نتائج مسابقة منابر الثقافية للقصة القصيرة 2017

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أميمة محمد
    مشرف
    • 27-05-2015
    • 4960

    نتائج مسابقة منابر الثقافية للقصة القصيرة 2017

    إعلان نتائج مسابقة منابر الثقافية للقصة القصيرة في إصدارها الثالث لعام 2017

    -منابر ثقافية: أعلن السيد ايوب صابر، نائب المشرف العام للأقسام في موقع منابر ثقافية، والمشرف على مسابقة منابر ثقافية للقصة القصيرة في إصدارها الثالث-العام 2017-، أعلن بان لجنة التحكيم والمشكلة من ثلاثة أعضاء وهم السادة:
    ·الروائي والقاص وصاحب دار الفاروق للنشر الاستاذ محمد البيتاوي...رئيس اللجنة.
    ·الروائي والقاص الاستاذ جميل دويكات....عضو اللجنة.
    ·الناقد الاستاذ رائد الحواري...عضو اللجنة.


    والتي كلفت باختيار أفضل ثلاثة قصص من ضمن القصص التي شاركت في هذه المسابقة في إصدارها الثالث العام 2017، قد أنجزت عملها مشكورة وأجمعت على ما يلي:
    - القصة الفائزة بالمرتبة الاولى هي " كف بلا أصابع" للقاصة صبا حبوش.
    - القصة الفائزة بالمرتبة الثانية " لعنة الدوائر " للقاص ياسر علي
    - القصة الفائزة بالمرتبة الثالثة "أمل عند حيف النهار" للقاصة أميمة محمد.


    علما بأن عدد القصص المشاركة في هذه المسابقة لهذا الإصدار، عام 2017، وصل الى تسعة قصص وقد تميزت جميعها بجودتها العالية وامتلاكها فنيات السرد القصصي الراقي ...وهي:

    1- عريس من العيار الثقيل ...القاص سمير الاسعد.
    2- زهرة الرافليسيا...القاص عبد العزيز صلاح الظاهري.
    3- لعنة الدوائر...القاص ياسر علي.
    4- في رضا الولدين...القاصة زهرة الروسان.
    5- أمل عند حيف النهار...القاصة أميمة محمد.
    6- الكرسي الكسير...القاص محمد أبو الفضل سحبان.
    7- وزر...القاصة مها الالمعي.
    8- كفُّ بلا أصابع...القاصة صبا حبوش.
    9- مجرّد أفكار وأفكار مجرّدة...القاصة صفاء الشويات.


    وبمناسبة إعلان نتائج المسابقة كرر السيد صابر شكره وتقديره لكل من تفاعل مع وساهم في انجاح هذا النشاط الثقافي المهم في موسمه الثالث العام 2017، وعلى رأسهم الأخوات والأخوة كتاب السرد المشاركين في المسابقة، وكذلك أعضاء لجنة التحكيم الذين خصصوا جزءا ثمينا من وقتهم لإنجاز عملية التحكيم وتحديد القصص الثلاث الفائزة من ضمن القصص المشاركة في هذا المهرجان الثقافي التي حرصت منابر على تكراره لما فيه من فائدة في خدمة السرد وتنمية وتطور المهارات السردية عند أعضاء المنتدى.

    كما كرر السيد صابر شكره وتقديره لمجلس ادارة الموقع " منابر ثقافية" والقائمين عليه، وعلى رأسهم الاستاذ حاتم الحمد، والذين عملوا على توفير وادارة هذا الصرح، الذي وفر نافذة وملتقى ثقافي ادبي وفكري غاية في الاهمية للكتاب والمثقفين العرب من كل مكان وأتاحوا بذلك، ومن ضمن الخدمات الثقافية الجليلة المتعددة إقامة مثل هذه المسابقة وقدموا لها كل الدعم والمساندة.

    ويذكر أن منتدى "منابر ثقافية" يعتبر واحدا من أهم المواقع الالكترونية الراعية للأدب والفكر على نطاق العالم العربي، وهو منذ اطلاقه عام 2000 يقدم خدمة جليلة للأدب والادباء والفكر والمفكرين ويوفر نافذة للدراسات والتحليلات المتقدمة والجادة، كما يشتمل على منبر للحوار الجاد والمسؤول، يناقش فيه كافة القضايا الفكرية بحرية تامة وموضوعية والتزام.

    هذا ويعتبر قسم القصص والروايات في " منابر ثقافية " واحدا من أهم الأقسام الخمسة الأكثر شعبية في المنتدى، بينما يشتمل قسم الدراسات على عدد من الموضوعات الأكثر زيارة.

    كما ويضم المنتدى الآلاف من الكتاب والمفكرين المعروفين وأصحاب الخبرة والباع الطويل في مجال الكتابة السردية والشعر والنقد الادبي والفكري.

    كذلك يعتني المنتدى عناية خاصة باللغة العربية ويفرد لها عددا من الأقسام المهمة.

    هذا وقد وصل اعلى عدد للمتواجدين في المنتدى مرة واحد الى 45,977 وذلك بتاريخ 11-04-2015 الساعة 09:43 pm، وما يزال المنتدى يحظى بشعبة عارمة لدى أصحاب الأقلام الإبداعية.
    انتهى..
    .....................
    بالتوفيق للمنتدى الشقيق "منتديات منابر الثقافية" والمشاركين والفائزين في المسابقة والقائمين عليها مشكورين.
  • أميمة محمد
    مشرف
    • 27-05-2015
    • 4960

