مقامة الأعمش

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد شهيد
    أديب وكاتب
    • 24-01-2015
    • 4295

    مقامة الأعمش

    مقامة الأعمش

    حَدّثَنا الأبْكم بن والديه عن جده الأطرش أبي وَلَديه، أنه سمع الأخْرس بن أخت خَالَوَيْه يقول:

    بَينَما نَحن جلوسٌ في حضْرة الأعْمش ذاتَ وليمة، وكان شَيْخاً ذا بَصيرة، أدْركَ منَ الحِكمة الدرجة الرفيعة، رجُلٌ مُطاعٌ يُهاب، ما قَصَد بَابَه مُكْتَوٍ مُصاب، إلا وَ قَدْ عَلِم أن طَلبه في الحال مُستَجاب، يُرجَع إليه في أدنى صَغِيرة و أكْبر كَبيرة، و في كُل شَكوى وَ شَكيمة لِما أوتيَ من فِطْنةٍ سليمة وعَزيمةٍ رَشيدة،
    يَحضُر مَجلسَه أكابر القوم من السّاسَة والقَادة، و من اشْتَهر منهُم بالأدب والفَصَاحة، يَتوَسّطهم شرذمة من السوق والبَاعة و كذا كُلٌ مُسْتَرزقٍ متشَدّق و مُلَحّنٍ فِي القول مُنَافق...فَما أنِ امتدّت الأيادي إلى الَقصعة حتى دخَل علينا على حينِ غرّة، رَجُل حول وجهه لِثام، أطْنب في التحية و السّلام، فَقطَع عَلينا
    شَهْوة الطّعام. تفَضّل من غَيْر إذنٍ بالجُلوس، فَلَعنْتُ في نفسي ذاك المنْحوس، الذي أزال عنْ وَجْهه اللّثام، فبَدا عليه أثَر الجُذام، جَبِينه مَدقوق و أنْفُه مَشْقوق، فشَرَع المخلوق يَتلعْثم في الكلام و يَده من غير بسملة تشق طريقها صَوْب الطعام: قصدتك أيها الشيخ الجَليل يا من ليس لعدله في الناس مثيل، يا من يُجْبر كلّ كَسير عَليل، و ينْصر كل مظلوم ذَليل، وَ كُلّي رَجاءٌ أن أجِد في نُصرتك للْعبد الهزيل مَا يُشْفي الغَلِيل.

    فبعد أن تنطّع الرّجُل في الكلام تَنَطُّعَه في الطّعام، أَخْبَر الأعْمش صاحِب الوليمة بحكايته المُؤلمة وبما صار له في رِحْلته الأخيرة مع قُطّاع طرق في أقصى الجزيرة، تعَرّضوا سبيله و نهبوا رزقه و خطفوا أهله، فَلوْلا الحيلة لكادوا يحفرون قبره، ففرّ فالتاً بجِلده، إِلَى آخِره إلَى آخره...
    فبَعْد أن انْتَهى مِنْ قّص الْخَبَر، شقّ الرّجل عَلى بَعْض منْ حضَر، و شَكّك في صِدْقه نفرٌ أُخَر. أَما الأعمش المَقصود و كأنّه وليّ أمر المُسْلمين، حامي حِمى المِلّة وَ الدّين، ناصر المُسْتضعفين و قاهرِ المرتزقة المرتدين، فضَجر، وقَام مِن مقعده و شمّر، وطلع من فمه لهيب كأنه من سقر، وعقد النية أمام النفر، أن يخرج الليلة في سفر لينتقم ممن طغى وتجبر. فينتصر لرجل من قَبيلته، عَسى أَنْ يَرُد الاعتبار لِبَني عشِيرَته فيسترجع الأهل والمال الذي تَلف و يحوز الهيبة من رفعة المكانة وعظيم الشرف. وأخَذ مَعه من الذين حَضروا ثلاثة تبثت عليهم الشّجاعة والبَسالَة، ولم يختر من مجلسنا من به كعّ عُرِف بالضّعف والجبانة: فخَرج مَعه عَنَطْنطٌ جَرَنْفش، طويل قَامة، عصَب على رأْسه عمَامَة؛ وآخر جَلَنْدح عَثْجل، يُرهب به المُرتزقة مِن فَرط الضّخامة؛ وثَالث حِنْتَار، قَصيرُ القامة دَحْدَاح، لكنه رجُلٌ يَعدِل عشراً في الشّهامة. خَرَجُوا فِي مَوْكب مَهيب و كلّ واحد مِنهم يَحمل في يدِه هَرَاوه، قاصدين الجزيرة المشؤومة، ليحَققوا الموعود، ويعودوا إلى أهْليهم بطَوق الحَمَامة المفقود...

