دماء علي سفح جبل ليريا

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد الطيب يوسف
    أديب وكاتب
    • 29-08-2008
    • 235

    دماء علي سفح جبل ليريا

    حبيبتي ماريا

    أكتب إليك رسالتي الأولي منذ رحيلي عنكم وها نحن الإن قد أكملنا ثلاثة أشهر في هذه الارض الحمراء التي تدعي الجنوب.

    بعد أن أتوا بنا الي جوبا .. لم يمهلونا سوي ثلاث ليالي ثم أتوا بنا الي هذا الجحيم الذي يدعي جبل ليريا.. نقتات علي الكوجة والويكة شئ مذاقه مثل مذاق الأحذية القديمة وقد نتبعه في بعض الأحيان بكوب من الشاي الأسود حسب التشوينات .. نقطن بين القطاطي والخنادق في سفح جبل ليريا وأنا أكتب لك في هذه الرسالة أسمع أصواتهم وهم يلعبون الورق ويرتشفون الشاي .. بعضهم يتسلل الى القرية القريبة من هنا ويأتون مع تباشير الصباح ورائحتهم مزيج من رائحة الخمر والنساء .. يتبادلون أسرار الليلة الماضية وهم يتضاحكون فهكذا يجابهون الموت بلامبالاة تثير فيّ الدهشة .. أظن أن الضباط يعلمون بهذا ولكن يغضون الطرف لعلمهم بإنعدام وسائل الترفيه في هذه الأحراش .. أضف الي ذلك قنينات العرقي جيد الصنع التي يبتلعها ميز الضباط كل يوم يأتي بها بعض العساكر ثم لا يفرج عنها الا وهي فارغة.
    عم عبد الخالق .. صول .. له في الجنوب حوالي العشرون عاماً .. يدفن هنا قص زواجه الفاشلة وزوجة خائنة وإبن ينتمي إليه وليس من صلبه ينسي ألمه وحزنه بين أحضان المومسات والدخان الأزرق وكاسات العرقي وعندما يدور (الكوماج ) يقاتل في بسالة أقرب للإنتحار ولكن الموت لايأتي إليه أبداً وبعد أن يثمل تماماً يبكي مثل طفل صغير ثم ينام بين دموعه .
    كم أصبح طول خالد الآن .. لقد أكمل عامه الأول ولابد أنه خطا خطوات الأولي وأنا بعيد عنه .. إجازات المدارس قد إقتربت وسترتاحين من الحصص وغبار الطباشير .. هل تزورين أمي بإنتظام .. أوصيها أن تكثر لي من الدعاء فالموت هنا قريب جداً قد يأتي من خطأ صغير وأنت تنظف سلاحك دعك من المتمردين الان .. لست جباناً ولكني لاأريد أن أموت قبل أن أضمك الي صدري مرة أخري .

    هل تدركين أن الموت هنا سهل جداً يا ماريا .. قد يختبئ بين دخان سيجار فقط .. دعيني أحكي لك قصة حدثت لنا هنا بسب سيجارة وغباء ملازم جديد فرح بنجمتين تزينان كتفيه..
    التدخين ممنوع منعاَ باتاً في المعسكر ليلاً لان المتمردين يوجدون في مجموعات صغيرة بالقرب منا لذلك فإن أشعال عود ثقاب بالليل يعتبر مجازفة كبيرة دعك من تدخين سيجار كامل قد يستغرق ثلاث دقائق علي أحسن الفروض .. أصر هذا الملازم علي التدخين ليلاً في عناد طفولي .. فأشعلها ولكنم لم يمنحوه فرص أن يدخنها كامل إصطادوه كعصفور غبي وذهب ضحية مغامرته هذه سته من الجنود كانوا يقفون بالقرب منه .. حينها أدركت أن الموت يمكن أن يختفي وراء نجوم ليس لها بريق ..

