الإنسان حيوان عاطفي بالفطرة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    الإنسان حيوان عاطفي بالفطرة

    [align=justify]
    الإنسان حيوان عاطفي بالفطرة

    ينظر كثير من الناس إلى "العاطفة" على أنها شيء سلبي أو شيء يجب ألا يتصف به المرء القوي أو الإنسان "الكامل" (؟!!!) في مروءته وعليه ألا يبديه إن ابتلي به كأنه عار أو نقص في الشخصية يجب ستره أو التقليل من تأثيره قدر الإمكان حتى لا يوصم صاحبه بالضعف أو الخَوَر، فما مدى صحة هذا الزعم؟

    العاطِفَةُ، كما جاء في بعض معاجم العربية، هي:"ميلٌ وشفقةٌ وحُنُوٌّ ورِقَّةٌ" و تطلق، في العربية، على القرابة وعلى أسباب هذه القرابة و هي الصلة من جهة الولاء [بين من تربطهم وشائج الرحم أو الانتماء]؛ وهي في علم النفس: "استعدادٌ نفسيٌّ ينزِعُ بصاحبه إِلى الشعور بانفعالات معيَّنة والقيام بسلوك خاصٍّ حِيالَ فكرة أَو شيء" أو هي:"استعداد نَفسيّ ينزعُ بصاحبه إلى الشُّعور بانفعالات وجدانيّة خاصَّة والقيام بسلوك معيَّن حيال شخص أو جماعة أو فكرة معيّنَة كالعاطفة الدينيَّة مثلا"، هذا ما تُسعفنا به بعض المصادر اللغوية، ومنها "المعجم الوسيط"، في تعريف العاطفة لغة واصطلاحا.

    فإذا تقرر أن العاطفة غريزة مثل سائر الغرائز التي وجدت في الإنسان ومعه ساعة وجوده، أو خروجه إلى هذه الدنيا، فما مدى "معقولية"(*) الشعور بالنقص الذي ينتاب الشخص إذا ما وصف، أو وصم، بالعاطفي أو بالعاطفة؟

    لولا العاطفة لما كان الإنسان إنسانا، فالعاطفة مما قُسِّم لهذا الإنسان من الرحمة التي بها يرأم صغاره وبها يرأف بذويه وبكل من تربطه بهم صلة أو وشيجة ما، وبها يحب، وبها يكره، وبها يود، وبها يبغض، وبها يحنو، وبها يقسو، وبها يوالي، وبها يعادي؛ فإن حُرِم الإنسان هذه "العاطفة" كيف يكون حاله؟ فحتى الحيوانات لها عاطفتها الغريزية الخاصة وبها تتميز عن الجمادات، وحتى النباتات لها "عاطفة" خاصة بها، إحساس من نوع خاص، فهي تتفاعل مع الإنسان وتتأثر به؛ فإن حاولنا تجريد الإنسان من العاطفة، وهو الحيوان العاطفي بالغريزة، كأننا نحاول، وعبثا نفعل، إنزاله من آدميته، أو من بشريته، إلى البهيمية، بل إلى النباتية، بل إلى "الشيئية"، أو إلى "الجمادية"، لأن الجماد هو الشيء الذي ليس له عاطفة أو إحساس أو مشاعر، نقول هذا الآن فلقد تأتي دراسات علمية تثبت أن للجماد، هو كذلك، عاطفة أو شعورا أو إحساسا، وليس ذلك بمستبعد افتراضيا على أقل تقدير، وإن العلماء المختصون في الإعلام الآلي والإعلام الذكي يحاولون "غرز" العاطفة في الأجهزة التي يخترعونها لتصير إنسانية أو بشرية شيئا ما، وعبثا يحاولون هم كذلك، لأن العاطفة منحة من الله تعالى لا يمكن للإنسان أن يمنحها إلى شيء حتى إلى نفسه أو إلى أحب الناس إليه، فالقضية ليست في كون الإنسان عاطفيا بل في توجيه هذه العاطفة الوجهة الصحيحة وتوظيفها التوظيف اللائق إنسانيا لإعمار الدنيا وليس في تخريبها، وإن الميزان القسط يكمن في استغلال هذه العاطفة الاستغال المتزن، فلا إفراط ولا تفريط، حتى تستقيم الحياة وتزدهر، فإذا تجاوز الأمر عن حدِّه انقلب إلى ضدِّه.

    فالإنسان، إذن، عاطفي بالفطرة، وهو بهذا حيوان عاطفي بامتياز، و بهذه العاطفة الممنوحة له من الله تعالى يعمر الدنيا بالخير، فإن حُرمها كلها أو بعضها فقد حُرم خيرا كثيرا وإن وجهها الوجهة السيئة تعس وانتكس وشقي وخاب، وليس على الإنسان أن يكبت جُنوحَ عاطفته ولكن عليه أن يكبح جُموحَها.

