تأملات مسن

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مناف بن مسلم
    أديب وكاتب
    • 19-09-2013
    • 72

    تأملات مسن

    تأملات مسن

    شرب القهوة بلا سكر على رشفات بطيئة شاعرا برائحتها متغلغلة في اعماقه واسترسل في أفكاره , يأخذه الحنين لأحداث مضت ,, تلاشت في غياهب الماضي فصارت خيال يلاعب الذاكرة . حرره طعمها المر , ولو للحظة من تشتت أفكاره . لكنه عندما نظر الى زجاج نافذة المقهى المبلل بقطرات المطر الناعمة , سرت رجفة مفاجئة من اعلى رأسه الى اخمص قدمه . لقد رأى وجهه غير مألوفا لديه , كانت التجاعيد قد حفرت فيه وكأنها نقوش قد نقشت بدقة مخيفة . وضع كلتا يديه على مقبض عكازته مفكرا بالسبعين سنة التي تسربت من عمره , وذهبت ادراج الرياح , تلاشت لتصبح مجرد صور باهته لكنها مؤثره , تعكسها كل هذه التجاعيد والشحوب التي رسمت على وجهه , ليكون مثلما هو الان رجلا لا يشعر بالحاضر لكنه يعيش في فوضى الذاكرة العائمة بين الاحداث القريبة والبعيدة , بين دمـــــار الحروب القديمة التي عاشها واستنشق بارود قنابلها رغم انفه , وبين الانفجارات الحديثة للمفخخات الموبوءة التي تحول الأسواق الى ركام هائل من الجثث الممزقة . احس بالاختناق , و بثقل على صدره , متذكرا اصغر أبنائه في ذلك الصباح المشؤوم , عندما كان ذاهبا لمقر عمله في سوق الجملة . لقد كان ماسكا حسابات اكبر تاجر جملة في السوق . وخلال عمله الأربعة سنوات صار محل ثقة الجميع , لأمانته وحسن خلقه . كان صباحا مختلفا , لقد اخبرته امه انها قد رأت مناما سيء الطالع ليلة البارحة وطلبت منه ان لا يذهب للعمل , لكنه قبل رأسها طالبا منها ان تدعو له . حاول ان يتذكر , من اخبره ؟ من اخذه الى المستشفى ليرى ابنه هناك ممدا على السرير مغسولا بدمائه و ساقاه مقطعة . كانت الردهة عباره عن فوضى , صراخ الجرحى وبكاء الأمهات و صياح الاباء والابناء . لكنه رغم كل شيء , استطاع تحمل نظرات ابنه التي كانت تعتصر قلبه , نظرات فيها الكثير من الخوف والكثير من الألم والكثير من الحزن والكثير من المرارة , مرارة لا يمكن ان يحس بها الا من حوله الألم الى دمعة في عيون الأمهات (ابي امي لا استطيع تحمل الألم ... لا استطيع ) صرخ الابن وهو يحتضر . كانت الام منهارة بين اقدامه المقطعة تقبلهما بجنون , لم ينتظر منهما جوابا . فقد اخذه الألم الى الغياب الأزلي تاركا خلفه فراغا ثقيلا, ثقيلا جدا .
    ضغط بكلتا يديه على قبضة عكازه , محاولا ان لا يبكي . لكنه لم يستطيع , كانت الدموع قد نزلت تغسل تعرجات وجهه الجاف . راقب قطرات دموعه وهي تتلاشى في الهواء راسمة في فضاء ذاكرته وجه اكبر ابنائه , فرحته الأولى , وحزنه العميق . وكأنما يضعه المه واشتياقه امام مرآة صافيه , لكن عينيه المنهكة تخشى النظر , وتشفق من رؤية وجهه الباكي . ورغم كل هذه المتاهة . لم يزل تحت تأثير خمرة الحب المفقودة مع كل سنة مضت عميقا للداخل المنسي , مع كل شهر راحل في غياهب المجهول , مع كل اسبوع انتهى وصار حلما غامضا , مع كل يوم تلاشى غبارا يرسم صور هلامية تترك الاثر العميق في هذا القلب , الذي لا يزال يبكي كلما تذكر صباح ذلك اليوم حينما كان اكبر ابنائه واقفا امام المرآة , يرتب قيافته العسكرية , مهيأ نفسه للالتحاق هناك , في صحراء الخليج العربي المتوهج . حيث قطعات الجيش هناك , في انتظار لحظة اصدار الاوامر لمحاربة جيوش الثلاثين دولة , القادمين من كل مكان , تقودهم اكبر دولة في العالم لقتال دولة واحدة ... ( لا .... لن تذهب ) صاحت الام ووقفت امام باب غرفته محاولة ان تمنعه , رغم علمها انها لن تمنعه ابدا . لن تستطيع ان تفعل ذلك . لم تكن مجنونة كي تفعل ذلك . وليست تافهة كي لا تقدر عاقبة ان فعلت ذلك . لقد كانت في حيرة من امرها . فخوفها على ابنها جعلها تصرخ رافضة ذهابه هناك , الى بوابة الموت . وان منعته حقا فلن تجني سوى الخذلان لابنها , جاعلة منه جنديا هاربا , مطاردا من قبل رجال الطاغية الذين لا يعرفون سوى التبختر ببزاتهم العسكرية ومسدساتهم اللماعة , مستعدين بأية لحظة ان يدوسوا بأحذيتهم كل من لا يطع اوامرهم , وكل من لا يقدم لهم الولاء الاعمى. انهارت على الأرض باكية بعد ان هزمها الخوف . انحنى عليها , امسكها من كتفيها , مقبلا رأسها , ماسحا دموعها , قائلا لها ( اماه ادعو لي ان اعود سالما ). لكنه لم يعود . كانت قد عرفت انه لن يعود , بمجرد ان نظرت في عيونه . لذلك كظمت حزنها وبكائها اياما وليال . وصارت كل يوم تجلس ساعات بجانب نافذة غرفتها المطلة على الخارج , تدعو وتبتهل الى الله .
    مناف بن مسلم
    البصرة ...2017
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    كلنا عشنا المأساة ك بطريقته
    لامهرب من المكتوب لامفر
    وعيون الأمهات تبقى عالقة بين الدروب
    صباحك ورد ياابن البصرة ثغر العراق الباسم
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • مناف بن مسلم
      أديب وكاتب
      • 19-09-2013
      • 72

