أطباق من الماضي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    أطباق من الماضي

    نشأت في عائلة وفيرة الأفراد، كانت والدتي ربّة بيت ممتازة ووالدي خبّازا، وكنت أحمل إليه في تلك المخبزة فطور الغداء أو العشاء.
    في يوم من الأيام تزامن وجودي مع قدوم بائع للحلويات ندعوه "العمّ فتوح" ألقى التحيّة وأخذ يسأل عن أطباقه إن كانت جاهزة لأنّ بضاعته قاربت على النفاد.
    يرتدي العمّ فتوح عادة بلوزة بيضاء كتلك التي يلبسها المعلّمون فتخاله عند وقوفه بعربته أمام باب المدرسة أنّه واحد منهم لولا تلك الطّاقيّة البيضاء على رأسه التي أهداه إيّاها أحد معارفه عند عودته من الحجّ.
    تحتوى عربته التي صنعها بنفسه على أنواع مختلفة من الحلويّات والأطايب والبيض السّاخن الذي يدعوه "المروّب".
    نظر أبي إلى ساعته اليدويّة وطلب منه العودة بعد ربع ساعة ليتسلّم حاجته ثم أمسك بيدي ودعاني لمرافقته إلى داخل المخبزة.
    شكره العمّ فتوح ودعا له بزيارة قريبة إلى بيت الله الحرام.
    أخذني والدي إلى الفرن وطلب منّي أن أفتح بابا بالطابق السفليّ بينما تناول كيسا فارغا من القماش ليقوم بإخراج طبقين منه.
    كان بالطبق الأوّل تلك الوصفة العجيبة التي نسمّيها "هريسة اللوز" وقد يتبادر إلى أذهان من لا يعرفها أنّها أكلة حارّة ولكنها على العكس حلوة لذيذة.
    يتكوّن طبق الهريسة من مادّة السّميد الخشن والسكّر وفتات اللوز ويمكننا أن نضيف إليه مسحوق "الفانيليا" تخلط جيدا في الإناء قبل أن تفرش في الطبق وندخلها الفرن ثم نقوم بسقايتها بالماء المحلّى بالسكر فتصبح جاهزة للأكل، أماّ الطبق الثاني فكان فيه بذور عباد الشّمس السّوداء الممزوجة بالملح يقوم والدي بإنضاجها في درجة حراريّة منخفضة لكي لا تحترق وندعوها "القلوب"، تناول أبي منها حفنة وضعها في كيس ورقي وطلب منّي أن آخذها معي إلى المنزل.
    عاد العمّ فتوح ودخل المخبزة، ألقى نظرة سريعة على أطباقه. شكر والدي وأراد أن يقدّم الثمن فأجابه:"عيب يا فتوح، خذ سلعتك ولا تكرّر فعلتك. تناولت قليلا من "القلوب" وهذا كاف.
    أجاب فتوح:"صحّة وبالشفاء لبابا الهادي، ربّي يفظلك" وانطلق في حاله يحمل أطباقه والبسمة تعلو محيّاه.
    تذكّرت هذه الحادثة وقد مرّ عليها زمن طويل، رأيت بأمّ العين كيف تغيّرت المعاملات وأضحت المادّة هاجس الكلّ-إلاّ من رحم ربّي-.

    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

  • أميمة محمد
    مشرف
    • 27-05-2015
    • 4960

    #2
    أجاب فتوح:"صحّة وبالشفاء لبابا الهادي، ربّي يفظلك" وانطلق في حاله يحمل أطباقه والبسمة تعلو محيّاه.

    أيام جميلة.. كان أبي لا يحمل هم درهم ولا دينار.. يعيش يومه ببساطة لا يفكر في عبء الغد
    لم تكن المادة شغل الناس... الفقراء من الناس يفترشون الحصير ويرتدون الملابس الشعبية والجرد المحلي الذي صنعته النساء
    اليوم.. منهكون، يحاولون الحصول على ملابس من ماركة، ملابسهم الشعبية من الصين وكوريا
    تصير بالتدريج البطئ المدرسة عبء يثقل كاهل الجميع... والمظاهر الفارهة حاجة لا يستغنى عنها.. الجوال ضرورة لا يكتمل إلا بها المظهر الخارجي.. لم يعد الناس سعداء بما لهم... ويشغلهم الدينار عن ماهية القرش الحلال
    مباشرة وممتعة.. عشت ذلك الجو لحد ما بالعودة بعيدا جدا
    تقديري

    تعليق

    • حاتم سعيد
      رئيس ملتقى فرعي
      • 02-10-2013
      • 1180

      #3
      كان أبي لا يحمل هم درهم ولا دينار.. يعيش يومه ببساطة ..لا يفكر في عبء الغد..لم تكن المادة شغل الناس... الفقراء من الناس يفترشون الحصير ويرتدون الملابس الشعبية والجرد المحلي الذي صنعته النساء.
      اليوم.. منهكون، يحاولون الحصول على ملابس من ماركة مسجّلة ..تراهم يبحثون في أكوام الملابس المستعملة..حتّى تلك الأكوام أصبح لها قيمة وسعر ..كانت متنفس البسطاء والفقراء..تحوّلت إلى هواية عند الميسورين ومن يريدون أن يزدادوا ثراء..