    #2
    القصة الفائزة بالمرتبة الاولى من مسابقة منابر ثقافية الاصدار 2017
    كفُّ بلا أصابع
    خرجتُ من بين أكوام الحجارة بصعوبةٍ كبيرة، كان عليّ تمزيق كيس القماش الغليظ؛ لأتمكن من الهرب خارج العتمة و إبصار النور، أصابعي لم تكن قوية بما يكفي للقيام بهذه المهمّة.
    كنت هشّاً من الداخل قبل الخارج، تصدّعتُ كليّاً حين علمت مَن أكون وكيف صرت، ما يهمّ الآن كيف خرجتُ من القبر القماشيّ الذي أرادوه لي؛ صرختُ طويلاً دون جدوى، لم يسمعني سوى كلب ضال كان يبحث في تلك الليلة الكانونيّة المثلجة عن كيس قماش بداخله فريسة ، وكنت أنا سيء الحظ وليمة جاهزة بجانبه؛ بدأ يحفر بأنيابه طرف القماش، دون أن يدري أنّه ينبش جزءاً من قدمي اليمنى، غير آبهٍ لاستغاثاتي و آهاتي المتواصلة .
    حين اقترب فمه من وجهي، أغمضتُ عيني و استسلمت لسكون يسحبني معه إلى الأبد، و في غمرة أفكاري المضطربة ، سمعت صدى رصاصة دوت فجأة، و هبطت فوق دمي المتجمّد ككأس ماء يغلي ، حينئذ ابتعد فم الكلب عنّي ، وبدأت رائحته القذرة بالتلاشي شيئاً فشيئاً، ورغم ذلك لم أتوقف عن البكاء ، ربما من الغبطة أو البرد ، وربما من الاثنين معاً .
    شيء ما أحاط بجسدي المرتعش بغتة ، دفء كان يتسربل من خارج الكيس المثقوب إلى داخله، بدأ الضوء بالانتشار فوق وجنتي، وتقوّضت مساحات العتمة حولي، سمعت صوت بكاء وعويل يهتزّ داخل أذني ، ولم أعد أشعر بأيّ شيء؛ دخلتُ في سبات ألم عميق.
    كانت صحوتي غريبة جداً بعد تلك الليلة ، روائح طعام لذيذة تعجّ المكان، نسمات دافئة تداعب جروحي المضمّدة بحنوٍ ، وصدر مليء بالأمان يضمّني كلّ ليلة قبل النوم وعند الاستيقاظ.
    بدأت أكبر يوماً بعد آخر ، ولاحظت أنّ جميع الأطفال الذي يلعبون معي يمتلكون عشرة أصابع ؛ إلا أنا أعيش وألعب بخمسةٍ فقط، ذات ليلة كنت جالساً قرب ماما حنان نتناول طعام العشاء ، اقتربتُ منها قليلاً وهمستُ في أذنها :
    -ماما لمَ لا أملك أصابعاً في يدي اليمنى كما اليسرى ؟
    لم أفهم حينها سبب بكائها ، اكتفت بالصّمت وضمّتني إليها، وهي تربت على ظهري الغض وتقول بصوت متقطّع:
    -أنت جميلٌ بخمسة أصابع أو عشرة يا حبيبي.
    في أحد الأيام خرجتُ للعب مع أطفال الحي كما اعتدت ، نلهو بكرة القدم أو لعبة المطاردة ، رميت أحد الصبية دون قصدٍ مني، فارتطم وجهه بحافة الجدار ، سرعان ما استشاط غيظاً وبدأ بالصراخ، كان الغضب يحفر فوق لسانه كلمات غريبة على سمعي ، أشعلت الشرارة الأولى للنار التي توهّجت داخلي فيما بعد ؛ كان يصرخ بأعلى صوته أمام الجميع :
    -لاعجب من فعلتك ، وقد عشت بين النفايات مع الحشرات والكلاب الضالة أياماً وأيام .
    عند عودتي إلى المنزل رويت ما حدث لماما حنان ، وكعادتها لم تنطق كلمة واحدة ، حضنتني وأجهشت ببكاء لا انقطاع له ، قررت ذلك اليوم أنا صاحب الأعوام العشرة أن أبحث عن قصتي التي يعرفها الجميع دوني ، بحثت في الغرف ودروج المكتب ، لكنّي لم أعثر على شيء يجيب على تساؤلاتي الداخلية.
    فوق رفوف المخزن داخل القبو المظلم ، وجدت حقيبة صغيرة ، أخفتها ماما حنان تحت صناديق خشبيّة قديمة ، في زاويتها صورة لي وأنا صغير ، وقماط أبيض اللون ممزّق من طرفين متقابلين ، خلفه مرآة كُسر نصفها ، وارتصف الغبار فوق سطحها ككثبان من رمل ، ظهر لي داخلها طفل صغير لم يُغسل من دماء ولادته ، بل لُفّ بقماشٍ أبيض على عجل، وفي عتمة الليل وضعته امرأة لا وجه لها بين نفايات حيّ بعيد ، أشرقت فوقه الشمس مرات عديدة لكّنه لم يرَها ، كان مغلّفاً كخطيئة لا ينبغي أن تبصر النور ، جاء كلب جائع قربه ، قضم شيئاً منه ومضى إلى وجهة أخرى ، ومع ذلك لم يمت ، ظلّت الروح تنتفض داخله وتصارع البرد والألم ، حين عثروا عليه كان بلا كفّ ، أصابع يده اليمنى استقرت في معدة كلب فارغة ، بينما أصابع يده الأخرى كانت تمسك مرآة بنصف وجه، تضغط فوق حوافها الحادّة بغضب ، فيظهر نصفها المفقود داخل غرفة رطبة يخرج منها رجل مخمور يتسكّع خلف الجدران ، وفتاة حزينة حطّمت مرآتها وحولتها إلى شظايا؛ حين أحسّت بركلةٍ ما داخل أحشائها ، وصوت رجل يصرخ عالياً داخل أذنها؛ " لا شأن لي أيتها العاهرة!".
    بقلم القاصة صبا حبوش



