الإنسان العربي المعاصر والمخترعات الحديثة، اللّعْبيّة تلك الظّاهرة السلبية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    الإنسان العربي المعاصر والمخترعات الحديثة، اللّعْبيّة تلك الظّاهرة السلبية

    الإنسان العربي المعاصر والمخترعات الحديثة
    أو :
    اللُّعْبِيّة تلك الظّاهرة السِّلبِيَّة

    يقال "إن الإنسان اجتماعي بطبعه" وهذه الاجتماعية تفرض عليه أنواعا من العلاقات الإنسانية في كل دائرة من دوائر علاقاته المتنوعة من الأسرة الصغيرة إلى العائلة الكبيرة إلى "أسرته" في العمل، أو الوظيفة، إلى أخرى في النادي الرياضي أو الثقافي أو الاجتماعي إن كان ممن يشاركون في النوادي والجمعيات المختلفة، فالإنسان صار "عقدة"، أو رابطة، في شبكة مُحبَكة من الحبال والخيوط والروابط الكثيرة والمتنوعة والمعقدة يتصل بعضها ببعض تسمى النسيجَ الاجتماعيَّ؛ وهكذا تطورت علاقات الإنسان الاجتماعية كما تطورت وسائل الاتصال المباشر ووسائل التواصل غير المباشر، وستزداد تطورا كلما تطورت الاختراعات وتقدمت البحوث وتطبيقاتُها وكلما أتيحت هذه المخترعات للجمهور العريض، ولعلنا سنصل في يوم ما إلى التواصل الفوري الآني من غير وسائط بما يشبه التخاطر الذهني، أو "الثليباتي"، لكنه تواصل متاح لكل الناس خلافا للتخاطر القديم "المتاح" لبعض الأفراد المتميزين الذين يتمتعون بقدرات ذهنية خارقة للعادة؛ وربما سنصل إلى مستوى من التقنية بحيث يتواصل شخصان، أو أكثر، وهما في مكانين بعيديْن متضاديْن كأن يكون أحدهما في القطب الشمالي والآخر في الجنوبي، أو أحدهما في أقصى الشرق والآخر في أقصى الغرب، أو كأن يكون أحدهما في السِّماك هناك في العالي والآخر على الأرض يمشي أو يسبح في الأعماق في أمواه المحيط في الأسفل كأنهما في جوار متلامس أو حوار متلابس بحيث يكاد الواحد منهما يمس الآخر أو يشم عطره أو يسمع أنفاسه أو يحس بحرارة جسده، وما ذلك بمستغرب ولا هو بالمستبعد.

    وهذه "التكنولوجيا" تتقدم وتتطور ونحن لا نكاد نسمع عنها أو نعلم منها شيئا إلا بما يجود به علينا غيرُنا ويتكرم به بعدما يكون قد استنفد إمكانياتها وما تتيحه له أولا من المزايا وعناصر القوة والسيطرة والهيمنة السياسية والاقتصادية والحربية والثقافية، ويكون قد قضى وطره منها واكتفى وشبع؛ غير أن وفود المختراعات "التكنلوجية" الحديثة من الهاتف النقال إلى الحاسوب الشخصي الجوال إلى تلك الوسائط "السيبيرية" العجيبة في التواصل الاجتماعي من المواقع في الشبكة العَنْكَبِيَّة(*) العالمية ووسائل الربط السريعة بين الأشخاص غير الربط بالخيوط والخطوط لم تُرَقِّ الإنسان العربي في عمومه بل جعلته، وفي كثير من الأحيان، ينحط إلى درك أسفل مما كان عليه قبل معرفته بها واقتنائه لها، بل صارت هذه الوسائل مصادر بلاء وعناء ووباء بل عادت عليه بالوبال والنكال وسوء الحال وتسببت في تخريب بيوت وتقطيع للأرحام وتسفيه الأحلام.

