تويت
أسرار المرضى على قارعة العنكبوتية
القصة 44 من المجموعة القصصية : ألعاب العباقرة
السعيد ابراهيم الفقي
1
الدكتور عمر عبد الله عدنان آل ندى، اسم تردد في نهاية القرن العشرين في الأوساط الطبية على نطاق واسع، فقد بدأ مهنة الطب عصامياً، حيث حرِص على حضور معظم المؤتمرات الطبية الهامة على نفقته الخاصة، وحرِص كذلك أن يكون من المؤسسين لكثير من الجمعيات الطبية الفاعلة في مناطق كثيرة على مستوى العالم.
2
بعد أن اجتمعت له الإمكانيات العلمية والمادية أنشأ المستشفى التخصصي الذي كان يحلم به منذ نعومة أفكاره؛ المكان، الأدوات، نظام الإدارة، طاقم التمريض، طاقم الأطباء....
وكان له حكمة لم يسبقه إليها أي نظام طبي من قبل، فقد خصص لكل مريض طبيب نفسي متخصص في التنمية البشرية والأخلاقية،
يتابعه عن بعد ويقدم نصائحه للطبيب المعالج ويعد ملفاً خاصاً لإدارة المستشفى.
3
بعد سنوات قليلة ارتفع مستوى الأطباء في جميع الأقسام؛ القلب، الصدر، الباطني، المسالك البولية ... واشتهروا ببراعتهم في التحليل النفسي للمريض والإيحاء الصحي للحالة، واشتهرت المستشفى بجدية المتابعة للمريض بعد الشفاء من خلال الملفات التي يسجلها الطبيب النفسي.
4
عندما جاوز الدكتور عمر عبد الله عدنان آل ندى الستين من العمر قرر قراراً جديداً يخص حياته المهنية، قرر أن يترك إدارة المستشفى لطبيب شاب التمس فيه الطموح والصبر والشجاعة ورجاحة الفؤاد، وافتتح قسماً جديداً في المستشفى تحت مسمى:
" أمراض العباقرة "، ويترأس هو هذا القسم الجديد.
وبعد عدة اجتماعات مع كل العاملين بالمستشفى تحدث فيها عن رؤية ورسالة وأهداف القسم الجديد وسمع الأراء، أعطى أوامره بالبدأ والتنفيذ، وبعد أيام معدودة تم اختيار الطاقم، وتجهيز الأدوات، واختيار المبنى الملائم.
وفي حفل افتتاح هذا القسم الجديد" أمراض العباقرة "، سأله أحد الصحفيين عن سبب إصراره على ابتكار هذا النوع من الطب، فأجاب:
- "لاحظت تزايد عدد المرضى من المبتكرين والمبدعين والمخترعين والمكتشفين خاصة من الشباب."
5
يختص هذا القسم باستقبال كل أنواع المرضى، أمراض عضوية ونفسية، لكن بشرط؛ أن يكون المريض من أصحاب المهارات أو الإبتكارات أو الإختراعات أو الإكتشافات أو أي نوع من الإبداع الأدبي أو الفني، ويهتم بتأثير المرض النفسي على المريض عضوياً وتأثير المرض العضوي على المريض نفسياً.
وأبهرت مجهودات هذا القسم وأبحاثه معظم المؤتمرات والجمعيات الطبية العالمية، وتخرج منه علماء أعلام في كل التخصصات، في الطب والتمريض.
6
اكتشف الدكتور عمر أن معظم هؤلاء العباقرة يموتون بالموت البطيء جراء محاربة مهاراتهم وأفكارهم وابتكاراتهم أو يمرضون بأمراض نفسية وعضوية بالتبعية فيفقدون الطريق، وقد ينجو بعضهم إذا هاجر قبل أن تستفحل حالته.
7
سجل الدكتور عمر رسالة مستفيضة عن نوع من المرض أطلق عليه اسماً: " فوبيا الإبداع"، وقدم رسالته في أغلب المحافل الطبية والإجتماعية والمختصة بالتنمية البشرية، وعرَّفه أنه مرض يُصيب الطواغيت وعبدة الطاغوت وأتباعهم من الغوغاء والرعاع والدهماء والرويبضة؛ فيحاربون بكل قواهم كل من تُسوِل له نفسه في تعاطي أي نوع من الإبداع أو حتى التفكير الحر فيما ينفع البشر.