    القصة الفائزة بالمرتبة الثانية في مسابقة منابر ثقافية الاصدار 2017 :_
    لعنة الدوائر
    أمامه من الدقائق أربعة، اقتحم الصّالة، مائدة مستطيلة رصّت عليها تشكيلة صحون وتحف كريستالية، تقدمت يده نحو صّحن مستدير في حجم مرآة صغيرة، رفعه قبالة وجهه، أفزعته تفاصيله، حاجباه المستنفران، أنفه الممتد ، تجاعيد جبهته المتصارعة تموّجاتها، صلعته تشع من خلالها فوانيس الصّالة، ظنها تحرقه فأخذته رهبة، أيقظه ارتطام الصّحن بأرضية الصّالة الصّلبة، انفرطت روابط البلّورات كحبات ذرة متناثرة حول رجليه. تخلص من فداحة وجهه، أخذ صحنا أكبر تأمّل زخرفته الجانبية المتقنة، تتوالى فيها دوائر صغيرة أخذت تتداخل في عينيه، أرسله بعيدا فسمع انشطاره إلى أجزاء دقيقة كرصاصة بندقية صيد. لابد من التخلّص من الدوائر، كيف اعتبرها الأولون كمال الأشكال؟ تركونا ندور في حلقات مفرغة كبهائم تدرس حصيدا أخضر في بيدر تقليدي مستدير، ما أتفه الدوائر... حمل صحنين وأتبعهما لسابقيهما، تفتّحت شهيّة التّحطيم لديه، انهال على الصفوف مثنى وثلاث فرباع ونفسه يقتحمها الطّرب. فاجأته صفّارة النهاية عندما هوى بمزهرية في حجم جرّة خزفية فانفجرت انفجار رعد تشظى بردا، فشلت ركبتاه، جرّه الحرّاس بعيدا.
    ملأ وعاء رئتيه من هواء الحديقة فاستفاق شغفه، فُتح البابُ:
    ـ تفضل، يمكنك الدخول.
    كانت جالسة على منضدة، وساقاها المكشوفان يتقدم أحدهما ليتأخر الآخر في حركة تغري بالتأرجح، عيناه حطّتا على شعرها الأشقر الذي تسللت بعض خصلاته من قبضة حجاب زرقته خفيفة، حدّق في عينيها الخضراوين، فرمّش ورمّش وابتسامتها تغريه بالتقدّم، ملأه الخجل لحظة فولّى لها ظهره، كان بودّه لو يختلس نظرة إلى الوراء، لكنّه يميل إلى غضّ طرفه عنها، سيف معلق بالحائط سيطر على باله، كان السيف هابطا بلسانه إلى الأرض، رأى هذا الوضع غير مستقيم، فقد آن للسّيوف أن تستقيم وقفاتها، وترفع رأسها وتشهر قوتها.
    تذكر المليحة فغلبه وجدانه، تتقدم خطواته، رأى دائرتين خضراوين بارزتين تتوسطان عينيها، تأمل استدارتهما داخل محجريهما، هربا من استدارة وجهها هبط ببصره نحو صدرها، دائرتان، وكلما فرّ من دائرة وجد أخرى، عقد لكمته طبعها على وجنتها، ارتفعت رجلاها واستوى ظهرها على الطاولة، عند عودتها التقت بلكمته اليسرى وهكذا أضحى وجهها كيس ملاكمة، تتوالى صيحاتها صيحة بعد صيحة، تسلق جسدها اللين برجليه، كان يهوي عليه بكل وزنه حتى أسكت جهازها الصّوتي ولا يزال يرددّ "لم أنت خضراء يا غبية؟ لم أنت شقراء؟"
    رأى السيف خير شاهد على الفروسية، كانت مكشوفة الرأس بعد أن تركت حجابها ذات هبوط، جاء به من أقصى اليمين حتى أوصله أقصى اليسار، طار رأسها ودماؤها لم تجر بعد، بتر ساقيها عند عودة سريعة إلى اليمين، رغم ذلك لا تزال جالسة، اقتلع الدمية من أساسها حين سمع صفارة النهاية، ما فشلت ركبتاه ولم يشتف بعد، يقاوم الحرّاس وهم يسحبونه.
    وصلت ثورته قمّتها، فاض كأس غضبه، استرسل لسانه في السب والشتم، يقذف به الحراس نحو غرفة إضاءتها خافتة، جدرانها الإسمنتية قاحلة كزنزانة في سجن تقليدي، لا يزال يسبّ ضاربا كفا بكف، يرسل ركلاته يمينا ويسارا، يفجر لكماته على الجدران، في أقصى الحجرة باب مفتوح، حجرة تقود إلى حجرة، من يدري لعلّ المكان حلقة في سلسلة حوانيت لا تنتهي، كمحطات عمر قاحل، حذر الخطو يطلّ على الغرفة الأخرى، الظلام يحول دون تقدّمه، دائرتان مشعتان في أقصاها تغريانه بالمواجهة، رجع خطوة إلى الوراء، لا هراوة ولا سلاح يعينه على الحرب، رجع ببصره إلى أقصى الغرفة، الدائرتان تفتحان لتغلقا وتغلقان لتفتحا وزئير قوي يصدّع السكون، ارتعشت رجلاه، قد يكون مجرّد أسد من ورق، يجب أن استجمع قوّتي، ألهب شجاعتي، أواجه مخاوفي، أتطهر من رعبي و أسير سير الماتدور في ميدان المبارزة، نزع قميصه يلوّح به، فاجأه الأسد بوثبة سريعة كادت تنتزع يده من جذورها، وجد نفسه يتوسط الغرفة و الأسد بالباب يمزق القميص تمزيقا، يرسل هدير وعيد، ما كان يظن أن الأسود بهذا الحجم، هذا الرأس الدائري يتقدم كتلة متراصّة من الصّلابة، في تماسكه مرونة عجيبة، لا يزال مأخوذا بهذا الحيوان و حلقه جفت ينابيعه، وجسده ازداد اهتزازه، قلبه يضرب الأخماس في الأسداس، قفزة عملاقة أخرى جعلت الأسد بكامله يتكوّم عند رأسه لو بقي هناك للفّه لفّا وقطف رأسه قطفا، كحارس يلتقط كرة طائشة فوق الرؤوس، لا يعرف كيف نجا من هذه التهلكة الحقيقية، لا يعرف أي قوة جعلته يتزحلق على الأرض عكس اتجاه الأسد، عيناه لا تفارقان غريمه، يريد أن يتخلص من سرواله المبللّ، لكن هذا الهزبر لن يترك له الفرصة، ها هو يعود، هذه المرّة نجح في تمزيق سرواله، ومخلبه جرح فخده، كاد يسقط بين مخالبه كفأر في ضيافة قطّة، بدأ يستغيث، أوقفوا البرنامج، لا أريد الدقائق الأربعة كاملة، يجيبه الأسد بوثبة جديدة، هذه المرّة طبع خدوشا على صدره، كاد يكون لقمة سائغة، لولا أن الحائط صدم رأس الضّرغام وجعله يسقط، التأم سريعا معيدا الكرة كثعبان جريح، جرّده الأسد من فردة حذائه اليمنى، ما هذه الحرب غير العادلة؟ ومتى كانت الحروب عادلة؟ أريد فترة استراحة، أريد استرجاع أنفاسي، لا يستطيع الحركة فشلت ركبتاه وفشل رجاؤه فاستلقى على الأرض مهزوما قبل نهاية الحصّة، يقف الأسد عند رأسه وبطرفه يتحسس جبينه الحارق، بلسانه يلعق جراحه، فحضنه منتظرا صفّارة النهاية.
    بقلم: القاص ياسر علي



