الـــــورقـــة الـطائــشــــــــة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • البكري المصطفى
    المصطفى البكري
    • 30-10-2008
    • 859

    الـــــورقـــة الـطائــشــــــــة

    الورقة الطائشة.
    حملته خطاه المتسارعة في اتجاه المدرسة ؛ في اتجاه النور الذي تسطع به الشمس الدافئة في فصل الخريف ؛ محفظته على ظهره ؛ محشوة برغيف مبلل بزبد طبيعي من صنع يدي أمه المتعبتين ، وقلم أزرق في حجم السبابة ؛ وطبشورة متصدعة الأطراف.
    وبعد الدرس حملته خطاه المتسارعة لخفة حركته كأنه على عجل من أمره ، وهو يعلم أن شيئا ما في أعماقه يلهبه حماس الجري المتواصل بعد انتشال المعلومة من معين الدرس ؛والفكاك من قيد الحجرات ...الآن باشر ألعابك يا عبد المغيث ولا تفكر في أتعابك ..هكذا تحدثه نفسه فينطلق إلى لعبته المصنوعة من القش والعيدان ،ثم يتفقد أعشاش الحمام التي تتدحرج فوق الأغصان عند هبوب الريح ..
    لكنه لم يدر أنه كان على موعد مع عمه الشيخ عبد الرحمان الذي تلقفه عند الباب عندما لاح ظله خلف الستار؛ . كان جالسا القرفساء ؛بجسده الفارع؛ ومنكبيه العريضين؛ وشعره الأشعث؛ ولحيته التي وخطها الشيب .
    كان في انتظاره لحل اللغز المحير للرموز ؛ فنادى عليه بأعلى صوته الجهورالذي ترتعش له الفرائص:" لم تأخرت اليوم ؟"..ظل عبد المغيث متسمرا في مكانه شارد الذهن لهول المفاجأة ؛ فأمطره عبد الرحمان بوابل من الأسئلة ؛كان يلتقط منها ما لا يفقده صوابه عندما يعتصر ذاكرته فيبوح له بالإجابة .
    لم يقو عبد الرحمان على لملمة جراحات انتظاره فألقى بالكيس البلاستيكي بين يدي عبد المغيث مقتحما إياه بنظرات حادة قائلا: " فك عقد الكيس بإحكام واسحب من حاوياته ورقة صفراء كتب في أسفلها اسم الباشا أحمد وتوقيعه ؛ وفي أعللاها أربعون هكتارا في ملك الجماعة.بخط مضغوط
    اضطربت أصابعه الغظة عندما شرع في حل العقد ؛ وغازلت أنامله كل الأوراق المبعثرة ؛فسحب الورقة المطوية طي السنين الخالدة ،و حدق فيها بإمعان ؛ فغمرته نشوة البطولة ، ثم رفع رأسه دون أن ينبس بكلمة . كان يعلم أن المعركة لم تنته بعد ؛ وأن الخوض في تهجي الحروف مرحلة قادمة بإعصارها المدمر. ظلت نظرات عبد الرحمان تقتحمه كالنبال القاتلة التي تخترق الدروع الواقية . مط الرقة بين يديه الصغيرتين وانحرف بها اتجاه الضوء المنبعث من الكوة؛ وتهجى الحروف بصوت تلاعبت به الزفرات " أربـ ـــ عـ ــون هـ ــكــ ــتـــ ــارا بـ ــــ جـ ـمـ ـاعــة العريــ ــش..توقـــ ـــيـــ ــع الــ ـبـــ اشـ ـا أحـ ـمـ ــد "
    فصاح عبد الرحمان : هادي هي هي...!!
    استرجع أنفاسه المتعبة وألجم دقات قلبه الطائشة ؛ فعاد إلى هدوءه وأخذ الورقة بين يديه ثم أعاد طيها طي السجل للكتاب ، و دسها في جيب سرواله (القندريسي ) . علم الطفل أنه أنهى مهمته بحذر شديد، كأنه يمشي على الصراط ؛فانطلق يعدو خلف سرب الحمام الذي كان في انتظاره؛ متجاهلا صوت عمه الذي أقسم بأغلظ الأيمان أنه سيسترجع الأرض المفقودة .
    ظلت الورقة تتردد بين جيوب سراويل عبد الرحمان طوال السنين ؛وظل عبد الرحمان يحلف بأغلظ الأيمان أنه سيسترجع الأرض ولما أوشك على الموت أوصى بإعادة كتابة حروفها بعود الزعفران وتحنيطها في المكان المناسب كي لا تصاب بمكروه.لكنها ظلت تصرخ بأعلى صوتها المبحوح عندما تبعثرت الأفكار بعد وفاته ؛ وأضحت الأرض مرتعا لأنغام السراب وبقيت أصابع الطفل تحمل بصمات متاعب الحل والعقد.
    رحم الله الفقيد الشيخ ع الرحمان.
    التعديل الأخير تم بواسطة البكري المصطفى; الساعة 20-07-2017, 10:15.
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    #2
    وعود تتبخر، وطفولة لا تقيدها قيود، ولعب يواصل حضوره بعد فاصلة قراءة.
    ولابد من الإشارة إرى طغيان تسبب في ضياع أرض.
    مودتي

