لست مجنونة !
انتابت زوجي موجة ضحك هستيري..
لما فاجأني مضطجعة فوق الأريكة، أأرجح ساقي في الهواء وأنفخ دخان سيجارتي، فارتمى على الكرسي يقهقه قهقهة خرقاء مخفوقة بصقيع الدهشة، ومسح بحنق شعري الذي صبغته باللون الأشقر الفاقع بعد أن قصصته قصيرا، ثم خفتت ضحكته وامتقعت سحنته تعلوها غيمة خيبة بدت لي ستمطر غضبا!
ارتبكت..
أخرستُ صهيل خجلي المجلجل، وكفنت وجهي بيدي عنه لما لمحته ينظر إلي بريبة كأنه يحاول الولوج داخل بواطني ليكتشف كنه المخلوقة التي أمامه، تمنيت لو أننا أصبحنا شفافين مثل الزجاج لأرى مابداخله ولأختفي عن ناظريه، تمتمت بعناء كلمات مبهمة لم تفض لشيء، وارتأيت أن أرتشف حماقتي على مضض وصمت ، وأنتظر ردة فعله بدقات قلب خشيت ان يسمعها.
صمت شاحبا برهة خلتها طالت، ثم غادر الصالة.
ابتاع لي في اليوم التالي باروكة شعر طويلة، لأنه لا يحب الشعر القصير، رماها على الطاولة وخرج دون أن ينبس ببنت شفة.
وأشعره تاه عني أكثر في دوامه حياتنا الروتينة، يشرد بأفكاره فنأكل صامتين، ويهاتف صديقه المقرب في حديث طويل، أو نتبادل كلمات جوفاء يردد صداها قحط قفز على حياتنا الفاترة، وأحاديث كنا نسترسل بها عن حياته الصعبة هنا وسط بلد غربي غريب عن بيئته الشرقية، وبحثه عن زوجة، تصلح أن تكون أما لأولاده، تعوضه احساسه بالغربة، وعن صباي وعشقي للعب دور الفاتنات، فأتقمص رقة أودري هيبورن وسيجارتها، ووحشية نظرات شارون ستون وفتنتها، فأبقى أعيش الشخصية أياما طويلة حتى يأتي دور شخصية أخرى!
- هل كنت مجنونة، أمازلت تفعلينها!؟
فاجأني سؤاله بنبرته الجادة، ونظرته المذهولة المحملقة بوجهي ألجمتني يومها، ففضلت توشح برقع الصمت.
ساعات اليوم طويلة ومملة أقضيها بين أعمال البيت المعتادة وتحضير وجبة شرقية لاثنين، وأسرع بعدها لأروقة أفلامي التي ضمنتها ماكنت أود أن تكون حياتي عليه، أفلامي التي خبأتها بعيدا عن متناول يده لئلا أثير حفيظته التي استثيرت منذ ذاك اليوم المربك، فحفظت فيها كل لمحة ولقطة حميمة تجمع حبيبين، وأسأل نفسي لم لا يعشقني مثلما يغرم هؤلاء الرجال بزوجاتهم وحبيباتهم، وهو الرجل الذي عاش خمس سنين هنا، لمَ يبادرني بفتور المشاعر كلما جئته ببراكين الشوق، لأستفيق على حقيقة مرة أني بت أعيش حياتي وحيدة ومنبوذة، في بلد غريب.
فقررت أن ألغي لعبة الفاتنات من حياتي، وألبس ثياب الحداد عليهن لمرة أخيرة، وأن أفاتحه اليوم بالحقيقة، نعم سأفعلها فلا مجال للتهرب بعد الآن.
دخل الردهة وهو يرتدي بزة سوداء وربطة عنق جهنمية اللون، يضع إحدى يديه في جيبه الأيسر، وتنام الأخرى داخل صدره، وسيما، رائعا، والأضواء الخافتة تصب على وجهه غموض آسر.
أجفلتني عودته المبكرة، حتى أني لم أستطع التخلص من نقاب الدانتيلا الأسود الذي وشحت رأسي ووجهي به، رفعت رأسي رويدا رويدا، أرمقه من خلال القماش الشفاف.
صعق !
فغر فاه..
وضرب جبينه بيده وهو يتمتم ساخطا:
- ياإلهي، أكان لابد أن تكوني اليوم، الأرملة السوداء!؟
تعليق