    القصة الفائزة بالمرتبة الثالثة :
    أمل عند حيف النهار
    كانت تتألم وتمشي في الغرفة جيئة وذهابا، تدافعت الصور لمخيلتها في هذا الموقف.. كيف التقته أول مرة ولمَّا التفتت ابتسم ،ولم ينبس بكلمة وبعد أيام كانت مخطوبة له.. أبيها يسمع لزوجته " ستجد من يعتني بها" همست وهي وترفع رأسها وهو يوليها ظهره و يعد المهر الذي قبضه.. لمعت عيناها وهي ترى الأوراق النقدية. إبراهيم يكبرها بستة عشر عاما.. يغيب مساء، يعود منتصف الليل، عادة لم يتخل عنها.. يدفع الباب، تسمع صريره، يدخل بخطى متعرجة، تفوح رائحة نفاذة من هيئته الرثة، يلفظ كلمات سيئة، يتلبد في عينيه حنق، وعلى شفتيه شتائم. فعل ذلك مرارا كعقرب تلدغ على دفعات
    في نوبات جنونه تتماسك، يكاد الصبريتسرب من بين جوانحها جراء ذلك الخوف الذي يحاربها، عيناها مفتوحتان، يقظى تحت الغطاء، تتظاهر بالنوم وتغفو بعد محاولات بائسة
    زوجة أبيها تقول إن الرجل ستر,, وعندما يغيّب عقله الشراب يصير وحشا لا إنسانا
    الليلة باردة وقاسية.. تألمت أكثر، سمعت صرخة وانجبت طفلا، تلاه طفل آخر .. لم يكن موجودا حين انجبت توأما.. الفرح لا ينتظر موعدا ليباغت القلوب من حيث لا تدري.
    أحد الطفلين يبكي والليل مسهب في العمق والسكون.. تركتها المرأة بعد أن قامت بلف الصبيين.. الليل وبكاء الصغيرين.. هدأَ.. لا تسمع سوى الريح، أخذتها وسنة، لكنها لاحظت إنها لم تسمع صوت أزيز الباب وهو يدفعه بخشونة بعد منتصف الليل ويدلف بخطواته بجلبة
    الفجر يرسل خيوط الضوء و تفكيرها كقارب تتقاذفه الرياح فلا يعثر على شاطئ.
    فتحت النافذة.. هل ستبحث عنه؟ جاءوا باكرا.. قطبت فهي لن تنتظر خبرا سعيدا، جاءوها بجثة.. ـ قضي إبراهيم بجرعة مسمومة.
    تعلم الآن معني ظل رجل.. توفي والدها أيضا منذ شهر، إنها وحيدة الآن بدون سند يسد أفواه الناس الذي يتحدثون بجرأة الجور عنها وردة في الربيع
    كيف تتصرف؟ نفذ ما في البيت ولا يوجد فيه فأر.. فهل تبحث عن عمل؟ تحسرت وهي تذكر تعليمها. العيون تلقفتها ....هل تريدين مساعدة؟.
    وقف السيد ذو الكرش المنتفخ الذي تعمل عنده مقتربا منها كغلة بين يديه وقبل أن تلمسها يده غادرت بلا رجعة.. لتعود بيدين فارغتين لأفواه جائعة.. دق باب دارهم الذي لم يسمع له طرقا مذ غاب صاحبه ووري التراب.. هل تذكّرهم أقارب؟ هرعت للباب وارتدت للوراء وهي تشاهده ــ ... ما...ذا تريد
    قابل بلبلة صوتها وعينيها المذهولتين بابتسامة حاول أن يهذّبها،
    يعرض الزواج، يغريها بالقليل الذي يدفعه، إنها بحاجة للمال رغم ظله الثقيل
    الإيجاب تضحية والقبول رضوخ سترفض، ولكنها عادت تطرق بابه .. فهم بائسون جائعون، حاولت أن تجد عذرا لها، ربما ستجد والدا لطفليها يرأف بهما.
    لم يكن أفضل، إنها لا شيء عنده، ينال منها و لا يعبأ إن داسها وهو يترجل خارجا من الغرفة. الرجال الذين عرفتهم كأنثى رأوا فيها فريسة ليس إلا.
    وعندما علمت المرأة البدينة أم أولاده بأمره سارع لرمى مؤخر الصداق في ذمته و تسريحها.
    مرت شهور ثلاثة.. كانت سعيدة أن بطنها لم تتكور بعد لقاء هذا الرجل
    الآن ترى كل الرجال بين سيء وأسوأ وفي قلبها من مرارة الفشل ما يكفيها للنفور من عالمهم.. ثمة عيون تنظر سرا وعلانية كانت تمرّ حين همسوا: تشبه تفاحة يود الرجال أن يقضموا منها.. استدارت وهي تسمع بلبلتهم وتفلت جانبا.
    في هدأة الصباح تسللت وأخذت الصبيين وقصدت مكانا بعيدا من لقرابة أبعد طرف المرحومة أمها.. كانت القرية تتوارى رويدا.. سيطيب العيش في فضاء بعيد يُطوي فيه الأمس. قالت إنها متزوجة من رجل وسيعود وإنها تنتظره وقد تذهب إليه عندما تستقر أوضاعه ويرسل لها عنوانه، عملت في المصنع، فكانت بين الطيبين الوفاء والإخلاص.
    وعندما سألها حفيدها في يوم من الأيام عن جده الذي لم يعد ابتسمت وعن سؤاله لماذا لم تتزوج أجابته: ألهمني الله الصبر لكنه بعد كل هذا لن يعود لا شك إنه تعرض لحادث يا عزيزي وهزت رأسها وهي تنفض عنها غبار أفكارها وتلوح على وجهها بوادر حزن وابتسامة
    كان الصبي فخورا بأنه حفيد المرأة الطيبة التي تصون زوجها الذي انتظرته ولم يعد.
    بقلم : القاصة أميمة محمد







    تعليق

    • نورالدين لعوطار
      أديب وكاتب
      • 06-04-2016
      • 712

      #3
      لك الشكر والتقدير أستاذة أميمة
      على تفضلك بنشر نتائج المسابقة
      في موسمها الثالث.

      وتهنئة على فوزك المستحق

      تعليق

      • عبير هلال
        أميرة الرومانسية
        • 23-06-2007
        • 6758

        #4
        ألف مبارك لك الأخت أميمة
        sigpic

        تعليق

        • أميمة محمد
          مشرف
          • 27-05-2015
          • 4960

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة نورالدين لعوطار مشاهدة المشاركة
          لك الشكر والتقدير أستاذة أميمة
          على تفضلك بنشر نتائج المسابقة
          في موسمها الثالث.

