أيتها الأخوات، أيها الأخوة، السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
أستهل حديثي إليكم الليلة بنقل جزء من الكلمة التي نشرتها في متصفح أستاذتنا منيرة الفهري فور الإعلان عن نتائج ترشيحات الشخصية الذهبية لعام 2017 - كتجربة أولى تكون إن شاء الله سنة حسنة يحافظ عليها أهل الدار تحفيزاً للمواهب التي يزخر بها الملتقى العتيد.
سنة 1981، اقترح عالم بلجيكي خبير في سوسيولاجيا التواصل ومتخصص في فكر Ervin Goffman يدعى Yves Winkin مصطلحاً جديداً في دراسة التواصل داخل المجتمعات و المؤسسات : إنه مصطلح الأوركيسترا. الطرح الجديد في التعامل مع العملية التواصلية The new communication شكل آنذاك طفرة نوعية The new Paradigm أتت على شكل قطيعة جذرية مع الأطروحات السابقة التي كانت تنظر إلى عملية التواصل على أنها تتم بشكل أحادي يحكمها منطق الالقاء/التلقي بما فيها من استعلاء الملقي و خضوع تام للمتلقي. المدرسة الحديثة - وأنا أنتمي إليها اليوم - تعتمد في تحليلها لكل عمليات التواصل بين أفراد المجتمع و داخل المؤسسة على "دينامية" التفاعل بين كل العناصر المركزية منها والمحورية على حد سواء دون إغفال أو إهمال ناهيك عن إقصاء لأي عنصر فتشكل - ومن هنا الصورة البلاغية لمفهوم الأوركيسترا - سنفونية جد متناغمة لا تكتمل ولا تنجح إلا إذا أخذ بعين الاعتبار كل مكونات الفرقة الموسيقية. ومن هذا المنظور، يصبح رئيس الفرقة بمثابة المنسق لتناغم الأوتار والأصوات والقائم على إحداث التوافق بين أفراد الفرقة وليس - كما كنا نراه من قبل - على أنه الماسك بعصا التفوق والتألق. انتهى.
و دعنا من هذا كله، فالنبي عليه الصلاة والسلام أعطانا صورة مجازية أجمل: صورة الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة، لا يمكن لأي كاتب مهما بلغ من درجات الشهرة و مدارك النبوغ أن يدعي النجاح و التفوق على حساب من كان لهم الفضل عليه قبل و أثناء و حتى بعد اجتياز مرحلة التكوين و التمكن. فكما أن الأركسترا جسم واحد يتشكل من مجموعة أعضاء لا يمكن ألبتة الاستغناء عن واحد منها، فكذلك الشأن بالنسبة لملتقى الأدباء.
أنا أكتب إذن أنا موجود، و أنا أقرأ لك إذن أنا حاضر. فالحضور يلغي الغياب. و بهذه الرؤية لماهية الملتقى، يصبح القاريء بدوره كاتباً و الكاتب، قارئاً، وهكذا دون انقطاع؛ فالكل له الفضل على الكل، دون استعلاء أو تفاخر، و الكل في العلياء بعيداً عن التملق المقيت أو ما أسميه عادةً Sycophancy.
و أخيراً، كنت سأنتشي (و الانتشاء لغةً هو بداية السكر) لو كان من بيننا اليوم أدباء و أديبات افتقدهم الملتقى لأسباب أجهلها: السيد جلال داوود و الأخ المترجم البارع سليمان الميهوبي، الأستاذ أبو قصي الشافعي، الأخت سمر عيد، الشاعر المترجم أبو حفص السماحي، الفنان النبيه (الصغير)، الأستاذ رشيد الميموني (القسم الإسباني)، الصديقان أسد عسلي و كمال حمام، و الأستاذان محمد الصحراء و النعيمي و ثلة - معذرة نسيت اسماءهم - من الذين شجعوني على متابعة الكتابة والنشر هنا منذ أول لقاء بهم في هذا الملتقى الكريم.
واعلموا، حفظكم الله، أنني لا أعترف بشيء اسمه "الخطأ" عندما يتعلق الأمر بالذوق. و الذوق فيه اختلاف. و الاختلاف رحمة. و تسيير الاختيار و إدارته فن إذا أتقناه ربما نكون من الذين ذكرهم العلامة التوحيدي في تحفته: الإمتاع والمؤانسة، أي،
"من الذين يفسرون الغامض، ويوضحون المشكل، ويبسطون المطوي، ويشرحون المكنى، ويبرزون المراد والمعنى، ويوطدون الأساس، ويرفعون الالتباس، وينفون الوحشة ويحدثون الإيناس".
فإذا كتب و أخفقنا في "تفسير الغامض" و "إيضاح المشكل"، نكون على الأقل وفقنا في "نفي الوحشة" و"إحداث المؤانسة".
هذا ما وددت مشاطرتكم إياه، على أمل أن نواصل تعاوننا على خدمة الأدب و بكل تأدب.
ولكم و للإدارة واسع النظر.
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
م.ش.
