نثار سيرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    نثار سيرة

    وضعوا الأصفاد في أيدينا، غلت أيديهم، وأخرجونا كالأغنام من مقهى حينا الشعبي بعد تفتيش مهين، وكنا في هذا الفضاء البسيط نلتمس بعض سلوى وقد اقترب موعد امتحان الباكالوريا. كانوا يبحثون عن بائعي الحشيش، ولأنهم لم يجدوا أحدا فقد وجدونا فريسة سهلة ليرضى عنهم رؤاسؤهم.
    سرنا من المقهى حتى مقر الشرطة بالهديم، وأثناء الطريق سعى أصدقائي إلى إخفاء الأصفاد عن عيون الفضوليين التي كانت تنهش سيرتنا، منهم من يلعننا في سره، أرى الشفاه تتحرك بنميم، ومنهم من رمانا بنظرات شزراء، فالمخزن يستحق التنويه لأنه يطهر المكان من الأنجاس، صرنا أنجاسا؟ رفضت فعل ذلك، وأصررت على إبقاء بروزها، لاعنا التسلط المقيت.
    في المقر، أبقونا ننتظر إلى أن حل المساء، وكنت رأيت شرطيا يعرفني، لكنه تجاهلني ولم يستجب لنظراتي المتوسلة، كان وقوفنا تعذيبا إضافيا مدروسا، فالإذلال لغتهم التي يتعمدونها.
    بعد أسئلة وتسجيل كلام، حملنا في الفاركونيط إلى مركز الشرطة الرئيسي، حيث أزالوا أحزمتنا وسيور أحذيتنا وكأنهم يخافون على أرواحنا من التحليق، وسمعت حوارا مقتضبا بين شرطيين، يسعى واحد منهما إلى إطلاق سراحنا لأننا تلاميذ الباك، وقد ننتقم منهم إذا ما اجتزنا مباراة ولوج سلك الشرطة، كنت أرغب في طمأنتهما أني لا أفكر في الالتحاق بالمعهد، لا أريد أن أكون رجل قسوة، رغم أن أحد أقرباء أمي حملني مرغما إلى دارة كولونيل شرطة بعد نجاحي حتى يتدخل لأتخرج ضابطا.
    ثم إيداعنا زنزانة باردة ومظلمة إلا من شعاع باهت يأتي من لامكان. كانت الرطوبة مرتفعة، وكنا أول الداخلين، صديقي الذي يعرف خفايا الأمر بعد تجربة مريرة له سابقة، دعانا إلى أن نلتحم ببعضنا، وأن نروي قصصا لإبعاد ملل الوقت، ولتقوية آصرة الأخوة بيننا قبل حلول ضيوف الليل المتوحشين.
    لم يمر سوى القليل من الوقت حتى فتحت الزنزانة، وطلب مني، لوحدي، أن أرافق الشرطي، سرت خلفه كالمسرنم إلى الطابق الأعلى. وقسم الشرطة له طوابق تعبر عن مكانة الناس، فالقابع في الاسفل من سفلة القوم، ومن في الأعلى فهو من العلية. وتم إدخالي إلى مكتب ضابط، سألني إن كنت أعرف رجلا من سلك الشرطة، وأجبت إجابة مبهمة تفيد أن لي معرفة بواحد، إذ قدمت أوصافا له لا اسمه.
    تم الإفراج عني، حيث حملت ثانية في الفاركونيط، وبعد جولة في ربوع مدينة مكناس، تعرفت خلالها على أجوائها الليلية، وناسها الخاصين، تم إنزالي بلهديم، سرت على رجلي فرحا غير مصدق أنني نجوت، أدركت مدى قيمة نقاوة النسائم، عببت بنهم الهواء الليلي، وفي الحي وجدت السكان جميعهم ينتظرونني، وبمجرد رؤيتهم لطلعتي البهية، صفراء من غير سوء، سارعوا إلى إطلاق الزغاريد، وعناقي، وكلمات الحمد والشكر تنطلق كماء الورد لتنعش روحي قبل وجهي.
  • نورالدين لعوطار
    أديب وكاتب
    • 06-04-2016
    • 712

    #2
    هل يمكن أن تكون هذه بداية لانعتاق الروح و الشعور بالحرية
    أدب السيرة له رمزية خاصّة، ففيه إشارات وجودية لا توجد في غيره.
    رغم أن حوامل السيرة في ثقافتنا واهنة السيقان.
    و أحكام القيمة متعطشة لصلب ينابيع البوح.
    فماذا يبقى إلا كما قالوا قديما و نردده حديثا
    يداري هواه ويكتم سره
    ويصبر في كل الأمور ويخضع.