    البُلَيْدة، صبيحة يوم الثلاثاء 23 من ذي القعدة 1436 الموافق 7 أوت 2015.
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ملحوظة مهمة: هذه المقالة من المقالات التي نشرتها في بعض المنتديات الأدبية العربية في فترة نفوري من الملتقى ومقاطعتي له عام 2015 .
    (*) "المعقولية" مصدر صناعي من اختراعي الآن وهنا [حين كتابتي لهذه المقالة] للدلالة على قبول هذا الشعور بالنقص عقلا.[/align]
    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

  • أميمة محمد
    مشرف
    • 27-05-2015
    • 4960

    #2
    تعتبر العاطفة من المحركات الإنسانية للبشر التي تحركه سلبا أو إيجابا
    إنها تختلف عن العقل الذي يعتبر ميزة إلا إن آفته العناد والكِبر
    لعل الموضوع له جوانب أخرى.. سلبيات العاطفة!
    ثم تساءلت لماذا حيوان عاطفي؟ هل يتميز بكثرة عاطفته عن الحيوان قصدت؟
    الموضوع طرح في ذهني تساؤلات
    حياك الله أخي حسين ليشوري.

    تعليق

    • حسين ليشوري
      طويلب علم، مستشار أدبي.
      • 06-12-2008
      • 8016

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
      تعتبر العاطفة من المحركات الإنسانية للبشر التي تحركه سلبا أو إيجابا، إنها تختلف عن العقل الذي يعتبر ميزة إلا إن آفته العناد والكِبر؛ لعل الموضوع له جوانب أخرى.. سلبيات العاطفة!
      ثم تساءلت لماذا حيوان عاطفي؟ هل يتميز بكثرة عاطفته عن الحيوان قصدت؟
      الموضوع طرح في ذهني تساؤلات.
      حياك الله أخي حسين ليشوري.
      السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
      وحياك الله وبياك أختي الكريمة الأستاذة أميمة محمد وعساك بخير وعافية.
      أشكر لك تعقيبك الكريم على موضوعي المتواضع هنا كما أعتذر إليك عن التأخر في شكرك، بارك الله فيك.
      ثم أما بعد، يعتبر كثير من الناس أن وصفهم بالعاطفة من قبل غيرهم كأنه وصمة ضعف وكأنه انتقاص من "معقوليتهم" مع أن الله تعالى وصف خير خلقه أجميعن بالرحمة فقال:{وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(الأنبياء:
      #107) وجعل المودة والرحمة من آياته بين الزوجين، فقال"{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَ‌لِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الروم:#21) والرحمة هي أسمى آيات العاطفة الإيجابية، ثم تأتي باقي سمات العاطفة الإيجابية التي بها صار الإنسان إنسانا يمكنه العيش في مجتمع أو في أسرة أو في زواج بسلام وأمن وطمأنينة:{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}(الشمس: الآيات من #7 إلى #10).

      ونحن نتحدث عن "العاطفة الإيجابية" يتبادر إلى الذهن، بمفهوم المخالفة، أن هناك حتما "عاطفةً سلبيةً" هي سبب معاناة الناس فيما يشجر بينهم من مشاكل وأزمات ومعاداة ومحاربة إلى آخره من الفتن التي تنشب بين الناس ولذا كان ضبط جموح النفس في العواطف السلبية التي تعصف بالمرء من أرقى الرياضات النفسية وأقساها وأصعبها وأتعبها إلا عمن يسرها الله له.

      أما عن كلمة "حيوان" فلست أرى فيها انتقاصا من قيمة هذا الإنسان الذي وُصف قبلا بـ "الحيوان الناطق"، أي المفكر، فالنطق هنا بمعنى التفكير ومنه سمي المنطق منطقا، كما أن في العربية قانون "الزيادة في المبنى زيادة في المعنى"، ففي "الحيوان" ما ليس في الحياة بما زِيد في المفردة من الحروف، وقد وصف الله تعالى الدار الآخرة بالحيوان في قوله تعالى:{
      وَمَا هَـذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}(العنكبوت:#64) لما في الدار الآخرة من الحياة الواسعة الطويلة العريضة ما ليس في الحياة الدنيا، ومن هنا اخترت حين كتبت موضوعي هذا لفظة "حيوان" لما في الإنسان من حيوات متنوعة ومختلفة: نباتية ونفسية وروحية و... "حيوانية" شهوانية تورده في كثير من الأحيان الموارد السيئة فيتعب أو يندم أو يمرض أو يهلك...

      فالإنسان حيوان عاطفي بامتياز وبه ختمت مقالتي:"
      فالإنسان، إذن، عاطفي بالفطرة، وهو بهذا حيوان عاطفي بامتياز، و بهذه العاطفة الممنوحة له من الله تعالى يعمر الدنيا بالخير، فإن حُرمها كلها أو بعضها فقد حُرم خيرا كثيرا وإن وجهها الوجهة السيئة تعس وانتكس وشقي وخاب، وليس على الإنسان أن يكبت جُنوحَ عاطفته ولكن عليه أن يكبح جُموحَها."اهـ بنصه وفصه.

      هذا ما عنَّ لي التعليق به على مشاركتك الطيبة، أختي الكريمة الأستاذة أميمة محمد، أمة الله، فعسى أن أكون وفقت في التعليق بما يليق ومن الله نستمد التوفيق.

      تحياتي إليك وتقديري لك ودمت على التواصل البناء الذي يُغني ولا يُلغي.

      sigpic
      (رسم نور الدين محساس)
      (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

      "القلم المعاند"
      (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
      "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
      و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

      تعليق

      يعمل...
      X