حينما شاهدت فيلم الشياطين، صُطدمت من أول لقطة في الفيلم حينما دُفع (عزت محمود) في صدره وسقط قتيلًا من فوق القلعة! والقتل تكرر كثيرًا في الفيلم، وسفك الدماء كان يتم باسم (الوطنية ومحاربة الإنجليز)، مع العلم أننا لم نشاهد في ذلك الفيلم إنجليزيًا واحدًا قد قتل أو حتى جرح!

وفيلم الشياطين مأخوذ عن رواية بنفس الاسم لدوستويفسكي، وقد عرض عام 1977.
ورواية الشياطين لدوستويفسكي تتحدث عن خلية ثورية سرية يؤسسها الشاب الثائر بطرس ستيفانوفيتش، واسم شهرته (بتروشيكا). وبتروشيكا كان يضم لخليته الأفراد الكارهين للبشر؛ وبالتالي فمن السهل استخدامهم في العمليات الإرهابية ومنها القتل بسهولة ويسر وبدم بارد وبدون أي شعور بالذنب.
وتدور أحداث قصة فيلم الشياطين حول جمعية سياسية وطنية في الأربعينات، تنضم إلى هذه الجمعية مجموعة من الشباب الوطني، الذي يرى أن العنف من أهم وسائل قلب نظام الحكم، ويترأس مجموعة الشباب (أدهم) حسين فهمي، يخطط (أدهم) لاغتيال بعض الشخصيات العامة المتعاونة مع الإنجليز[1].
ويبدأ فيلم الشياطين بتسليم عزت محمود (عيد الحميد أنيس) أوراقًا خاصة بالجمعية الوطنية السرية ليكون خالي الطرف بالنسبة للجمعية، فيسأله رئيس الجمعية، أدهم برهان (حسين فهمي)، لماذا تركت الجمعية؟ فيجيبه عزت بأن مصر تحتاج إلى عقول تفكر وأيدي تبني، لا إلى سلاح يغتال ويهدم، فيقول أدهم برهان وهو يوجه كلامه لباقي رفاقه في الجمعية: "سامعين يا رجالة: عزت أصبح له دماغ"، ثم يوجه كلامه لعزت ويخبره بأننا قد اتفقنا في الجمعية ألا تكون لنا دماغ، وفي نهاية الحوار يقوم نوار (محي إسماعيل) بدفع عزت محمود في صدره فيسقط مقتولًا في البحر من فوق القلعة!
وعندما تنبثق (دماغ) لعاطف (مجدي وهبة) أحد أعضاء ومؤسسي الجمعية الوطنية، ويخبر زعيمهم أدهم بأن القتل الذي انتهجوه في جمعيتهم لم يعالج الفلاحين من البهارسيا ولم يطعم أي جائع ولم يتعلم أي جاهل، فما كان من زعيم (جمعية القتل الوطني) إلا أن قرر أن يقتل عاطف طالما أن (دماغًا قد طلعت له)، وفعلًا يقتل (نوار) عاطف بطعنه بسكين!
https://youtu.be/TPf_X9cucX0
وبعد عدة عقود من زمن الفيلم، وجدنا القتل ذاته يتم تحت شعار (تحيا مصر ومحاربة الإرهاب) منذ انقلاب السيسي في 3/7/2017!
فمجموعة أرض اللواء الأخيرة قُتلت عن بكرة أبيها على يد ضباط في الأمن الوطني!
فكيف تسفك الدماء بدون محاكمة المتهمين؟ وإذا كانوا من الإرهابيين، فلماذا لا يتم التحقيق معهم حتى تعرف الدولة منْ ورائهم ومنْ يمدهم بالسلاح والمال هذا إن كان معهم سلاح أو كانوا إرهابيين حقًا!
وما الفرق بين الإرهابيين الذين يقوم بأعمال إرهابية في سيناء وغيرها وبين قتل الداخلية لهؤلاء الشباب وغيرهم (خارج القانون)؟!
وما الفرق بين شريعة الغابة وهذا القتل الممنهج من الدولة للمعارضين خارج القانون؟!
فلا ثمة تحقيق تم معهم، ولا وكيل نيابة عرف جرائم هؤلاء المقتولين، ولا قاضي حاكمهم محاكمة عادلة، ولا الشعب المصري عرف حقيقة إرهابهم إذا كانوا إرهابيين!
وحين تسفك الدولة دماء المصريين بدون محاكمة، أليس هذا العمل إرهابا؟! وإرهاب الدول أخطر وأعظم جرما من إرهاب الأفراد.
ولماذا لم نجد جرحًا واحدًا لأفراد الأمن الذين يقومون بهذا القتل الممنهج؟ ولماذا تقتل أعداد كبيرة جدًا من افراد الأمن بسيناء وبدون أية إصابة لأحد من الإرهابيين؟!
طبعًا، من الواضح أن الأفراد الذين تصفيهم الداخلية عزل من السلاح وغالبيتهم مخطوفين قسريا، ويتم تجمعيهم داخل إحدي الشقق، ويصفون بدم بارد، ثم تعلن الداخلية تصفيتهم، وتنشر صور لهم وبجوارهم أسلحة!
أي طفل لا يقتنع بهذه الصور الساذجة ولا بحكاية أن الأمن قد تعرض لضرب نار أو أي أسلحة من هؤلاء الأفراد! وماذا صنع الضحية بهذا السلاح المصور بجواره؟ ولماذا لم يدافع به الضحية عن نفسه على الأقل!