          وتهنئة على فوزك المستحق
          الشكر موصول لك الأستاذ الكريم نور الدين لعوطار
          وأبادلك التهنئة لفوزك في المرتبة الثانية أخي "ياسر" عن قصة لعنة الدوائر
          أنت قلم قصصي وروائي يستحق وسررت بالانضمام لأسرتكم هناك
          المزيد من الإبداع الأدبي نتمناه وننتظره من نورالدين لعوطار
          احترامي

          تعليق

          • أميمة محمد
            مشرف
            • 27-05-2015
            • 4960

            #6
            شكرا لحضورك وتهنئتك الكريمة الأديبة الفلسطينية عبير هلال..

            تعليق

            • حسين ليشوري
              طويلب علم، مستشار أدبي.
              • 06-12-2008
              • 8016

              #7
              مبارك لأختنا الأديبة أميمة محمد، أمة الله، الفوز في مسابقة القصة، موفقة دائما إن شاء الله تعالى، مسيرة ألف ميل تبدأ بخطوة ومن سار على الدرب صل، ومن واصل الطرق على الباب دخل، تهاني الأخوية الخالصة.
              sigpic
              (رسم نور الدين محساس)
              (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

              "القلم المعاند"
              (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
              "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
              و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

              تعليق

              • أميمة محمد
                مشرف
                • 27-05-2015
                • 4960

                #8
                أخي الكبير ومعلمنا وأستاذنا، حسين ليشوري، زادك الله رفعة وقدرا.. وقدّرنا على فعل الطيبات.. وقد تعلم أن المرأة قاصرة أحياناً ـ أو كثيراً !ـ لما عليها من مسئوليات حياتية.. لذلك فإنني سررت السرور كله لهذا التحصيل الأول، مع كوني أم ومربية وغير متفرغة للكتابة وأمارسها في ساعات الفراغ
                جزاك الله الخير على مباركتك...

                تعليق

                • عكاشة ابو حفصة
                  أديب وكاتب
                  • 19-11-2010
                  • 2174

                  #9
                  بسم الله والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وأله وصحبه .
                  بمناسبة إحتلال الرتبة الثالثة لأختنا المحترمة أميمة محمد من خلال مشاركتها المتميزة في مسابقة منابر الثقافية للقصة القصيرة في اصدارها الثالث لعام 2017 .
                  يسرني ويسعدني أصالة عن نفسي ونيابة عن إبنتي حفصة أن أتقدم إليها بأحر التهاني وأحلى الأماني راجيا لها التوفيق والسداد والنجاح .
                  فالشكر كل الشكر على هذا الجهد المبدول رغم إنشغالاتها اليومية وإشرافها المتميز .
                  لقد إستطاعت حفظها الله دخول المنافسة من بابها الواسع كقاصة متمكنة وفازت بجدارة واستحقاق من خلال :
                  - قصتها الفائزة بالمرتبة الثالثة " أمل عند حيف النهار" .
                  ألف ألف مبروك ومزيدا من العطاء دون انقطاع .
                  والسلام عليكم ورحمة الله .

                  - أخوكم عكاشة أبو حفصة .

                  التعديل الأخير تم بواسطة عكاشة ابو حفصة; الساعة 09-01-2018, 19:24.
                  [frame="1 98"]
                  *** حفصة الغالية أنت دائما في أعماق أعماق القلب, رغم الحرمان...فلا مكان للزيارة ما دمت متربعة على عرش القلب.
                  ***
                  [/frame]

                  تعليق

                  • سميرة سلمان
                    عصفورة لاتجيد الزقزقة
                    • 13-07-2012
                    • 1326

                    #10
                    مبارك أستاذة أميمة التوفيق الدائم

                    تعليق

                    • عمار عموري
                      أديب ومترجم
                      • 17-05-2017
                      • 1300

