[IMG][/IMG]
ذلك الذى أوقد ناره فى ركن صحراوي .. وجلس ينتظر الضيف .
كان سلك ( ياي ) ذو لفات ثلاث قد تشبث بإحدى القطع الخشبية الذاهبة إلى الجحيم .. فظل يكتوى بنارها ...
عيناه تحاول أن تخرق الظلام و الإفلات من عيون الشياطين المتقافزة حول النار ...
طرقعة الأغصان الجافة و انتفاضات السلك بين جمراتها لم ترد سمعه الذى أصاخ إلى البعيد ...
دخان الأوراق الخضراء لم يمح من خياشيمه – على مدى سنوات كثيرة – رائحة الحجرة التى فيها ولد و عاش بين أبويه حتى اتهمه سيدهما بأنه سيكون سببا فى إفساد ابنته ...
كان ثلاثى الحلقات يتلقى من الحريق ما قهر حلقتي نهايتيه لتتحول إلى فاهين فاغرين أخرسين تقذف فيهما الجمرات برمادها الملتهب ...
طال جلوسه .. وتاه بصره ثم ارتد حسيرا . هو لا ينتظر ضيفا بعينه .. ثمة ضيف يلفظه جوف الصحراء المظلم .. أو تنشق عنه الأرض .. أو تسقطه السماء .. ..
رقد على جنبه واضعا أذنه على كفه بعد أن بسطها فوق صخرة ناتئة يتسمع نبضات الأرض .. عل صخورها تكف عن صمتها فتنبؤه بالخطو المبهم الذى يخفيه الليل تحت عباءته .. لابد أن يأتى كى يتحقق الوعد الذى وعده سيده .. فهو يعلم جيدا أن وعد الحر واجب الوفاء ..
صمت آخر .. حملته كفه مرغمة .. حتى قضت النار على حلقتى السلك تماما و لم يبق منه إلا الوسطي ليصير ذراعين ممدودتين بينها رأس يستغيث .. أو كأنه تلك الصيحة الرافضة التى جسدها بتشكله على هيئة الأداة النافية الناهية ( لا ) ...
لا شئ يساوى أن يكون حرا .. وأن يتحقق وعد سيده إن جلبت ناره ضيفا ...
تهون النار .. ويهون برد الليل الصحراوى الذى ينخر فى عظامه .. يهون الخدر الذى تسرب إلى يده و ذراعه .. يهون تصلب رقبته فوق يده الباردة التى صارت جزء من الصخرة .. يهون كل شئ .. و يأتى .. ولا يضيع هذا الوعد سدى بمجرد بزوغ الفجر ...
إحساس باليأس والضياع بدأ يمزج ريقه بطعم الملح عندما بدأت تغزو المكان ضبابات الثلث الأخير من الليل ...
ولكن ثمة نبش تتناقله صخور الأرض و ترمى به إلى سمعه .. يغدو النبش وقعا لأقدام أربع .. سيأتى .. سيأتيان.. أنا حر لا محالة.
هامت روحه تجمع أحلاما سرقتها أركان البيداء .. سأحزم بعض المتاع .. سأعمل فى الأسواق .. سأنفق القليل و أدخر الكثير لأشترى جوادا .. يسرع بى إلى مفترق طرق .. سأحتار فى أيها أسير .. لكنها حيرة رائعة.. سأختار أرحبها سماء.. وأنداها نسيما...
ثم يقترب وقع الأقدام .. وتظهر البشرى .. كان حصان نكس رأسه .. تبحث عيناه عن موطئ أقدامه .. يحمل رجلا أثقل إرهاقه أكتاف حصانه .. هرول إليه مهللا مرحبا .. خرج سيده من الخيمة .. أدخلا الضيف إلى الراحة والكرم .. ظل الضباب يتكاثف حول النار حتى اختنقت .. وبدأت الجمرات تتناهى زفراتها .. وبدأ السلك ترتعد رأسه وقدماه أثناء إفاقته من آثار الحريق ...
فى الصباح أمره صاحب الخيمة أن يتبع سيده الجديد .. الذى وعده بالحرية إن جلبت ناره أربعين ضيفا فى أربعين ليلة متتالية .. و إلا يبدأ العد من جديد .
