اليوم يصل الذي ملّكته قلبها ويملك كلّ حياتها، عزلوه عن العالم بعد تلك العملية الجراحية الناجحة، كانت حياته مهدّدة بالموت لولا تلك المنّة التي هبطت عليه من السماء، صعد اسمه على شاشات الحواسيب معلنة وجود مضخة قد تلائم جسمه وهيئته وسنه، يومها طار إلى بلاد بعيدة وهناك أصلحوا ما لحق به من أضرار. أسرته ميسورة هيأت له فترة نقاهة في تلك البلاد.
لم تفلح كل جهودها لتربط معه اتصالا واحدا، تبيت اللّيالي شارذة الذهن، تائهة في بحار الشوق، الخوف ينخر شجاعتها وطول الأمد يبعثر فيها الصمود. عائلته تنبئها أنه سيعود قريبا، وكلما سألت أفرادها عن أحواله طمأنوها بكلام جميل، إنه بخير فقط يخضع لبعض الكشوفات، وعندما يتأكد بما لا يدع مجالا للرّهبة أن حالته مستقرّة فورها يكون بين يديك كما كان. توسوس لها نفسها أنّهم يخفون عنها مكروها أصابه. تنقبض فيها الروح وتستبد بها الغيرة كلّما تذكرت أنه منذ غادر تراب البلاد لم يسأل عنها ولم يرسل لها رسالة قصيرة ولا طويلة.
منذ الصباح الباكر وهي تهيء نفسها للقائه، استحمت وتطيبت ولبست جديد ثوبها، تحمل باقة زهور تعطر قدومها، تسير بخطوات غير واثقة منذ أن غادرت سيارتها، أرسلت ابتسامة للحارس الذي فتح الباب فوجدته في الحديقة يسير ويجيء على ممرّ مبلّط بين الأشجار والأزهار قبالة البيت وهو ينفث الدخان في السماء كقاطرة بخارية، لم يغيّر وصولها إيقاعه بل واصل مسيره مبتعدا، فتوقفت رجلاها المرتعشتان و قطرات الدمع تهوي على خديها، رجع عندما وصل إلى نهاية الممر، كلما اقترب منها تحاول إقناع نفسها أنه هو، حبيبها، خطيبها، زوجها الذي أصيب بأزمة قلبية مفاجئة أيّاما قليلة قبل حفل الزفاف. تباطأت حركته واتخذت ملامحه ثوب الاستكشاف، رمى سيجارته على بعد خطوتين منها قائلا: " لماذا تبكين، أنت جميلة، قلبي يخبرني أنك امرأة قوية" فردّت عليه و هي تستعد لمعانقته: " ألا تزال تحمل قلبا تملأه الدعابة، ألا تخجل من كل هذه المدّة التي لم تصلني فيها أخبارك، كم أنت شقي يا ..." لم يدعها تكمل وهو يقول: " لا بأس أنا بخير، وهذا هو الأهم، أعرف أن بعض المعجبات يصيبهن الانهيار عند اللقاء ..." انهالت عليه تقبيلا فتراجع إلى الوراء: " تحكمي في نفسك أيتها الصبية، تعرفين أن الصحافة في كل مكان"
حال بينهما رجل غريب، ربما يكون واحدا من معارفه، فهمس في أذنه هيّا ادخل والتزم بما اتفقنا عليه، في الوقت ذاته خرجت أمّه من البيت وهي تصيح في فرحة :" أهلا بحبيبتي، متى جئت ؟ كنت أنتظر منك اتصالا، هيا ادخلي، وامسحي دموعك، فاليوم نحن نحتفل بعودة ابني.
لكن الشاب صاح في وجه الجميع، " هذا هراء، لست ابنك أيتها العجوز، لن أتمادى في تمثيل هذه المسرحية، أما أنت أيتها الصبيّة الجميلة فلا تشاركي معهم في هذه التمثيلية الهزلية، أعرف أنّك واحدة من المعجبات، وقد رسمت لك لوحة جميلة، فصورتك لم تغادر ذهني رغم أنّني لا أتذكر متى وأين وكيف؟ كل هذه الوجوه غريبة عني إلا أنت"، فردّت عليه: " ماذا أسمع ؟ هل أصبت بالجنون، يا خيبتي! و يا لسوء حظي! حبيبي ضاع وحياتي في مهب التيه."
طرق الشاب رأسه قليلا فرد عليها: "ليس بي جنّة و ماأضعت رشدي، فقط أنتم ترغمونني على قبول أشياء غير منطقية، لست زوجك، ولا حبيبك وإن كنت لا أخفي أنك قريبة مني"
تدخل الغريب قائلا:" اسمعوني قليلا، أنا من الطاقم الطبي الذي يشرف على الصحّة الجسدية والنفسية لابنكم، بعد إجراء العملية، اكتشفنا أن القلب الذي تمت زراعته في جوفه سيطر عليه، فهو أقوى من أجهزته جميعها، وجسمه يحاول التأقلم معه وجعله ينضبط مع بقية الأعضاء في توازن جديد، وهي عملية تحتاج بعض الوقت. تتبّعنا مسار القلب فوجدناه لفنان تشكيلي ذو شهرة في بلدته وله الكثير من المعجبين عبر العالم، لذلك فتصرفات ابنكم فيها جزء من شخصيته، فلابد من التضحية بعض الشيء."
