تمثال حالم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسن لشهب
    أديب وكاتب
    • 10-08-2014
    • 654

    تمثال حالم

    تمثال حالم

    طقس جليدي، سماء رمادية حبلى بسحب ثقيلة، بين الفينة والأخرى يلمع برق خاطف وتسمع في الآفاق قعقعة رعد ترتعد له الفرائص، تصفع وجهه سياط ريح باردة ، قدماه متعبتان .. ما عادتا تسعفانه كما سلف من الأيام …
    شعور بالغضب يكتمه صامتا يخشى الكلام مع الناس خوفا من الانفجار ، يناضل ضد ظلام غامض ، لا يشعر ببصيص نور، عساه يستعيد ملامح هوية سحقتها الأيام . ما بال الحياة لم تعد بذات الوضوح والتلقائية ! حتى غادرت الفتنة المكان …
    ما من أياد تنشد قمم الجبال وشم النسيم متى حل المساء…
    لم يعد الناس هم الناس ولم يعد للقول معيار لا من الذهب ولا الماس…
    بالمقهى يجالس أشخاصا غرباء ، طلبا للانفلات مما يقلق البال.
    ويتذكر …
    حضورها لم يدم طويلا، أدمن قراءتها مثل حكاية فكك متوالياتها حتى أغرقته التفاصيل فغابت الحكاية.
    و يتذكر..
    كانت تعشق حركة العين ، وتستهلك حركة اللسان من وقتها دهرا ، فتلاشت صفحات و تفاصيل كينونة أرادها فاعلة ، فراشة كانت تشق طريق النجوم فتاهت في ظلماء الكهوف تنشد لحن عشق مجنون . فوق صخرة الحلم نحت وعدا باللقاء لو أعيد تشكيل الكون لإنقاذ القصة التي اختنقت قبل الاكتمال.
    _ ما أشقاني بسببك بعد أن صار الحلم يبابا قال لها…
    _ عالمنا فضاء لقصص حالمين وواقفين على الأقدام قالت فاعدل وقفتك عساك تراني ككل الناس .
    فتح باب بيته ، وأسرع بإغلاقه ينشد الدفء ، أنفاس لاهثة وقلب عاد ينبض كما سلف من أيام الصبا ..
    كانت الساعة قد جاوزت العاشرة ليلا ….
    حانت لحظة الانتظار…
    ومرور القطار ، سارع إلى إبعاد كل ما كان قابلا للكسر .
    تذكر الرجل الذي اعتاد الجلوس تحت النافذة ، برودة تعم كل الأركان .
    بدأ نزول المطر في تلك الأثناء ، خيوط ماء تنزل بسلاسة وسكون وكأن السماء انخرطت في بكاء صامت.
    نظر حيث يجلس الرجل خلسة ، صارا شبيهين بحكم انصهارهما معا في دائرة تكررت بصمت على إيقاع الساعات والأيام، حتى غدا ظلا باهتا لتمثال شوهه الابتذال…
    جبهته ملتصقة بالزجاج الندي…
    جالسا كان الرجل كالمعتاد صامتا في هدوء حكيم ينظر الى الفراغ وكأنه يعيش حالة توحد صوفي ، أصابع يده تمسك بوردة ملفوفة في ورق السيلوفان.
    لم يعد المنظر يثير الابتسام …
    حلقت أفكاره بعيدا ، سابحة فوق المدينة الساكنة ، شعور بالندم تعاظم مع الأيام ، جفناه التقيا لوهلة فأغمض عينيه ، وللحظة بدا أن الشخص يهم بالانصراف .. وهل بإمكانه أن يفعل دون أن يعلم هو …
    سارع لفتح الباب ، وألقى عليه التحية بهدوء ثم دعاه إلى الدخول ، لم يتردد الرجل في الاستجابة وهو يرفع قبعته مثل جنتلمان ، كاشفا عن شعر رمادي ناعم و كثيف يكاد يلامس كتفيه .
    بدا كأنه ينظر لنفسه في المرآة ، حركات الرجل بطيئة هادئة كأنه يؤدي دور شخصية سينمائية . تغزو وجهه تجاعيد زاد من بروزها تهدل وجنتيه الممتلئتين ، ساوره شعور أنها تحية تكررت كما مضى .
    من سيماه تظهر علامات تجهم ، وبدا من مظهره أنه غنم من الحياة أفضل لحظاتها فطار إلى العلا حالما بما سيأتي…
    بعد قليل عاد إلى ضيفه يحمل فنجان شاي ساخن ثم سأله محرجا عن سر انتظاره المتواصل بهذا المكان بالذات ، أجاب الرجل دون تردد:
    _ إنه مكان أتوقع أن أراها فيه حالما تعود ، وما زلت بالانتظار.
    استدار للنظر من النافدة مجددا ، كانت السماء ما تزال تبكي بصمت وعاد يسأله من جديد:
    _ وهل تنوي انتظارها طويلا.
    صمت الرجل قليلا وعلت وجهه ابتسامة وهو يقول:
    _ نعم يا سيدي ولو استغرق الأمر العمر كله.
    _ أغبط صبرك فأنا
    أحب الصمت والهدوء والألوان وأحب السماء التي تبكي ولمعان الضياء .
    بهدوء أجاب الرجل :
    _ تنقصك جذوة العشق يا رجل ، لو تدري مقدار ما تمنحنا إياه من دفء ونور ، عسى أن تدرك يوما قيمة الانتظار. شكرا لمنحي فرصة مارسنا فيها انسانيتنا .
    طوعا إليك أشير بكفي قال الرجل ، وفي مكمن الصمت أتحرق لإحياء تمثال مل الانتظار.
    وقبل أن يأوي إلى الفراش حمل الفنجان الفارغ إلى
    المطبخ.


