نشأت في عائلة وفيرة الأفراد، كانت والدتي ربّة بيت ممتازة ووالدي خبّازا، وكنت أحمل إليه في تلك المخبزة فطور الغداء أو العشاء.
في يوم من الأيام تزامن وجودي مع قدوم بائع للحلويات ندعوه "العمّ فتوح" ألقى التحيّة وأخذ يسأل عن أطباقه إن كانت جاهزة لأنّ بضاعته قاربت على النفاد.
يرتدي العمّ فتوح عادة بلوزة بيضاء كتلك التي يلبسها المعلّمون فتخاله عند وقوفه بعربته أمام باب المدرسة أنّه واحد منهم لولا تلك الطّاقيّة البيضاء على رأسه التي أهداه إيّاها أحد معارفه عند عودته من الحجّ.
تحتوى عربته التي صنعها بنفسه على أنواع مختلفة من الحلويّات والأطايب والبيض السّاخن الذي يدعوه "المروّب".
نظر أبي إلى ساعته اليدويّة وطلب منه العودة بعد ربع ساعة ليتسلّم حاجته ثم أمسك بيدي ودعاني لمرافقته إلى داخل المخبزة.
شكره العمّ فتوح ودعا له بزيارة قريبة إلى بيت الله الحرام.
أخذني والدي إلى الفرن وطلب منّي أن أفتح بابا بالطابق السفليّ بينما تناول كيسا فارغا من القماش ليقوم بإخراج طبقين منه.
كان بالطبق الأوّل تلك الوصفة العجيبة التي نسمّيها "هريسة اللوز" وقد يتبادر إلى أذهان من لا يعرفها أنّها أكلة حارّة ولكنها على العكس حلوة لذيذة.
يتكوّن طبق الهريسة من مادّة السّميد الخشن والسكّر وفتات اللوز ويمكننا أن نضيف إليه مسحوق "الفانيليا" تخلط جيدا في الإناء قبل أن تفرش في الطبق وندخلها الفرن ثم نقوم بسقايتها بالماء المحلّى بالسكر فتصبح جاهزة للأكل، أماّ الطبق الثاني فكان فيه بذور عباد الشّمس السّوداء الممزوجة بالملح يقوم والدي بإنضاجها في درجة حراريّة منخفضة لكي لا تحترق وندعوها "القلوب"، تناول أبي منها حفنة وضعها في كيس ورقي وطلب منّي أن آخذها معي إلى المنزل.
عاد العمّ فتوح ودخل المخبزة، ألقى نظرة سريعة على أطباقه. شكر والدي وأراد أن يقدّم الثمن فأجابه:"عيب يا فتوح، خذ سلعتك ولا تكرّر فعلتك. تناولت قليلا من "القلوب" وهذا كاف.
أجاب فتوح:"صحّة وبالشفاء لبابا الهادي، ربّي يفظلك" وانطلق في حاله يحمل أطباقه والبسمة تعلو محيّاه.
تذكّرت هذه الحادثة وقد مرّ عليها زمن طويل، رأيت بأمّ العين كيف تغيّرت المعاملات وأضحت المادّة هاجس الكلّ-إلاّ من رحم ربّي-.
في يوم من الأيام تزامن وجودي مع قدوم بائع للحلويات ندعوه "العمّ فتوح" ألقى التحيّة وأخذ يسأل عن أطباقه إن كانت جاهزة لأنّ بضاعته قاربت على النفاد.
يرتدي العمّ فتوح عادة بلوزة بيضاء كتلك التي يلبسها المعلّمون فتخاله عند وقوفه بعربته أمام باب المدرسة أنّه واحد منهم لولا تلك الطّاقيّة البيضاء على رأسه التي أهداه إيّاها أحد معارفه عند عودته من الحجّ.
تحتوى عربته التي صنعها بنفسه على أنواع مختلفة من الحلويّات والأطايب والبيض السّاخن الذي يدعوه "المروّب".
نظر أبي إلى ساعته اليدويّة وطلب منه العودة بعد ربع ساعة ليتسلّم حاجته ثم أمسك بيدي ودعاني لمرافقته إلى داخل المخبزة.
شكره العمّ فتوح ودعا له بزيارة قريبة إلى بيت الله الحرام.
أخذني والدي إلى الفرن وطلب منّي أن أفتح بابا بالطابق السفليّ بينما تناول كيسا فارغا من القماش ليقوم بإخراج طبقين منه.
كان بالطبق الأوّل تلك الوصفة العجيبة التي نسمّيها "هريسة اللوز" وقد يتبادر إلى أذهان من لا يعرفها أنّها أكلة حارّة ولكنها على العكس حلوة لذيذة.
يتكوّن طبق الهريسة من مادّة السّميد الخشن والسكّر وفتات اللوز ويمكننا أن نضيف إليه مسحوق "الفانيليا" تخلط جيدا في الإناء قبل أن تفرش في الطبق وندخلها الفرن ثم نقوم بسقايتها بالماء المحلّى بالسكر فتصبح جاهزة للأكل، أماّ الطبق الثاني فكان فيه بذور عباد الشّمس السّوداء الممزوجة بالملح يقوم والدي بإنضاجها في درجة حراريّة منخفضة لكي لا تحترق وندعوها "القلوب"، تناول أبي منها حفنة وضعها في كيس ورقي وطلب منّي أن آخذها معي إلى المنزل.
عاد العمّ فتوح ودخل المخبزة، ألقى نظرة سريعة على أطباقه. شكر والدي وأراد أن يقدّم الثمن فأجابه:"عيب يا فتوح، خذ سلعتك ولا تكرّر فعلتك. تناولت قليلا من "القلوب" وهذا كاف.
أجاب فتوح:"صحّة وبالشفاء لبابا الهادي، ربّي يفظلك" وانطلق في حاله يحمل أطباقه والبسمة تعلو محيّاه.
تذكّرت هذه الحادثة وقد مرّ عليها زمن طويل، رأيت بأمّ العين كيف تغيّرت المعاملات وأضحت المادّة هاجس الكلّ-إلاّ من رحم ربّي-.
تعليق