التابو الأخير !

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ربيع عقب الباب
    مستشار أدبي
    طائر النورس
    • 29-07-2008
    • 25792

    التابو الأخير !

    التابو الأخير

    لم أكن أدري ، أن يظل للحنين كل هذه السطوة ، و هذا الجبروت ؛ بعد أن خفت بل اختفى إيماني بقدرته على حملي وصيانة مشاعري ، تجاه من أحب و أشتاق ؛ كم أذاقني الويلات ، حولني لأضحوكة مبكية في الليالي التي تلت غيابها ، و الأيام التي ركضت على أحزاني ، و لم تتوقف إهانته لي عند حد ، خطا بي عبر هذا الشارع الذي يسوقني الآن في غباره ، و قد حاصرني بملامحها ، أنفاسها ، رقتها ، و جنونها الذي أعشق ، و دائما ما كان يصرخ في أوردتي : هاهي هناك ، هاهي تنتظرك ، هاهو قلبها يخفق على وقع خطواتك ، إنها لك ، لم تبتعد ، لم ترحل مع الزوج ؛ كما أكدوا لك ، و كما رأيتها وودعت صورتها و ذكرياتها ، وحين صدفة ، و أنت تتسكع في أوردة الشارع ذاته ، كانت تحمل قطفتها الأولى . لحظتها .. طرت عاليا ، حملت عنها وليدها ، كأنه ولدك أنت ، احتضنته كأنك تحتضنها ، كأنك .... و حين كانت تحمله عنك ، و تبتعد ببسمتها المعشوقة ، كانت الدموع تحجب المشهد ، و الأشواق تعربد باتزانك ، و تستصرخ جموحك ، بينما عيناك تهيمان ، حثيثا بحثا عن طيور خوفك ، و قلقك من الغبار الذي قد يحط على شالها أو سيرتها ، ومن بعد جابهته و سددت أمامه كل الطرق ، كان الشارع التابو الذي تمسكت به ، و لم تحاول قهره و تحطيمه ؛ كما هي طبيعتك ! الآن لم يعد تابو أي تابو ، من المحتم أن يحول بينك ، و بين الشروع ، فيما تحب ، و تشتاق ، وخطاك تترنح برأس متهالك ، غزته السنون ببأسها و جبروتها ، لكنها لم تستطع أن تقتلع ذاك الحنين ، و لا تلك الذكريات التي حفرت عميقا في ملامحك ، كأنها بوصلة غريبة ، توقفك وقت تحب ، و تستدرجك إلي الخطوة ، التي حملت منها شيئا ، و لم يغادرك ؛ رغم اختلاف الزمان والمكان . هاهنا كان الجسر يتوسط الشارع ، الجسر الذي يصلك بها ، محاطا بالغيطان من كل ناحية ، و غيطان الدفلى داخلك ، شاهدة على أشواقك ، لرؤيتها و عبورك بها ، أو عبورها بك ! تدور حول نفسك مسحورا ، متطيرا ، و حمامات الصدر تهدل ، تبوح لك بما يعتمل بينها ، من رغبات و حنين ، و ألم مقداره ، خمسون ألف سنة في ساعة ، و ربما أقل ، و أنت تلح ، و تستدرج ما بك ؛ ليأتي بها رغما و طواعية ! أتذكر حين أيقظوك من سباتك العميقة ، وأنبأوك بانتحارها ، غلقوا عليك الأبواب و النوافذ حتى لاتتسرب منهم ، يرحل بك الجنون إلي موت يشبهه ، ما كنت لتتورع عنه ، أو ترتضي بديلا عن اللحاق بها ، صرخت ، دققت رأسك في الحوائط ، حتى إذا نال منك الهوج ، كانوا أمامك يضعفون ، ينقلون لك ما وقع ، وما كان ، و أنها بسبعة أرواح ، فقط بعض رضوض و قليل من كسور بسيطة . لم تهدأ ، و لم يتراجعوا عن سجنك ، خوفا منك و عليك ! لم يفتح أبواب سجنك إلاها ، أتت تتعكز ، تتحرك بصعوبة ، تلقي بين أحضانك بأوجاعها ، و حكاية على قدر روعتها ، كانت بساطتها ، أطلقتها كضحكة شهية ترعرع على شفتيها ، يضمها قلبها الصاخب ، وحزنك الفائر الموجع ، و دلها الحلو ، الذي كان يتهم صخبك فيها ، بقتلها و القضاء عليها! أهزمها الوقت مثلما فعل معك ؟ أنال منها مثلما نال منك؟ لم هي الآن هنا في الشارع ؟ لم الحنين يرجفني ، كأني الفتى الذي خلفته هنا ، منذ السنين البكر ، و القلب البكر ، و الحلم البكر ، لا فرق سوى اللون الذي نقش الرأس ، و هتك ملامح الوجه ، وعضعضها ! أيها البارع في كسري أهي بخير ؟ أم أنك تذهب بي في رحلة النهاية إلي مصير مجهول ؟ ما كل هذه اللوعة و الحرقة ؟ اهدأ أيها النزق ، اهدأ ، لا تتسرب من اتزانك ، إياك و الحمق ، ما كان يليق قديما ، لا يليق بك الآن ! أفقت من تهويمي على شيء ، أغلق الطريق أمام خطوي . لم أنتبه للبيت الذي شهدني شابا ، و كان فيه فرحي و حزني ، كأنني مازلت تحت سطوة تابو آخر ، لم أتخلص كلية منه ، حتى استوقفت رغما ، و إذا بسيدة تغادر سيارة ، كانت هي الشيء الذي أغلق سبيلي ، تتجه نحوي ببسمة لم تكن جديدة عليّ ، كأنها لتلميذة من تلميذاتي ، ولكن لا ، هي أكبر من أن تكون تلميذتي ، هذه الملامح أكاد أعرفها ، بنفس البسمة الحلوة ، تمد يدها لتحتضن يدي ، بينما يلاحقها رجل تعدى الأربعين ! كانت هي ، و كان هو الطفل ، الذي حملته ذات حزن و فراق ! أكاد لا أرى ، لا أفهم ، لا أنطق ، أصبت بالبله ؛ فكل ماهو جائز ، ليس بجائز ، و كل ما يحيط بي ، محض وهم ، و ربما صدى ، للحنين الذي يزحف في كل كياني ! عبرت من تلك الغيبوبة الإجبارية على صوتها : حملك هذا الرجل طفلا ، و كاد يخطفني بل يخطفنا معا ؛ لولا قبضة الأقدار التي لا تعترف ، إلا بنفسها و قدرتها ! ضمني الرجل برفق ، قبل رأسي المترنح ، بينما كانت نفس البسمة تزداد إشراقا وجمالا ، و دمعة وقور تسكن الأهداب ، حملتها عنها ؛ لتكون مدفأتي في ليالي العمر القادم !