    قبل فترة قصيرة حدثت لنا حادثة غريبة سأحاول أن أحكيها لك في هذه الرسالة فلا أدري هل سأستطيع أن أكتب لك رسالة أخري أم لا أما الآن فسأفارقك قليلاً كي اقابل الضابط في أمر ما وسأعود إليك لاحقا
    أحبك

    حسناً ها أنا ذا اعود إليك مرة أخري كنت قد أخبرتك عن حادثة غريبة قد حدثت لنا هنا .. معسكرنا يوجد عند سفح الجبل ومن الجهة الأخري يوجد المتمردون .. لا أدري من اين قد أتتهم الفكرة ولكنّا أصبحنا ذات صباح فوجدنا أحدهم قد إحتلّ أعلي الجبل وبدا في إصطيادنا بانتظام .. تحول معسكرنا الي ساحة تنشينه الخاص فأصبحت الحركة داخل المعسكر ضرباً من المخاطرة ومايغيظ في الأمر أننا لا نستطيع أن نرد له الجميل فهو يوجد في اعلي الجبل وعملية التصويب عليه ليست دقيقة بالتأكيد .. طابت له اللعبة فأصبح يلعب معنا لعبة القط والفأر فقد يظل طول النهار يترقبنا فقط دون أن يطلق النار ثم فجأة وعند العصر يقتنص أحدنا ثم يعقب ذلك بضحكة عالية ممزوجة بالشماتة ..
    وعند الليل يصلنا صوت غنائه وهو ثملاً ثم يبدا في توجيه إساءات بذيئة إلينا .. في إسبوع واحد قتل منا ثلاثة عشرة رجلاً فأصدر قائد المعسكر أمراً باقتحام وكره الإتيان به حياً أو ميتاً .. تحرك ثمانية منا لتنفيذ العملية ولكن لم يعد منهم أحد وعند الصباح وجدنا جثثهم مرمية عند سفح الجبل وقد زينت جبهة كل منهم برصاصة مقيتة .. فارتفع عدد ضحاياه الي واحد وعشرون رجلاً .. لم ييأس قائد المعسكر فارسل سرية كاملة مكونة من ثلاث وثلاثون رجلاً كنت من بينهم .. كنا نقترب منه في حذر بالغ وصوت غنائه يصلنا واضحاً .

    أعتقد أنا باغتناه فلم تند منه سوي صرخ صغيرة ونحن نغرقه بنيراننا .. تفاجأنا بوجود ثلاث معه لم نرصدهم من قبل .. كان وقع المفاجأة ثقيلاً عليهم ولكنهم قاتلونا كالليوث الجريحة مما يدفعني لأن أتساءل هل لهؤلا الرجال قضية عادلة يقاتلون من أجلها في نظرهم علي الأقل؟؟ .
    بعد أن توقف إطلاق النار من جانبهم أقتربنا منهم في حذر كان أحدهم مازال حياً لن تصدقي حين أقول لك من هو
    العم جورج .. جارنا في الحي.... له ولد في مثل عمري إسمه وليام لا أظن أنك تعرفينه فقد ترك البيت منذ أكثر من عشرة أعوام وقتها كنت أنت دون العاشرة وكنت أنا في بداية الثانوي .. كنا أنا ووليام ندرس في مدرسة واحدة وكنت أردفه معي في دراجتي في مشوار المدرسة اليومي .. حسناً كان هذا الرجل الذي يلفظ أنفاسه أمامي هو وليام .. نظر الي بصورة غريبة لابد أنه قد عرفني ولكنه لم يتكلم فقط مات في هدوء وترك لي عيناه تؤرقان نومي .. لابد أن أنبهك الا تخبري جورج أن ولده قد مات فهو يعيش علي أمل أن يراه مرة أخري .. لم أكن أظن أن قصة وليام ستنتهي هذه النهاية المأساوية .. ربما نكون غير محقين في حربنا هذه .. آه لا أستطيع أن أنسي عيني وليام يا ماريا.

    أظن أنه ينبغي أن أختم هذه الرسالة .. لا أدري كيف أوصلها اليك فقد تظل معي حتي أعود إليكم ثم أقرأها لكما أنت وخالد ونحن نجلس تحت ظل النيمة الكبيرة .. وقد ييسر لي الله من يحملها لكم .. لست أعلم إنتبهي لصحتك ولخالد وأغرقيه بالقبلات وغطيه بالليل

    أحبك بجنون

    عماد

    طوي الضابط الرسالة في هدوء وأدخلها داخل الدرج ثم سأل الرقيب الذي يقف أمامه

    - هل هذا كل ماعثرتم عليه في المعسكر

    - نعم سيدي ستجد في هذا الملف أسماء الجنود جميعاً ومعه بطاقاتهم العسكرية وقد إنتهينا الآن من دفنهم جميعاً

    فتح الضابط الملف وقرأ اللستة في إهتمام

    1-

    2-

    .
    .
    .

