مازلت أذكر كيف كان تلميذ الإبتدائي في السبعينات لا يحمل في محفظته سوى قطعة طباشير و لوحة للكتابة ,
كان رغم فقره , و ظروفه الصعبة , يحصّل العلم و المعرفة ,و يعود الفضل في ذلك الى معلمه الحريص على نجاحه, و تفوقه ,
حيث كان لا يتوانى في معاقبته , بعصا قدّت خصيصا من أغصان شجر الزيتون عند تخلفه عن الدرس , أو عند عدم قيامه بفروضه المنزلية.. كان العقاب عادة ما يكون خمسة ضربات متتالية على رؤوس أصابعه الخمسة , بعد أن يأمره بتجميعها . فهو العقاب الأشد بالنسبة لنا كتلاميذ , إذ يصل البعض منا إلى درجة التبول من شدة الخوف , و كان العقاب الأمثل بالنسبة للمعلم , فهو طريحة (نباشة القبور ) كما يقال عندنا بالتونسي لن يكرر بعدها التلميذ لا الغياب , و لا عدم القيام بالفرض المنزلي ..
كان التلميذ في تلك الحقبة ,لا خيار له سوى الامتثال لأوامر المعلم , حتى عندما يشتكي من غطرسة معلمه لأبيه فهو لن يجد من هذا الأخير سوى اللامبالات , أو قد يزور المعلم في أحسن الحالات بالمدرسة , ليس من باب الدفاع عن إبنه ,و لكن لمزيد تحريض المعلم عليه ,حيث عادة ما يخاطب معلم ابنه قائلا:
( أضرب ليه) حاسبني بجلده أريده أن يصبح رجلا ...هكذا كانت الدراسة , قاسية لا شكوى لا للأب , لا للأم , و لا لخال , و لا لخالة و لا وجود لمنظمة إسمها اليونيسيف تدافع عن حقوق الطفل . كان بورقيبة حينها يشدد الرقابة على المعلمين ,و الأساتذة أكثر مما يشددها على قصره ,و على نفسه , و حكمه و يردد باكيا في كلماته أمام المواطنين أريد أن يكون شعبي مثقفا ... كان بورقيبة في ذلك الوقت , على قلة ميزانية البلاد الخارجة لتوها من مستنقع الاحتلال الفرنسي , يوفر لتلاميذ المدارس الإبتدائية المؤونة مع بعض الملبس , حيث كان حارس المدرسه رحمه الله يقدم لنا فطورا صباحيا ,يتمثل في قطعة خبز مع كأس من حليب .أما الغداء فعادة ما يكون سندويتشا (كسكروت). أما الملبس الذي تقدمه الدولة لتلميذ المدرسة , فهو عادة ما يكون أحذية , أو قمصان مدرسية , و أذكر ذات مرة كيف أن صديقي (الفرجاني) البالغ من العمر سبعة سنوات أنذاك , حين سمع عن عزم إدارة المدرسة على توزيع الأحذية ذات يوم , بادر بإلقاء حذائه القديم في الواد , و واصل طريقه إلى المدرسة حافيا , ليمثل أمام مدير المدرسة حافي القدمين , ويحصل على حذاء , ثم يعود في المساء إلى البيت متباهيا متفاخرا أمامنا بذكائه و بحذائه الجديد...
أما تلميذ اليوم , فحدث لا حرج فهو الذي يطرق باب غرفة نوم أبيه في الصباح الباكر, يوما بعد يوم سائلا : أبي المعلم قال لنا بالأمس يجب أن نشتري قصة الثلعب و الديك ,و قصة الدجاجة التي تبيض ذهبا ..أبي المعلم قال لنا يجب أن نشتري رواية الأميرة النائمة, كتاب النحو , كتاب الصرف , وكتاب و كتاب... حتى اختنقت محفظته بالكتب , الشيء الذي جعلها تتحول تدريجيا من محفظة تلميذ , إلى حقيبة سفر مجرورة بعجلتين توحي لنا بأن تلميذنا قد صار ذاهبا إلى المطار للسفر و ليس إلى المدرسة , و أي سفر أنه السفر نحو هاوية , نحو تعليم أفرز جيلا حقق لنا السلم , حتى لا نقول الإرهاب ..