فقال له الشاب: "أيها المخادع ألم تحدّثني أننا سنشارك في برنامج هزلي مع بعض الممثلين؟" أجابه الطبيب: "عذرا فنحن نخلق بعض العوالم لتجنب الصدمات"
وضعت وجهها في يديها وهي ترجع أدراجها دون أن تبوح بلفظة، وفي نفسها تضطرب الحقائق، "آه إن استرجع ذلك القلب المشؤوم ذاكرته كاملة. آه إن تذكّر أين ومتى وكيف ؟
لم تفلح كل جهودها لتربط معه اتصالا واحدا، تبيت اللّيالي شارذة الذهن، تائهة في بحار الشوق، الخوف ينخر شجاعتها وطول الأمد يبعثر فيها الصمود. عائلته تنبئها أنه سيعود قريبا، وكلما سألت أفرادها عن أحواله طمأنوها بكلام جميل، إنه بخير فقط يخضع لبعض الكشوفات، وعندما يتأكد بما لا يدع مجالا للرّهبة أن حالته مستقرّة فورها يكون بين يديك كما كان. توسوس لها نفسها أنّهم يخفون عنها مكروها أصابه. تنقبض فيها الروح وتستبد بها الغيرة كلّما تذكرت أنه منذ غادر تراب البلاد لم يسأل عنها ولم يرسل لها رسالة قصيرة ولا طويلة.
منذ الصباح الباكر وهي تهيء نفسها للقائه، استحمت وتطيبت ولبست جديد ثوبها، تحمل باقة زهور تعطر قدومها، تسير بخطوات غير واثقة منذ أن غادرت سيارتها، أرسلت ابتسامة للحارس الذي فتح الباب فوجدته في الحديقة يسير ويجيء على ممرّ مبلّط بين الأشجار والأزهار قبالة البيت وهو ينفث الدخان في السماء كقاطرة بخارية، لم يغيّر وصولها إيقاعه بل واصل مسيره مبتعدا، فتوقفت رجلاها المرتعشتان و قطرات الدمع تهوي على خديها، رجع عندما وصل إلى نهاية الممر، كلما اقترب منها تحاول إقناع نفسها أنه هو، حبيبها، خطيبها، زوجها الذي أصيب بأزمة قلبية مفاجئة أيّاما قليلة قبل حفل الزفاف. تباطأت حركته واتخذت ملامحه ثوب الاستكشاف، رمى سيجارته على بعد خطوتين منها قائلا: " لماذا تبكين، أنت جميلة، قلبي يخبرني أنك امرأة قوية" فردّت عليه و هي تستعد لمعانقته: " ألا تزال تحمل قلبا تملأه الدعابة، ألا تخجل من كل هذه المدّة التي لم تصلني فيها أخبارك، كم أنت شقي يا ..." لم يدعها تكمل وهو يقول: " لا بأس أنا بخير، وهذا هو الأهم، أعرف أن بعض المعجبات يصيبهن الانهيار عند اللقاء ..." انهالت عليه تقبيلا فتراجع إلى الوراء: " تحكمي في نفسك أيتها الصبية، تعرفين أن الصحافة في كل مكان"
حال بينهما رجل غريب، ربما يكون واحدا من معارفه، فهمس في أذنه هيّا ادخل والتزم بما اتفقنا عليه، في الوقت ذاته خرجت أمّه من البيت وهي تصيح في فرحة :" أهلا بحبيبتي، متى جئت ؟ كنت أنتظر منك اتصالا، هيا ادخلي، وامسحي دموعك، فاليوم نحن نحتفل بعودة ابني.
لكن الشاب صاح في وجه الجميع، " هذا هراء، لست ابنك أيتها العجوز، لن أتمادى في تمثيل هذه المسرحية، أما أنت أيتها الصبيّة الجميلة فلا تشاركي معهم في هذه التمثيلية الهزلية، أعرف أنّك واحدة من المعجبات، وقد رسمت لك لوحة جميلة، فصورتك لم تغادر ذهني رغم أنّني لا أتذكر متى وأين وكيف؟ كل هذه الوجوه غريبة عني إلا أنت"، فردّت عليه: " ماذا أسمع ؟ هل أصبت بالجنون، يا خيبتي! و يا لسوء حظي! حبيبي ضاع وحياتي في مهب التيه."
طرق الشاب رأسه قليلا فرد عليها: "ليس بي جنّة و ماأضعت رشدي، فقط أنتم ترغمونني على قبول أشياء غير منطقية، لست زوجك، ولا حبيبك وإن كنت لا أخفي أنك قريبة مني"
تدخل الغريب قائلا:" اسمعوني قليلا، أنا من الطاقم الطبي الذي يشرف على الصحّة الجسدية والنفسية لابنكم، بعد إجراء العملية، اكتشفنا أن القلب الذي تمت زراعته في جوفه سيطر عليه، فهو أقوى من أجهزته جميعها، وجسمه يحاول التأقلم معه وجعله ينضبط مع بقية الأعضاء في توازن جديد، وهي عملية تحتاج بعض الوقت. تتبّعنا مسار القلب فوجدناه لفنان تشكيلي ذو شهرة في بلدته وله الكثير من المعجبين عبر العالم، لذلك فتصرفات ابنكم فيها جزء من شخصيته، فلابد من التضحية بعض الشيء."
فقال له الشاب: "أيها المخادع ألم تحدّثني أننا سنشارك في برنامج هزلي مع بعض الممثلين؟" أجابه الطبيب: "عذرا فنحن نخلق بعض العوالم لتجنب الصدمات"
وضعت وجهها في يديها وهي ترجع أدراجها دون أن تبوح بلفظة، وفي نفسها تضطرب الحقائق، "آه إن استرجع ذلك القلب المشؤوم ذاكرته كاملة. آه إن تذكّر أين ومتى وكيف ؟
تعليق