
نشأ في وسط بربري ، وفتح عينيه على أمٍّ شاوية حرّة ، وأبٍ " آركاز " بمعنى فحل ، وكانت اللهجة حاضرة معهما دائمًا ، ولم يكن يومها غير الحكواتي يروي قصص " الغول " و" بن لعكرّك " بلغة دارجة تميّز بها مجتمع بدأ يتنفّس الحريّة مع بزوغ فجر الاستقلال . جده الذي يكنّى بـ" قاسا " وخاله " محند " وابن عمّه " توحه " و " سي - حمو " ، و " السّي " هنا معناها مكانة مرموقة ،،، وكلّها تقريبًا أسماء مستعارة مشتقّة من أسماء عربية تداولتها الألسنة عبر الأجيال ، ثم دخلت عليها أدوات التعظيم والتحبيب فصغّرتها .
بعدما أقام بالمدينة السّاحيلة الكبيرة ، وفتح عينيه على الحياة ، أول ما استبدل مكان الشّاوية لغة المدينة ، فلم يعد ذاك القروي الذي يستحي من لكنته .
لظروف مهنية أجبرت الأسرة على العودة إلى مسقط الرّأس ، التحق" بالجامع " الكُتّاب القريب من البيت ، وحلّت البركة عليه فحفظ ما تيسّر من كلام الله العزيز الحميد ، وفي المدرسة الأبتدائيّة تعلّم النّطق الصحيح والكتابة السّليمة ، وبمرور الوقت زاد تبصّرا ، وأدرك الفارق بين لغة القرآن العظيم والأدب الأصيل والشعر الجميل من ناحية ، وبين هجين الكلام الذي كان يردّده خارج المدرسة المحترمة ، ثم ازداد يقينًا عندما تجرّأ ذات يوم على فتح خزانة جدّه العتيقة ، وكانت تحوي إلى جانب المخطوطات الدّينية عددًا مهمًّا من الجرائد والمجلاّت القديمة ، كمجلّة الشهاب لسان حال جمعية العلماء المسلمين وعلى رأسهم العلاّمة عبد الحميد بن باديس – رحمه الله - ، الذي استمات في الدّفاع عن اللّغة والدّين بقوله : " شعب الجزائر مسلم **وإلى العروبة ينتسب " ، وكان له الفضل في تحرير المجتمع الخرافي من براثن الجهل والخزعبلات ، والتحريض على الاستدمار اللّعين الذي قال ذات يوم على لسان حاكمه في الجزائر وبمناسبة مرور مئة سنة على احتلاله البغيض : "إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرؤون القرآن ، ويتكلمون العربية ،فيجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم" .فرنسا التي قامت بغلق المدارس والمعاهد ومنع تعلّم اللّغة العربية ، وعملت على نشر الثقافة واللغة الفرنسية والترويج لفكرة " الجزائريين بربر والعرب غزاة" ، نراها اليوم تُشجّع بنفس الأساليب القديمة ومن خلال أذرعها التي في الدّاخل والخارج ، على توظيف النعرات القبلية بغرض تفكيك وحدة الشعب الجزائري وطمس هويّته ، تحاول أن تقنع الخائنين الحاقدين من أتباعها بمقولة : "إن العرب لا يطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين، ولن يصبحوا فرنسيين إلا إذا أصبحوا مسيحيين " . فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ .
تعليق