قصص وعبر- الهنشير- أعلم البشر-عبد القادر الجيلاني..للكاتب حاتم سعيد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    قصص وعبر- الهنشير- أعلم البشر-عبد القادر الجيلاني..للكاتب حاتم سعيد

    القصّة الأولى:

    أردت أن أتعرّف على جذور عائلتنا وعن سبب قدومنا إلى هذه المنطقة فقال والدي:"هي قصّة طويلة، تتلخّص في ذلك الصراع حول هنشير يقع أنحاء الساحل وهو عبارة عن مجموعة من الأراضي الخصبة الممتدّة الأطراف وقد كان ملكا مشاعا بين قبيلة أولاد سعيد وقبائل أخرى مثل "نفات" والتي كانت جميعها ترتحل بحثا عن المرعى كلّما قلّ الكلأ والعشب لإطعام الماشية فيستغلّ البايات مغادرتهم له للاستيلاء عليه".
    - وكيف كان يتصرّف أجدادنا؟
    - كانوا يثورون عليهم ويستردّونه بقوّة السّيف.
    - وما وضعيّة ذلك الهنشير اليوم؟
    - لا أعلم، فوّت فيه البايات بعد اصدار قانون الملكيّة العقاريّة للوزير المصلح خير الدين باشا كمنحة بدل المال فقام هو ببيعه إلى شركة مرسيليا الفرنسية للقرض قبل دخول الاستعمار بفترة قصيرة وقد جلبت هذه الشركة معمّرين فرنسيين وإيطاليين فقاموا بتسجيله باسمهم واستحوذوا عليه.
    - المصلح خير الدين فعل ذلك!
    - للأسف، نعم، هكذا جرت الأمور، لم يجد الباي مالا ليسدّد جرايته فأعطاه الهنشير دون استشارة أو موافقة المتحوّزين عليه وأمام رفضهم اختار خير الدّين أن يوظفهم عنده مقابل خمس المحصول مبرما معهم عقود "خماسة" أمّا بعد فراره إلى تركيا فقد باع الأرض إلى الأجانب ولم يتمكّن للأسف أجدادنا من إثبات حقّهم لدى المحاكم التي أصبحت تلزمهم بتسجيل الأرض بأسمائهم.
    أخذ والدي بعد ذلك يروى لي قصّة مشهورة عن فترة النّزاع فحدّثني عن أحد البايات الذي أرسل مجموعة من الجند للاستحواذ على تلك الأراضي وبعد معركة غير متكافئة قُتل فيها خلق كبير من فرسان أولاد سعيد، طلب قائد جند الباي من شيخ القبيلة أن يستسلم حقنا للدّماء فرفض وقال له ملزومة هذا مطلعها:"
    يا جاي من بلاد التّـرك * يا ويحك من أولاد سعيـد
    لا يغرّك جندك لا سلاحك * ما يموت منّا كان الصّنديد
    يبقى دمّه وراك ملاحق * لا ينفعك باي ولا درع حديد
    اغتاظ قائدهم وطالب جنده برأسه فاندفع الشيخ مقتحما صفوفهم يضرب بسيفه ذات اليمين وذات الشمال موقعا فيهم عديد القتلى، ولكنّهم عاودوا استعدادهم وتحلّقوا حوله من كل جانب وتمكّنوا من قطع رأسه ، وبقي الجسد على صهوة الجواد، عندها تقدّم قائد الجند وحمل ذلك الرّأس ليبرزه إلى باقي أفراد القبيلة وهو يضحك.
    في تلك اللحظة حدث ما لم يكن في الحسبان، تحرّك جسد الشيخ ورفع السيف الذي بقي في قبضة يده وقطع رأس ذلك القائد وسقط معه على الأرض، فاندفع من تبقى من فرسان القبيلة مع النسوة والأطفال والعجائز يحملون أوتاد الخيام للقتال فصعق جند الباي وولّوا الأدبار وقد أصابهم الرّعب.

    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

  • محمد شهيد
    أديب وكاتب
    • 24-01-2015
    • 4295

    #2
    أستاذ حاتم، القصة الأولى جمعت بين أحداث تاريخية وأخرى من وحي الخيال فكان المزيج بين النوعين في غاية التجانس والفضل يرجع لقدرتك على السرد "الحكواتي" الدي وبدون شك ورثته عن والدك الكريم.

    أنا أيضاً شغوف بمثل هذا النوع من الحكي، على نمط الأزلية والعنترية.