وأثبت أن هذا المرض هو السبب الرئيسي في كل مايصيب العلماء والمبدعين من مشاكل مادية وصحية ونفسية.
وقرر شيئاً جديداً في حياته؛ أن يقاوم هذا النوع من المرض وأن تكون مهمته في حياته الباقية نجدة العلماء والمبدعين والمبتكرين، فهم أعمدة الحضارات وجبالها الشامخة وبحارها الذاخرة وأنهارها الفياضة.
8
تواصل الدكتور عمر مع كل مراكز تسجيل الإختراع في العالم وكون فريقاً من العلماء لكتابة المواصفات الفنية لإختراعات مرضاه لتقديمها إلى هذه المراكز ومتابعتها والإشراف على تقييمها وتسويقها.
ثم كون جمعية دولية تضم هذا الفريق تحت مسمى: " علماء بلا حدود"، يترأسها عشرة علماء من تخصصات مختلفة كقيادة جماعية.
وأصبح علماء الجمعية شموس وأقمار في جميع المحافل العلمية،
ونتج عن جهودها شركات عابرة القارات ومصانع تُنتِج كل مايحتاجه رفاه الإنسان واستعمار الأرض.
وامتلأت الشبكة العنكبوتية بأسماء العلماء والمفكرين والمبتكرين الذين كانوا يُحسبون على قوائم المرضى العباقرة وذاع صيتهم، وصدّرت وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة برامجها وصفحاتها بقصصهم وحكاياتهم، وثبت بالبرهان والدليل القطعي أنهم ليسوا هم المرضى، ولكن، مجتمعاتهم والنظم الطاغوتية.
9
في مؤتمر عام، في المملكة المتحدة، حضرته وسائل الإعلام العالمية بكل أطيافها قدم الدكتور عمر القواعد والقوانين التي تقوم عليها جمعية " علماء بلا حدود" والتشريعات الأخلاقية التي تنتهجها وأهمها؛ رفاه الإنسان واستعمار الأرض، بحماية العلماء والمبتكرين والمبدعين من جور الطواغيت.
وعندما كان المؤتمر مُنعقِداً، صدر في دولته مرسوماً طاغوتياً سرياً باعتقاله، جاء فيه: يُعتقل الدكتور عمر عبد الله عدنان آل ندى فور رجوعه إلى أرض المطار.
تلقى أحد مساعدي الدكتور عمر رسالة أليكترونية تحمل محتوى المرسوم الذي صدر باعتقاله، سربها أحد تلاميذ الدكتور عمر من مخزن القرار السيادي، وعلى الفور أبلغ المساعد الرسالة إلى منظمي المؤتمر.
لم يتغير برنامج المؤتمر، ولكن، ظهرت الرسالة على الشاشات الأليكترونية المنتشرة في قاعة المؤتمر، وبالتبعية نقلتها ماكينات البث المباشر إلى كل الدنيا.
10
وصلت الرسالة إلى كل العالم، فتفاعل معها العالم الحر، وبعد ساعات انتهى المؤتمر، الذي جمع أعضاء جمعية "علماء بلا حدود" وكل العلماء والمبتكرين والمخترعين والمفكرين الذين كانوا يُحسبون على قوائم المرضى العباقرة، وعلى صدى رسالة الإعتقال، دعى الدكتور عمر لإجتماع مغلق، للتعامل مع هذا الخبر غير المتوقع.
11
عندما كان الدكتور عمر وإخوانه يحللون الخبر ويبحثون عن أسبابه ويتناولون مداخل ومخارج الحلول ويحسبون مقادير المخاطر، حدث مالم يكن في حسبانهم؛ أبلغت أربع دول المركز الإعلامي للمؤتمر أنها منحت الدكتور عمر وكل المجتمعين جنسيتها واستضافتها الدائمة لمستشفياتهم ومراكزهم البحثية وجمعياتهم العلمية.
