جزءٌ من ذاكرتي / رويده العاني

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رويده العاني
    أديب وكاتب
    • 08-05-2010
    • 225

    جزءٌ من ذاكرتي / رويده العاني


    جزءٌ من ذاكرتي

    لم تكن ذاكرتي قوية , لأنّي كنت صغيرة .. ولكن!
    هناك صور مازالت عالقة في الذاكرة، أحداث مفجعة ..كم تمنيت لو أني سلّوتها
    ذات ليلة شتاء باردة , ينهمر فيها المطر مدرارا , ونحن متحلقون حول نار المدفأة نتلمس الدفء, وصدى ضحكاتنا يعم أرجاء الصالة
    استرعى انتباه أمي ،صوت ارتطام جسم حديدي بباب المنزل الخارجي, ولمحَت شخصا يعبر سياج الحديقة,اتسعت عيناها وأبرقت بوهج غريب, وارتعد جسمها للحظة!
    أسرعت خطاها متحفزة ..
    تراكضنا خلفها أنا وأخي ، نتلفع مناشف المنزل كي نتقي زخات المطر, ورهبة من المجهول تغمرنا !
    ويا لدهشتنا, حين وجدنا مغلفاً ملقى على الأرض قرب السيارة , حملته أمي بيد مرتجفة!
    فتحته بسرعة يشوبها الحذر ونظرةٌ هلع تطغى على مقلتيها ، قرأته ، ثم شهقت وضربت بيدها على صدرها، وبيدها الأخرى تعتصر عدة رصاصات بعدد أفراد عائلتي أخرجتها من المغلف, دون أن تنبس ببنت شفة, وكأن الطير على رأسها .
    خيل لي أني أستشعرت نبضات قلبها , وعيني ترقب أنفاسها المضطربة !
    أسبوع مر، اختفت فيه البسمة من وجوهنا ، وحل محلها الخوف والترقب ، وأمي تحضرنا كي نغادر الوطن في أية لحظة, قالت وبلهجة جازمة:
    -تجهزوا .. سنسافر إلى بلاد الشام, بعد غد!!
    لم تخبرني أمي عن سبب سفرنا المفاجئ وما سر هذا الخوف الذي داهمها من البقاء في العراق ابنها الاول الذي لم تنجبه ..و سر منعي من الخروج حتى لمدرستي القريبة,وتحذيري المستمر من محادثة صديقاتي!
    لم تبح لي بالكثير, لكن نظرات الخوف على وجوه إخوتي زادتني التصاقا بهم ،ونوبة من البكاء الدائم لم تبارح مقلتيّ.
    حتى سافرنا،
    والطريق بطوله تحتضنني والدتي, وتتمتم بآيات من القرآن الكريم ،تمطر عينيها الدموعٌ ،
    استبدلت ملامحنا بسمة كنا نتلقف صباحاتنا بها, بوجوم لم نكن نعرفه قبل ذاك اليوم.
    أيام قليلة مرت على وجودنا في سوريا, حتى ضاق بي الشوق .. كم كنت أحن لحديقة بيتنا, لسريري.. ومكتبتي الصغيرة الجميلة التي ضمنتها كل مجلاتي الطفولية وكتبي الحبيبة, وتلك الصور الملونة عن أفلام كارتونية كنت أتابعها مشغوفة بها.
    صار وجهي كئيبا يشبه المومياءات المحنطة, بلا ملامح أو أسارير, وصرت أسيرة الحزن.. حزني.. وحزن أمي.. وإخوتي .
    من يومها عرفت معنى أن تكون غريبا عن وطنك.. غريبا عن أرضك وأصحابك وأهلك.
    أحسست بالرهبة , وحنيني إلى وطني يجتاحني, فذهبت جزعة إلى إخواني وأنا أبكي سنين عمري الصغيرة
    أجهشنا جميعا بالبكاء على حالنا، كيف أصبحنا مهجرين بين بلدان العرب والغرب
    وهاهو اليوم السادس عشر من منتصف عام ألفين وعشره ،يشهد لوجودي سبع سنوات في سوريا..
    ولا أعرف كم سأمضي من الوقت.. هنا بعد !!
    ؟
    :
    :
    :
    :
    كتبت هذا النص سنة 2010 وكان من بداياتي ..