    وَحَمِدْت الله أن جعل في خَلقي عِلّة و لم يزدني في البَسالة بسْطة لكُنْت والعِياذُ بالله خَامِسَ فُرْسَان الطَّلِيعَة.
    فأقْسمْتُ أنْ أَلزَم الوَقار وأُكْثر مِن الإسْتغْفَار عَلى ألاّ أَعُود إِلى تِلك الدّار.

    م.ش.
    مونتريال
    صباح السبت 2 ديسنبر 2017.

    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 02-12-2017, 23:36.
  • زياد الشكري
    محظور
    • 03-06-2011
    • 2537

    #2
    أبدعت في نظم المقامة يا ابن شهيد الرفيع القامة، لا فض فوك ولا هنئ شانئوك، ذكرتنا بالهمذاني والحريري بما فتح الله عليك من تحريرِ، فأمتعت بها أمتعك الله، وأسبغ عليك صنوف الجاه .. فليتك تتبعها بأخريات فكلنا شوق لما هو آت، من ذرف قلمك السيّال الذرب، الصائل في فنون الجد واللعب!

    تعليق

    • نورالدين لعوطار
      أديب وكاتب
      • 06-04-2016
      • 712

      #3
      أصبحت مفوّها
      تصول وتجول في ميدان القول

      مقامة طريفة
      تحية

      تعليق

      • محمد شهيد
        أديب وكاتب
        • 24-01-2015
        • 4295

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة زياد الشكري مشاهدة المشاركة
        أبدعت في نظم المقامة يا ابن شهيد الرفيع القامة، لا فض فوك ولا هنئ شانئوك، ذكرتنا بالهمذاني والحريري بما فتح الله عليك من تحريرِ، فأمتعت بها أمتعك الله، وأسبغ عليك صنوف الجاه .. فليتك تتبعها بأخريات فكلنا شوق لما هو آت، من ذرف قلمك السيّال الذرب، الصائل في فنون الجد واللعب!

        وأنت يا زياد، أراك تملك الزاد، لنظم مقامة رفيعة، منسوجة من أحرف بديعة، مليحة طريفة، خفيفة ظريفة، تحمل بإيجاز، معنى المجاز. هيا دع عنك أكل الزبادي، وأتنا بالمرادِ، فشغفنا بالمقامة كل يومٍ في ازديادِ.

        م.ش.

        تعليق

        • زياد الشكري
          محظور
          • 03-06-2011
          • 2537

          #5
          ههه ..........

          تعليق

          • حنان عبد الله
            طالبة علم
            • 28-02-2014
            • 685

            #6
            ما أجمل ما كتبت هنا أخ محمد وما امتعتنا به في مقامة الأعمش هذا ووليمته
            دام الإبداع استاذ محمد شهيد

            تعليق

            • محمد شهيد
              أديب وكاتب
              • 24-01-2015
              • 4295

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة نورالدين لعوطار مشاهدة المشاركة
              أصبحت مفوّها
              تصول وتجول في ميدان القول

              مقامة طريفة
              تحية
              هي ذكريات بقيت عالقة في الذاكرة منذ الصغر أيام كانت دراسة المقامة في المقرر المدرسي. لا زلت أذكر على الخصوص مقطعاً من المقامة الدينارية للهمذاني: "يا وسخ الكوز، يا درهماً لا يجوز..."
              فأحببت هذا الفن وأسلوبه لكنني كنت دائماً أعجز في تأليف شيء يستحق النشر...

