ذاكرة مبعثرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسن لشهب
    أديب وكاتب
    • 10-08-2014
    • 654

    ذاكرة مبعثرة

    ذاكرة مبعثرة

    أحدهم ساعده على ارتداء معطفه الأسود، وانحنت امرأة شابة تساعده على وضع قدميه المتعبتين داخل الحذاء المثقل بالمسافات ومخلفات الأيام …
    كعادته كان صامتا مستغرقا في عالمه الداخلي، لمح ابتسامتها، كانت تلبس عباءتها المراكشية الخضراء...
    هكذا يتذكرها دائما !!!
    تعلو وجهه ابتسامة، وكأنه يستعيد حيويته من ابتسامتها... بكل هدوء تستقبله صدفته المغلقة ، تحميه من مكر الزمن والفراغ المهيمن على الذهن والمكان…
    هو عالمه السري الدافئ...
    لم يكن يرغب في إشراك أحد معه في هذه الأحلام... بلا جدوى يسألونه، يحاولون اقتحام صمته، ...وكأن الكلام غاب عن لسانه بإصرار...
    يحرك رأسه أحيانا، وأحيانا يكتفي بالإيماء...
    يتذكرها، فتغمره سعادة الكون كله………
    يحاصرها بناظريه، يسيج صورتها برموشه، كالحراب تحميها من مكر اللحظات وألاعيب الذاكرة…
    شيء ما سرق منه الرغبة في الحياة !!
    كأنها رحلت لغاية ما، وعم الجليد حنايا الفؤاد والمدينة وكل الأشياء والناس.
    أحيانا يعتقد أن الأمور كانت هكذا دائما، الحاضرون بلا حضور، والغائبة تملأ الكون، ويغمر القلب شوق حزين.
    - عد بسرعة، نحن نقلق كلما تأخرت في العودة …
    هكذا قالت المرأة الشابة التي ألبسته الحذاء.
    يا لها من امرأة لطيفة !
    نظر إلى من يحيطون به ….
    غرباء؟ مجرد غرباء؟…
    بنظراتهم حنان غريب غير مفهوم !!...
    تذكره المسافات بألم قدميه ، بثقل المعطف فوق كتفيه... يحلم بالعيش بين وجوه مألوفة ...ولكن كل شيء صار بلا معنى أو يكاد، وسادت الأيام ولحظات الزمن رتابة كالموت أو يكاد...
    هكذا هي الأماني والأيام، متفاوتة ككفتي ميزان. عسى أن يحدث ما يعيد للأيام حركيتها وللزمن رونقه…
    من يكون هؤلاء الناس؟ بأعينهم حنان الكون كله...
    يوما ما حمله الشاب الذي ألبسه المعطف من الشارع حين سقط بين جموع الناس !
    وحدها نظراتها وهي تلبس العباءة الخضراء تعيد لروحه بعضا من حياة…
    وهذه المدينة هادئة مثل مقبرة…مغرية كالموت…
    يتنهد بحرقة، يخفف عن ذاته ضيق اللحظات، ولا يدفئ أيامه وفضاءاته إلا تذكر لحظات جمعتهما في أماكن لم ينس تفاصيلها رغم عتمة الذكرى.
    حسرة ما كانت تغزو ذاته كلما حمل اللقمة ولاحظ غيابها. !؟
    يشعر بها تخاطبه…
    - دع عنك الهم والكآبة وابتسم للحياة
    كانت تقول له.
    يجيبها والقلب يرتجف..
    - يشق علي إكمال الرحلة، والوهن غزا كل أنحاء جسدي يا رفيقة.
    لم أعد أدرك وأتبين ما يجري، هل هو الحلم أم الحقيقة !؟
    والناس كالأشياء فقدت نكهتها …وما زلت لا أقوى على تناول ما يقدم لي من طعام …
    أنت هناك...
    بعيدة وقريبة، وأنا هنا بين أناس لا أعرفهم، فكيف تحلو اللقمة وأنت غائبة.

    كيف لها أن تكون كذلك وأنت بعيدة؟ !
    ومن حيث لا يدري سالت فوق خديه دمعتان، وخر فوق الطاولة بلا حراك.


