من وراء الإطار..

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • فاكية صباحي
    شاعرة وأديبة
    • 21-11-2009
    • 790

    من وراء الإطار..




    كثيرا ما ترسمنا ريشةُ الآخرين بإتقان مغلق ..إذ لا يبدو من وجوهنا إلا ما أراد الآخرُ أن يبرزه، أو يظهر فنياته على حدّهِ ..لتضيع كل تفاصيلنا بين لحظة أنانية محضة ،وبريق زائف ما يلبث أن يخبو..
    وكم تتوه بنا الخطى ونحن نبحث عنا بهوامش الآخرين إطارا بدون صورة ..لأن صورتنا الحقيقة لا يعرف دواخلها إلا نحن......
    تماما كجراحاتنا التي تظل تنزّ بصدورنا في صمت موجع..

    ولا يمكن أن تراها إلا قلوبُـنا ..حتى وإن شُل بصرُنا لحظيا ببهرج صورة قد يُبهرنا زيفُ وهجها للوهلة الأولى..لكننا سرعان ما نصحو وننفضَ عنا غبار الوجوم لنبحث بإصرار مرير عن صورتنا الحقيقية..حتى وإن كانت بالية المظهر باهتة الإطار....


    وقد يكون الآخر أقربَ إلينا من حبل الوريد..لكننا يستحيل أن نرى ماهية صورته؛ لأنها تقبع بذاته وجها غافيا ..قد يلبس ألف لون ولون ليضللنا بما يريد أن يظهره هو فحسب..
    بينما تبقى حقيقته خيوطا متشابكة الرؤوس ،، غائرة النهايات

    لتعجز أيدينا عن فكّها مهما اجتهدتْ إذا ما وهنَ النبضُ مناّ خلف تشكيل وجه صورة من غموض أخرى ،، وقد عبث بألقها زيفُ الألوان ..لتبدو لنا مُجزّأة ما تكاد تُـكمل منها هذه نقص تلك؛

    حتى تنحني تمزقا أنّى لتعرّج شظاياه أن يعيد لها ما تناثر منها عبر محطات الترحل الباردة، وهي تلهث خلف لحظة تجمّل
    هاربة من صقيع الإطار..

    فما أوجع أنات صورنا الصامتة وهي قابعة وحيدة وراء إطار أتقن رسم وجه حاضرها مجردا من خيوط الذكريات الشفيفة تماما كالمرآة التي تتوهج صورُنا بداخلها خيالات صماء تتأرجح بهام الفراغ..ذاك الذي لا ندري كم سنظل عالقين به بحثا عمن يكملنا ونحن نرى أنفسنا مجرد قطعٍ متناثرةٍ أنّى لبهاء الإطار أن يجمع شتاتها
    من مجموعة "الخيط الرفيع "

  • سعد الأوراسي
    عضو الملتقى
    • 17-08-2014
    • 1753

    #2
    الله .. يا سارية ، .. الجبل
    استحضر السؤال بيئته ، و اتفق
    أهلا بعبق الحرف والثرى أهلا ..
    يتعمق الرمز هنا أيضا في المفردة الصورية
    وجدلية الإطار وما يحيط به ..
    وقد تمكنتْ مراحلك البنائية من زمنية الملمح ومستودع
    ورائه ..
    تشوقت لقراءة ، مجموعة ، الخيط الرفيع
    لأرجع على شعرة هربت من المثبت بعد التسريح
    لنصك هذا ..
    تحيتي وتقديري

    تعليق

    • حسين ليشوري
      طويلب علم، مستشار أدبي.
      • 06-12-2008
      • 8016

      #3
      أهلا بك "فاكية صباحي" وسهلا ومرحبا.

      ثم أما بعد، هذا النص هو إلى الخاطرة أقرب منه إلى القصة، بل لا قصة أصلا إلا قصة نفس مضطربة لم تتصالح مع نفسها.
      ذكرتني "قصتك" هذه برواية لكاتب يهودي/أمريكي بعنوان "الحياة المضادة" (
      La Contrevie)، قرأتها منذ مدة طويلة، وهي تحكي "تشظي" نفس البطل بين شخصيته الأمريكية وحنينه إلى القدس، وإن هذا "التشظي" يحكي مأساة الانفصام في الشخصية وقلق النفس واضطرابها وهو ما يتنافى تماما مع التربية الإسلامية التي تسعى إلى تكوين الشخصية السوية المتزنة.