    حسن لشهب
    التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 02-12-2017, 21:24.
  • حسن لشهب
    أديب وكاتب
    • 10-08-2014
    • 654

    #2
    دائرة تكررت بصمت على إيقاع الساعات والأيام، حتى غدا ظلا باهتا لتمثال شوهه الابتذال

    تعليق

    • حسن لشهب
      أديب وكاتب
      • 10-08-2014
      • 654

      #3
      سلاما أيها التمثال

      تعليق

      • حسن لشهب
        أديب وكاتب
        • 10-08-2014
        • 654

        #4
        متعة الحلم بلا ضفاف

        تعليق

        • ربيع عقب الباب
          مستشار أدبي
          طائر النورس
          • 29-07-2008
          • 25792

          #5
          كأنها دائرة محكومة بسياج من الشجن
          كلما اقتربنا من محيطها
          نازعتنا الذكريات
          و عيوننا تعنو إلي أكثر الوجوه قربا و تجذرا
          فنخترع لها
          تخترع لنا ربما ما ظل دائما في طي الخيبة و الصمت
          فماذ لو أعطيناها الأجنحة
          أو السيف و القوس و الحصان المقتحم أو الضامر على وجه التحديد ؟
          لا شك أنها سوف تقتلنا شجنا
          و لا شك أننا لن نستطيع أن نخدع أنفسنا بذات الدائرة طول الوقت !
          هي بعض من أدوات فلسفة المقاومة
          التي ربما لم نكن نؤسس لها
          بقدر حاجتنا للفكاك و التحليق بعيدا
          بقدر ما تشكلت بعض صورها ودروبها المشعة قبل أن نسلم للانهيار و الانصياع لنهاية لا نطلبها و لا نأمن في ذات الوقت لحلولها
          و نحن كما نحن
          ربما لم نختلف كثيرا .. ربما توهمنا أقدارنا و خطانا بذلك
          و لكن أذهبنا طائعين و كانت البقعة هي كل أمانينا ؟ وهذا الصمت و البرد و الوحدة أنشودتنا الأثيرة ؟
          كل الدلائل و الوقائع السالفة لم نر فيها ما أصبحنا نعانيه
          ربما كنا نخافه
          و نعلو عليه ما استطعتنا .. متناسين
          أننا بشر ..
          و أن أطوار الحياة وقوانينها جارحة
          و ربما بشاعتها تكمن في لصوصيتها و قدرتها على الخطف و السلب
          دعنا على قدر ما نحمل من إنسانية نتصالح
          و دعنا نذهب لأجمل بقعة ..
          أشجى قصة لم تكتمل .. لنضع لها النهاية التي تليق بنا
          فتعطينا الأجنحة للتحليق و فك الاشتباك ما بيننا و بين تلك النماذج المضللة
          التي اصطنعناها و توحدنا بها حتى غابت عنا حقيقتنا التي تقف في الجانب الرمادي من الحياة !

