رسالتي،
منذ زمن لم تكتب يدي رسالة، ليس لأنّ الهاتف أحرق الأوراق والأقلام فقط، بل لأنّ قلبي احترق و رسائلي تحبّ أن تكون أحيانا حارقة، كثيرة هي الرسائل التي أضاءت شعلتها دروبي، ومنحتني الكثير من العون و أمدّتني بزاد تهفو له نفسي لتواصل المسير، ولأنّي لست من المخلصين للماضي، يأتي عليّ حين من الدهر أستمتع بحرق تلك الأوراق التي تقصّ امتداد براءتي و تقلّص حجمها، أحرقها وبعض الأسف بنبض في أعماقي، رغم أن شعلتها لا تكاد تبدأ حتى تلتهم تلك السطور لكنّ رمادها لا تتخلص منه روحي بسهولة، لا أخفي أن مهارتي في كتابة الرسائل كانت محترمة، كما لا أخفي أن الكثير منها مزقتها قبل الإرسال لأنّ وقعها توقعته مدّمرا، لن يكون طبعا حامل لوعة لمن حضنها فقط بل سترتجّ لها أساسياتي في الحياة.
لماذا أكتبك أيتها الرّسالة وقد مضى عهدك و بهت ضياء نجمك وتضاءلت قيمة مجدك في قاموسي و ليس فقط في قواميس من يعيش العصر الجديد، أكتب إليك أيتها الرسالة لأقول لك أن الوداع رغم مرارته خير من انتظار لا يجدي نفعا، رغم أن شغفي بك لايزال إيقاعه مستميتا في تسارعه، فلن يوقف هذا الهطول الزائد غير وداع يقول له أنت لا تزال صبيا لا تعرف كم قاسيت في ترويض طيشك، وكم أسأت إليّ عن غير قصد وأنت تؤدي رسالتك في الحياة.
نعم بلغت من اليقين ما أخاصم فيه الرسائل، كيف لا وهي من تذيقني من السياط قدر ما أذاقتني من كؤوس الّلذة، ليس من الحكمة أن تمتد يدك لتغصب وردة من منبتها فقط لأنك رأيتها فوّاحة بل أخّاذة، ليس من الحلم أن تهتك عذرية قلب نديّ، يكفي ما اقترفته رجلاك قبل يديك يا محب الرسائل.
الكثيرون ينتهكون براءة الرسائل ليلا ونهارا، يكرهونها أن تكون رسل هوسهم و وساوسهم وما تحسبه أنفسهم ذات غفلة من حسن الصّنائع وبديع الأفعال، جئت اليوم أيتها الرسالة طالبا للغفران ممّا نوته نفسي في هلوساتها، أعتذر فأنا لست منفلوطي التعبير، ولست جبراني التحرير، ما أنا إلا شخص يؤمن بقدسية الرسالة، أرى الرسالة إن لم تستطع أن تحمل من السلام أضعاف ما تحمله من فرح يبدّله الزمن ترحا، فلن تستطيع إعادة الأمن إلى قلب لامسها.
من شيم الحياة أن تبحث الروح عن مؤنس لخيبتها ونكستها، وكلنا لا نسلم من تلك العادات، وهكذا تسير بنا الظنون صوب خيبات أخرى متى تباطأت فينا القدرة على التكيّف واعتبار الخيبة جزءا منّا، وتحمّل تبعات الاختيار، ليس سهلا أن تفارق الرسائل ما دمت مؤمنا بجدواها، و ما دامت الحياة لا تستقيم بلا رسالة. لكن الحزن إن استوطن النّفس فلابد من تغيير الإيقاع والبحث عن إخلاص جديد للرسالة يكون فيها خلاص للروح.
كنت في الزمن الماضي حافظ أسرار حقيقي، كان قلبي قبلة أسرار للكثيرين، و لست أدري مدى صحة قول العجوز في التيتانيك قلب المرأة يسع محيطا من الأسرار، لكن الحقيقة أنّني لم أجد من اللائي تعاملت معهن ما يفترى في حقّ النساء. قد يكون الأمر متعلقا بصدفة، أو هكذا هنّ النساء. لا يهم، يوجد في الرّجال أيضا من معدنه من فضّة و لن تجد فيه قطرة نحاس، أنا لا أستطيع إلا أن أحفظ سرك أيتها الرسالة في قلبي و أرجو لك من السلام ما يحفظك من الاحتراق، فإن أصابك ما به تحترق السطور، فأتمنى أن تكوني على قدر المسؤولية و تعلمي لماذا لا يوجد مكان للرسائل غير القلوب.
رسالتي أستودعك قلبي.
تعليق