      لست أدري لماذا راح ذهني يربط بين نصك هنا ونص أخينا العزيز سعد (بوبكر) الأوراسي:"
      بين الإطار وخارجــــــه .." والذي قرأتِه وعلقتِ عليه هناك، ولذا أحيلك على ردي رقم#9 فيه.

      مع أخلص التحيات.

      sigpic
      (رسم نور الدين محساس)
      (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

      "القلم المعاند"
      (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
      "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
      و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة فاكية صباحي مشاهدة المشاركة



        كثيرا ما ترسمنا ريشةُ الآخرين بإتقان مغلق ..إذ لا يبدو من وجوهنا إلا ما أراد الآخرُ أن يبرزه، أو يظهر فنياته على حدّهِ ..لتضيع كل تفاصيلنا بين لحظة أنانية محضة ،وبريق زائف ما يلبث أن يخبو..
        وكم تتوه بنا الخطى ونحن نبحث عنا بهوامش الآخرين إطارا بدون صورة ..لأن صورتنا الحقيقة لا يعرف دواخلها إلا نحن......
        تماما كجراحاتنا التي تظل تنزّ بصدورنا في صمت موجع..


        ولا يمكن أن تراها إلا قلوبُـنا ..حتى وإن شُل بصرُنا لحظيا ببهرج صورة قد يُبهرنا زيفُ وهجها للوهلة الأولى..لكننا سرعان ما نصحو وننفضَ عنا غبار الوجوم لنبحث بإصرار مرير عن صورتنا الحقيقية..حتى وإن كانت بالية المظهر باهتة الإطار....


        وقد يكون الآخر أقربَ إلينا من حبل الوريد..لكننا يستحيل أن نرى ماهية صورته؛ لأنها تقبع بذاته وجها غافيا ..قد يلبس ألف لون ولون ليضللنا بما يريد أن يظهره هو فحسب..
        بينما تبقى حقيقته خيوطا متشابكة الرؤوس ،، غائرة النهايات


        لتعجز أيدينا عن فكّها مهما اجتهدتْ إذا ما وهنَ النبضُ مناّ خلف تشكيل وجه صورة من غموض أخرى ،، وقد عبث بألقها زيفُ الألوان ..لتبدو لنا مُجزّأة ما تكاد تُـكمل منها هذه نقص تلك؛

        حتى تنحني تمزقا أنّى لتعرّج شظاياه أن يعيد لها ما تناثر منها عبر محطات الترحل الباردة، وهي تلهث خلف لحظة تجمّل
        هاربة من صقيع الإطار..

        فما أوجع أنات صورنا الصامتة وهي قابعة وحيدة وراء إطار أتقن رسم وجه حاضرها مجردا من خيوط الذكريات الشفيفة تماما كالمرآة التي تتوهج صورُنا بداخلها خيالات صماء تتأرجح بهام الفراغ..ذاك الذي لا ندري كم سنظل عالقين به بحثا عمن يكملنا ونحن نرى أنفسنا مجرد قطعٍ متناثرةٍ أنّى لبهاء الإطار أن يجمع شتاتها
        من مجموعة "الخيط الرفيع "

        تعجبني رحلة البحث عن الذات لأنها عادة ماتأتي لنا بالحقيقة
        لكن القص هنا ضاع منك ولم تعطه حقه
        ربما تفصيلة صغيرة كانت ستعطي القصة ذاك الوجود والألق الذي نبتغيه
        النص اقترب من المونولوج الذاتي وابتعد عن القصة لكنه رحلة تناثرت الروح فيها
        وبكل الأحوال أحببت بوحك ووجودي معك
        كوني بخير غاليتي ومساء الورد
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • فاكية صباحي
          شاعرة وأديبة
          • 21-11-2009
          • 790