كان رغم فقره , و ظروفه الصعبة , يحصّل العلم و المعرفة ,و يعود الفضل في ذلك الى معلمه الحريص على نجاحه, و تفوقه ,
حيث كان لا يتوانى في معاقبته , بعصا قدّت خصيصا من أغصان شجر الزيتون عند تخلفه عن الدرس , أو عند عدم قيامه بفروضه المنزلية.. كان العقاب عادة ما يكون خمسة ضربات متتالية على رؤوس أصابعه الخمسة , بعد أن يأمره بتجميعها . فهو العقاب الأشد بالنسبة لنا كتلاميذ , إذ يصل البعض منا إلى درجة التبول من شدة الخوف , و كان العقاب الأمثل بالنسبة للمعلم , فهو طريحة (نباشة القبور ) كما يقال عندنا بالتونسي لن يكرر بعدها التلميذ لا الغياب , و لا عدم القيام بالفرض المنزلي ..
كان التلميذ في تلك الحقبة ,لا خيار له سوى الامتثال لأوامر المعلم , حتى عندما يشتكي من غطرسة معلمه لأبيه فهو لن يجد من هذا الأخير سوى اللامبالات , أو قد يزور المعلم في أحسن الحالات بالمدرسة , ليس من باب الدفاع عن إبنه ,و لكن لمزيد تحريض المعلم عليه ,حيث عادة ما يخاطب معلم ابنه قائلا:
( أضرب ليه) حاسبني بجلده أريده أن يصبح رجلا ...هكذا كانت الدراسة , قاسية لا شكوى لا للأب , لا للأم , و لا لخال , و لا لخالة و لا وجود لمنظمة إسمها اليونيسيف تدافع عن حقوق الطفل . كان بورقيبة حينها يشدد الرقابة على المعلمين ,و الأساتذة أكثر مما يشددها على قصره ,و على نفسه , و حكمه و يردد باكيا في كلماته أمام المواطنين أريد أن يكون شعبي مثقفا ... كان بورقيبة في ذلك الوقت , على قلة ميزانية البلاد الخارجة لتوها من مستنقع الاحتلال الفرنسي , يوفر لتلاميذ المدارس الإبتدائية المؤونة مع بعض الملبس , حيث كان حارس المدرسه رحمه الله يقدم لنا فطورا صباحيا ,يتمثل في قطعة خبز مع كأس من حليب .أما الغداء فعادة ما يكون سندويتشا (كسكروت). أما الملبس الذي تقدمه الدولة لتلميذ المدرسة , فهو عادة ما يكون أحذية , أو قمصان مدرسية , و أذكر ذات مرة كيف أن صديقي (الفرجاني) البالغ من العمر سبعة سنوات أنذاك , حين سمع عن عزم إدارة المدرسة على توزيع الأحذية ذات يوم , بادر بإلقاء حذائه القديم في الواد , و واصل طريقه إلى المدرسة حافيا , ليمثل أمام مدير المدرسة حافي القدمين , ويحصل على حذاء , ثم يعود في المساء إلى البيت متباهيا متفاخرا أمامنا بذكائه و بحذائه الجديد...
أما تلميذ اليوم , فحدث لا حرج فهو الذي يطرق باب غرفة نوم أبيه في الصباح الباكر, يوما بعد يوم سائلا : أبي المعلم قال لنا بالأمس يجب أن نشتري قصة الثلعب و الديك ,و قصة الدجاجة التي تبيض ذهبا ..أبي المعلم قال لنا يجب أن نشتري رواية الأميرة النائمة, كتاب النحو , كتاب الصرف , وكتاب و كتاب... حتى اختنقت محفظته بالكتب , الشيء الذي جعلها تتحول تدريجيا من محفظة تلميذ , إلى حقيبة سفر مجرورة بعجلتين توحي لنا بأن تلميذنا قد صار ذاهبا إلى المطار للسفر و ليس إلى المدرسة , و أي سفر أنه السفر نحو هاوية , نحو تعليم أفرز جيلا حقق لنا السلم , حتى لا نقول الإرهاب ..
تعليق