لا يحدث هذا سوى للعرب،
عندما تتأزّم الأوضاع وتنفلت الأمور من قبضة الحكّام الفعليين، تخرج علينا الأبواق تزمجر فتزعجنا وتثير الرّعب في نفوس الأشقياء أمثالنا، ثم تغيب الأبواق فجأة، فلا نسمع لها زجرة ولا صيحة عند انفراجها.
نحن العرب فقط من تجد عندهم حب الزّعامة يفوق كل وصف، والمصلحة الشخصية لديهم فوق كل اعتبار. ونحن فقط من يشعر بمركّب نقص، عندما يتكلّم الآخرون عنه أوعن دينه. ونحن فقط من يقبل بالإهانة ويتدخّل الغير في شؤونه، وليس له حق الرّأي بالتدخّل في شؤون الآخرين باسم الديمقراطية أو حتى باسم حرية المرأة أو الموضة. ونحن فقط من لا يجب أن يؤخذ برأيهم في الحريّة أو الديمقراطية، أو نطالب بمحاسبة أنظمة شمولية لا تأخذ برأي الشعوب، وعلى رأسها طُعمة فاسدة وحكام بمرتبة آلهة. ونحن فقط من لا يجب أن يختار ممثلّيه الشرعيين ونظامه السياسي، كما لا يجب على العرب أن يحصلوا على تكنولوجيا راقية ويستغلّوا مقدّراتهم بطريقة مباشرة فيحقّقوا الاكتفاء في الغذاء والدواء. نحن فقط ليس لنا الحق في دساتير تحمينا وترعى مصالحنا، ونحن فقط من إذا شرّعنا نبقي النّصوص حبيسة الادراج. ولنا الحق في أن نرعى على أفوهنا كالأنعام، ونكتب القصص لنعبّر عن مشاعرنا كالأطفال ، أونقول الشعر لنغازل بناتنا، لكن لا يجب أن نتكلّم بصراحة عن واقعنا، أو نفكّر بصدق في مستقبلنا.
نحن العرب فقط لاتزال لدينا مظاهر الاستبداد معشّشة في عقولنا تُخرّب أفكارنا، ونحن من نتباهى بوضع الصفر في اليمين فغدونا مهمّشين في الشمال، ومجرّد أرقام ، الموت صار يعبث فينا ونحن نتألّم ونتأسّف.
ونحن من يكرّر أخطاءه ولا يستفاد منها، ومن هذه الأخطاء ما يجري حاليًّا على السّاحة، وما يطرأ على شبه الحركات الوطنية، والتي دخل أصحابها في المعترك بصدور عارية، فقابلتهم وسيلة الدمار الحديثة بنار وحديد حتى انصهروا ولم يعد لهم وجود، وما تبقّى من شبه حركاتهم تحوّل إلى طابور رابع، وخامس، وسادس في خدمة النظام وليس للنّضال كسالف العهد والأوان .
كتب أحد الأصدقاء في صفحته البيضاء بنقاوة عباراته معبّرا عن حسن سريرته، بوجوب إثراء القانون المتعلّق بالبلدية، ولم تمض شهور فقط على تزوير نتائج الانتخابات التشريعية، وعادت ريمة إلى عادتها القديمة ومعها الرّأي الأوحد " لا أريكم إلاّ ما أرى " ، لتعود " البزنسة " ومصادرة الرّأي ، ومن جديد يعود الابتزاز المقنّن للظهور على الساحة.
فعن أي قانون يجب أن نتكلّم يا عزيزي، ومع من نتحاور يا صديقي، وشبح الغياب عاد ليُخيّم على قبّة برلمان شبه شعبي من جديد؟
كفانا استهتارا وضحكا على العقول، انسجوا قصصًا وألّفوا شعرًا تنوّمون به الأجيال فالكلام في السياسة أصبح خطيرًا.