    فما شأن هذا الإنسان العربي من هذا كله وما باله معه؟ كيف أساء استعمال هذه المخترعات العجيبة؟ وكيف سيستغلها لتطوير حاله وتسهيل ظروفه المعيشية وتحسين علاقاته الاجتماعية؟ أم تراه سيستعملها لتعميق تخلفه وتحقيق بهيميته الكامنة فيه بالفطرة والاكتساب معا كأن يوظف تلك المخترعات في بث الشرور ونشر الفسوق وتسويق الدعارة الصريحة، أو المموهة، ولنا فيما هو مشاهد أو مروي أو محكي اليوم من فساد يفعله هذا الإنسان العربي بسوء استعماله للمختراعات الحديثة حتى انقلبت بين يديه من منحة إلى محنة، ومن نعمة إلى نقمة، ومن وسائل تقريب إلى أجهزة تخريب، ومن عوامل تعمير إلى معاول تدمير، وهكذا...

    لقد اخترع الإنسان منذ وُجد على الأرض أشياءَ كثيرةً لا تعد ولا تحصى وابتدع الكثير الكثير، و ما زال يخترع ويبتدع، ولن يتوقف عن هذا وذاك إلى أن يفنى، فاستغل بعضَها في الارتقاء وبعضها في الانحطاط، وبعضها للبناء وبعضها للهدم، ولكن ما شأن الإنسان العربي المعاصر في هذا كله؟ إنه مستهلك وليس مستهلكا بعقلانية أو باعتدال بل بإسراف وشراهة ونهم وجوع وعطش ولهفة ومهتِّك ومتهتك في الوقت نفسه كأنه عدو نفسه بل هو عدوها فعلا.

    الإنسان العربي المعاصر مصاب بما أسماه العالم الاجتماعي الكبير والشهير ذو الصِّيتِ العالمي الواسع الأستاذ مالك بن نبي، رحمه الله تعالى وغفر له وعفا عنه، بـ"اللُّعبية"(**) (gadgétisme) وهو لفظ مركب من "gadget"أي أداة وما شابهها كالجهاز والآلة والعدة أو اللعبة؛ و"isme" وهي اللاحقة التي تدل على "الإيديولويجا" أو الاعتقاد أو النزعة، وتظهر هذه النزعة في شهوة الإنسان العربي في اقتناء الأشياء بإسراف وشره، كما بينته في الهامش أدناه، كأنه ينازع على الغلبة وينافس على التفوق والفوز، الفوز على من؟ لست أدري.

    وقد تجلَّت هذه "اللُّعبية" المقيتة بأظهر وجوهها عند نوع من الشباب العربي وما يقتنيه من "اللُّعب" الإلكترونية المختلفة والمتنوعة يتسلى بها ويلهو ويضيع وقته الثمين و يبدد طاقاته الغالية في ما لا جدوى منه ولا فائدة ولا منفعة اللهم إلا تأكيد تفاهة هذا النوع من الشباب وسفاهته وطيشه وهوانه على نفسه وعلى غيره؛ على أن هذه الظاهرة السلبية، "اللُّعبيةَ"، تحتاج إلى دراسات عميقة وواسعة من المختصين العلماء، علماء الاجتماع وعلماء النفس معا، وما هذه المقالة إلا للتنبيه إليها والتحذير منها فقط.

    فالإنسان العربي بسوقته وقادته عموما، والشباب منه خصوصا، مصاب بداء "اللُّعبية" الخطير فهو لا يكتفي باقتناء الأشياء والاحتفاظ بما اقتناه منها بل يتابع "الموضة" ويهيم في وادها ويركض في مضمارها ويغيّر ما اقتناه "القديمَ" (؟!!!) وإن كان لا يزال جديدا صالحا للاستعمال للظهور أنه يواكب عصره ويجاري القرناء/الفرقاء حتى لا يسبقونه بمقتنياتهم "الجديدة" و "الحديثة" وفي هذا يتنافس المتنافسون ويتبارى المتبارون ولله في خلقه شئون، والعجيب في الأمر أن هذه الظاهرة السلبية لا تقتصر على عوام الناس بل حتى الأنظمة العربية مصابة بها فهي تقتني من الأسلحة والمعدات والأشياء والأجهزة ما تحتاجه ولا تكاد تستعمله بل لا تعرف حتى كيف تستعمله، وهذا المضحك/المبكي في القضية وشر البلية ما يضحك.