    19- عماد خالد الطيب

    طوي الملف وهو يتنهد في أسف




    تمت
    صفحتي الخاصة

    http://www.facebook.com/group.php?gid=500474340299
  • ريمه الخاني
    مستشار أدبي
    • 16-05-2007
    • 4807

    #2
    رغم متعة قراءتها الا انني وجدت حلقه مفقوده كانت يجب ان تتواجد كمفاجاه في النص
    اسجل مروري وتقديري

    تعليق

    • محمد الطيب يوسف
      أديب وكاتب
      • 29-08-2008
      • 235

      #3
      [align=right]رغم متعة قراءتها الا انني وجدت حلقه مفقوده كانت يجب ان تتواجد كمفاجاه في النص اسجل مروري وتقديري[/align]
      كتابة النصوص التي تجسد الحرب من النوع الصعب جداً آسف إذا كان النص دون توقعاتك شاكر لك حسن مرورك ولي قدام تحياتي
      التعديل الأخير تم بواسطة محمد الطيب يوسف; الساعة 30-08-2008, 21:40.
      صفحتي الخاصة

      http://www.facebook.com/group.php?gid=500474340299

      تعليق

      • محمد الطيب يوسف
        أديب وكاتب
        • 29-08-2008
        • 235

        #4
        >>>>>>>>

        من أجل المزيد من القراءة
        صفحتي الخاصة

        http://www.facebook.com/group.php?gid=500474340299

        تعليق

        • حماد الحسن
          سيد الأحلام
          • 02-10-2009
          • 186

          #5
          مساء الخير الأستاذ محمد الطيب يوسف
          حتى ولو كنت بحاجة لشرح معاني بعض المفردات , لكن هذا لم يوثر كثيراً على متعتي بالنص, في البداية كنت راغباً بمعرفة الطرفين المتحاربين, ومن ثم جعلهما النص في خندق واحد , والحرب كعادتها لا تترك بيتاً بلا مصيبة, شكراً وإذا تأخر ردي فلي عذري وأتمنى منك قبوله.
          ودمتم بمودة واحترام بالغين

          تعليق

          • عائده محمد نادر
            عضو الملتقى
            • 18-10-2008
            • 12843

            #6
            الزميل القدير
            محمد الطيب يوسف
            أذكر هذا النص تماما
            وأذكر أني بكيت وأنا أقرؤه لأنه يصور مأساة الحروب وكم نخسر فيها من أرواح البشر
            ربما فاتك وأنت الأديب أن هناك بعض الأخطاء البسيطة التي أرجو أن تراجعها وتصحهها زميلي
            نص موجع حقيقة وفيه شجن يؤلم الروح
            والوجع صار رديفا لنا
            لايهم من يقاتل من فهناك أرواح ودماء تسفك ومن نفس الوطن
            تقبل ودي وتحياتي
            الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

            تعليق

            • محمد الطيب يوسف
              أديب وكاتب
              • 29-08-2008
              • 235

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة حماد الحسن مشاهدة المشاركة
              مساء الخير الأستاذ محمد الطيب يوسف
              حتى ولو كنت بحاجة لشرح معاني بعض المفردات , لكن هذا لم يوثر كثيراً على متعتي بالنص, في البداية كنت راغباً بمعرفة الطرفين المتحاربين, ومن ثم جعلهما النص في خندق واحد , والحرب كعادتها لا تترك بيتاً بلا مصيبة, شكراً وإذا تأخر ردي فلي عذري وأتمنى منك قبوله.
              ودمتم بمودة واحترام بالغين
              سيد الاحلام / تحية طيبة

              اللغة هي سيدة الموقف أينما حلت ولكنني هنا بحثت عن روح الكتابة عندما تلتقي برهق القراءة وسعيد لأن شن وافق طبقة عندك
              نعم ياسيدي العزيز هي الحرب التي تجمع الجميع في خندق واحد
              محبتي وودي
              صفحتي الخاصة

              http://www.facebook.com/group.php?gid=500474340299

              تعليق

              • صالحة غرس الله
                عضو الملتقى
                • 09-05-2010
                • 79

                #8
                إلى واحد وعشرون الصواب أن نقول إلى واحد وعشرين وذلك لأن التركيب جري وعشرين معطوف على واحد فلابد أن تجر بالياء
                حوالي عشرون التركيب هنا إضافي وعليه فهو يجر بالإضافة
                وهو ثملاً هنا مركب إسنادي اسمي والمبتدا والخبر حكمهما الرفع ولا موجب للنصب
                من غيرتي على النص أقف على هذه الهنات
                لأن نصا بهذا الجمال لابد أن يكون نقيا زلالا
                رائع ما خطت يداك أخي محمد الطيب
                لم أسق كل ملاحظاتي هي البعض فقط لما يتطلب ذلك من وقت
                تحياتي
                التعديل الأخير تم بواسطة صالحة غرس الله; الساعة 24-05-2010, 18:35.