    تحية أستاذ عبد الرحيم

    تعليق

    • البكري المصطفى
      المصطفى البكري
      • 30-10-2008
      • 859

      #3
      أخي عبد الرحيم...النص مخاض يولد المعنى في ضوء احتفالية مفعمة بروح رمزية؛ تجعل القارئ مشتاقا لفك لغز المبهم " ويسميه القدماء المطاولة" هنا تكمن لذة النص ولذلك لجأ البعض إلى خلق تعالق حكائي بين السيرة والرواية لتكسير بنية الخطاب الصريح المفروض في السيرة الذاتية....لو نفضت عن نصك غبار الاستغراق الواقعي لكان أمتع ويشفع لك فيه أسلوبك الفني الجميل.
      تحياتي .

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        و لم كانت نثار سيرة
        هي نص قصصي لوقت محدود
        أعطى ما أعطى .. و كفى أنه كان لحظات في الوعي الإنساني من خلال التجربة الحية

        تحيتي لروحك
        sigpic

        تعليق

        • عبدالرحيم التدلاوي
          أديب وكاتب
          • 18-09-2010
          • 8473

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة نورالدين لعوطار مشاهدة المشاركة
          هل يمكن أن تكون هذه بداية لانعتاق الروح و الشعور بالحرية
          أدب السيرة له رمزية خاصّة، ففيه إشارات وجودية لا توجد في غيره.
          رغم أن حوامل السيرة في ثقافتنا واهنة السيقان.
          و أحكام القيمة متعطشة لصلب ينابيع البوح.
          فماذا يبقى إلا كما قالوا قديما و نردده حديثا
          يداري هواه ويكتم سره
          ويصبر في كل الأمور ويخضع.

          تحية أستاذ عبد الرحيم
          أخي القاص الجميل، سي نورالدين
          تعجبني تعليقاتك المتزنة، وأرجو أن يكون ردي في مقام ما تكرمت به من قول:
          العنوان مخادع، فما رمت كتابة سيرة، رغم أن لها سحرها المحرر.
          لن أكتب بالمطلق سيرتي لسببين اثنين على الأقل؛ وهما:
          أن حياتي عادية، لا شيء فيها يغري بالكتابة عنها.
          أن كتابة السيرة في عالمنا العربي محاطة بأسورة المنع، فلا يمكن البوح إلا بالتلميح والترميز، ولم يفلح في التعرية؛ تعرية الواقع بكل أبعاده سوى الكاتب: محمد شكري.
          النص جمع بين البعدين الواقعي والتخييلي، وحصة البعد الثاني أكبر، واللغة ماكرة.
          بارك الله فيك.
          تحياتي والمودة.

          تعليق

          • عبدالرحيم التدلاوي
            أديب وكاتب
            • 18-09-2010
            • 8473

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة البكري المصطفى مشاهدة المشاركة
            أخي عبد الرحيم...النص مخاض يولد المعنى في ضوء احتفالية مفعمة بروح رمزية؛ تجعل القارئ مشتاقا لفك لغز المبهم " ويسميه القدماء المطاولة" هنا تكمن لذة النص ولذلك لجأ البعض إلى خلق تعالق حكائي بين السيرة والرواية لتكسير بنية الخطاب الصريح المفروض في السيرة الذاتية....لو نفضت عن نصك غبار الاستغراق الواقعي لكان أمتع ويشفع لك فيه أسلوبك الفني الجميل.
            تحياتي .
            مساحة الواقعي، صديقي سي البكري، اضيق في النص، بالمقارنة مع مساحة التخييلي.
            لقد كان العنوان مضللا، فما قصدت كتابة سيرتي، ولا حتى نبذة؛ هو استلهام للواقعي، ليس غير.
            شكرا لك على التفاعل القيم، والإشادة العطرة.
            تقديري وامتناني.

            تعليق

            • عبدالرحيم التدلاوي
              أديب وكاتب
              • 18-09-2010
              • 8473

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
              و لم كانت نثار سيرة
              هي نص قصصي لوقت محدود
              أعطى ما أعطى .. و كفى أنه كان لحظات في الوعي الإنساني من خلال التجربة الحية

              تحيتي لروحك
              مرحبا بك أستاذي الراقي، سيدي ربيع
              شكرا لك على تعليقك القيم.
              اختياري للعنوان جاء بغاية خلق نوع من اللبس لدى القارئ؛ هو عتبة ينبغي الحذر منها.
              بارك الله فيك.
              تقديري والمودة.

              تعليق

              يعمل...
              X