    البُليْدة، عشية يوم الجمعة 2 من شهر شعبان 1438 الموافق 28 أبريل/نيسان 2017.
    ________
    (*) نقول "الشبكة العَنْكَبِيّة العالمية" وليس "العنكبوتية" في النسبة إلى العنكبوت كما نقول "الحَضْرَمِي" في النسبة إلى "حضرموت" البلد المعروف، كما أن الكلمة أخف بوزنها وفي نطقها من "العنكبويتة" الثقيلة المقرفة.
    (**) "اللُّعبيَّة"، مصدر صناعي، ترجمة اشتققتُها من "اللعبة" بدلا من غيرها مما تدل عليه كلمة "gadget" في الإنجليزية، لِما أسماه الأستاذ مالك بن نبي، رحمه الله، بِـالـ "gadgétisme" وهي نزعة اقتناء المخترعات والأشياء والأجهزة والآلات والمعدات ولاسيما المنزلية منها والإكثار منها دون الحاجة إليها، فهو لا يكتفي بالثلاجة الضرورية الواحدة بل يشتري ثلاثجات فتتحول إلى مخازن في المطبخ وغيره، ويقاس غيرها عليها؛ وقد تترجم الكلمة الأعجمية إلى "الشيئية"، من الشيء، لكنني فضلت ترجمتها إلى ما قرأت لما تحمله ترجمتي من دلالات غير ما تحمله الأخرى.
    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

  • هناء عباس
    أديب وكاتب
    • 05-10-2010
    • 1350

    #2
    ا. حسين ليشوري
    الموضوع رائع
    التكنولوجيا الحديثة استعبدت بعض البشر وبخاصة فئة الشباب الصغير من طلاب المرحلة الثانوية والجامعات فأراهم في محاضرة اللغة يخبئون الهاتف تحت المنضدة
    وفي الشارع قد تفوجيء بأنك قد تصدم احدهم لأنك تعطي إنذار والأخر لا يسمع لأن تركيزه في الهاتف الذكي الذي يمسكه بيديه ويحاور عليه اصدقائه او عائلته.
    ومالي عندما اري حوار أحدهم لا أجده يدل علي شيء هام فكل الحوارات تدور حول ما هو لا فائدة منه !!!
    نحن تم أستعبادنا فكريا!!وتم التجسس علي حياتنا دون أن ندري!!فكل الهواتف المسماه بالذكية هي مخترقة !!
    فكيف التحرر من ظل عبودية فرضت نفسها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    تحياتي للموضوع
    يستطيع أي أحمقٍ جعل الأشياء تبدو أكبر وأعقد, لكنك تحتاج إلى عبقري شجاع لجعلها تبدو عكس ذلك.
    هناء عباس
    مترجمة,باحثة,مدربة الترجمة ومناهج وطرق تدريس اللغة الإنجليزية,كاتبة