    ننتظر المزيد.

    تعليق

    • حاتم سعيد
      رئيس ملتقى فرعي
      • 02-10-2013
      • 1180

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة محمد شهيد مشاهدة المشاركة
      أستاذ حاتم، القصة الأولى جمعت بين أحداث تاريخية وأخرى من وحي الخيال فكان المزيج بين النوعين في غاية التجانس والفضل يرجع لقدرتك على السرد "الحكواتي" الدي وبدون شك ورثته عن والدك الكريم.

      أنا أيضاً شغوف بمثل هذا النوع من الحكي، على نمط الأزلية والعنترية.

      ننتظر المزيد.
      أهلا ومرحبا أستاذي الكريم
      هو كما قلت مزيج بين النوعين تراث مادي مكشوف وتراث أسطوري متداول جمع بينهما الخيال، اعتمدته في روايتي التي صدرت مؤخرا في سبتمبر 2017 بعنوان"رصاصة واحدة لا تكفي.."
      اختيار الأب كسارد للأـحداث هو في الحقيقة حنين دائم لجلسات العائلة في ذلك الزمن الجميل وهو في آن رسالة إلى جيل المستقبل (أبنائي).
      شكرا على مرورك الرائع

      من أقوال الامام علي عليه السلام

      (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
      حملت طيباً)

      محمد نجيب بلحاج حسين
      أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
      نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

      تعليق

      • حاتم سعيد
        رئيس ملتقى فرعي
        • 02-10-2013
        • 1180

        #4
        سألني والدي:"هل تعلم من هو أعلم البشر؟"
        قلت:لا أعلم يا أبي؟
        قال: كان ذلك في عهد نبي الله موسى عليه السلام وقد بعثه الله رسولا في بني إسرائيل فسأله قومه: أي الناس أعلم؟ أجابهم : أنا، فأوحى إليه الله أنّ له عبداً أعلم منه.
        سافر نبي الله للبحث عنه، ولمّا وجده طلب منه أن يعلّمه، فأخبره أنه لن يحتمل رفقته ولكنّه أصرّ، فاشترط عليه أن لا يسأله عن شيء يراه يفعله حتى يخبره بنفسه فوافق.
        انطلق الرفيقان يمشيان على ساحل البحر، فمرّت سفينة فحملتهما بغير أجر، ولكن موسى عليه السلام تفاجأ بخلع مرافقه لوحا من السّفينة ممّا سيؤدّي إلى غرقها فعاتبه، ولكن صاحبه ذكّره بالاتّفاق فاعتذر نبيّ الله، ثم مشيا على الساحل فوجدا غلاماً يلعب مع أقرانه فقتله، فتعجّب سيّدنا موسى وأنكر عليه فعلته، فعاد وذكّره بالعهد.
        استكمل الإثنان مسيرتهما إلى أن أتيا قرية لم يقبل أهلها ضيافتهما، ووجدا جداراً آيلاً إلى السقوط فأقامه الخضر بدون مقابل، ولكنّ موسى عليه السلام سأله: لو طلبت أجراً على عملك هذا؟
        عندها أعلمه بأسباب الحوادث الثلاث التي رآها معه معلنا أنّه عليه أن يفارقه، قال:"عندما قمت بتعييب السفينة، كان ذلك إنقاذاً لها من غضب ملك ظالم يغتصب كل سفينة صالحة جيدة، فكان في ظاهر عملي الفساد رغم ان في باطنه الرّحمة. أمّا قتل الغلام، فقد كان حِفْظاً لدعوة والديه الصالحين من انحرافه و كفره و طغيانه وسيعوضهما الله خيراً منه. أمّا عن إعادة بناء الجدار، فأردت أن أحافظ على كنز ليتيمين صغيرين من أصل كريم، ليستخرجاه عندما يبلغا أشدهما".
        ختم رفيقه قائلا: " لم أفعل ذلك بعلمي و لا برأيي، و إنمّا كان ذلك بعلم الله وإلهامه لي فإني لا أعلم الغيب".
        أردف والدي:"تجد هذه القصّة في سورة الكهف يا ولدي فسبحان الذي علّمنا وألهمنا وهدانا".

        من أقوال الامام علي عليه السلام

        (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
        حملت طيباً)

        محمد نجيب بلحاج حسين
        أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
        نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

        تعليق

        يعمل...
        X