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
      كلنا عشنا المأساة ك بطريقته
      لامهرب من المكتوب لامفر
      وعيون الأمهات تبقى عالقة بين الدروب
      صباحك ورد ياابن البصرة ثغر العراق الباسم
      الاستاذة الكبيرة عائده محمد نادر
      شرفني حضورك الرائع وكلماتك التي تعكس روحك النقية
      صباحك ورد وياسمين

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        جميلة أستاذي الغالي
        و إحساسك ناصع و حي و قادر على رسم الصورة بكل رتوشها وحوافيها
        و جملتك النثرية لها حضورها الرائق المؤثر
        لكن .. من الغبن أن يضيع ماهنا نتيجة التسرع و انفلات الأخطاء بهذا الشكل الذي يصرف القارئ عنك و أنت أولى به و بعنايته !!!
        ليتك راجعت النص ليستقيم الحال !

        تحياتي أستاذي المبدع
        sigpic

        تعليق

        • مناف بن مسلم
          أديب وكاتب
          • 19-09-2013
          • 72

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
          جميلة أستاذي الغالي
          و إحساسك ناصع و حي و قادر على رسم الصورة بكل رتوشها وحوافيها
          و جملتك النثرية لها حضورها الرائق المؤثر
          لكن .. من الغبن أن يضيع ماهنا نتيجة التسرع و انفلات الأخطاء بهذا الشكل الذي يصرف القارئ عنك و أنت أولى به و بعنايته !!!
          ليتك راجعت النص ليستقيم الحال !

          تحياتي أستاذي المبدع
          الاستاذ الرائع ربيع عقب الباب
          سررت بحضورك الجميل وسررت اكثر بملاحظاتك القيمة
          اكيد سوف اراجع النص محاولا تصحيح الاخطاء الاملائية .
          تحياتي وتقديري
          مناف بن مسلم

          تعليق

          • عائده محمد نادر
            عضو الملتقى
            • 18-10-2008
            • 12843

            #6
            مساء الخير عليك زميلي القدير
            أتمنى عليك أن تشاركنا رؤاك على النصوص المنشورة كخطوة للإرتقاء بالمستوى العام لمنتدى القصة القصيرة وبث روح التعاون بين الأعضاء أديبات وأدباء
            لست مجبرا طبعا لكن عشمي أنكم ستمدون يد العطاء معنا كي نصبح أكثر قوة وذلك لن يتحقق الا حين نقرأ ونكتب ونناقش
            كن بخير زميلي
            تحياتي والف باقة ورد
            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

            تعليق

            يعمل...
            X