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة سعد الأوراسي مشاهدة المشاركة
          الله .. يا سارية ، .. الجبل
          استحضر السؤال بيئته ، و اتفق
          أهلا بعبق الحرف والثرى أهلا ..
          يتعمق الرمز هنا أيضا في المفردة الصورية
          وجدلية الإطار وما يحيط به ..
          وقد تمكنتْ مراحلك البنائية من زمنية الملمح ومستودع
          ورائه ..
          تشوقت لقراءة ، مجموعة ، الخيط الرفيع
          لأرجع على شعرة هربت من المثبت بعد التسريح
          لنصك هذا ..
          تحيتي وتقديري
          نعم أديبنا الكريم ..سعد الأوراسي
          كثيرا ما تكبّل مساعي المرء تلك الأطر التي يقيّديه بها إجحاف الآخر
          ليبقى يراوح في دائرة مغلقة ما يلبث أن ينفلت منها كخيوط النور
          حتى يحرر ذاته من قبضة الآخرين..
          وهم يحاولون تشكيلها على مقاس مصالحهم الخاصة
          تماما كما تنفلت شعرةٌ من سطوة المثبت..
          حتى تؤكد بأنها تستمد قوتها من ضآلتها
          أسعدني طيب ما وقعت
          ولك مني مفردات الثناء

          تعليق

          • فاكية صباحي
            شاعرة وأديبة
            • 21-11-2009
            • 790

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة
            أهلا بك "فاكية صباحي" وسهلا ومرحبا.

            ثم أما بعد، هذا النص هو إلى الخاطرة أقرب منه إلى القصة، بل لا قصة أصلا إلا قصة نفس مضطربة لم تتصالح مع نفسها.
            ذكرتني "قصتك" هذه برواية لكاتب يهودي/أمريكي بعنوان "الحياة المضادة" (
            La Contrevie)، قرأتها منذ مدة طويلة، وهي تحكي "تشظي" نفس البطل بين شخصيته الأمريكية وحنينه إلى القدس، وإن هذا "التشظي" يحكي مأساة الانفصام في الشخصية وقلق النفس واضطرابها وهو ما يتنافى تماما مع التربية الإسلامية التي تسعى إلى تكوين الشخصية السوية المتزنة.

            لست أدري لماذا راح ذهني يربط بين نصك هنا ونص أخينا العزيز سعد (بوبكر) الأوراسي:"
            بين الإطار وخارجــــــه .." والذي قرأتِه وعلقتِ عليه هناك، ولذا أحيلك على ردي رقم#9 فيه.

            مع أخلص التحيات.


            مرحبا بأستاذنا الكبير وأديبنا النحرير حسين ليشوري
            وأراني جد ممتنة لفيض منك انهمر نميرا و روّى جنبات النص الذي أعتبره أنا أيضا خاطرة كما تفضلت ..لأنني أعرف ـــ أعزك الله ـــ مقومات القصة جيدا
            فكثيرة هي السبل التي يتنكّبها الأديب حتى يعالج قضية ما ومنها الخاطرة التي قد تحاوط الموضوع أكثر من القصة ــ في بعض الأحيان ــ لأنها تعتمد على التداعي الحر.
            أما فيما يخص ردك على موضوع الأستاذ سعد الأوراسي ..والذي أحلتني إليه فلقد قرأته سلفا ..لذلك أردت أن أناوشك بموضوعي هذا ..
            "رغم كوني لم أدخل المنتدى منذ أمد بعيد"