وقد تكرر هذا القتل من وزارة الداخلية كثيرا مثل تصفية 13 قياديًا في جماعة الإخوان المسلمين في مدينة 6 أكتوبر في 1/7/2015، والشاب مجدي بسيوني الذي صفته الداخلية داخل شقته بمدينة العياط، وفي مدينة الفيوم، قتلت الداخلية خمسة شباب ومثلت بجثتهم في 8/8/2015، وقد قتل أكثر من 500 مصري في حي المطرية ومنهم من مات تحت التعذيب في سلخانة قسم المطرية مثل المحامي كريم حمدي، وإمام عفيفي، غير الإهمال الطبي المتعمد للمعتقلين حتى وصلت حالات الوفاة إلى أكثر من 813 معتقلا، وهذا غيض من فيض!
إن القتل الذي يتم خارج القانون، لن يبني بلدًا، ولن يشبع جائعًا ولو بالخبز، ولن يطور تعليمًا، ولن يطور اقتصادًا، ولن يبني مجدًا، ولن يبني أي شيء، إنما يهدم ويحطم ويبيد كل شيء!
إن هذا القتل ربما يُطول جلوس الديكتاتور على كرسي العرش الزائف أكبر قدر من الوقت، وفي الوقت ذاته، لن يتوقف أي ديكتاتور أو سفاح عن تكرار القتل والقتل طالما طال مكثه على ذلك العرش الزائف؛ لأن زحزحة أي قاتل عن وظيفته التي تحميه من المحاكمة، ستقدمه للتحقيق والمحاكمة والقصاص؛ وهذا معناه، أن أي (حاكم سفاح) لن يترك كرسي الحكم إلا على جثته!
في مصرنا المكلومة تحت الحكم العسكري ، كل منْ (يطلع له دماغ ويكون له رأي أو يعارض النظام)، إما أن يسحل أو يسجن أو يقتل أو على الأقل تصادر أمواله كما حدث للاعب أبو تريكة، وكل ذلك تحت شعار (تحيا مصر)!
فماذا يفيد حياة (مصر الجغرافيا والطوبوغرافيا) ويقتل شعبها ويهان وتصادر أمواله ويعتقل ويعذب طالما أرادوا ألا يعيشوا عبيدًا؟!

إن إرهاب الدولة يشعل إرهاب الأفراد، وهدر الدماء لن يؤدي إلا إلى الحقد والثأر، وهدر الدماء أيضًا لن يثمر إلا دماء أخرى ستُهدَر كما حدث في سيناء في الاثنين الدامي 11 سبتمبر 2017 حينما قتل 18 شرطيًا بينهم عميد إثر استهداف رتل عسكري لقوات أمن مديرية شمال سيناء على طريق بئر العبد العريش!
متى يتوقف إهدار دماء المصريين؟ ومتى ينتهي الإرهاب في سيناء؟
بيد أن الإرهاب في سيناء لن يتوقف في القريب العاجل؛ لأن الإرهاب هو الرئة التي يتنفس بها أي نظام قمعي ليطول فترة مكوثه في الحكم!
إن ما يتم تحت من جرائم تحت شعار (تحيا مصر ومحاربة الإرهاب) من الاستيلاء على أموال المصريين وممتلكاتهم، وتقييد حرياتهم، واعتقالهم وسفك دمائهم، عبارة عن جرائم جنائية كبرى، ولن تسقط بالتقادم مهما طال ليل الظلم والقهر.
إن الدماء المهدرة بغير وجه حق لا تجف أبدًا، وستتحول هذه الدماء إلى وقود ينفجر في وجوه الذين أهدروها!
إن أدهم برهان زعيم الجمعية السرية (الوطنية) في فيلم الشياطين، قد قتله (نوار) في نهاية الفيلم؛ فالذي يزرع حنظلًا لن يجني عنبًا!
[1] انظر إلى موقع السينما كوم