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
                      القصة الفائزة بالمرتبة الاولى من مسابقة منابر ثقافية الاصدار 2017
                      كفُّ بلا أصابع
                      خرجتُ من بين أكوام الحجارة بصعوبةٍ كبيرة، كان عليّ تمزيق كيس القماش الغليظ؛ لأتمكن من الهرب خارج العتمة و إبصار النور، أصابعي لم تكن قوية بما يكفي للقيام بهذه المهمّة.
                      كنت هشّاً من الداخل قبل الخارج، تصدّعتُ كليّاً حين علمت مَن أكون وكيف صرت، ما يهمّ الآن كيف خرجتُ من القبر القماشيّ الذي أرادوه لي؛ صرختُ طويلاً دون جدوى، لم يسمعني سوى كلب ضال كان يبحث في تلك الليلة الكانونيّة المثلجة عن كيس قماش بداخله فريسة ، وكنت أنا سيء الحظ وليمة جاهزة بجانبه؛ بدأ يحفر بأنيابه طرف القماش، دون أن يدري أنّه ينبش جزءاً من قدمي اليمنى، غير آبهٍ لاستغاثاتي و آهاتي المتواصلة .
                      حين اقترب فمه من وجهي، أغمضتُ عيني و استسلمت لسكون يسحبني معه إلى الأبد، و في غمرة أفكاري المضطربة ، سمعت صدى رصاصة دوت فجأة، و هبطت فوق دمي المتجمّد ككأس ماء يغلي ، حينئذ ابتعد فم الكلب عنّي ، وبدأت رائحته القذرة بالتلاشي شيئاً فشيئاً، ورغم ذلك لم أتوقف عن البكاء ، ربما من الغبطة أو البرد ، وربما من الاثنين معاً .
                      شيء ما أحاط بجسدي المرتعش بغتة ، دفء كان يتسربل من خارج الكيس المثقوب إلى داخله، بدأ الضوء بالانتشار فوق وجنتي، وتقوّضت مساحات العتمة حولي، سمعت صوت بكاء وعويل يهتزّ داخل أذني ، ولم أعد أشعر بأيّ شيء؛ دخلتُ في سبات ألم عميق.
                      كانت صحوتي غريبة جداً بعد تلك الليلة ، روائح طعام لذيذة تعجّ المكان، نسمات دافئة تداعب جروحي المضمّدة بحنوٍ ، وصدر مليء بالأمان يضمّني كلّ ليلة قبل النوم وعند الاستيقاظ.
                      بدأت أكبر يوماً بعد آخر ، ولاحظت أنّ جميع الأطفال الذي يلعبون معي يمتلكون عشرة أصابع ؛ إلا أنا أعيش وألعب بخمسةٍ فقط، ذات ليلة كنت جالساً قرب ماما حنان نتناول طعام العشاء ، اقتربتُ منها قليلاً وهمستُ في أذنها :
                      -ماما لمَ لا أملك أصابعاً في يدي اليمنى كما اليسرى ؟
                      لم أفهم حينها سبب بكائها ، اكتفت بالصّمت وضمّتني إليها، وهي تربت على ظهري الغض وتقول بصوت متقطّع:
                      -أنت جميلٌ بخمسة أصابع أو عشرة يا حبيبي.
                      في أحد الأيام خرجتُ للعب مع أطفال الحي كما اعتدت ، نلهو بكرة القدم أو لعبة المطاردة ، رميت أحد الصبية دون قصدٍ مني، فارتطم وجهه بحافة الجدار ، سرعان ما استشاط غيظاً وبدأ بالصراخ، كان الغضب يحفر فوق لسانه كلمات غريبة على سمعي ، أشعلت الشرارة الأولى للنار التي توهّجت داخلي فيما بعد ؛ كان يصرخ بأعلى صوته أمام الجميع :
                      -لاعجب من فعلتك ، وقد عشت بين النفايات مع الحشرات والكلاب الضالة أياماً وأيام .
                      عند عودتي إلى المنزل رويت ما حدث لماما حنان ، وكعادتها لم تنطق كلمة واحدة ، حضنتني وأجهشت ببكاء لا انقطاع له ، قررت ذلك اليوم أنا صاحب الأعوام العشرة أن أبحث عن قصتي التي يعرفها الجميع دوني ، بحثت في الغرف ودروج المكتب ، لكنّي لم أعثر على شيء يجيب على تساؤلاتي الداخلية.
                      فوق رفوف المخزن داخل القبو المظلم ، وجدت حقيبة صغيرة ، أخفتها ماما حنان تحت صناديق خشبيّة قديمة ، في زاويتها صورة لي وأنا صغير ، وقماط أبيض اللون ممزّق من طرفين متقابلين ، خلفه مرآة كُسر نصفها ، وارتصف الغبار فوق سطحها ككثبان من رمل ، ظهر لي داخلها طفل صغير لم يُغسل من دماء ولادته ، بل لُفّ بقماشٍ أبيض على عجل، وفي عتمة الليل وضعته امرأة لا وجه لها بين نفايات حيّ بعيد ، أشرقت فوقه الشمس مرات عديدة لكّنه لم يرَها ، كان مغلّفاً كخطيئة لا ينبغي أن تبصر النور ، جاء كلب جائع قربه ، قضم شيئاً منه ومضى إلى وجهة أخرى ، ومع ذلك لم يمت ، ظلّت الروح تنتفض داخله وتصارع البرد والألم ، حين عثروا عليه كان بلا كفّ ، أصابع يده اليمنى استقرت في معدة كلب فارغة ، بينما أصابع يده الأخرى كانت تمسك مرآة بنصف وجه، تضغط فوق حوافها الحادّة بغضب ، فيظهر نصفها المفقود داخل غرفة رطبة يخرج منها رجل مخمور يتسكّع خلف الجدران ، وفتاة حزينة حطّمت مرآتها وحولتها إلى شظايا؛ حين أحسّت بركلةٍ ما داخل أحشائها ، وصوت رجل يصرخ عالياً داخل أذنها؛ " لا شأن لي أيتها العاهرة!".
                      بقلم القاصة صبا حبوش