    حسن لشهب
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    كجدلية الحياة والموت
    نموت أحيانا ونحن على الأرض نمشي
    أقولها دائما نحن أموات تمشي على أقدامها
    تصور
    لأننا فقدنا حسنا ورغبتنا بالحياة لقسوتها وبرودتها والجور الذي طغى
    نكتب الوجع ونتلذذ ونحن نقرأه على صفحات الوجوه والورق
    نعذب أنفسنا ونجلدها لأننا استطبنا العذاب
    مودتي لك
    يبدو أني كنت أهذي
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • سوسن مطر
      عضو الملتقى
      • 03-12-2013
      • 827

      #3

      ..

      " .. يوما ما حمله الشاب الذي ألبسه المعطف من الشارع حين سقط بين جموع الناس !
      وحدها نظراتها وهي تلبس العباءة الخضراء تعيد لروحه بعضا من حياة… "
      " الحاضرون بلا حضور، والغائبة تملأ الكون، ويغمر القلب شوق حزين."

      هناك شِعريّة تعانق الحروف ..
      وكأنّه العشق وحده -هنا- هو الذي جعل الدنيا
      قبراً موحِشاً إلا من ضياءٍ وحيد.

      جميل جداً ومؤثِّر ...
      تحيّة عطرة لنقائكم

      ..

      تعليق

      • حسن لشهب
        أديب وكاتب
        • 10-08-2014
        • 654

        #4
        هي حالات صارت تتكاثر بفعل الشيخوخة وضغوطات الحياة ،صرنا نعايشها وتتفاعل معها وبكل تأكيد نجزم بأن كل شيء قابل للنسيان إلا العشق الحقيقي الذي يبقى متجذرا في العقل والوجدان .إنه إكسير الحياة الذي يغذي أرواحنا ويجعل الحياة تستحق بالفعل أن تعاش.
        سلمت سيدتي الكريمة
        شكرا لمرورك الراقي
        كوني بخير.

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          حتى الروح .. يرمم انكسارها !
          هكذا رأيت عن كثب .. و لكن هل بالفعل ترمم الروح أم هو الوهم يصور لنا ماليس له وجود ؟
          و ما رأيت سوى قشور خارجية لنفوس أضناها الإنكسار !
          المجد للذاكرة إذا التي لم تتخل عن مخرونها الأجمل
          ربما صيانة لها هي على وجه الخصوص
          وربما كانت صيانة و حفاظا على كائنها الذي أمدها بهذا المخزون !
          النفس تاقت لخلاصها بلا ريب
          و انقطعت إليه .. له وحده .. و لن يخرجها إلا معجزة قد تكون و قد لا
          و لكن هنا .. كان التوق الشاغل هو الذي وضع النهاية !

          وجبة شجية و لغة رقيقة حميمة
          و نفس ألمني انكسارها ( بالطبع ليس من فراغ فوراء السرد سرد آخر ربما يتحقق في نص آخر ! )

          تحياتي أستاذي الغالي
          sigpic

          تعليق

          • عائده محمد نادر
            عضو الملتقى
            • 18-10-2008
            • 12843

            #6
            مساء الور زميلي الغالي
            أتمنى عليك أن تشاركنا رؤاك على النصوص المنشورة كخطوة للإرتقاء بالمستوى العام لمنتدى القصة القصيرة وبث روح التعاون بين الأعضاء أديبات وأدباء
            لست مجبرا طبعا لكن عشمي أنكم ستمدون يد العطاء معنا كي نصبح أكثر قوة وذلك لن يتحقق الا حين نقرأ ونكتب ونناقش
            كن بخير زميلي
            تحياتي والف باقة ورد
            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

            تعليق

            • حسن لشهب
              أديب وكاتب
              • 10-08-2014
              • 654

              #7
              هو كذلك كما تفضلت أستاذة سوسن كل شيء إلى زوال ويبقى العشق صامدا يقاوم كأنه الماهية . نحن الموجودون فقط من أجل الموت.
              شكرا لمرورك الوارف .
              كوني بخير وسعادة.

              تعليق

              يعمل...
              X