          لا أدري سيدي .. أكنت مخرفا هنا
          أم مشحونا بالشجن الذي أحكمت وثاقه خلال تلك القطعة من الأرض
          ليتني كنت قريبا لأمد لك اليد بالسلام !
          قبلاتي أستاذي الغالي
          sigpic

          تعليق

          • حسن لشهب
            أديب وكاتب
            • 10-08-2014
            • 654

            #6
            صدقت سيدي هي الدائرة التي سجننا أنفسنا داخلها أو وضعنا فيها مرغمين دائما في وضع الانتظار والتوقع في انتظار الحبيبة ونهاية القصة وفي انتظار القصة التي نحلم بكتابتها هي التي تستهلك من حركة العين واللسان دهرا ومن خيالنا الطائر في فضاء الحالمين يتصيد التفاصيل ويفكك متواليات الحكاية التي نعيشها أو نكتبها .
            ومن فرط الانتظار صرنا نحلم بشكل أقرب أقرب الى التمثال أو مجرد تمثال حالم.
            شكرا لتفاعلك الجميل أيها المفتون بالإبداع .
            تحياتي لك سيدي

            تعليق

            • حسن لشهب
              أديب وكاتب
              • 10-08-2014
              • 654

              #7
              ما أجمل توقع عودة المعشوقة....
              هل هي الحبيبة

              تعليق

              • حسن لشهب
                أديب وكاتب
                • 10-08-2014
                • 654

                #8
                بكل صدق تحتاج المسألة لرؤية أخرى مهما كانت الزاوية

                تعليق

                • أميمة محمد
                  مشرف
                  • 27-05-2015
                  • 4960

                  #9
                  كنت هنا وبنظرة خاطفة.. القصة تغري أي كان يعشق السرد إلا أن حبكة القصة تفلت من القارئ يجعلني هذا أتساءل ما إذا كان لزاما على القصة أن تقف في طريق سيل السرد الهادر من أجل أن تمر سفينة الإبحار؟
                  وأن تمد رأس الخيط لعقدة نفكها بأصابعنا

                  لك ملكة سردية تحسد عليها والقصة تحتاج للقراءة من جديد للغوص في تيار السرد والنجاة للشاطئ خاصة من قارئة تعشق القصيرة جدا أكثر

                  لك عناية خاصة توليها لنصوصك وشجاعة أدبية شعرت بها وأنا أقرأ
                  تحياتي

                  تعليق

                  • حسن لشهب
                    أديب وكاتب
                    • 10-08-2014
                    • 654

                    #10
                    الأستاذة أميمة.
                    دعيني أحيي شجاعتك لقراءة هذا النص والتعليق عليه بكل تلقائية وصدق.
                    تعلمين أن الإبداع بوجه عام ليس مجرد صناعة ، أقصد أنه تعبير عن فتنة وعشق لهذا النشاط الإنساني.
                    وبقدر تعدد الثقافات والمجتمعات والأفراد تتعدد أشكال التعبير والمقاربات و زوايا النظر إليها ، ذلك أن الإبداع يقوم على الحرية ويفلت مما يسميه البعض بالقواعد، ليبقى فضاء هذا النشاط الإنساني مفتوحا على مصراعيه بالقدر الذي يجعله قادرا على احتواء تنوع واختلاف وتغير التجربة الإنسانية برمتها.
                    فكرة هذا النص أستاذة، بسيطة جدا ، وهي أن البطل يعشق امرأة بقدر ما يعشق قصة وكلاهما تلتقيان بوصفهما حكاية لم تكتمل أو هي في طور الاكتمال وتحتاج صبرا ويعيش الحالتين وكأنه ذو شخصيتين الأولى تعشق المرأة والثانية تعشق القصة، والثابت هو الزمن ، وهو الصبر والانتظار .
                    وفي انتظار ذلك تقبلي أستاذة أميمة التحية والتقدير.
                    التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 16-07-2019, 08:02.