    حتماً اليك, حتى بعد الفراق ..!
  • عبد الحميد عبد البصير أحمد
    أديب وكاتب
    • 09-04-2011
    • 768

    #2
    ذكر رسام أسبانى في تعريف الجمال :
    أنه مجموعة من العناصر ،التى تعمل مع بعضها البعض دون أن يطغى عنصر على الأخر في إيقاع يتسم بالتناغم والإنسجام..
    ولقد وجدت مقطوعة موسيقية تصدح بكلمات بالغة العذوبة والجمال ..
    دام لنا يراعق الغيداق ،الذي يُقطر السحر في بوتقة الإبداع..
    شكراً لك
    الحمد لله كما ينبغي








    تعليق

    • عائده محمد نادر
      عضو الملتقى
      • 18-10-2008
      • 12843

      #3
      أذكر متى كتبت هذا النص
      وأتذكر كيف ولماذا!؟
      وهل أستطيع نسيان جزءا من ذاكرتك وذاكرتي المتخمة بالوجع
      لاأظن ذلك حتى لو مر دهر
      نص رائع وكتبته وأنت صغيرة وكانت البدايات لك
      لك قلم واعد وستكون لك بصمة كبيره صدقيني
      محبتي وغابات ورد رودي
      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

      تعليق

      • ربيع عقب الباب
        مستشار أدبي
        طائر النورس
        • 29-07-2008
        • 25792

        #4
        ربما قطرة من بحر متلاطم الأمواج
        و أول الغيث قطرة كما نرى و نعلم
        لكنها قطرة بليغة و بالغة الأثر حين تعري ما للغيث من أسباب و كيف طاردته الريح ليحط في أرض لم تكن أرضه التي أحب أن يرويها و يشبعها عشقا !
        نعم .. كبرت رويده العاني .. كبرت كثيرا و طعن الوقت قلبك الصغير طعنة نجلاء فانفرطت عناقيدك قبل أوانها
        و إن تخيرت أوانها رغما كما الميلاد الذي لم نختر له الوقت الذي نرغب و لا المكان الذي نعشق وربما الظروف التي تمنينا حقنا لطفولتنا التي لم تنل حظها بعد !
        كل ما فينا ينضج قسرا
        كل ما فينا يجب أن ينضج قسرا
        و يستوي فينا الأخضر عودا قويا جافا يعافر العابر و يتصدى لكل شطحاته
        فالعيون الحالمة لا تغفو و إن غفت رغما تظل مفتوحة و قادرة على كشف أغوار الظلمة البعيدة و رؤية الوطن البعيد الطاعن في في الروح و القلب
        و الأيدي الناعمة تزيل ما تبقى من رعافها بين ليلة و ليلة تكون مذارة قادرة على نهش جدار الغياب و الغربة حتى يتهالك رويدا رويدا
        و القلب الرهيف الطيب يهفو إلي هناك و لا تسكنه الهدهدة و التأرجح على البدائل المتاحة .. ليس إلا الكلمات تفجر ما يساكنه و يثقل كاهله !

        كنت قريبا منك كثيرا و أنت تعرين صفحة كنت شاهدا عليها
        و رأيت كم كان جزع " عائدة " شديد القسوة و الاحتمال .. و كم تطلب منها من صبر و حزن ووجع و عيون لا تعرف النوم حتى كانت العودة !

        أحبك رويده كثيرا .. و أنتظر منك ما أنتظر من نجاحات أولادي المنغمسين في أوردتي !
        sigpic

        تعليق

        • رويده العاني
          أديب وكاتب
          • 08-05-2010
          • 225

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة احمد فريد مشاهدة المشاركة
          ذكر رسام أسبانى في تعريف الجمال :
          أنه مجموعة من العناصر ،التى تعمل مع بعضها البعض دون أن يطغى عنصر على الأخر في إيقاع يتسم بالتناغم والإنسجام..
          ولقد وجدت مقطوعة موسيقية تصدح بكلمات بالغة العذوبة والجمال ..
          دام لنا يراعق الغيداق ،الذي يُقطر السحر في بوتقة الإبداع..
          شكراً لك
          وللجمال حضور لأنه مجموعة عناصر مشتركه
          اسعدني أن النص نال اعجابك وهذا مانتمناه لقصصنا
          هذا النص جزء من حياتي وذاكرتي فعلا وهو بداياتي مع القصص وحبي لها
          أشكرك كثيرا على الاطراء
          رويده العاني
          حتماً اليك, حتى بعد الفراق ..!