قصة قصيرة
حسين عبدالغنى ابراهيم
بارد ليل الشتاء .. زادت من برودته المظلمة . من ثقوب ستائرها المتراكمة أطلت نجيمات قليلة .. لم تشأ أن يخدش همسها رهبة السكون أو أن يشغلها عنه .. وظلت ترقبه ...حسين عبدالغنى ابراهيم
ذلك الذى أوقد ناره فى ركن صحراوي .. وجلس ينتظر الضيف .
كان سلك ( ياي ) ذو لفات ثلاث قد تشبث بإحدى القطع الخشبية الذاهبة إلى الجحيم .. فظل يكتوى بنارها ...
عيناه تحاول أن تخرق الظلام و الإفلات من عيون الشياطين المتقافزة حول النار ...
طرقعة الأغصان الجافة و انتفاضات السلك بين جمراتها لم ترد سمعه الذى أصاخ إلى البعيد ...
دخان الأوراق الخضراء لم يمح من خياشيمه – على مدى سنوات كثيرة – رائحة الحجرة التى فيها ولد و عاش بين أبويه حتى اتهمه سيدهما بأنه سيكون سببا فى إفساد ابنته ...
كان ثلاثى الحلقات يتلقى من الحريق ما قهر حلقتي نهايتيه لتتحول إلى فاهين فاغرين أخرسين تقذف فيهما الجمرات برمادها الملتهب ...
طال جلوسه .. وتاه بصره ثم ارتد حسيرا . هو لا ينتظر ضيفا بعينه .. ثمة ضيف يلفظه جوف الصحراء المظلم .. أو تنشق عنه الأرض .. أو تسقطه السماء .. ..
رقد على جنبه واضعا أذنه على كفه بعد أن بسطها فوق صخرة ناتئة يتسمع نبضات الأرض .. عل صخورها تكف عن صمتها فتنبؤه بالخطو المبهم الذى يخفيه الليل تحت عباءته .. لابد أن يأتى كى يتحقق الوعد الذى وعده سيده .. فهو يعلم جيدا أن وعد الحر واجب الوفاء ..
صمت آخر .. حملته كفه مرغمة .. حتى قضت النار على حلقتى السلك تماما و لم يبق منه إلا الوسطي ليصير ذراعين ممدودتين بينها رأس يستغيث .. أو كأنه تلك الصيحة الرافضة التى جسدها بتشكله على هيئة الأداة النافية الناهية ( لا ) ...
لا شئ يساوى أن يكون حرا .. وأن يتحقق وعد سيده إن جلبت ناره ضيفا ...
تهون النار .. ويهون برد الليل الصحراوى الذى ينخر فى عظامه .. يهون الخدر الذى تسرب إلى يده و ذراعه .. يهون تصلب رقبته فوق يده الباردة التى صارت جزء من الصخرة .. يهون كل شئ .. و يأتى .. ولا يضيع هذا الوعد سدى بمجرد بزوغ الفجر ...
إحساس باليأس والضياع بدأ يمزج ريقه بطعم الملح عندما بدأت تغزو المكان ضبابات الثلث الأخير من الليل ...
ولكن ثمة نبش تتناقله صخور الأرض و ترمى به إلى سمعه .. يغدو النبش وقعا لأقدام أربع .. سيأتى .. سيأتيان.. أنا حر لا محالة.
هامت روحه تجمع أحلاما سرقتها أركان البيداء .. سأحزم بعض المتاع .. سأعمل فى الأسواق .. سأنفق القليل و أدخر الكثير لأشترى جوادا .. يسرع بى إلى مفترق طرق .. سأحتار فى أيها أسير .. لكنها حيرة رائعة.. سأختار أرحبها سماء.. وأنداها نسيما...
ثم يقترب وقع الأقدام .. وتظهر البشرى .. كان حصان نكس رأسه .. تبحث عيناه عن موطئ أقدامه .. يحمل رجلا أثقل إرهاقه أكتاف حصانه .. هرول إليه مهللا مرحبا .. خرج سيده من الخيمة .. أدخلا الضيف إلى الراحة والكرم .. ظل الضباب يتكاثف حول النار حتى اختنقت .. وبدأت الجمرات تتناهى زفراتها .. وبدأ السلك ترتعد رأسه وقدماه أثناء إفاقته من آثار الحريق ...
فى الصباح أمره صاحب الخيمة أن يتبع سيده الجديد .. الذى وعده بالحرية إن جلبت ناره أربعين ضيفا فى أربعين ليلة متتالية .. و إلا يبدأ العد من جديد .
تعليق