                      القصة الفائزة بالمرتبة الثانية في مسابقة منابر ثقافية الاصدار 2017 :_
                      لعنة الدوائر
                      أمامه من الدقائق أربعة، اقتحم الصّالة، مائدة مستطيلة رصّت عليها تشكيلة صحون وتحف كريستالية، تقدمت يده نحو صّحن مستدير في حجم مرآة صغيرة، رفعه قبالة وجهه، أفزعته تفاصيله، حاجباه المستنفران، أنفه الممتد ، تجاعيد جبهته المتصارعة تموّجاتها، صلعته تشع من خلالها فوانيس الصّالة، ظنها تحرقه فأخذته رهبة، أيقظه ارتطام الصّحن بأرضية الصّالة الصّلبة، انفرطت روابط البلّورات كحبات ذرة متناثرة حول رجليه. تخلص من فداحة وجهه، أخذ صحنا أكبر تأمّل زخرفته الجانبية المتقنة، تتوالى فيها دوائر صغيرة أخذت تتداخل في عينيه، أرسله بعيدا فسمع انشطاره إلى أجزاء دقيقة كرصاصة بندقية صيد. لابد من التخلّص من الدوائر، كيف اعتبرها الأولون كمال الأشكال؟ تركونا ندور في حلقات مفرغة كبهائم تدرس حصيدا أخضر في بيدر تقليدي مستدير، ما أتفه الدوائر... حمل صحنين وأتبعهما لسابقيهما، تفتّحت شهيّة التّحطيم لديه، انهال على الصفوف مثنى وثلاث فرباع ونفسه يقتحمها الطّرب. فاجأته صفّارة النهاية عندما هوى بمزهرية في حجم جرّة خزفية فانفجرت انفجار رعد تشظى بردا، فشلت ركبتاه، جرّه الحرّاس بعيدا.
                      ملأ وعاء رئتيه من هواء الحديقة فاستفاق شغفه، فُتح البابُ:
                      ـ تفضل، يمكنك الدخول.
                      كانت جالسة على منضدة، وساقاها المكشوفان يتقدم أحدهما ليتأخر الآخر في حركة تغري بالتأرجح، عيناه حطّتا على شعرها الأشقر الذي تسللت بعض خصلاته من قبضة حجاب زرقته خفيفة، حدّق في عينيها الخضراوين، فرمّش ورمّش وابتسامتها تغريه بالتقدّم، ملأه الخجل لحظة فولّى لها ظهره، كان بودّه لو يختلس نظرة إلى الوراء، لكنّه يميل إلى غضّ طرفه عنها، سيف معلق بالحائط سيطر على باله، كان السيف هابطا بلسانه إلى الأرض، رأى هذا الوضع غير مستقيم، فقد آن للسّيوف أن تستقيم وقفاتها، وترفع رأسها وتشهر قوتها.
                      تذكر المليحة فغلبه وجدانه، تتقدم خطواته، رأى دائرتين خضراوين بارزتين تتوسطان عينيها، تأمل استدارتهما داخل محجريهما، هربا من استدارة وجهها هبط ببصره نحو صدرها، دائرتان، وكلما فرّ من دائرة وجد أخرى، عقد لكمته طبعها على وجنتها، ارتفعت رجلاها واستوى ظهرها على الطاولة، عند عودتها التقت بلكمته اليسرى وهكذا أضحى وجهها كيس ملاكمة، تتوالى صيحاتها صيحة بعد صيحة، تسلق جسدها اللين برجليه، كان يهوي عليه بكل وزنه حتى أسكت جهازها الصّوتي ولا يزال يرددّ "لم أنت خضراء يا غبية؟ لم أنت شقراء؟"
                      رأى السيف خير شاهد على الفروسية، كانت مكشوفة الرأس بعد أن تركت حجابها ذات هبوط، جاء به من أقصى اليمين حتى أوصله أقصى اليسار، طار رأسها ودماؤها لم تجر بعد، بتر ساقيها عند عودة سريعة إلى اليمين، رغم ذلك لا تزال جالسة، اقتلع الدمية من أساسها حين سمع صفارة النهاية، ما فشلت ركبتاه ولم يشتف بعد، يقاوم الحرّاس وهم يسحبونه.
                      وصلت ثورته قمّتها، فاض كأس غضبه، استرسل لسانه في السب والشتم، يقذف به الحراس نحو غرفة إضاءتها خافتة، جدرانها الإسمنتية قاحلة كزنزانة في سجن تقليدي، لا يزال يسبّ ضاربا كفا بكف، يرسل ركلاته يمينا ويسارا، يفجر لكماته على الجدران، في أقصى الحجرة باب مفتوح، حجرة تقود إلى حجرة، من يدري لعلّ المكان حلقة في سلسلة حوانيت لا تنتهي، كمحطات عمر قاحل، حذر الخطو يطلّ على الغرفة الأخرى، الظلام يحول دون تقدّمه، دائرتان مشعتان في أقصاها تغريانه بالمواجهة، رجع خطوة إلى الوراء، لا هراوة ولا سلاح يعينه على الحرب، رجع ببصره إلى أقصى الغرفة، الدائرتان تفتحان لتغلقا وتغلقان لتفتحا وزئير قوي يصدّع السكون، ارتعشت رجلاه، قد يكون مجرّد أسد من ورق، يجب أن استجمع قوّتي، ألهب شجاعتي، أواجه مخاوفي، أتطهر من رعبي و أسير سير الماتدور في ميدان المبارزة، نزع قميصه يلوّح به، فاجأه الأسد بوثبة سريعة كادت تنتزع يده من جذورها، وجد نفسه يتوسط الغرفة و الأسد بالباب يمزق القميص تمزيقا، يرسل هدير وعيد، ما كان يظن أن الأسود بهذا الحجم، هذا الرأس الدائري يتقدم كتلة متراصّة من الصّلابة، في تماسكه مرونة عجيبة، لا يزال مأخوذا بهذا الحيوان و حلقه جفت ينابيعه، وجسده ازداد اهتزازه، قلبه يضرب الأخماس في الأسداس، قفزة عملاقة أخرى جعلت الأسد بكامله يتكوّم عند رأسه لو بقي هناك للفّه لفّا وقطف رأسه قطفا، كحارس يلتقط كرة طائشة فوق الرؤوس، لا يعرف كيف نجا من هذه التهلكة الحقيقية، لا يعرف أي قوة جعلته يتزحلق على الأرض عكس اتجاه الأسد، عيناه لا تفارقان غريمه، يريد أن يتخلص من سرواله المبللّ، لكن هذا الهزبر لن يترك له الفرصة، ها هو يعود، هذه المرّة نجح في تمزيق سرواله، ومخلبه جرح فخده، كاد يسقط بين مخالبه كفأر في ضيافة قطّة، بدأ يستغيث، أوقفوا البرنامج، لا أريد الدقائق الأربعة كاملة، يجيبه الأسد بوثبة جديدة، هذه المرّة طبع خدوشا على صدره، كاد يكون لقمة سائغة، لولا أن الحائط صدم رأس الضّرغام وجعله يسقط، التأم سريعا معيدا الكرة كثعبان جريح، جرّده الأسد من فردة حذائه اليمنى، ما هذه الحرب غير العادلة؟ ومتى كانت الحروب عادلة؟ أريد فترة استراحة، أريد استرجاع أنفاسي، لا يستطيع الحركة فشلت ركبتاه وفشل رجاؤه فاستلقى على الأرض مهزوما قبل نهاية الحصّة، يقف الأسد عند رأسه وبطرفه يتحسس جبينه الحارق، بلسانه يلعق جراحه، فحضنه منتظرا صفّارة النهاية.
                      بقلم: القاص ياسر علي