            ولكن لم تتبدّى شخصية الكاتب بين جنبات الحروف أستاذي الكريم حتى أبدو غير متصالحة مع نفسي فأنا والحمد لله متصالحة مع نفسي قبل أن أصالح الآخرين ولا خلاف لي مع أي شخص حتى يصورني النص بهذا التشظي
            لكنني كثيرا ما أجدني مختلفة تماما مع النصوص الفضفاضة التي أفهمها من أول وهلة لأنني لا أستسيغها.. فهي تربكني وتشل تفكيري
            فلماذا نقرأ إذن ما دمنا نريد نصوصا جاهزة لا نبذل فيها أي مجهود للتفكير
            لهذا الأمر أجدني حذرة دائما في اقتناء ما يروي ذائقتي..كما هي المواهب درجات ..فالذائقة أيضا درجات
            وحتى إن كانت ذات المرء متشظية فهذا ليس عيبا ..لأن النفس تمرض كما قد يمرض الجسد ..ومن الخطأ أن نتغاضى عن أمراضها بل علينا أن نقف أمامها حتى نرتق فتقها ..فمن يدري فلعلها تستقيم مجددا وتبعث من بين الشظايا ذاتا أخرى..أكثر صمودا في وجه الصدمات..فعادة لا يكون البناء إلا بالمواجهة ..
            لأن التربية الإسلامية لا تدعو المرء إلى الهروب من الجراح أبدا ــــــ لأنها موجودة في ذات كل واحد منا حتى وإن حاول إنكارها ــــ بل تتنافى مع الصمت عن معالجة تلك الجراح والتنكر لها لتتفاقم أكثر ..
            فالمُدى المغروسة بذواتنا لا أظن أن الإسلام يمنعنا من مدّ اليد بإصرار لإخراجها.. فحتى وإن كانت تنزّ دما علينا أن نحاول إخراجها حتى نسعى لمعالجة جراحها الغائرة بما تيسر..وكثيرة هي الجراح التي قد تشفى بالتداعي الحر ..لأن جراحات الآخرين أنواع لا حصر لها.. والأديب الجاد لا يعدم وسيلة يعالج بها قضية ما
            أما قرآننا الكريم فهو لغة الإيجاز والإعجاز ولغة المجاز ..وليس كل من يقرأ القرآن يفهمه
            فالمؤمن المتدبر خير من المؤمن الذي يقرأ تفسيرا جاهزا ..
            ثم من قال أن وقوفنا أمام قلق أنفسنا قد يتنافى مع التربية السوية وهو اللبنة الأساس في بناء النفس ..
            لأن الخوف من الظلام لا يقضي عليه بل يزيد رقعته اتّساعا.. وإن أردنا القضاء على ذلك الظلام المعشش في ذواتنا علينا أن نشعل كل يوم شمعة حتى وإن كان نورها باهتا ..فلسوف يستمد القوة من تكرار المحاولة ..
            أما عن الحداثة فنصي هذا بعيد كل البعد عنها لأنه نص واقعي تأملي ..وهي ولله الحمد ـــ أي الحداثة ـــ لن تكون صديقتي يوما لأنني ما زلت أتظلل بقوالبنا الكلاسيكية شعرا ونثرا بعيدا عن أعاصير الحداثة التي عرّت الأدب من كل الجهات لتسعى بطريقة ضمنية لتحطيم كل القيم الدينية والأخلاقية ..وحتى الإنسانية لتُرمى جانبا كأسمال بالية لم تعد تواكب عصر السرعة ..عصر الوجبات السريعة التي زادت جوعنا ضراوة .. لتبقى الحرب قائمة بين مركزية القديم وهامشية الحديث الذي مازال يراوح في مكانه وهو يهدم أكثر مما يبني..
            سعدت كثيرا بمناقشتك أستاذي الكريم كما أسعد دائما بآرائك الرائدة ومواضيعك الخالدة ..دمت بابا لا يضيق بطارق
            ولك مني مفردات التقدير
            التعديل الأخير تم بواسطة فاكية صباحي; الساعة 21-09-2017, 10:36.

            تعليق

            • فاكية صباحي
              شاعرة وأديبة
              • 21-11-2009
              • 790

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
              تعجبني رحلة البحث عن الذات لأنها عادة ماتأتي لنا بالحقيقة
              لكن القص هنا ضاع منك ولم تعطه حقه
              ربما تفصيلة صغيرة كانت ستعطي القصة ذاك الوجود والألق الذي نبتغيه
              النص اقترب من المونولوج الذاتي وابتعد عن القصة لكنه رحلة تناثرت الروح فيها
              وبكل الأحوال أحببت بوحك ووجودي معك
              كوني بخير غاليتي ومساء الورد
              فعلا أختي الغالية عائدة ..رحلة البحث عن الذات هي رحلة شاقة قلّ من يتحمل أوزارها
              غير أنني تغاضيت عن القص عمدا لأنني كنت أجمع جملة تداعيات حرة أقرب إلى
              الخاطرة منها إلى القصة حتى أعالج قضية ما
              أسعدني فيض مرورك ولك مني أرقى التحايا

              تعليق

              • حسين ليشوري
                طويلب علم، مستشار أدبي.
                • 06-12-2008
                • 8016