      من أقوال الامام علي عليه السلام

      (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
      حملت طيباً)

      محمد نجيب بلحاج حسين
      أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
      نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

      تعليق

      • عائده محمد نادر
        عضو الملتقى
        • 18-10-2008
        • 12843

        #4
        مخبز أبي
        نشأت في عائلة وفيرة الأفراد، والدتي ربّة بيت ممتازة ومربية فاضلة، لم تأفف يوما من السهر علينا أو تقديم كل مانحبه، ووالدي خبّازا ماهرا والأهم يحب مهنته ويعتبرها مدخلا لقلوب الناس قبل بطونهم، لطيف المعشر ومحبا للخير، وكنت أحمل إليه في تلك المخبزة فطور الغداء أو العشاء.
        في يوم تزامن وجودي مع قدوم بائع للحلويات ندعوه "العمّ فتوح" ألقى التحيّة وسأل أبي عن أطباقه إن كانت جاهزة لأنّ بضاعته قاربت على النفاد.
        عادة يرتدي العمّ فتوح بلوزة بيضاء كتلك التي يلبسها المعلّمون، فتخاله عند وقوفه بعربته أمام باب المدرسة أنّه واحد منهم لولا تلك الطّاقيّة البيضاء على رأسه التي أهداه إيّاها أحد معارفه عند عودته من الحج فكان يتحسسها بين الحين والآخر ويدعو الله أن يرزقه الحج وعيناه تترقران بالدمع دون أن يذرفه.
        يقول العم فتوح بزهو أنه صنع عربته بيده، ويؤشر على كفه الأيمن بفخر وهو يحكي كيف صنعها بأيام قلائل وجهد كبير لتناسب أنواع مختلفة من الحلويّات والأطايب والبيض السّاخن الذي يدعوه "المروّب".
        نظر أبي إلى ساعته اليدويّة وطلب منه العودة بعد ربع ساعة ليتسلّم حاجته ثم أمسك بيدي ودعاني لمرافقته إلى داخل المخبزة.
        شكره العمّ فتوح وابتسامة رضا تعلو وجهه السموح، ودعا له بزيارة قريبة إلى بيت الله الحرام.
        أخذني والدي إلى الفرن وطلب منّي أن أفتح بابا بالطابق السفليّ بينما تناول كيسا فارغا من القماش ليقوم بإخراج طبقين منه.
        كان بالطبق الأوّل تلك الوصفة العجيبة التي نسمّيها "هريسة اللوز" وربما يتبادر إلى الأذهان أنّها أكلة حارّة ولكنها على العكس حلوة لذيذة، وسيبقى طعمها مغموسا بذاكرة المعدة لحلاوتها وطيب مذاقها
        لم ينس والدي أن يعلمني مما يتكون طبق الهريسة، وكيف يخلط السّميد الخشن والسكّر وفتات اللوز ويمكننا أن نضيف إليه مسحوق "الفانيليا" في الإناء قبل أن تفرش في الطبق، وندخلها الفرن ثم نقوم بسقايتها بالماء المحلّى بالسكر فتصبح جاهزة للأكل، أماّ الطبق الثاني فكان فيه بذور عباد الشّمس السّوداء الممزوجة بالملح يقوم والدي بإنضاجها في درجة حراريّة منخفضة لكي لا تحترق، وندعوها "القلوب" كأنه يريد أن يقول لي أن القلوب يمكنها أن تحترق لو لم ننتبه لها، وأخيرا تناول أبي منها حفنة وضعها في كيس ورقي وطلب منّي أن آخذها معي إلى المنزل.
        عاد العمّ فتوح و ألقى نظرة سريعة على أطباقه التي فاحت رائحتها في المخبز وكأننا في يوم عرفة، شكر والدي وأراد أن يدفع ثمن الخبز فأجابه:
        - "عيب يا فتوح، خذ أطباقك ولا تكرّر فعلتك، وصلني الثمن فقد أخذت قليلا من "القلوب" وهذا كاف.
        أجاب فتوح:"صحّة وبالشفاء لبابا الهادي، ربّي يفظلك"
        وانطلق في حاله يحمل أطباقه والبسمة تعلو محيّاه.
        تذكّرت هذه الحادثة وقد مرّ عليها زمن طويل، ورأيت بأمّ العين كيف تغيّرت المعاملات وأضحت المادّة هاجس الكلّ-إلاّ من رحم ربّي-
        ..............
        هلا وغلا أبو هادي
        أجريت بعض التعديلات في الاقتباس لك أن تراها
        لم أغيير اي شيء بالأحداث فقط أضفت بعض السردية على النص
        لو أعجبك
        كان النص مباشرا جدا وأحببت أن أعطيك رؤيتي التي تقبل الخطأ قبل الصواب عزيزي
        هلا وغلا ومليون مراحب بك
        الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

        تعليق

        • حاتم سعيد
          رئيس ملتقى فرعي
          • 02-10-2013
          • 1180

          #5
          أهلا وسهلا ومرحبا
          قبل أن أعلّق على مداخلتك الرائعة أستاذة عائدة طرأت لي فكرة جديدة مقتبسة من لعبة كنت ألعبها مع أصدقائي الأطفال الذين كنت أنشطهم في ناد للطفولة وأقترح أن تقومي بتفعيلها بما لمسته في جانبك الابداعي والتخيّلي.
          ما رأيك لو نقوم بقصّة طويلة يشترك في صياغتها المشاركون في الملتقى بالتوالي على أن تبادري بتحرير الفقرة الأولى ثم يتبعك من يريد المشاركة باضافة جزء جديد لا يتجاوز 10 أسطر مثلا (أقصد يكمل ما بدأته وهكذا..)
          بالنسبة للقصّة التي أعدت صياغتها، يمكنني القول أن ما أضفته جعل لها مذاقا خاصّا، تهانيّ الحارة فقد وفقت إلى حدّ بعيد..
          سنعود لها حتما
          دمت موفقة وألف تحيّة

          من أقوال الامام علي عليه السلام

          (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
          حملت طيباً)

          محمد نجيب بلحاج حسين
          أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
          نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

          تعليق

          يعمل...
          X