رمّاشة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • نورالدين لعوطار
    أديب وكاتب
    • 06-04-2016
    • 712

    رمّاشة

    رمّاشة


    اليوم بالذّات افتتح جناح المرض الذي يدمّر المناعة في هذا المستشفى الجامعي الجديد، هي حديثة العهد بهذه المهنة، لا تستند على خبرة كافية تجعلها مطمئنّة البال، وراء نظّارتيها تتحرك عيناها بدون توقف، هي عادة قديمة، رموشها لا تكفّ عن الحركة كماسحتي الزجاج الأمامي لسيارة في يوم مطير، تزداد هذه العادة السيئة استفحالا عند كلّ تحول يصيب إيقاع حياتها، نوع من حالة استنفار تمارسها حتى عيناها، يشوش ذلك على ذهنها لكنها مضطرة لمعايشة هذه النقيصة وجعلها جزءا من مظهرها الطبيعي، هذا المظهر نفسه أرّقها خصوصا في بدايات استشعارها للأنوثة، حظها من كونه جذّابا متقلّص ومتقوقع، ما استطاع أن يجعلها رفيقة مريحة لكلّ الذين رأت فيهم حياة نابضة، إذ تستهويهم أخريات يخطف بريقهن الأبصار.
    رغم أن السّنوات تأكل بعضا من حروف الملاحة، فالتي اقتحمت الباب زادها الاكتناز توهجا، يتقدمها انتفاخ خفيف توّج احتفالات حياتها، وضعت الظرف على الطّاولة بعد أن سلّمت على الدّكتورة بعجرفة من يستخفّ بكلّ شيء، هذا الوجه الصبوح الممتلئ أنوثة يخفي من ورائه جوعا لا يفتر ونهما لا تتراخى عضلاته، بل تظل في حالة استعراض دائم، تتذكر أنّ لقب الرّمّاشة انسلّ من هذه الشفاه المحمرّة، قديما كانت تبيت اللّيالي محاولة فكّ هذا اللّغز الحيّر، ألا يكفيها أنها تتربع على عرش الجمال، فلم تصرّ على استشعار الآخرين بعوزهم وقلّة حيلتهم، ألا يكفيها أن من كانت تحوم حوله اصطادته برمشة عين واحدة، وتركتها ترمّش الدّهر كلّه وما استطاعت ردّ الاعتبار حتّى ايقنت أن الحياة خاصمتها ولن تقبل بها.
    فتحت الظّرف، قوت القلوب حامل، سبق أن حظيت بفتاتين قبله، قد تحملان نفس قوة منبعهما فالأجنة كفيلة بحفظ سطوة الحياة القابعة في الأعماق، لكن الأم مصابة منذ عام كامل، هذا المولود القادم يحمل بذور الحياة والفناء كليهما في أوردته الضّيقة، أحسّت الرمّاشة ببعض انشراح يعبق في دواخلها، فاستدركت وهي تفتعل فك الرموز، ماذا سأجني بفرحي هذا، حتى لو مرضت كلّ الحسناوات فأنا أقفلت هذا الموضوع، لا أملك إلا أن أحاول إبقاء حياتين أمامي ولن أتركهما تحتضران.
    أزالت نظّارتيها، متنهدة وعيناها تنغلقان لتنفتحا وتنفتحان لتنغلقا ككأس مدمن خمر لا تفرغ إلا لتملأ ولا تملأ إلا لتفرغ، عندئذ نطقت قوت القلوب:"رمّاشة، أنت من يبشرون بقدومك منذ شهور، لا أصدّق"
    كتمت رمّاشة غيظها وقالت: "لا يهم أن نصدّق بل الأهم، أن حياتك تحتاج إلى المساعدة."
  • عبدالرحيم التدلاوي
    أديب وكاتب
    • 18-09-2010
    • 8473

    #2
    فعلا، الحياة تحتاج للمساعدة.
    تلك خلاصتي، أنا أيضا.
    والمودة.

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      رائعة صديقي المبدع نور الدين
      هذا التجسيد الماتع لمعاناة أنثى و الذي أتى صافيا و ذكيا متمكنا بما يحرك أوتاره و حتى نهاية الطريق
      هناك الكثير مما يقال دائما خاصة حين نستشعر الامتلاء و الصدق الفني و النفسي و حيوية اللغة
      لكنني أكتفى حتى لا أخدش الجمال
      شكرا على هذه الوجبة الصباحية الحلوة

      محبتي أستاذي
      sigpic

      تعليق

      • نورالدين لعوطار
        أديب وكاتب
        • 06-04-2016
        • 712

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة عبدالرحيم التدلاوي مشاهدة المشاركة
        فعلا، الحياة تحتاج للمساعدة.
        تلك خلاصتي، أنا أيضا.
        والمودة.
        أهلا وسهلا

        نعم حتى الأكثر سطوة يحتاج دوما لمن يساعده على بقاء سطوته.
        هكذا يقرأ البعض الوظيفة في المجتمع.
        فإن ساد التعاون استمرت الحياة.
        ومتى بحثت عن العدل ارتجت الروابط.

        دمت بالقرب أستاذ عبر الرحيم.

        تعليق

        • نورالدين لعوطار
          أديب وكاتب
          • 06-04-2016
          • 712

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
          رائعة صديقي المبدع نور الدين
          هذا التجسيد الماتع لمعاناة أنثى و الذي أتى صافيا و ذكيا متمكنا بما يحرك أوتاره و حتى نهاية الطريق
          هناك الكثير مما يقال دائما خاصة حين نستشعر الامتلاء و الصدق الفني و النفسي و حيوية اللغة
          لكنني أكتفى حتى لا أخدش الجمال
          شكرا على هذه الوجبة الصباحية الحلوة

          محبتي أستاذي
          الأستاذ ربيع عقب الباب

          حضورك كاف لزرع الحياة في النصّ.
          أما إن حظي بقراءة و تنبيه فذاك عطاء مقبول ومرغوب.

          احترامي

          تعليق

          • حسن لشهب
            أديب وكاتب
            • 10-08-2014
            • 654

            #6
            نص ينقل الفكرة بشكل دقيق ووصف متين .
            تحيتي لإبداعك الرائع.
            ملحوظة أظن أن فعل استند يتبعه حرف الجر إلى وليس على.

            تعليق

            • نورالدين لعوطار
              أديب وكاتب
              • 06-04-2016
              • 712

              #7
              أستاذي حسن لشهب

              شكرا كبيرة رغم معرفتي أنها لا تفيك حقك و أنتم سيدي تدعمون ما أكتب بتفاعلكم الراقي منذ حطّ قلمي في هذا الملتقى، مرحبا و أهلا وسهلا بملاحظاتكم النيرة، ويسعدني أن تكون نصوصي دوما منطلقا لمعالجة لغوية أو نقدية أو فكرية، بما فيه من فائدة لي شخصيا و للزوار الكرام وبقية الأعضاء.

              نعم سيدي الأصل هو استند إلى ، فنقول من أسند "المسند والمسند إليه" لكن استند تقبل على أيضا لأنها تفيد القيام على الشيء و الاعتماد عليه و البناء عليه وهناك بعض المعاجم أجازتها كلغة فصيحة.

              مشكور سعيكم

              تعليق

              يعمل...
              X