
**
مداوروش تستصرخ ابناءها
***
" عَسَى فَرَجٌ يَكُونُ عَسَى نُعَلِّلُ أَنْفُسًا بِعَسَى وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْمَرْءُ مِنْ فَرَجٍ إِذَا يَئِسَا "
- الاجتماع المصغّر الذي جمع صدفة بين ( م ) ولد الفيلاج المغترب والذي قال بصريح العبارة " إنّه أصبح يخجل من مداوروش " حين تسأله عن بلده وموطنه الأصلي ابنته الصغرى التي تعيش في " مونريال " ، والحاج ( ز ) ابن العائلة المحترم والمحنّك الذي لديه من العلاقات ، و الذي تأذّى من خلال تجاربه المريرة ، ما يجعله يصدر أحكامًا قاسية على جيل هذا الزمن الذي نحن فيه . لكن الغيرة والحسرة والطموح الكبير والأشياء الطيّبة التي لا تبخل بها العواطف النبيلة تدفع بمثل هؤلاء إلى دغدغة المشاعر لإيقاظ الضمير وضم صفوف الغيورين لإنقاذ " الفيلاج " ؛ كما يحلو لهؤلاء تسمية بلديتهم تتيّمًا وتيمّنًا.
وكلما توسّع النّقاش يكثر اللغط والجدل حول ضرورة اختيار أشخاص من بين الرجال الأكفاء الشجعان الذين لا يخشون لومة لائم في مداوروش ، قادرين على إخراجها من دائرة التخلّف والحرمان ، و في ظل التحيّز الذي يعتري بعض الجهات الرسمية ، والتي راحت تغالي في توزيع المشاريع بعيدًا عن كل المقاييس ، ما دفع بـمداوروش إلى الدخول في سبات عميق ، حتى غدا شبابها يعاني من الانحراف والتهميش ، وفي غياب المرافق الثقافية والترفيهية ، وهي إلى جانب كل ذلك محرومة من مجرد مستشفى يستقبل حالات استعجالية ، بعض ضحاياها يموتون في الطريق ، ومن بعض الخدمات الأساسية كذلك وهي التي تناهز المئة ألف ساكن ولا يوجد بها محكمة ابتدائية على سبيل المثال ؟ا
- الكل يعرف بأن منطق "القبيلة " الذهنية القديمة هو السائد في مداوروش ، وكما تسيطر المصلحة الآنية ، والنظرة الشخصية الضيّقة ، وحب الزّعامة ، على عقول و نفوس وأرواح أغلب المرشّحين الذين لا يستحون على أعراضهم من تقديم أنفسهم ، رغبة بالمسؤولية ولتولّي أمور ومهام العامّة وبشتّى الطرق والوسائل ،،،، وهي جميعها من الأسباب الحقيقية التي تعطّل وتيرة التنمية بهذه البلدية " اليتيمة "، حتى لأنّها صارت ثقافة " مقدّسة " يكاد يتبنّاها الجميع ا ا
لذلك ، فلا غرابة أن نرى مداوروش بهذا التقهقر المريع و هذا التخلّف الشنيع ، في حين تكون بعض البلديات المجاورة لها قد تجاوزتها باستبدال" العروشية " و تلكم الذهنية القديمة بأساليب معاصرة تعبّر عن الحضارة والتقدّم والرّقي.
حدّثنا بعض المنتخبين ، من الذين حضروا على غير عادتهم ، اجتماعًا عُقد على مستوى الصندوق المشترك للجماعات المحلّية بالجزائر؛ المؤسّسة التي يتم تمويلها بواسطة الاقتطاع من ميزانيات مختلف البلديات ، ويتشكّل أعضاؤها من بعض المنتخبين المحلّيين ، وفيها يتم منح المشاريع بعد التصديق ،،، وبهذه المؤسّسة أيضًا تُدار معركة بين الشمال والجنوب ، بين بلديات حضرية مترفة ، وأخرى نائية نائمة تعاني من نقص المرافق والخدمات ؛ بلديات تُطالب بـ" تلفريك " و " مترو " و" ترامواي "،،، وأخرى مشغولة بقنوات الصرف الصحّي ، أجلّكم الله ورفع من قدركم وشأنكم ، ممّا يعكس الفارق الواضح بين الجهتين والاختلاف الكبير في الموازين ، وكأنّنا نعيش في دولتين مختلفتين ؟ا.
- رغم الإمكانيات الطبيعية التي تزخر بها مداوروش ، والعنصر البشري المتميّز، ورغم تاريخ المنطقة الذي ضرب أطنابه - شئنا أم أبينا – من زمن الرومان والبيزنط إلى تاريخ الثورة المجيدة ، لكن لم تحظ مداوروش بالعناية اللاّزمة كما هو الشأن بالنسبة لبلديات نشأت من عدم ، ولم تكن إلى عهد قريب سوى ثكنة عسكرية قديمة ، أو مزرعة نائية لبعض المعمّرين .
- لا ينكر تاريخ الأمازيغ الأصليين الذين جاوروا مدينة مادور الأثرية ، وقاوموا الرومان - البيزنطيين بسيوفهم واشعارهم وأدبهم ، و سطع نجمهم ليضيء مشارق الأرض ومغاربها ، إلاّ جاحد . ونحن عندما نتحدّث عن الحكمة والأدب ، وعن " الحمار الذهبي " مثلاً ، فحتما سنتعرّض لابن مادور أبوليوس الأديب الراقي ، أو القديس أوغسطين الذي تلقى تعليمه بجامعتها التي اندثرت عبر الأزمنة و زالت معالمها عبر تاريخ الحقد البغيض ، و عن أولئك الأشاوس الذين صعدوا جبل بوسسو وصنعوا ثورة لايزال صداها يتردد في شموخ الجبال
- يقول كل من ( م ) صاحب الشخصية القويّة ،وكذلك الحاج ( ز ) صاحب التجربة المريرة:
" إن الدعوة عامّة والأبواب مفتوحة للجميع ، على مصراعيها ، ولكل من يريد رفع التحدّي من أبناء الجيل الكرام ؟ا "
" عَسَى فَرَجٌ يَكُونُ عَسَى نُعَلِّلُ أَنْفُسًا بِعَسَى وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْمَرْءُ مِنْ فَرَجٍ إِذَا يَئِسَا "