=== انتهت ===
القصة 44 من المجموعة القصصية : ألعاب العباقرة
السعيد ابراهيم الفقي
1
الدكتور عمر عبد الله عدنان آل ندى، اسم تردد في نهاية القرن العشرين في الأوساط الطبية على نطاق واسع، فقد بدأ مهنة الطب عصامياً، حيث حرِص على حضور معظم المؤتمرات الطبية الهامة على نفقته الخاصة، وحرِص كذلك أن يكون من المؤسسين لكثير من الجمعيات الطبية الفاعلة في مناطق كثيرة على مستوى العالم.
2
بعد أن اجتمعت له الإمكانيات العلمية والمادية أنشأ المستشفى التخصصي الذي كان يحلم به منذ نعومة أفكاره؛ المكان، الأدوات، نظام الإدارة، طاقم التمريض، طاقم الأطباء....
وكان له حكمة لم يسبقه إليها أي نظام طبي من قبل، فقد خصص لكل مريض طبيب نفسي متخصص في التنمية البشرية والأخلاقية،
يتابعه عن بعد ويقدم نصائحه للطبيب المعالج ويعد ملفاً خاصاً لإدارة المستشفى.
3
بعد سنوات قليلة ارتفع مستوى الأطباء في جميع الأقسام؛ القلب، الصدر، الباطني، المسالك البولية ... واشتهروا ببراعتهم في التحليل النفسي للمريض والإيحاء الصحي للحالة، واشتهرت المستشفى بجدية المتابعة للمريض بعد الشفاء من خلال الملفات التي يسجلها الطبيب النفسي.
4
عندما جاوز الدكتور عمر عبد الله عدنان آل ندى الستين من العمر قرر قراراً جديداً يخص حياته المهنية، قرر أن يترك إدارة المستشفى لطبيب شاب التمس فيه الطموح والصبر والشجاعة ورجاحة الفؤاد، وافتتح قسماً جديداً في المستشفى تحت مسمى:
" أمراض العباقرة "، ويترأس هو هذا القسم الجديد.
وبعد عدة اجتماعات مع كل العاملين بالمستشفى تحدث فيها عن رؤية ورسالة وأهداف القسم الجديد وسمع الأراء، أعطى أوامره بالبدأ والتنفيذ، وبعد أيام معدودة تم اختيار الطاقم، وتجهيز الأدوات، واختيار المبنى الملائم.
وفي حفل افتتاح هذا القسم الجديد" أمراض العباقرة "، سأله أحد الصحفيين عن سبب إصراره على ابتكار هذا النوع من الطب، فأجاب:
- "لاحظت تزايد عدد المرضى من المبتكرين والمبدعين والمخترعين والمكتشفين خاصة من الشباب."
5
يختص هذا القسم باستقبال كل أنواع المرضى، أمراض عضوية ونفسية، لكن بشرط؛ أن يكون المريض من أصحاب المهارات أو الإبتكارات أو الإختراعات أو الإكتشافات أو أي نوع من الإبداع الأدبي أو الفني، ويهتم بتأثير المرض النفسي على المريض عضوياً وتأثير المرض العضوي على المريض نفسياً.
وأبهرت مجهودات هذا القسم وأبحاثه معظم المؤتمرات والجمعيات الطبية العالمية، وتخرج منه علماء أعلام في كل التخصصات، في الطب والتمريض.
6
اكتشف الدكتور عمر أن معظم هؤلاء العباقرة يموتون بالموت البطيء جراء محاربة مهاراتهم وأفكارهم وابتكاراتهم أو يمرضون بأمراض نفسية وعضوية بالتبعية فيفقدون الطريق، وقد ينجو بعضهم إذا هاجر قبل أن تستفحل حالته.
7
سجل الدكتور عمر رسالة مستفيضة عن نوع من المرض أطلق عليه اسماً: " فوبيا الإبداع"، وقدم رسالته في أغلب المحافل الطبية والإجتماعية والمختصة بالتنمية البشرية، وعرَّفه أنه مرض يُصيب الطواغيت وعبدة الطاغوت وأتباعهم من الغوغاء والرعاع والدهماء والرويبضة؛ فيحاربون بكل قواهم كل من تُسوِل له نفسه في تعاطي أي نوع من الإبداع أو حتى التفكير الحر فيما ينفع البشر.