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      يابكري الجميل ملأتني رغبة في الاستزادة
      فهل هذا هو هدفك الذي تنشد بكسر قناعة قارئك و إذابة تماسكه و تسييله ليلهث خلفك ؟
      أحببت كل ما أتى هنا ؛ كأنه أنا من كنت بين يدي العم
      و تلك الكلمات التي تهجاها عبد الرحمان
      أحببت حتى طريقتك في الانهاء لولا الشوق لتكملة الجرعة !

      شكرا لك أخي الجميل على وجبتك الحلوة

      محبتي
      sigpic

      تعليق

      • حسين ليشوري
        طويلب علم، مستشار أدبي.
        • 06-12-2008
        • 8016

        #4
        نص بديع إلى حد ما وقدرة على التصوير معتبرة بيد أن النص يحتاج إلى إعادة قراءة متأنية لتصحيح ما شابه من أخطاء لغوية وإملائية شوهته وقللت من قيمته الأدبية ولست أدري لماذا لا ينبه المارون من هنا على تلك الأخطاء؟
        مع التحية.

        sigpic
        (رسم نور الدين محساس)
        (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

        "القلم المعاند"
        (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
        "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
        و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

        تعليق

        • البكري المصطفى
          المصطفى البكري
          • 30-10-2008
          • 859

          #5
          أخي عبد الرحيم أتشرف بقراءتك النص ؛ بينتَ ؛ ووضحتَ ؛ وكثفتَ المعنى . شكرا لك.

          تعليق

          • البكري المصطفى
            المصطفى البكري
            • 30-10-2008
            • 859

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
            يابكري الجميل ملأتني رغبة في الاستزادة
            فهل هذا هو هدفك الذي تنشد بكسر قناعة قارئك و إذابة تماسكه و تسييله ليلهث خلفك ؟
            أحببت كل ما أتى هنا ؛ كأنه أنا من كنت بين يدي العم
            و تلك الكلمات التي تهجاها عبد الرحمان
            أحببت حتى طريقتك في الانهاء لولا الشوق لتكملة الجرعة !

            شكرا لك أخي الجميل على وجبتك الحلوة

            محبتي
            الأخ العزيز؛ الأديب المتمرس ربيع؛ بذوقك الفني نقشت عربون وفائك للكلام الجميل؛ ولن يزيدني إلا تواضعا في دنيا الإبداع. لقد ذكرتني بقول الجاحظ " إن لبداية الكتاب فتنة ". ومن أوفر حظا للشعور بالفتنة الأدبية من متذوق ؛ يضع يده على مواطن لذة النص؟
            دامت لك المسرات.

            تعليق

            • البكري المصطفى
              المصطفى البكري
              • 30-10-2008
              • 859

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة
              نص بديع إلى حد ما وقدرة على التصوير معتبرة بيد أن النص يحتاج إلى إعادة قراءة متأنية لتصحيح ما شابه من أخطاء لغوية وإملائية شوهته وقللت من قيمته الأدبية ولست أدري لماذا لا ينبه المارون من هنا على تلك الأخطاء؟
              مع التحية.

              أخي الفاضل الأستاذ الممحص؛حسن ليشوري.لقد ألقيت بعض الحصى في غدير النص لتحصل الارتجاجات ؛ وهي ضرورية للتنبيه إلى التقصير والاستعجال . أشكرك على ملاحظتك ؛ وأعدك بتصويب الأخطاء.
              مودتي الخالصة.

              تعليق

              • حسن لشهب
                أديب وكاتب
                • 10-08-2014
                • 654

                #8
                الأستاذ مصطفى
                جمالية هذا النص نابعة من بعده الواقعي
                وسرديته المناسبة على ايقاع هاديء
                شكرا

                تعليق

                • البكري المصطفى
                  المصطفى البكري
                  • 30-10-2008
                  • 859

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة حسن لشهب مشاهدة المشاركة
                  الأستاذ مصطفى
                  جمالية هذا النص نابعة من بعده الواقعي
                  وسرديته المناسبة على ايقاع هاديء
                  شكرا
                  أخي حسن تحيتي الخالصة..أتشرف بقراءتك النص؛ وأضم صوتي إلى كل الذين تشرفوا بحضورك في الملتقى؛ لذلك أشد على يديك بحرارة..
                  درايتك الأدبية ؛ وذوقك الفني الرفيع فى غنى عن أي تعليق.
                  مودتي

                  تعليق

                  يعمل...
                  X