    sigpic
  • حسن لشهب
    أديب وكاتب
    • 10-08-2014
    • 654

    #2
    أنشودة تعزف لحن الحنين والشوق الدفين .
    رائع أنت أستاذي الكريم
    شكرا لهذا الجمال

    تعليق

    • احمد نور
      أديب وكاتب
      • 23-04-2012
      • 641

      #3
      السلام عليكم
      مااجمل كتاباتك سيدي العزيز ربيع
      فهي كما اسمك ربيع تدخل الى القلب فتريحه
      تجعله يعيش معها
      تحياتي
      احمد عيسى نور
      العراق

      تعليق

      • فوزي سليم بيترو
        مستشار أدبي
        • 03-06-2009
        • 10949

        #4
        لا أدري لماذا كانت وتيرة السرد سريعة فسبقتني في بعض الفقرات ثم عدت إليها ومن البداية .
        تكرّر معي هذا الأمر أكثر من مرّة .
        حتى تنسيق الحديقة لم يهتم به ربيعنا ، فعبرها القاريء وكأنه بسير داخل متاهة ، لولا الضوء
        الخافت الذي اخترق المكان لكُنّا تهنا .
        المعذرة أخي وصديقي ربيع عقب الباب . لولا كبير محبتي لك كنت بلعت لساني الذي يحتاج قصّ !



        الحنين هو بطل هذه القصة ، وهو الذي ينصحك ويقودك :
        ــ إياك و الحمق ما كان يليق قديما لا يليق بك الآن


        أجمل تحية
        فوزي بيترو

        تعليق

        • نورالدين لعوطار
          أديب وكاتب
          • 06-04-2016
          • 712

          #5
          نصّ بارع حقّا ، إنحناءة تقدير لكم أستاذي.