                تعليق

                • أحمد ضحية
                  أديب وكاتب
                  • 10-05-2010
                  • 121

                  #9
                  "دماء على جبل ليريا" نص واقعي يرصد هامشا لوقائع يومية في حرب الشمال و الجنوب ..ويمثل إضافة إلى الكتابة المهتمة بالتوثيق لوقائع هذه الحرب أدبيا , خاصة أن الكاتب السوداني "الشمالي"- للمفارقة - لم يعطي تجربة الحرب في الجنوب والنيل الأزرق وجبال النوبة وشرق السودان ومؤخرا جدا دارفور .. لم يعطي موضوع الحرب في أطراف السودان كلها ,حقه من الكتابة الادبية التي تعكس مأساة الحرب وفظاعتها بإستثناء اقلام سودانية قليلة أغلبها من الجنوب مثل :
                  تعبان لينفق «الكلمة الأخيرة» 1968، و«مات زنجى آخر» 1968
                  جاكوب جل أكول : «عودة العاصفة» مجلة الخرطوم 1995
                  أغنيس لوكودو : «الربيبة» مجلة سوداناو 1995
                  ألينورول دينق : «نهاية القحط» صحيفة الصحافة 1978، «حفيد كاهن المطر» مجلة الإذاعة والتليفزيون 1976، «الشجرة العرجاء» سوداناو 1976
                  فرانسيس فيليب : «من أجل محبةاياي» 1976
                  أيتم آياك : «حياتان» 1976
                  فرانسيس دينق : «بذرة الخلاص وطائر الشؤم» 1994، وقد صدرت الروايتان فى مركز الدراسات السودانية القاهرة.
                  إلى جانب كتابات القاصة الصاعدة إستيلا قاتيانو التي تاتي أهمية كتابتها أنها تكتب باللغة العربية وليست الانجليزية مثل أغلب كتاب الجنوب..

                  أحد أهم الأسئلة التى طرحها السرد المهموم بقضايا الحرب في الجنوب : سؤال الهوية، إذ يواجه مفارقة كونه مكتوبا باللغة الإنجليزية، لقارئ إن لم يكن أميا "ويكاد يكون أميا فى الجنوب" إذ تهيمن اللغات المحلية غير المكتوبة على الحياة اليومية, باستثناء المتعلمين بالطبع وهم قلة مقارنة بغير المتعلمين إلى جانب أن القارئ فى السودان بصورة عامة لغته الرسمية سواء التى يتحدث بها أو يمارس بها حياته اليومية - بل ويفكر ويحلم بها -، هى اللغة العربية..
                  وأبرز ما اعتمدت عليه البنى الحكائية، للسرد المهموم بقضايا الحرب في الجنوب كتيمات أساسية : الهوية، قضية المرأة، الطقوس، الأساطير، الحكايا الشعبية وعلاقة الإنسان بالمكان، كما اتسم هذا النوع من السرد بتوظيفه للتقنيات الحديثة أسوة بالسرد السوداني بصورة عامة كالأسلبة الاجتماعية وانعكاس المرايا لبث التاريخ الذاتى، إلى آخره من تقنيات مثل الفلاش باك والفلاش فور وول ..كما وسم العديد منها الأسلوب الأرسطى الموباسانى كما عند جوناثان ميان وألينو رول دينق - ، ونجد أن السرد فى الجنوب والشمال يسير فى خطين يتقاطعان عند نقطة واحدة تمثل مشتركا إنسانيا كونيا فى جوهره : سؤال العلاقة بين الذات والآخر!..
                  نأمل أن ينضم إلينا هنا في الملتقى كتاب ينتمون لفضاء السرد في الجنوب والشمال مثل القاص قبريال قرنق وابراهيم بشير ابراهيم لإغناء فضاء أدب الهامش والحرب في السودان وهو فضاء فقير حقا على الرغم من ضخامة تجربة التهميش والحرب لما يزيد عن نصف قرن .. شكرا لك محمد يوسف على فتح هذا "النفاج" ..
                  [mark=#FFFFCC]
                  الحزن لا يتخير الدمع ثيابا
                  كي يسمى في القواميس بكاء ..
                  الصادق الرضي
                  [/mark]

                  تعليق

                  يعمل...
                  X