مونتريال عشية الأحد 7 يناير 2018
أستهل حديثي إليكم الليلة بنقل جزء من الكلمة التي نشرتها في متصفح أستاذتنا منيرة الفهري فور الإعلان عن نتائج ترشيحات الشخصية الذهبية لعام 2017 - كتجربة أولى تكون إن شاء الله سنة حسنة يحافظ عليها أهل الدار تحفيزاً للمواهب التي يزخر بها الملتقى العتيد.
سنة 1981، اقترح عالم بلجيكي خبير في سوسيولاجيا التواصل ومتخصص في فكر Ervin Goffman يدعى Yves Winkin مصطلحاً جديداً في دراسة التواصل داخل المجتمعات و المؤسسات : إنه مصطلح الأوركيسترا. الطرح الجديد في التعامل مع العملية التواصلية The new communication شكل آنذاك طفرة نوعية The new Paradigm أتت على شكل قطيعة جذرية مع الأطروحات السابقة التي كانت تنظر إلى عملية التواصل على أنها تتم بشكل أحادي يحكمها منطق الالقاء/التلقي بما فيها من استعلاء الملقي و خضوع تام للمتلقي. المدرسة الحديثة - وأنا أنتمي إليها اليوم - تعتمد في تحليلها لكل عمليات التواصل بين أفراد المجتمع و داخل المؤسسة على "دينامية" التفاعل بين كل العناصر المركزية منها والمحورية على حد سواء دون إغفال أو إهمال ناهيك عن إقصاء لأي عنصر فتشكل - ومن هنا الصورة البلاغية لمفهوم الأوركيسترا - سنفونية جد متناغمة لا تكتمل ولا تنجح إلا إذا أخذ بعين الاعتبار كل مكونات الفرقة الموسيقية. ومن هذا المنظور، يصبح رئيس الفرقة بمثابة المنسق لتناغم الأوتار والأصوات والقائم على إحداث التوافق بين أفراد الفرقة وليس - كما كنا نراه من قبل - على أنه الماسك بعصا التفوق والتألق. انتهى.
و دعنا من هذا كله، فالنبي عليه الصلاة والسلام أعطانا صورة مجازية أجمل: صورة الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة، لا يمكن لأي كاتب مهما بلغ من درجات الشهرة و مدارك النبوغ أن يدعي النجاح و التفوق على حساب من كان لهم الفضل عليه قبل و أثناء و حتى بعد اجتياز مرحلة التكوين و التمكن. فكما أن الأركسترا جسم واحد يتشكل من مجموعة أعضاء لا يمكن ألبتة الاستغناء عن واحد منها، فكذلك الشأن بالنسبة لملتقى الأدباء.
أنا أكتب إذن أنا موجود، و أنا أقرأ لك إذن أنا حاضر. فالحضور يلغي الغياب. و بهذه الرؤية لماهية الملتقى، يصبح القاريء بدوره كاتباً و الكاتب، قارئاً، وهكذا دون انقطاع؛ فالكل له الفضل على الكل، دون استعلاء أو تفاخر، و الكل في العلياء بعيداً عن التملق المقيت أو ما أسميه عادةً Sycophancy.
و أخيراً، كنت سأنتشي (و الانتشاء لغةً هو بداية السكر) لو كان من بيننا اليوم أدباء و أديبات افتقدهم الملتقى لأسباب أجهلها: السيد جلال داوود و الأخ المترجم البارع سليمان الميهوبي، الأستاذ أبو قصي الشافعي، الأخت سمر عيد، الشاعر المترجم أبو حفص السماحي، الفنان النبيه (الصغير)، الأستاذ رشيد الميموني (القسم الإسباني)، الصديقان أسد عسلي و كمال حمام، و الأستاذان محمد الصحراء و النعيمي و ثلة - معذرة نسيت اسماءهم - من الذين شجعوني على متابعة الكتابة والنشر هنا منذ أول لقاء بهم في هذا الملتقى الكريم.
واعلموا، حفظكم الله، أنني لا أعترف بشيء اسمه "الخطأ" عندما يتعلق الأمر بالذوق. و الذوق فيه اختلاف. و الاختلاف رحمة. و تسيير الاختيار و إدارته فن إذا أتقناه ربما نكون من الذين ذكرهم العلامة التوحيدي في تحفته: الإمتاع والمؤانسة، أي،
"من الذين يفسرون الغامض، ويوضحون المشكل، ويبسطون المطوي، ويشرحون المكنى، ويبرزون المراد والمعنى، ويوطدون الأساس، ويرفعون الالتباس، وينفون الوحشة ويحدثون الإيناس".
فإذا كتب و أخفقنا في "تفسير الغامض" و "إيضاح المشكل"، نكون على الأقل وفقنا في "نفي الوحشة" و"إحداث المؤانسة".
هذا ما وددت مشاطرتكم إياه، على أمل أن نواصل تعاوننا على خدمة الأدب و بكل تأدب.
ولكم و للإدارة واسع النظر.
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
م.ش.
مونتريال عشية الأحد 7 يناير 2018
تعليق