          تعليق

          • رويده العاني
            أديب وكاتب
            • 08-05-2010
            • 225

            #6
            المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
            أذكر متى كتبت هذا النص
            وأتذكر كيف ولماذا!؟
            وهل أستطيع نسيان جزءا من ذاكرتك وذاكرتي المتخمة بالوجع
            لاأظن ذلك حتى لو مر دهر
            نص رائع وكتبته وأنت صغيرة وكانت البدايات لك
            لك قلم واعد وستكون لك بصمة كبيره صدقيني
            محبتي وغابات ورد رودي
            شكرا جزيلا أستاذه عائده على الاطراء
            يسعدني دائما أن تكوني بجانبي وأفرح حين تعجبين بنصوصي
            كلماتك دافع كبير لي ويارب انشر مجموعتي الاولى قريبا
            هذه من ذكرياتي الحزينه جدا
            مودتي
            رويده العاني
            حتماً اليك, حتى بعد الفراق ..!

            تعليق

            • رويده العاني
              أديب وكاتب
              • 08-05-2010
              • 225

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
              ربما قطرة من بحر متلاطم الأمواج
              و أول الغيث قطرة كما نرى و نعلم
              لكنها قطرة بليغة و بالغة الأثر حين تعري ما للغيث من أسباب و كيف طاردته الريح ليحط في أرض لم تكن أرضه التي أحب أن يرويها و يشبعها عشقا !
              نعم .. كبرت رويده العاني .. كبرت كثيرا و طعن الوقت قلبك الصغير طعنة نجلاء فانفرطت عناقيدك قبل أوانها
              و إن تخيرت أوانها رغما كما الميلاد الذي لم نختر له الوقت الذي نرغب و لا المكان الذي نعشق وربما الظروف التي تمنينا حقنا لطفولتنا التي لم تنل حظها بعد !
              كل ما فينا ينضج قسرا
              كل ما فينا يجب أن ينضج قسرا
              و يستوي فينا الأخضر عودا قويا جافا يعافر العابر و يتصدى لكل شطحاته
              فالعيون الحالمة لا تغفو و إن غفت رغما تظل مفتوحة و قادرة على كشف أغوار الظلمة البعيدة و رؤية الوطن البعيد الطاعن في في الروح و القلب
              و الأيدي الناعمة تزيل ما تبقى من رعافها بين ليلة و ليلة تكون مذارة قادرة على نهش جدار الغياب و الغربة حتى يتهالك رويدا رويدا
              و القلب الرهيف الطيب يهفو إلي هناك و لا تسكنه الهدهدة و التأرجح على البدائل المتاحة .. ليس إلا الكلمات تفجر ما يساكنه و يثقل كاهله !

              كنت قريبا منك كثيرا و أنت تعرين صفحة كنت شاهدا عليها
              و رأيت كم كان جزع " عائدة " شديد القسوة و الاحتمال .. و كم تطلب منها من صبر و حزن ووجع و عيون لا تعرف النوم حتى كانت العودة !

              أحبك رويده كثيرا .. و أنتظر منك ما أنتظر من نجاحات أولادي المنغمسين في أوردتي !


              مساء الخير باباتي
              جمعة مباركة ..
              قد تكون الغربة حتى في وطنك أو روحك ..
              أسكن العراق ,وربما يسكنني !
              لكن شعور الغربة لم يفارقني بعد !

              أحبك كثيرا
              تحياتي
              رويده العاني
              حتماً اليك, حتى بعد الفراق ..!

              تعليق

              • بسباس عبدالرزاق
                أديب وكاتب
                • 01-09-2012
                • 2008

                #8
                الحدث: الرسالة التي أرغمت العائلة على السفر
                رسالة تهديد وربما تخويف

                يحدث هذا في أوطاننا
                فكل شئ رسالة تهديد للمواطن
                سعر البترول تهديد
                الانتخابات تهديد
                النجاح تهديد
                حتى الصلاة تهديد
                وعدم الصلاة تهديد أيضا

                حتى صار الشعب تهديدا بحد ذاته

                نص رائع
                ويمكن اسقاطه على قضايا عدة

                مبارك نصك وناجح جدا
                كل التقدير أستاذة رويده
                السؤال مصباح عنيد
                لذلك أقرأ ليلا .. حتى أرى الأزقة بكلابها وقمامتها

                تعليق

                • أميمة محمد
                  مشرف
                  • 27-05-2015
                  • 4960

                  #9
                  النص أعجبني جداً، ويكفيه أنه لامس واقعنا بقلم متمكن وبدون تكلف
                  أحببت القراءة لك وأنت تتحدثين عن آلامنا في غربتنا بعيدا عن الوطن أو حتى فيه كما كتبتِ في نص آخر
                  وطن صار يدير ظهره لنا حتى في ساعات لقائه كأنه يخبرنا همسا لماذا فعلتم هكذا بي؟
                  جميل ما كتبت.

                  تعليق

                  يعمل...
                  X