          كتبت ذات يوم هذا و ربما يليق بالمقام.


          زمــــــــــــان


          كيف لا أبكي
          وهي رغم مر الدهور فاتنة
          وقد خط الزمان على صفحتي أخاديد
          بدت لي كما كانت مشرقة
          وقد تقوس شكلي و تهرأ
          شمسها ما زالت منيرة
          وقمري خسوفه مخجل

          كيف لا أبكي
          وقد كنت بها مغرما
          أتكابر بطلعتها مستبشرا
          أمرح ماشيا
          أكابر الخلان
          أطاول الجبال

          كيف لا أبكي
          وقد خاب مرادي
          ما للزمان
          لا يتوقف في لحظة الشباب
          فأزهو بغير إحراج
          أتسكع فحلا
          لا أخشى أي انعطاف

          كيف لا أبكي
          وهي ما زالت مزهرة
          رغم مر الأعوام مثمرة
          دنيا هي خالدة
          تهوي بكل عزيز
          تضعف كل ذي همة .
          يا زمان تقهر
          من شيمتك الغدر
          يا زمان .



          تقديري

          تعليق

          • عزت فوزي أحمد الحجار
            أديب وكاتب
            • 01-09-2012
            • 36

            #6
            نص قدير يحمل فكرة محببة للنفس ، الحنين والرومانسية المجردة تسحقان مادية الحاضر المؤلم ، نص اجبرني على الامتثال إليه وقراءته أكثر من مرة ........ تحياتي لك وامتثالي لأحرفك الرقيقة .
            عزت الحجار

            تعليق

            • ربيع عقب الباب
              مستشار أدبي
              طائر النورس
              • 29-07-2008
              • 25792

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة حسن لشهب مشاهدة المشاركة
              أنشودة تعزف لحن الحنين والشوق الدفين .
              رائع أنت أستاذي الكريم
              شكرا لهذا الجمال
              أهلا أستاذي المبدع حسن لشهب
              هي محاولة لكسر حالة الحظر المفروضة على النفس و القلم ربما أعطت شيئا و ربما أسكنت جأش حزني و صمتي
              شكرا على مرورك الطيب أخي

              محبتي
              sigpic

              تعليق

              • ربيع عقب الباب
                مستشار أدبي
                طائر النورس
                • 29-07-2008
                • 25792

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة احمد نور مشاهدة المشاركة
                السلام عليكم
                مااجمل كتاباتك سيدي العزيز ربيع
                فهي كما اسمك ربيع تدخل الى القلب فتريحه
                تجعله يعيش معها
                تحياتي
                احمد عيسى نور
                العراق
                فرحت بها فنقلت إقامتها إلي هنا
                و هي لم ترتدي بعد كامل ثيابها .. إنها الآن عارية تماما
                و لكن ربما عريها يحمل اليقين في قناعة ما بضرورة أن نتنفس كي يحتضر الفراغ
                شكرا كبيرة أحمد عيسى نور الجميل
                أسعدتني كثيرا

                محبتي
                sigpic

                تعليق

                • ربيع عقب الباب
                  مستشار أدبي
                  طائر النورس
                  • 29-07-2008
                  • 25792

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة فوزي سليم بيترو مشاهدة المشاركة
                  لا أدري لماذا كانت وتيرة السرد سريعة فسبقتني في بعض الفقرات ثم عدت إليها ومن البداية .
                  تكرّر معي هذا الأمر أكثر من مرّة .
                  حتى تنسيق الحديقة لم يهتم به ربيعنا ، فعبرها القاريء وكأنه بسير داخل متاهة ، لولا الضوء
                  الخافت الذي اخترق المكان لكُنّا تهنا .
                  المعذرة أخي وصديقي ربيع عقب الباب . لولا كبير محبتي لك كنت بلعت لساني الذي يحتاج قصّ !