              تحياتي لك صديقي نور الدين.

              تعليق

              • محمد شهيد
                أديب وكاتب
                • 24-01-2015
                • 4295

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة حنان عبد الله مشاهدة المشاركة
                ما أجمل ما كتبت هنا أخ محمد وما امتعتنا به في مقامة الأعمش هذا ووليمته
                دام الإبداع استاذ محمد شهيد
                وجودك معي الآن فرض علي سؤالاً بخصوص فن المقامة عند العرب لم أفكر به من قبل: هل لدينا في المخزون الثقافي مقامات من تأليف نساء؟ ثم هل في وقتنا المعاصر لدينا من الكاتبات والأديبات من اهتم بهذا الضرب من الفنون أم هو حكر على الذكور؟ حقيقة لست أدري. لا بد أن أبحث.

                تحياتي إليك حنان.
                التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 03-12-2017, 16:47.

                تعليق

                • محمد شهيد
                  أديب وكاتب
                  • 24-01-2015
                  • 4295

                  #9
                  كما وعدت، قمت ببحث سريع عن رواد فن المقامة فلم أجد من بينهم نساء.


                  انظر هذا المبحث للدكتورة عائشة يحيى الحكمي عن أصل المقامة وخصائصها و أغراضها وروادها. الكاتبة تختم المقالة ذاكرةً:

                  "وتجدر الإشارة إلي أن هذا الفن فن عربي أصيل يستحق اهتماما أ?ثر من ذي قبل من جانب الباحثين والدارسين والأدباء ليعرفوا بذل? الجيل الجديد جانبا من جمال الأدب العربي بمناهله الثرية وتراثه الضخم."

                  نود عودة كتاب المقامة لإحياء هذا الفن الأصيل النابع من عمق تراثنا العربي المجيد.
                  التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 07-12-2017, 11:58.

                  تعليق

                  • زياد الشكري
                    محظور
                    • 03-06-2011
                    • 2537

                    #10
                    الجميل جداً في المقامة هو ما تمنحه للقارئ من ذخيرة لغوية من غرائب لغة العرب، هذا ما يروقني فيها.

                    تعليق

                    • محمد شهيد
                      أديب وكاتب
                      • 24-01-2015
                      • 4295

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة زياد الشكري مشاهدة المشاركة
                      الجميل جداً في المقامة هو ما تمنحه للقارئ من ذخيرة لغوية من غرائب لغة العرب، هذا ما يروقني فيها.
                      هو ذاك، بالفعل.

                      تعليق

                      • زياد الشكري
                        محظور
                        • 03-06-2011
                        • 2537

                        #12
                        أعمل على مقال، هو إهداء خاص لك ..
                        سأفرغ منه، وأضعه بقسم النقد.

                        تعليق

                        • محمد شهيد
                          أديب وكاتب
                          • 24-01-2015
                          • 4295

                          #13
                          تهادوا تحابوا. والمحبة بيننا حاصلة حتى من قبل التهادي. أحسن الله إليك.

                          تعليق

                          • زياد الشكري
                            محظور
                            • 03-06-2011
                            • 2537

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة محمد شهيد مشاهدة المشاركة
                            تهادوا تحابوا. والمحبة بيننا حاصلة حتى من قبل التهادي. أحسن الله إليك.

                            ومع حاصل المحبة، فالوفاء بالوعد واجب .. تفضل وادخل برجلك اليمين ههه :

                            جدلية الصراع في سيرة حمزة البهلوان! "مهداة إلى محمد شهيد" مخطئٌ من يظن أن الصراع العربي الفارسي وليد عهد قريب، فليس التصادم الذي نشهد وقائعه في الساحة الدولية سوى نذر يسير مما سجلته أضابير التاريخ، وصيرورة حتمها امتداد لتاريخ موغل في القدم. ينقل إلينا التاريخ المسجل حقائق مدهشة تحتم أن يكون هذا الصراع في خانة

                            تعليق

                            • محمد شهيد
                              أديب وكاتب
                              • 24-01-2015
                              • 4295

                              #15
                              حفظك الله ورعاك، صديقي زياد.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X