                #8
                السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
                أهلا بأديبتنا الرقيقة وشاعرتنا الأنيقة "فاكية صباحي" وسهلا ومرحبا في بيتها العامر بالخير والأدب.
                لقد وجدتُّني أقول بيني وبين نفسي بعد قراءة ردك الجميل:"ما شاء الله لا قوة إلا بالله، عيني عليك باردة يا أخية" لقد أعجبني ردك أيما إعجاب فلم أتردد في الكبس على زر "أعجبني" فورا لأنه، الرَّدَّ، في نفسه قطعة أدبية ممتازة لولا بعض الهفوات الإملائية الخفيفة، بارك الله فيك وزادك علما وحلما وفهما وحكما، اللهم آمين يا رب العالمين.

                ثم أما بعد، إن أجمل كتابة هي تلك التي تأتي بعد انفعال، أو بعد تفاعل، فينطلق القلم سيّالا كالفيض من خاطر الكاتب ولاسيما إن كان الكاتب أديبا لبيبا وشاعرا أريبا فهو إلى الصدق ألصق به من غيره مما نكتب ونحن هادئون مطمئنون مرتاحون...باردون.

                إن ربط شخصية السارد في نص ما بشخصية الكاتب نفسه تدخل في عملية تحليل النص في محاولة فهم من يقف وارء ذلك النص وسبر أغواره، وهذا ليس عيبا ولا تجنيا على شخص الكاتب، فكثير من الأدباء، إن لم يكونوا كلهم، يختبئون وراء الشخصيات التي يحكون قصتها ويُقَمِّصُونَها شخصياتِهم لسبب من الأسباب المعروفة وغير المعروفة، وإن كثيرا من الكُتَّاب ينزعجون من القراء الأذكياء أو من النقاد البُصراء الذين يكشفون، أو يكتشفون، شخصية الكاتب لأن هذا الأخير يحب أن يخفي شخصيته الحقيقية خلف، وراء، شخصياته الافتراضية، وخُذي هذا المثل الواقعي: عرفنا في ملتقانا العامر بأمثالك الطيبين كاتبة أديبة كبيرة تكتب بمستوى راق جدا لكنها كانت عنيفة شيئا ما في ردودها وتعاليقها على مشاركات الزملاء ومواضيعهم، وكنت أحتار من عنفها وهي السيدة اللطيفة الهادئة عادة، ثم اكتشفت أنها كانت مقعدة تتحرك بكرسي متحرك، فأدركت أن ردودها العنيفة كانت ردود فعل ناتجة عن حالتها الصحية ليس غير، فقد كانت تظن أن ردود إخوانها إنما جاءت انتقاصا لها لأنها المقعدة الضعيفة، أو هكذا أحسب وقد أكون مخطئا والله وحده يعلم الحقيقة.

                في كثير من الأحيان تكون الكتابة، كلُّها أو جلُّها، نتاج اللّاوعي فالقلم هو الذي يحرك الكاتب وليس العكس لأن الكتابة الواعية كلَّها إنما هي صنعة مقيَّدة وليست أدبا "حرا" ينطلق فيه اللاشعور على حريته وسجيته من غير تكلف ولا تحايل ولا تمحل إلا ما يمليه عليه الضمير الحي اليقظ المضبوط بالقيم والأخلاق والفضائل.

                ثم وأخيرا، لا بد من الإشارة إلى أن هناك فرقا بيِّنا بين الكاتب الإسلامي الملتزم بقضيته العارف بوظيفته في الحياة المدرك لرسالته فهو يؤديها على أحسن ما يمكنه الأداء وبين الكاتب المستسلم لأهوائه التابع للتيارات التي ترميه حيث تشاء هي وليس حيث يريد هو كالريشة في مهب الرياح تتلاعب بها ثم تطرحها بعيدا فـ{
                هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} طبعا لا يستوون وهذا سار في جميع المجالات ومنها مجال الأدب.

                أشكر لك، أختي الكريمة الأديبة الأريبة "فاكية صباحي" ردك الجميل بارك الله فيك وزادك من الخير ما يحير الخيرين، اللهم آمين يا رب العالمين.

                تحيتي الأخوية إليك وتقديري الكبير لك.

                sigpic
                (رسم نور الدين محساس)
                (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                "القلم المعاند"
                (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                تعليق

                يعمل...
                X