                      القصة الفائزة بالمرتبة الثالثة :
                      أمل عند حيف النهار
                      كانت تتألم وتمشي في الغرفة جيئة وذهابا، تدافعت الصور لمخيلتها في هذا الموقف.. كيف التقته أول مرة ولمَّا التفتت ابتسم ،ولم ينبس بكلمة وبعد أيام كانت مخطوبة له.. أبيها يسمع لزوجته " ستجد من يعتني بها" همست وهي وترفع رأسها وهو يوليها ظهره و يعد المهر الذي قبضه.. لمعت عيناها وهي ترى الأوراق النقدية. إبراهيم يكبرها بستة عشر عاما.. يغيب مساء، يعود منتصف الليل، عادة لم يتخل عنها.. يدفع الباب، تسمع صريره، يدخل بخطى متعرجة، تفوح رائحة نفاذة من هيئته الرثة، يلفظ كلمات سيئة، يتلبد في عينيه حنق، وعلى شفتيه شتائم. فعل ذلك مرارا كعقرب تلدغ على دفعات
                      في نوبات جنونه تتماسك، يكاد الصبريتسرب من بين جوانحها جراء ذلك الخوف الذي يحاربها، عيناها مفتوحتان، يقظى تحت الغطاء، تتظاهر بالنوم وتغفو بعد محاولات بائسة
                      زوجة أبيها تقول إن الرجل ستر,, وعندما يغيّب عقله الشراب يصير وحشا لا إنسانا
                      الليلة باردة وقاسية.. تألمت أكثر، سمعت صرخة وانجبت طفلا، تلاه طفل آخر .. لم يكن موجودا حين انجبت توأما.. الفرح لا ينتظر موعدا ليباغت القلوب من حيث لا تدري.
                      أحد الطفلين يبكي والليل مسهب في العمق والسكون.. تركتها المرأة بعد أن قامت بلف الصبيين.. الليل وبكاء الصغيرين.. هدأَ.. لا تسمع سوى الريح، أخذتها وسنة، لكنها لاحظت إنها لم تسمع صوت أزيز الباب وهو يدفعه بخشونة بعد منتصف الليل ويدلف بخطواته بجلبة
                      الفجر يرسل خيوط الضوء و تفكيرها كقارب تتقاذفه الرياح فلا يعثر على شاطئ.
                      فتحت النافذة.. هل ستبحث عنه؟ جاءوا باكرا.. قطبت فهي لن تنتظر خبرا سعيدا، جاءوها بجثة.. ـ قضي إبراهيم بجرعة مسمومة.
                      تعلم الآن معني ظل رجل.. توفي والدها أيضا منذ شهر، إنها وحيدة الآن بدون سند يسد أفواه الناس الذي يتحدثون بجرأة الجور عنها وردة في الربيع
                      كيف تتصرف؟ نفذ ما في البيت ولا يوجد فيه فأر.. فهل تبحث عن عمل؟ تحسرت وهي تذكر تعليمها. العيون تلقفتها ....هل تريدين مساعدة؟.
                      وقف السيد ذو الكرش المنتفخ الذي تعمل عنده مقتربا منها كغلة بين يديه وقبل أن تلمسها يده غادرت بلا رجعة.. لتعود بيدين فارغتين لأفواه جائعة.. دق باب دارهم الذي لم يسمع له طرقا مذ غاب صاحبه ووري التراب.. هل تذكّرهم أقارب؟ هرعت للباب وارتدت للوراء وهي تشاهده ــ ... ما...ذا تريد
                      قابل بلبلة صوتها وعينيها المذهولتين بابتسامة حاول أن يهذّبها،
                      يعرض الزواج، يغريها بالقليل الذي يدفعه، إنها بحاجة للمال رغم ظله الثقيل
                      الإيجاب تضحية والقبول رضوخ سترفض، ولكنها عادت تطرق بابه .. فهم بائسون جائعون، حاولت أن تجد عذرا لها، ربما ستجد والدا لطفليها يرأف بهما.
                      لم يكن أفضل، إنها لا شيء عنده، ينال منها و لا يعبأ إن داسها وهو يترجل خارجا من الغرفة. الرجال الذين عرفتهم كأنثى رأوا فيها فريسة ليس إلا.
                      وعندما علمت المرأة البدينة أم أولاده بأمره سارع لرمى مؤخر الصداق في ذمته و تسريحها.
                      مرت شهور ثلاثة.. كانت سعيدة أن بطنها لم تتكور بعد لقاء هذا الرجل
                      الآن ترى كل الرجال بين سيء وأسوأ وفي قلبها من مرارة الفشل ما يكفيها للنفور من عالمهم.. ثمة عيون تنظر سرا وعلانية كانت تمرّ حين همسوا: تشبه تفاحة يود الرجال أن يقضموا منها.. استدارت وهي تسمع بلبلتهم وتفلت جانبا.
                      في هدأة الصباح تسللت وأخذت الصبيين وقصدت مكانا بعيدا من لقرابة أبعد طرف المرحومة أمها.. كانت القرية تتوارى رويدا.. سيطيب العيش في فضاء بعيد يُطوي فيه الأمس. قالت إنها متزوجة من رجل وسيعود وإنها تنتظره وقد تذهب إليه عندما تستقر أوضاعه ويرسل لها عنوانه، عملت في المصنع، فكانت بين الطيبين الوفاء والإخلاص.
                      وعندما سألها حفيدها في يوم من الأيام عن جده الذي لم يعد ابتسمت وعن سؤاله لماذا لم تتزوج أجابته: ألهمني الله الصبر لكنه بعد كل هذا لن يعود لا شك إنه تعرض لحادث يا عزيزي وهزت رأسها وهي تنفض عنها غبار أفكارها وتلوح على وجهها بوادر حزن وابتسامة
                      كان الصبي فخورا بأنه حفيد المرأة الطيبة التي تصون زوجها الذي انتظرته ولم يعد.
                      بقلم : القاصة أميمة محمد







                      قرأت قبل يومين هنا في الملتقى موضوعا إنشائيا لتلميذة في الابتدائي وأقول بكل صراحة إنه من حيث صياغة الفكرة وترتيب الفقرات ووضع علامات الترقيم وسلامة اللغة أفضل بكثير من هذه القصص الثلاث مجتمعة والمليئة كل واحدة على حدة بالأخطاء اللغوية.
                      مع احترامي للجنة التحكيم وتقديري لمجهود أصحاب النصوص.

                      تعليق

                      • ريما ريماوي
                        عضو الملتقى
                        • 07-05-2011
                        • 8501

                        #12
                        مبارك لكما الفوز، الأستاذين أميمة وياسر،
                        بالمزيد من التقدم والتوفيق بإذن الله..


                        أنين ناي
                        يبث الحنين لأصله
                        غصن مورّق صغير.

                        تعليق

                        • حاتم سعيد
                          رئيس ملتقى فرعي
                          • 02-10-2013
                          • 1180

                          #13
                          ألف مبروك للمتوجين في هذه المسابقة
                          لكم أجمل التهاني والتمنيات بمزيد الألق والنجاح.
                          تحياتي وباقات الورد

                          من أقوال الامام علي عليه السلام

                          (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
                          حملت طيباً)

                          محمد نجيب بلحاج حسين
                          أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
                          نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

                          تعليق

                          • زياد الشكري
                            محظور
                            • 03-06-2011
                            • 2537

                            #14
                            التم شمل القمم هنا ..
                            مبارك لأميمة، مبارك لنور الدين ..
                            حياكما الله وأكرمكما كثيراً.
                            تقديري.

                            تعليق

                            • عائده محمد نادر
                              عضو الملتقى
                              • 18-10-2008
                              • 12843

                              #15
                              أميمة الرائعة
                              تهنئة من قلب محب بصدق
                              وربي فرحت لك كثيرا لأن الفوز معناه التميز وأنت فعلا متميزة
                              راقية ولك بصمة ورؤية وهذا مالمسته من خلال مداخلاتك على النصوص ورؤاك السديدة وماتتميزين به من لمسات
                              تستحقين غاليتي وأكثر
                              محبتي وكل الورد الجوري
                              الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                              تعليق

                              يعمل...
                              X