا هي نحن، والحمد لله رب العالمين.

    البُليْدة، أمسية الخميس 26 من شهر جمادى الأولى 1438 الموافق 23 فبراير 2017.
    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    #2
    مما علق بذاكرتي المتعبة وله صلة بما نحن بصدده هنا ما قاله أخونا الكاتب الجزائري الفذ الأستاذ "محمد رندي"، ذكره الله بخير، فقد كان هنا معنا بشخصيته القوية المُطَّلعة المحبوية ثم غادرنا فيمن غادرنا عام 2012، 2010، قال فيما معناه وليس بالنص لبعد الزمن:"إن الكاتب الذي يقف مدافعا عن نصه إنما يحكم على نصه بالموت"، أو كلاما كهذا؛ ولعل تجربة أخينا في النقد هي التي أوحت له بهذه الفكرة.

    إن الكاتب قد يشرح أو يفسر شيئا غمُض في نصه أو التبس فهمُه على القارئ ولاسيما أن هذه الخاصية قد صارت متاحة بوسائل النشر الحديثة، الشبكة العنكبية العالمية، ولم تكن، الخاصيَّةَ، موجودةً في السابق مع النشر الورقي حيث إن التواصل بين الكاتب والقارئ كان شبه مستحيل أو هو مستحيل فعلا وهو بطيئٌ جدا إن وُجِد، وأن ميزة "الفيد باك"، أو رجع الصدى كما يُدْرَسُ في نظام التواصل حيث يتعرَّف الكاتب، أو المرسل، بواسطته على مدى رد فعل المتلقين لنصه؛ لكن أن يقوم الكاتب مجاهدا ومناضلا ومنافحا ومقاتلا عن نصه لأنه يرى نصه جزءا من شخصه، فمن اعتدى على النص فكأنما اعتدى على الشخص في "هُمْهِيَّة" عجيبة وغريبة، فهذا مما لا يقبل لأن القارئ حر في تأويلِ ما يقرأ وفهمِه حسب ثقافته وليس حسب ثقافة الكاتب وكل قارئ يُسقط من ثقافته على النص المقروء، وليس للكاتب أن يفرض رؤيته على القارئ مهما كانت تلك الرؤية صحيحة عند الكاتب أو مدعَّمةً بحجة أو دليل أو برهان فما هي، الرؤيةَ، إلا انعكاس ثقافة الكاتب وليس بالضرورة أن تكون صحيحة صوبا فلكل من الكاتب والقارئ أن يعبر عن رؤيته الخاصة بأسلوبه الخاص كما يشاء وكما يريد وليس لأحد منهما أن يفرض شيئا على الآخر.

    والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هنا والآن هو: لماذا يكتب الكاتب؟

    هذا ما سنحاول مناقشته في تعليق قادم إن شاء الله تعالى.

    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

    تعليق

    يعمل...
    X