                  الحنين هو بطل هذه القصة ، وهو الذي ينصحك ويقودك :
                  ــ إياك و الحمق ما كان يليق قديما لا يليق بك الآن


                  أجمل تحية
                  فوزي بيترو
                  لا يخفى عليك و أنت الكبير أنني فور رأيتها أمامي
                  اهتز تماسكي و حملتها و طرت إلي هنا
                  هذا يحدث بعد وقت طويل من الانقطاع
                  حملتها و نزلت بها هنا رغم علمي أنني عريت عظامها و لم ألبسها ثيابها إطلاقا فلا رسم مريح للجملة و لا علامات ترقيم
                  و لا ضغط الاحداث بشكل يعطيني ضرورة الختام الذي هنا

                  أنا آسف صديقي
                  أنا هكذا أرهق المحبين .. معذرة حبيبي الغالي

                  محبتي
                  sigpic

                  تعليق

                  • ربيع عقب الباب
                    مستشار أدبي
                    طائر النورس
                    • 29-07-2008
                    • 25792

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة نورالدين لعوطار مشاهدة المشاركة
                    نصّ بارع حقّا ، إنحناءة تقدير لكم أستاذي.

                    كتبت ذات يوم هذا و ربما يليق بالمقام.


                    زمــــــــــــان


                    كيف لا أبكي
                    وهي رغم مر الدهور فاتنة
                    وقد خط الزمان على صفحتي أخاديد
                    بدت لي كما كانت مشرقة
                    وقد تقوس شكلي و تهرأ
                    شمسها ما زالت منيرة
                    وقمري خسوفه مخجل

                    كيف لا أبكي
                    وقد كنت بها مغرما
                    أتكابر بطلعتها مستبشرا
                    أمرح ماشيا
                    أكابر الخلان
                    أطاول الجبال

                    كيف لا أبكي
                    وقد خاب مرادي
                    ما للزمان
                    لا يتوقف في لحظة الشباب
                    فأزهو بغير إحراج
                    أتسكع فحلا
                    لا أخشى أي انعطاف

                    كيف لا أبكي
                    وهي ما زالت مزهرة
                    رغم مر الأعوام مثمرة
                    دنيا هي خالدة
                    تهوي بكل عزيز
                    تضعف كل ذي همة .
                    يا زمان تقهر
                    من شيمتك الغدر
                    يا زمان .



                    تقديري
                    أستاذي نور الدين أسعدتني بمرورك و غناك الروحي
                    الذي تمثل في هديتك التي منحتني إياها
                    لك خالص محبتي و امتناني

                    تقديري و احترامي
                    sigpic

                    تعليق

                    • ربيع عقب الباب
                      مستشار أدبي
                      طائر النورس
                      • 29-07-2008
                      • 25792

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة عزت فوزي أحمد الحجار مشاهدة المشاركة
                      نص قدير يحمل فكرة محببة للنفس ، الحنين والرومانسية المجردة تسحقان مادية الحاضر المؤلم ، نص اجبرني على الامتثال إليه وقراءته أكثر من مرة ........ تحياتي لك وامتثالي لأحرفك الرقيقة .
                      أستاذي عزت منحتني قدرا كبيرا من الحب الذي كنت في حاجة إليه
                      شكرا على تشريفك لكلماتي المتواضعة و هذا النص الذي أتى فجأة كما كل النصوص القريبة إلي النفس

                      خالص محبتي
                      sigpic

                      تعليق

                      • بسمة الصيادي
                        مشرفة ملتقى القصة
                        • 09-02-2010
                        • 3185

                        #12
                        هو الحنين محبرة الحزن
                        والصفحات التي نكتبها وتدفننا في ذاكرتها الأبدية
                        اشتقت لنصوصك وسحر قلمك استاذي القدير
                        وأتمنى أن يكون القادم من العمر اكثر دفئا وجمالا
                        دمت بخير
                        في انتظار ..هدية من السماء!!

                        تعليق

                        • ربيع عقب الباب
                          مستشار أدبي
                          طائر النورس
                          • 29-07-2008
                          • 25792

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة بسمة الصيادي مشاهدة المشاركة
                          هو الحنين محبرة الحزن
                          والصفحات التي نكتبها وتدفننا في ذاكرتها الأبدية
                          اشتقت لنصوصك وسحر قلمك استاذي القدير
                          وأتمنى أن يكون القادم من العمر اكثر دفئا وجمالا
                          دمت بخير
                          شكرا لمن أعاد فتح النص بعد الحذف و الاغلاق
                          ربما كان يتحسب مرورا جميلا سوف يأتي
                          فيكون بابا لعبور ريح طيب أسميه بسمة الصيادي
                          حاملا الكثير من السعادة و الرضا

                          شكرا أنك بخير أتمناك سعيدة موفورة الصحة
                          sigpic

                          تعليق

                          يعمل...
                          X