تسيير العواطف لا تسيير الموارد البشرية وغيرها
(مقالة)
(مقالة)
[align=justify]أذكر أنني لما كنت، عامَ 2000، مديرَ وحدة تجارية في مؤسسة عمومية محلية في البُليْدة قلت لرئيس قسم الموارد البشرية، في الوحدة طبعا، "إننا كمسئولين في المؤسسة نسير عواطف الموظفين والعمال وليس الموارد البشرية والمالية والمادية التي في أمانتنا" لأن الجهد الذي نبذله في فك أزمات الشغل اليومية الكثيرة والمتنوعة والتي يختلقها الموظفون والعمال أكبر من الجهد الذي نبذله في تسيير تلك الموارد المختلفة مجتمعة؛ ولم يأت قولي ذاك من فراغ وإنما هو ناتج عن خبرة ميدانية وتجربة حياتية في الحياة عموما وفي الشغل خصوصا.
ليس في الشغل في حد ذاته كشغل أية صعوبة لمن يملك الثقافة العملية والخبرة الميدانية والممارسة الفعلية، فإن وُجدتْ صعوبة ما فإننا نستعين عليها بالخبراء أو بالزملاء العارفين في جهات أخرى، لكن الصعوبة، كل الصعوبة، تكمن في التصادم مع نفسيات الموظفين والعمال لأن لكل واحد منهم كمًّا هائلا من المشاكل العائلية والصحية والمالية الخاصة به ويريد أن يعيشها في مقر عمله أو ينقلها - من غير إرادة الإساءة طبعا- إلى الشغل، وعلى المسئولين، المباشرين أو غير المباشرين، أن يتفهموا مشاكله الخاصة وأن يتعاطفوا معه وأن يعذروه فيها فلا مؤاخذة عليه إن هو جاء متأخرا إلى مقر عمله لسبب من الأسباب، ولا لوم عليه إن لم يركِّز في عمله فضيَّع المال أو أتلف العتاد وحطم الأدوات فهو مشغول بمشاكله المنزلية والاجتماعية، فاعذروه!
ومن الطُّرَف المضحكة المبكية في الوقت نفسه أنك تسمع "العامل" يقول إن سئل في الصباح:"إلى أين أنت ذاهب؟" فيرد "إلى الشغل" ولا يقول:"أنا ذاهب لأشتغل" والفرق بيْن القولين بيِّن لمن له تدقيق في فحوى الخطاب، فـ"أنا ذاهب إلى الشغل" تعني "أنا ذاهب لتمضية الوقت في الشغل" وليس بالشغل، فلنلاحظ هذا جيدا؛ وأما "أنا ذاهب لأشتغل" فتعني "أنا ذاهب للكد والجد في الشغل".
نفسية العامل في العالم المتخلف نفسية مُتعَبة أصلا لما يعيشه من أزمات كثيرة ومتنوعة وهي متعِبة لغيرها بالتبيعة لأن تعب العامل النفسي ينعكس سلبا ليس عليه وحده فحسب بل على نوعية العمل الذي يقوم به، وعلى زملائه في الشغل، وعلى نفسية المسئول عنه المباشر وغير المباشر، في سلسلة من السلبيات المحبطة والمثبطة بلا توقف، فإذا أضفنا إلى تلك المشاكل المادية الكثيرة مشاكل العامل النفسية المَرَضِيَّة والتي يصعب، بل يستحيل، اكتشافها صار تحمل المسئولية في المؤسسات الاقتصادية وغيرها مغامرة خطرة قد تودي بصحة المسئول نفسه الجسدية والنفسية وهذه قبل تلك في كثير من الأحيان.
والآن، هل تلك العقلية السلبية الموجودة في العمال والموظفين خاصة بهم وحدهم فقط أم هي موجودة كذلك في الإنسان العربي المعاصر؟ هذا ما أعرضه على القراء الكرام لنناقشه معا في هذا المتصفح الخاص.
[/align]
قراءة ممتعة وإلى لقاء آخر قريب إن شاء الله تعالى لنواصل الحديث في هذا الشأن.
البُليدة، عشية يوم الخميس 30 ربيع الثاني 1439، الموافق 18 يناير/جانفي/كانون الثاني 2018.
تعليق