وأثبت أن هذا المرض هو السبب الرئيسي في كل مايصيب العلماء والمبدعين من مشاكل مادية وصحية ونفسية.
وقرر شيئاً جديداً في حياته؛ أن يقاوم هذا النوع من المرض وأن تكون مهمته في حياته الباقية نجدة العلماء والمبدعين والمبتكرين، فهم أعمدة الحضارات وجبالها الشامخة وبحارها الذاخرة وأنهارها الفياضة.
8
تواصل الدكتور عمر مع كل مراكز تسجيل الإختراع في العالم وكون فريقاً من العلماء لكتابة المواصفات الفنية لإختراعات مرضاه لتقديمها إلى هذه المراكز ومتابعتها والإشراف على تقييمها وتسويقها.
ثم كون جمعية دولية تضم هذا الفريق تحت مسمى: " علماء بلا حدود"، يترأسها عشرة علماء من تخصصات مختلفة كقيادة جماعية.
وأصبح علماء الجمعية شموس وأقمار في جميع المحافل العلمية،
ونتج عن جهودها شركات عابرة القارات ومصانع تُنتِج كل مايحتاجه رفاه الإنسان واستعمار الأرض.
وامتلأت الشبكة العنكبوتية بأسماء العلماء والمفكرين والمبتكرين الذين كانوا يُحسبون على قوائم المرضى العباقرة وذاع صيتهم، وصدّرت وسائل الإعلام المرئية والمكتوبة برامجها وصفحاتها بقصصهم وحكاياتهم، وثبت بالبرهان والدليل القطعي أنهم ليسوا هم المرضى، ولكن، مجتمعاتهم والنظم الطاغوتية.
9
في مؤتمر عام، في المملكة المتحدة، حضرته وسائل الإعلام العالمية بكل أطيافها قدم الدكتور عمر القواعد والقوانين التي تقوم عليها جمعية " علماء بلا حدود" والتشريعات الأخلاقية التي تنتهجها وأهمها؛ رفاه الإنسان واستعمار الأرض، بحماية العلماء والمبتكرين والمبدعين من جور الطواغيت.
وعندما كان المؤتمر مُنعقِداً، صدر في دولته مرسوماً طاغوتياً سرياً باعتقاله، جاء فيه: يُعتقل الدكتور عمر عبد الله عدنان آل ندى فور رجوعه إلى أرض المطار.
تلقى أحد مساعدي الدكتور عمر رسالة أليكترونية تحمل محتوى المرسوم الذي صدر باعتقاله، سربها أحد تلاميذ الدكتور عمر من مخزن القرار السيادي، وعلى الفور أبلغ المساعد الرسالة إلى منظمي المؤتمر.
لم يتغير برنامج المؤتمر، ولكن، ظهرت الرسالة على الشاشات الأليكترونية المنتشرة في قاعة المؤتمر، وبالتبعية نقلتها ماكينات البث المباشر إلى كل الدنيا.
10
وصلت الرسالة إلى كل العالم، فتفاعل معها العالم الحر، وبعد ساعات انتهى المؤتمر، الذي جمع أعضاء جمعية "علماء بلا حدود" وكل العلماء والمبتكرين والمخترعين والمفكرين الذين كانوا يُحسبون على قوائم المرضى العباقرة، وعلى صدى رسالة الإعتقال، دعى الدكتور عمر لإجتماع مغلق، للتعامل مع هذا الخبر غير المتوقع.
11
عندما كان الدكتور عمر وإخوانه يحللون الخبر ويبحثون عن أسبابه ويتناولون مداخل ومخارج الحلول ويحسبون مقادير المخاطر، حدث مالم يكن في حسبانهم؛ أبلغت أربع دول المركز الإعلامي للمؤتمر أنها منحت الدكتور عمر وكل المجتمعين جنسيتها واستضافتها الدائمة لمستشفياتهم ومراكزهم البحثية وجمعياتهم العلمية.
=== انتهت ===
تعليق