                    تعليق

                    • البكري المصطفى
                      المصطفى البكري
                      • 30-10-2008
                      • 859

                      #11
                      أخي الكريم حسن. ملكتك السردية خلاقة ؛ أدهشني الحكي الذي تتراشق معانيه كالآلئ؛ الاستبحار..الاستغوار ...للقبض على المعنى الداهم يُحَاط باختيار نمط البناء ــ وإن كان التنميط غير مقبول ـــ فإن الخطاطة السردية ضرورية لفك رموز الحكاية من عقدة وحل .
                      مودتي

                      تعليق

                      • حسن لشهب
                        أديب وكاتب
                        • 10-08-2014
                        • 654

                        #12
                        الأستاذ الصديق مصطفى البكري
                        أنا سعيد لسببين:
                        أولهما أنك ما تزال منتجا معطاء بشكل مسترسل ولو أنك هاجرت إلى الق ق ج وهو اختيار محترم ولك في الق ق ج صولات وجولات.لكنني شخصيا أفتقد نصوصك القصصية الجميلة.
                        السبب الثاني طبعا هو حضورك للتعليق على هذا العمل المتواضع .
                        فشكرا لك ومزيدا من العطاء والتألق.
                        و

                        تعليق

                        • حسن لشهب
                          أديب وكاتب
                          • 10-08-2014
                          • 654

                          #13
                          لو تكرمت بتوضيح أكثر لما ورد في مداخلتك سأكون لك شاكرا أخي مصطفى البكري .
                          التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 31-07-2019, 10:31.

                          تعليق

                          • البكري المصطفى
                            المصطفى البكري
                            • 30-10-2008
                            • 859

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة حسن لشهب مشاهدة المشاركة
                            لو تكرمت بتوضيح أكثر لما ورد في مداخلتك سأكون لك شاكرا أخي مصطفى البكري .
                            أخي الكريم بداية أشكرك على ما أدليت به حول إنتاجي القصصي المتواضع وأقول لك أننا نلتقي لنرتقي بتقويم بعضنا بعضا.أما المراد من تعليقي على قصتك فإنها تحتل مكانة سردية رائدةلكنها ببساطة- حسب اعتقادي- في حاجة إلى خطاطة تخلق انسجام المتواليات بين البداية والوسط والنهاية.
                            مودتي

                            تعليق

                            • حسن لشهب
                              أديب وكاتب
                              • 10-08-2014
                              • 654

                              #15
                              الأخ مصطفى البكري
                              أشكر لك اهتمامك ومتابعتك فضلا عن توضيح ما التبس لدي في مداخلتك السابقة.
                              لا خلاف في المرامي والطموح للارتقاء بالكتابة وهو أمر يحتاج جهدا ومثابرة دون الحديث عن تنوع المقاربات والاختيارات وأشكال التجريب في الكتابة ومن ثمة تعدد زوايا النظر للعمل الأدبي على مستوى الكتابة والتلقي.
                              ولا شك أنه بقدر تنوعها ينشأ الاختلاف وليس الخلاف في التلقي ومنهجية القراءة.
                              في هذا المنحى أعبر عن تقبلي لرأيك واحترامي له ولكن أيضا أعتبر أنه لولا اقتناعي بشكل البناء ما كنت أقدمت على نشره ولكل نص حظه في المقبولية لدى المتلقي.
                              شكرا أخي مصطفى .
                              كن بخير
                              التعديل الأخير تم بواسطة حسن لشهب; الساعة 07-08-2019, 08:06.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X