
**طاق على من طاق
***
***
لم أكن أدرك معنى الاستبداد بمفهومه الواسع إلا من خلال الفيلم الذي جلست كالعادة أشاهده ؛ وكان من نوع الدستوبيا والخيال العلمي ، والذي يحاول أصحابه الزج ببعض المفاضل والمفاسد التي تغيّب العقل ، ومن خلال رؤية استشرافية تجسّد للمستقبل ، وبغض النظر عن كونها تعبّر أم لا عن انشغال البشرية في الوقت الراهن الذي يتألّم فيه البعض بسبب الحرب والجوع والآفات ، إلاّ أن الإنسان الغربي يحاول دائمًا التميّز ببعض إبداعاته ، وبفكره الذي يفوق المنطق والصواب الذي يتجاوز كل الحدود ؟ا- وفجأة خطر لي سؤال لم يكن في البال بينما كنت أتابع الفيلم ، وقلت في نفسي :
- إلى متى نبقى في هذه التبعية ؟؟؟
- التبعية في كل شيء تقريبًا ، وبينما لايتطلّب الأمر منا سوى بعض الجهد وتسخير الكفاءات ، والأقلام التي عندنا تستطيع الكتابة في شتى المجالات ، و الخيال العلمي ،الذي لا تحرّمه الشريعة ولا تحاربه الأديان ، قد سبقنا إليه بعض المفكرين من أمثال : أفلاطون والفارابي وابن خلدون وغيرهم ...ثم رجعت إلى نفسي ووقفت على الواقع الذي نحن فيه ، وإلى الهيافة التي تطبع على أفكارنا ، تتركنا نتخبّط فلا تقدر على تجاوز النكبات التي تعترض سبلنا ، من الفتن والمحن والهموم التي تعكّر صفونا و يعيشها البعض مثل التضييق على أصحاب الرّأي وما يتعرّضون له من إرهاصات تحد من طموحاتهم الفكرية ، ناهيك عن بعض الآفات الأخرى مثل التهميش والغلاء الفاحش والمعيشة الغالية و و، وكأنّه قدرٌ محتومٌ ، فكان التخلّف مرضٌ وصفة متلازمة ؟ابينما راح رعاة البقر يبدعون ويتفنّون بابداعاتهم في مختلف جوانب الحياة الفكرية والمادية ، بأفكارهم الخبيثة بما يقدّمونه لنا في أفلامهم الخليعة وتصوّر أنواع الفاحشة بجودة عالية ، يقوم بتمويلها أصحاب البنوك وبعض رجال الأعمال من المتنورين الذين لايهمّهم سوى الربح وفقط ، وما يجنونه من الأموال الطائلة والجوائز الكبيرة التي يحصدونها، يسخّرون لأجلها كل الإمكانيات اللاّزمة ليسخروا من عقول بعض الذين لاتوجد لديهم كفاءة ولا تحصين ، والبعض صار مدمنًا وصارت الجنس همّه الوحيد وعقدة تطغى على تفكيره ، وصارت ثقافة ترعاها الدول وتتغنّى بها المجتمعات ، ومن يهتم لحال هؤلاء الشعوب المساكين في ظل سياسة اللاّمبالات ، و" طاق على من طاق " كما يقول المثل الجزائري الشهير ، والدولة قبل كل شيء لديها ما يكفي من المصائب وليست مستعدّة لتقبّي الأدوار المنوطة بالآباء الذين تخلّوا عن مهامهم في رعاية الأسر ، وصار هم الفرد إشباع البطن فما تحته ، تجد الأفكار، التي تحرّض على الآفات وارتكاب المخالفات والجرائم ، نفسها بين الشباب المراهق والأطفال الأبرياء . من أمثال تلك التي تصور الذئب بجلد خروف ، وتروّج للخبث ، تجني الأموال الكبيرة على حسابنا ، وتكسب الشهرة بعد أن تمتطي ظهورنا ، ولا أحد من الذين تنطلي عليهم النكت والأُحاجي يستطيع نكران ذلك . - بتنا عاجزين حتى على تصوير فيلم من النوع الذي يندرج في الخيال العلمي ، و يرقى إلى طموح الأمة ويعبّرعن ثقافتها المُغيّبة ، رغم كل ما يتوفّر لدينا من وسائل وإمكانيات ، لكننا أمّة غُيّب العلم والعمل والتوكّل من كل قواميسها ، فصارت تعتمد أكثر فأكثر على غيرها ، في المأكل والملبس والدواء وفي كل شيء تقريبًا ، وكلّما تقدّم غيرها درجة تقهقرت إلى الوراء ، حتى أنها صارت تتبنّى الأفكار التي تسيء إلى دينها ومعتقداتها ؛ ويكأنّما عميت بصيرتها .؟ا- منذ الوهلة الأولى التي قامت فيها قنوات العهر بانتهاك حرمة بيوتنا ، ولم نقم فيها باتّخاذ التدابير الوقائية اللاّزمة للحد من آفة الغزو الخطيرة التي تقوم عبر وسائل الإعلام الخبيثة مختلفة الأوصاف والأصناف والأحجام ، ولم نعد نكتفي بعد ذلك بما نستورده من مأكل وملبس، فرحنا نجري ونلهث وراء الموضة الأجنبية وكل الماركات الجديدة ، نذوب فيها وتقطر قلوبنا لأجلها، وكل بضاعة رديئة وفاسدة ، وحتى صرنا نقتني صور ميسي اوديسي بأغلى الأثمان ونقدّس نجوم العفن من كثرة الترويج وما تقوم به قنوات العهر ، والتي نقعد لساعات نتفرّج على تفاهتها ، لندعم أرصدة المؤسّسات الخبيثة التي تستثمر في عقولنا المُغيّبة .