
دخلت دكّان الحلاقة لتحسين لحيتي الشعثاء، لأجد طابورًا " كفرقة منسجمة " من مختلف الأعمار، آه لو كنا دائما بذات الانسجام .
الأمر يحصل سوى عند الحلاّق، لماذا يا ترى؟.
سارعت إلى حجز كرسي شاغر قبل أن يظفر به غيري، صار سلوكا عندي ،وفي مثل هذه الأوكار الدّاجنة وخاصّة في المناسبات الكبيرة ، ونحن على وقع انتخابات بلدية في مستوى " داربي محلّي "، والكلام فيه عن المُرشّحين أصبح أخطر من الرّصاص ،والحذر منه بات مطلوبًا.
ولمّا كان الكلام مثل القتال، ولا بد له من طرفي نزاع، فقد نهض يتكلّم واحد هنا ، ليرد عليه من هناك آخر، وبين هذا وذاك يتدخّل الحلاّق بمكره ودهائه ليلهب النّقاش، فهو بطبعه الخبيث لا يحلو له العمل إلاّ في الأجواء العكرة ، وكلما تكلّم أحدهم حسب هواه ونظرته للواقع ، تسبّب في تعكير المزاج لدى الطرف الآخر، وذاك ما كان يبحث صاحبنا الحلاّق عنه، والذي يعينه في مكره وخداعه هذا ، بعض الأشخاص ممّن عرفوا بتردّدهم على دكاكين الحلاقة لا لشيء ، ودون حاجة إلى تهذيب أو إلى تحسين، سوى لتمضية الأوقات في الثرثرة و الترويج للأخبار .
حقيقي كنّا خير أمّة أخرجت للنّاس، لكن البعض من كثرة الفراغ، يتطلّع إلى ما في الأفواه ويتتبّع العورات ويهتك الأسرار والأعراض ويوشي بالنّاس ويروّج للكذب ... حتى أصبحت هواية مُفضّلة عنده ، ما يستوجب الحذر منه ومن استدراجه، بالإعراض عن الخوض معه في متاهات الكلام دون فائدة .
جلست قرب طاولة صغيرة متحوفة بأنواع الجرائد القديمة ، عديمة القيمة ، وبعض مجلاّت بواجهات خليعة، تعمّد تصفيفها صاحبنا الحلاّق ، ولأن بعض الزبائن اعتادوا النّأي بالنفس عن مجاراة الثرثارين في الكلام، ليجدوا فيها وفي صمتهم وسكوتهم خير جواب .
تناولت إحدى الجرائد أبحث عن موضوع أتسلّى به وأتحيّن دوري ،في ذات الوقت، لكن قلبي مع غيري ، يتلهّف شوقًا لسماع الأخبار، فنحن على أبواب " دربي " لعين يتسبّب في حمّى النفوس ، والمرء لا يصبر على التفوّهات.
وبينما أنا كذلك أترقّب،إذ بالجدال يحتدم بين مناصرٍ يدافع بشراسة عن مرشّحه ، ومُغرضٍ يتلاعب بمشاعر غيره:
- " يقال بأن مرشّح " الرّاندو " لديه دكتوراه في الاقتصاد "
- " ابن عائلة ومحترم "
نهض آخر من هناك:
- " دكتوراه في الاقتصاد، تبارك الله، لكن المسكين لا يقدر على تسيير بلدية مثل (مداوروش) "
واستطرد في الكلام معلّلاً قوله بأن البلدية لا تُسيّر بالمستوى العالي ولا بالدبلوم، لأن الذين يعملون فيها، أو الذين يشرفون عليها، سواء من قريب أو من بعيد، سرّاق فاسدون يتعاملون بالرشاوي ويتلاعبون بالأموال، لذلك هم يخافون من أصحاب المستوى العالي وأبناء الأصول ، مثل صاحبنا الدكتور الذي يشكّل خطرا على السُرّاق الفاسدين ، بمستواه الأخلاقي، وبكفاءته ونزاهته.
تعليق