وضعوا الأصفاد في أيدينا، غلت أيديهم، وأخرجونا كالأغنام من مقهى حينا الشعبي بعد تفتيش مهين، وكنا في هذا الفضاء البسيط نلتمس بعض سلوى وقد اقترب موعد امتحان الباكالوريا. كانوا يبحثون عن بائعي الحشيش، ولأنهم لم يجدوا أحدا فقد وجدونا فريسة سهلة ليرضى عنهم رؤاسؤهم.
سرنا من المقهى حتى مقر الشرطة بالهديم، وأثناء الطريق سعى أصدقائي إلى إخفاء الأصفاد عن عيون الفضوليين التي كانت تنهش سيرتنا، منهم من يلعننا في سره، أرى الشفاه تتحرك بنميم، ومنهم من رمانا بنظرات شزراء، فالمخزن يستحق التنويه لأنه يطهر المكان من الأنجاس، صرنا أنجاسا؟ رفضت فعل ذلك، وأصررت على إبقاء بروزها، لاعنا التسلط المقيت.
في المقر، أبقونا ننتظر إلى أن حل المساء، وكنت رأيت شرطيا يعرفني، لكنه تجاهلني ولم يستجب لنظراتي المتوسلة، كان وقوفنا تعذيبا إضافيا مدروسا، فالإذلال لغتهم التي يتعمدونها.
بعد أسئلة وتسجيل كلام، حملنا في الفاركونيط إلى مركز الشرطة الرئيسي، حيث أزالوا أحزمتنا وسيور أحذيتنا وكأنهم يخافون على أرواحنا من التحليق، وسمعت حوارا مقتضبا بين شرطيين، يسعى واحد منهما إلى إطلاق سراحنا لأننا تلاميذ الباك، وقد ننتقم منهم إذا ما اجتزنا مباراة ولوج سلك الشرطة، كنت أرغب في طمأنتهما أني لا أفكر في الالتحاق بالمعهد، لا أريد أن أكون رجل قسوة، رغم أن أحد أقرباء أمي حملني مرغما إلى دارة كولونيل شرطة بعد نجاحي حتى يتدخل لأتخرج ضابطا.
ثم إيداعنا زنزانة باردة ومظلمة إلا من شعاع باهت يأتي من لامكان. كانت الرطوبة مرتفعة، وكنا أول الداخلين، صديقي الذي يعرف خفايا الأمر بعد تجربة مريرة له سابقة، دعانا إلى أن نلتحم ببعضنا، وأن نروي قصصا لإبعاد ملل الوقت، ولتقوية آصرة الأخوة بيننا قبل حلول ضيوف الليل المتوحشين.
لم يمر سوى القليل من الوقت حتى فتحت الزنزانة، وطلب مني، لوحدي، أن أرافق الشرطي، سرت خلفه كالمسرنم إلى الطابق الأعلى. وقسم الشرطة له طوابق تعبر عن مكانة الناس، فالقابع في الاسفل من سفلة القوم، ومن في الأعلى فهو من العلية. وتم إدخالي إلى مكتب ضابط، سألني إن كنت أعرف رجلا من سلك الشرطة، وأجبت إجابة مبهمة تفيد أن لي معرفة بواحد، إذ قدمت أوصافا له لا اسمه.
تم الإفراج عني، حيث حملت ثانية في الفاركونيط، وبعد جولة في ربوع مدينة مكناس، تعرفت خلالها على أجوائها الليلية، وناسها الخاصين، تم إنزالي بلهديم، سرت على رجلي فرحا غير مصدق أنني نجوت، أدركت مدى قيمة نقاوة النسائم، عببت بنهم الهواء الليلي، وفي الحي وجدت السكان جميعهم ينتظرونني، وبمجرد رؤيتهم لطلعتي البهية، صفراء من غير سوء، سارعوا إلى إطلاق الزغاريد، وعناقي، وكلمات الحمد والشكر تنطلق كماء الورد لتنعش روحي قبل وجهي.
سرنا من المقهى حتى مقر الشرطة بالهديم، وأثناء الطريق سعى أصدقائي إلى إخفاء الأصفاد عن عيون الفضوليين التي كانت تنهش سيرتنا، منهم من يلعننا في سره، أرى الشفاه تتحرك بنميم، ومنهم من رمانا بنظرات شزراء، فالمخزن يستحق التنويه لأنه يطهر المكان من الأنجاس، صرنا أنجاسا؟ رفضت فعل ذلك، وأصررت على إبقاء بروزها، لاعنا التسلط المقيت.
في المقر، أبقونا ننتظر إلى أن حل المساء، وكنت رأيت شرطيا يعرفني، لكنه تجاهلني ولم يستجب لنظراتي المتوسلة، كان وقوفنا تعذيبا إضافيا مدروسا، فالإذلال لغتهم التي يتعمدونها.
بعد أسئلة وتسجيل كلام، حملنا في الفاركونيط إلى مركز الشرطة الرئيسي، حيث أزالوا أحزمتنا وسيور أحذيتنا وكأنهم يخافون على أرواحنا من التحليق، وسمعت حوارا مقتضبا بين شرطيين، يسعى واحد منهما إلى إطلاق سراحنا لأننا تلاميذ الباك، وقد ننتقم منهم إذا ما اجتزنا مباراة ولوج سلك الشرطة، كنت أرغب في طمأنتهما أني لا أفكر في الالتحاق بالمعهد، لا أريد أن أكون رجل قسوة، رغم أن أحد أقرباء أمي حملني مرغما إلى دارة كولونيل شرطة بعد نجاحي حتى يتدخل لأتخرج ضابطا.
ثم إيداعنا زنزانة باردة ومظلمة إلا من شعاع باهت يأتي من لامكان. كانت الرطوبة مرتفعة، وكنا أول الداخلين، صديقي الذي يعرف خفايا الأمر بعد تجربة مريرة له سابقة، دعانا إلى أن نلتحم ببعضنا، وأن نروي قصصا لإبعاد ملل الوقت، ولتقوية آصرة الأخوة بيننا قبل حلول ضيوف الليل المتوحشين.
لم يمر سوى القليل من الوقت حتى فتحت الزنزانة، وطلب مني، لوحدي، أن أرافق الشرطي، سرت خلفه كالمسرنم إلى الطابق الأعلى. وقسم الشرطة له طوابق تعبر عن مكانة الناس، فالقابع في الاسفل من سفلة القوم، ومن في الأعلى فهو من العلية. وتم إدخالي إلى مكتب ضابط، سألني إن كنت أعرف رجلا من سلك الشرطة، وأجبت إجابة مبهمة تفيد أن لي معرفة بواحد، إذ قدمت أوصافا له لا اسمه.
تم الإفراج عني، حيث حملت ثانية في الفاركونيط، وبعد جولة في ربوع مدينة مكناس، تعرفت خلالها على أجوائها الليلية، وناسها الخاصين، تم إنزالي بلهديم، سرت على رجلي فرحا غير مصدق أنني نجوت، أدركت مدى قيمة نقاوة النسائم، عببت بنهم الهواء الليلي، وفي الحي وجدت السكان جميعهم ينتظرونني، وبمجرد رؤيتهم لطلعتي البهية، صفراء من غير سوء، سارعوا إلى إطلاق الزغاريد، وعناقي، وكلمات الحمد والشكر تنطلق كماء الورد لتنعش روحي قبل وجهي.
تعليق