    تعليق

    • حسين ليشوري
      طويلب علم، مستشار أدبي.
      • 06-12-2008
      • 8016

      #3
      أهلا بك الأستاذة هناء عباس.
      سرني حضورك الكريم وتعليقك العليم، فشكرا لك.
      ثم أما بعد، لقد تطور هذا الإنسان العربي من حيث مادياتُه التي يقتنيها بأغلى الأثمان على حساب حاجاته الأخرى الضرورية غير أنه لم يتطور فكريا ولا نفسيا ولا ثقافيا ولا أخلاقيا بل العكس هو الصحيح فقد تدهور ونزل دركات في الهمجية وهذا واقعنا أكبر شاهد على ما أزعمه وأدعيه فبدلا من أن يتطور تدهور و... تكور وهو يتصور أنه يتقدم بما يقتنيه من تلك اللُّعب والأجهزة الـ "gadgets" التي تضر بين أيدي الجاهلين أكثر من أن تنفع، وقد حدث.
      هذه المخترعات ليست، إلى حد ما، ضارة بذاتها وإنما الضرر يأتي من استعمالها لغير ما صُنعت له واختُرعت من أجله وقد أفسدها المستعملون وحولوها إلى وسائل خبيثة وهي في نفسها بريئة وإنك تلاحظين نهم الناس لاقتناء تلك المخترعات وشرههم ليس لتحسين حيواتهم اليومية وإنما للتباهي والتفاخر والتظاهر ولإشباع شهواتهم المنحطة فقط.
      إنك لتجدين مديرا رئيسا عاما، رئيس مجلس إدارة في مؤسسة رأس مالها بالملايين أو البلايين، يستعمل هاتفا بسيطا لإجراء اتصالاته التي يكسب من خلالها الأموال الطائلة وتجدين شابا عربيا بطالا أو طالبا يتكفف المصروف من أبيه أو أمه أو أخته يملك هاتفا من آخر "صيحة" فيه الاختيارات، أو الامتيازات، (options) التي لا يعرف حتى كيف يشغلها أو يستغلها، وهذا ما أريد التحدث فيه.
      أكرر لك، أختي الكريمة، شكري على تفاعلك الطيب، ودمت على التواصل البناء الذي يغني ولا يلغي.
      تحيتي إليك وتقديري لك.

      sigpic
      (رسم نور الدين محساس)
      (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

      "القلم المعاند"
      (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
      "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
      و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

      تعليق

      • هناء عباس
        أديب وكاتب
        • 05-10-2010
        • 1350

        #4
        شكرا لرد حضرتك أ. حسين ليشوري
        والذي أثأر جدلا في رأسي من حيث فكرة التظاهر بأن أحدهم يمتلك أحدث صيحات الهواتف المتعددة الإمكانيات .
        ولو لاحظت أستخدام أحدهم الفعلي لإمكانيات هاتفه فستجد ان أكثر من نصف البرامج المسجلة عليه هي ألعاب !! وهذه هي الصدمة!!
        فبحكم عملي في تدريس اللغة والترجمة لهذه الفئة العمرية أجد أهتماماتهم اتفه مما تكون ان يتصورها عقل!!!
        فأكثر من نصف البرامج والمساحة المستغله علي الهاتف لا تستخدم ي شيء يجدي؟؟
        قلما أجد أن أحدهم يستغل ما يمتلكه بشكل صحيح!!
        فالتظاهر بالأمكانيات أحد الأمراض المستعصية في مجتمعنا !!
        ولكن يكفي ان يفهم الشاب أن ما يمتلكه صنعه عقل إنسان وعندما يشعل المربي نار التحدي في عقل طلابه ويقول أن من أخترع هذا الهاتف لا يزيد عقلا عنك في شيء!!!!فسيفهم أحدهم انه لابد من أن يحول أنتباهه إلي ما يجدي نفعا فقد يكون أحدهم في يوم مخترع لهاتف إمكانياته تعلو إمكانيات هذا الهاتف.
        تحياتي للموضوع
        التعديل الأخير تم بواسطة هناء عباس; الساعة 29-04-2017, 17:08.
        يستطيع أي أحمقٍ جعل الأشياء تبدو أكبر وأعقد, لكنك تحتاج إلى عبقري شجاع لجعلها تبدو عكس ذلك.
        هناء عباس
        مترجمة,باحثة,مدربة الترجمة ومناهج وطرق تدريس اللغة الإنجليزية,كاتبة

        تعليق

        • حسين ليشوري
          طويلب علم، مستشار أدبي.
          • 06-12-2008
          • 8016

          #5
          ولك الشكر، أختنا الأستاذة هناء عباس، أنت كذلك على هذا التفاعل المثمر، وبالحرار تتلاقح الأفكار عند الأحرار الأخيار، جعلنا الله منهم، آمين.
          ثم أما بعد، لقد زادتني مشاركتك الأخيرة طمأنينة إلى صواب الترجمة التي وضعتها لـ "gadgétisme" فكما قلتِ إن أكثر ما تحتويه الهواتف "الذكية" إنما هي الألعاب، وما نراه في وسائل النقل والأماكن العامة وقاعات الانتظار من انشغال الناس عموما والشباب خصوصا باللعب بهواتفهم وهم منقطعون عن بعضهم في "
          شَّرْنَقِيَّةُ" عازلة؛ أما في الجامعات، وفي قاعات الدرس أو الاختبار، فالطلبة يستغلون محمولاتهم للغش والخداع وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
          ظاهرة "اللُّعبية" عند الإنسان العربي تحتاج، كما سبق لي قوله، إلى دراسة متعمقة من المختصين في علم الاجتماع وعلم النفس حتى تُعرف أسبابُها وتُقترح علاجاتٌ لها وليس، في نظري، إلا الإسلام علاجا لها.
          وهذه التسمية، "gadgétisme"، كأختها "القابلية للاستعمار" (
          colonisabilité) من وضع الأستاذ مالك بن نبي، رحمه الله تعالى، كذلك وقد تسببت له هذه الفكرة الأخيرة، الـ"colonisabilité"، في مشاكل وبلاء ومحن من طرف بعض حكام العرب.
          إن الإنسان العربي، إلا من رحم الله، مخدر ومنوم ومغيب عن أسباب تخلفه وعوامل تقدمه، والعجيب في الأمر أن "العلماء"(؟!!!) في الأمة يزيدونها ضلالا وضياعا وتخديرا وتنويما وغيبوبة، والله المستعان، وقد سبق لي أن قلت: "
          الأمةُ، الإسلاميةَ، يا أُخية، [الأستاذة أميمة محمد] منشطرة أربعة أشطُر لا خامس لها وهي: 1- طغمة حاكمة ظالمة؛ 2- نخبة واهمة حالمة؛ 3- شرذمة عالمة آلمة (متألِّمة)؛ 4- بقية هائمة سائمة.
          وإنني، والله، لأدعو الله بأن يجعلنا جميعا من الفئة الثالثة، وهم قليل مقارنة بالفئة الرابعة، فئة العوام الهوام، ومن فئة النخبة "المثقفة" (؟!!!) الضالة، أما الفئة الحاكمة فلا وجه للمقارنة بها، فاللهم آمين." اهـ من مشاركتي رقم "
          #2653" في موضوع:"التغيير لغة الأحرار" وأنا أكرر هنا ما قلته هنا عساه يُنشر ويُعمم؛ وهكذا، فالأمة وكأن ما تعانيه من ضلال ذاتي كامن فيها لم تكتفِ به فاختارت الضلال المستورد، المكتسب، وهكذا يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله العدو بعدو، نسأل الله السلامة والعافية، ولو استمسكت الأمة بالعروة الوثقى، الإسلام، لما ضلت ولما ضاعت ولما هانت ولما تألمت ولما لعب بها اللّاعبون ولما استهزأ بها المستهزئون ولما غرسوا فيها "اللُّعبية" فصارت لعبة بين أيديهم و... أرجلهم.
          أكرر لك، أختي الكريمة، الأستاذة
          هناء عباس، تفاعلك الطيب ودمت على التواصل البناء الذي يُغني ولا يُلغي.
          تحيتي إليك وتقديري لك.

          sigpic
          (رسم نور الدين محساس)
          (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

          "القلم المعاند"
          (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
          "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
          و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

          تعليق

          • حسين ليشوري
            طويلب علم، مستشار أدبي.
            • 06-12-2008
            • 8016

            #6
            فتنة "الهواتف الذكية" في الأيادي الغبية.


            وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحبه الخيرين المنتجبين إلى يوم الدين.

            الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه فـ "ـعجبًا لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَه كلَّه خيرٌ، إنْ أصابَتْه سرَّاءُ شكَر، وإنْ أصابَتْه ضرَّاءُ صبَر وكان خيرًا له، وليس ذلك لأحدٍ إلَّا للمؤمنِ"(رواه الإمام مسلم، رحمه الله، عن صهيب، رضي الله تعالى عنه)، وإن الفتنة لا تزال بالمؤمن في نفسه وأهله وماله فإن صبر واحتسب كان خيرا له؛ ومن تلك الفتن التي ابتُلِي بها المسلمون في هذا العصر المُتَّخَم بالمخترعات بمختلف أنواعها واستخداماتها ما لا نستطيع عده ولا إحصاءه ولا الإحاطة به؛
            شغفهم المفرط بتلك اللعب حتى الإدمان، وهم ينفقون الأموال الطائلة لاقتنائها و"اللعب" بها، أليست في النهاية "لُعَبا" متطورة بعضها ذكي وبعضها ... "غبي" (؟!!!) للكبار والصغار وللحكام والطغام؟

            ومن تلك اللعب الذكية، وهي للأسف، ليست زكية، ما يسمى بـ"الهواتف الذكية" بمختلف أنواعها وأشكالها وأحجامها وقدراتها و... أثمانها، وهي في نفسها "ذكية" لكنها في أيدٍ غبية لا تحسن استعمالها ولا تعرف حتى ما يمكنها فعله بها لكثرة "الخيارات" (options) التي فيها حتى صار كاسبو تلك "الهواتف الذكية" مندمجين فيها متوحدين معها في "وحدة وجود" عجيبة كأنها جزء منهم، فهم لا يستطيعون الاتبعاد عنها وإن للحظة وتراهم منكبين عليها ليلا ونهارا في كل مكان: في البيت، في الشغل، في وسائل النقل، في الحدائق، في الأسواق، في كل مكان ولا أظنني مخطئا إن زعمت أن بعضهم يصطحبها معه إلى الحَمَّام ولو استطاعوا إدخالها في منامهم لفعلوا وبكل سرور مغتبطين.

            ومما كنت أتوجس خيفة منه أن تصير هذه الوسائل العجيبة أسبابا للمشاكل الأسرية وللقطيعة الاجتماعية وللعزلة الجسدية وحتى الشعورية بين أفراد الأسرة الواحدة بله بين الأزواج، وأن تصير سببا من أسباب الطلاق، وكنت منذ بضعة شهور أحدث ابنتي الصغرى عن مغبة الإفراط في استعمال هاتفها "الذكي" وقلت لها "مستنبئا" (!):"أخشى ما أخشاه أن تصير هذه الهواتف سببا في الطلاق" وقد حصل للأسف الشديد؛ فمنذ يومين كنت أتابع على التلفاز حصة اجتماعية عن تأثير الهواتف وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي في الحياة الاجتماعية وكيف صارت سببا من أسباب الطلاق ليس في الوطن العربي فحسب بل في العالم كله ولا نتحدث هنا عن المشاكل الصحية التي تسببها للمفرط في استعمالها.

            كلامي هنا يدخل مباشرة فيما أسميته "اللُّعبية"، والكلمة مصدر صناعي من وضعي لترجمة كلمة "gadgétisme" التي وضعها العالم الجزائري الكبير والشهير مالك بن نبي، رحمه الله تعالى وغفر له وعفا عنه، وهو يحلل ظاهرة شغف اقتناء "اللعب"، الـ"gadjets" على حد تعبيره، وهي تلك المقتنيات التي تدخل ضمن الكماليات، أو الترفيهيات، من الأدوات والأثاث والآليات التي تزيد عن الحاجة أو عن الضرورة؛ وفرق بين اقتناء تلك الأشياء للضرورة وبين اقتنائها للترف والترفيه والتفاخر والتظاهر والزينة واللهو والعبث و... اللعب؛ نحن لا نتكلم عن الضروريات و"المُلِحَّات" للحاجة إليها ولكننا نتحدث عن تلك الظاهرة السلبية المترَفة والمترِفة والتي تنبع من تخلف ثقافي مزر هو شر وفتنة وعار على الفرد والمجتمع والأمة.

            هذا، وللحديث بقية إن كان في العمر بقية إن شاء الله تعالى والحمد لله أولا وأخير.
            sigpic
            (رسم نور الدين محساس)
            (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

            "القلم المعاند"
            (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
            "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
            و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

            تعليق

            يعمل...
            X