الفرصة الذهبية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • هادي زاهر
    أديب وكاتب
    • 30-08-2008
    • 824

    الفرصة الذهبية

    كانت هناك قرية وادعة تقع على تلة في شمال الريف ، وكان أهلها البسطاء يتسابقون في إبراز إخلاصهم لجلالة الملك الذي استغل بساطتهم ، وبدلاً من أن يأخذ بأيديهم ليلحقوا بركب المدينة ،
    صادر لهم الأطيان وعمل على دب الخلافات حتى بين فروع الشجرة العائلية الواحدة ، وهنا انقض على الفرصة السيد " بلبل افندي" الذي كان من أشد الموالين للملك واستطاع بدعم من جلالته ، الذي أوفد الوزراء " لزرع البحر بالمقاثي" وتهويم السكان بان بلدتهم سوف تنعم بالمشاريع التي لم تخطر على البال ، الأمر الذي سيجعلها نموذجاً تقصده البشرية من أقاصي الدنيا ان هم دعموا مرشحه السيد " بلبل افندي" ، الذي استطاع من جانبه بشدوه المتواصل أن يستثمر الوضع لصالحه وان يزيح جاره عن كرسي العمدة ، ليتولى المهمة مكانه ، ولما كان يعلم بان فرصته قد لا تتكرر قرر أن يسيطر على مٌقدرات بلده كلياً.. ولكن القوانين التي أدخلت مؤخراً لا تتيح له السيطرة على المشاريع والفوز بالتعهدات ، فما العمل؟ .
    فكر السيد "بلبل" طويلاً ثم طفق يقول لنفسه : ان الاقتصاد هو دين هذا الزمن لذلك عليّ أن أغتنم الفرصة ، يقولون إن الحظ يخالف الإنسان دائماً ويحالفه مرة واحدة في حياته ، وقد يكون ذلك صحيحاً ، لذلك عليّ ألاّ أدع فرصة واحدة تفلت مني ، خاصة وان جلالة الملك يغض الطرف عما أقترفه من تجاوزات بسبب إخلاصي له ، انه يريد مصادرة أطيان الفلاحين ، سوف أكون إلى يمينه وسأحظى بحصتي ، ولكن ماذا مع "الحلال" والمراعي ؟ يبدو أن جلالته يريد أن يجعل كل الناس أجيريين ، يريد تسجيل الأملاك ليجبي الضرائب ، اه لقد طرقت رأسي الفكرة سوف يصبح كل شيء مسجلا وهذا بحاجة إلى تأمين ، إن الحياة تتطور، ان القوانين، والعادات والتقاليد تتغير بسرعة وبحق ، ولا يمكن أن تصل البشرية إلى القمر ونبقى "على الأرض يا حكم" ، إنها فرصتي الذهبية ، عليّ أن استفيد منها ، سأمنح العطاء لمن أريد لكي تتسرب حصتي من تحت المنضدة . وكم كان "بلبل" سعيداً عندما كانت فترة انتهاء تعاقد احد المقاولين محاذية لجلوسه على الكرسي ، لقد غرد كثيراً وعاد يقول لنفسه : عليّ أن أنقض على المشروع بسرعة البرق قبل أن يحلو بعيون الحلفاء ويصبح الأمر محرجاً بالنسبة لي .. ولكن كيف ؟ أطرق "بلبل" وأخذ يتأفف ، ثم عاد ليقول لنفسه : سأقوم بتسجيل المشاريع بأسماء أقربائي .. إنها الحيلة الوحيدة التي يمكنني بواسطتها الالتفاف على القانون .. ولكن سأكون عرضة للقيل والقال.
    تنهد ثم مد يده إلى الأمام وقال : فليكن ، لست الوحيد ، ان كل من كانت المغرفة في يده قبلي، أكل واطعم من يريد، واستثنى من يريد، وخاصة جاري، لقد أعفى المقربين منه من دفع الضرائب ، ثم إن الناس يتحدثون ويتهمون ولكنهم سرعان ما ينسون أو يتكيفون مع الأمر الواقع .. ولكن .. ولكن .. احتضن "بلبل" رأسه بين يديه وحلق بخياله عالياً، وعاد يحدث نفسه : ولمَ يتسلى الناس بسمعتي ؟ أعتقد انه باستطاعتي أن أبعد الشبهات عني إذا تصرفت بحكمة ، انه المشروع الأول الذي يتقاطع مع منصبي والوقت ما زال طويلاً أمامي، إن الفرص ستأتي فلمَ العجلة؟ سوف امنح هذا المشروع لأحد الحلفاء .
    لم يقو السيد " بلبل أفندي" على الإغراء: لا ..لا .. يمكنني أن أجد حليفاً أتقاسم معه الغنيمة مناصفة.. ولكن من الذي يضمن لي ذلك؟ وماذا سأفعل إذا قام هذا الحليف باستغلال حساسية الموقف وتنكر للاتفاق؟ إن هذا الزمن، زمن الكذب والنفاق، زمن الاحتيال، زمن الجشع والمال، لعنة الله على النفس البشرية ما أحقرها ولن أستثني أحداً، هز برأسه وأردف : قد يكون من العار الحديث هكذا، ولكنها الحقيقة .
    أطرق "بلبل" مجدداً وعاد إلى فكرته الأولى: انه العصفور الذي في اليد ، وليس من الحكمة أن ادعه يفلت من قبضتي، لن أمنحه للغرباء .. ما لي سوى أقربائي أثق بهم، فخطورة التنكر للاتفاق تكاد تكون معدومة : ثم ان الغنائم ستبقى داخل البيت .
    فكر السيد "بلبل" في أن يقيم مجلس شورى للعائلة، ولكنه عدل عن ذلك بسرعة: "معروف بأنه اذا كثر الطباخين تشوط الطبخة" وسوف يعتقد كل من بذل جهداً في حملتي الانتخابية بأنه الأحق في المشروع وسيدب الخلاف الذي قد لا ينتهي ..
    نهض "بلبل" وأخذ يذرع أرض الغرفة ذهاباً وإيابا وهو يتأفف، ثم ضرب الأرض بقدمه وقال بإصرار شديد: أنا هو من يقرر ، سوف اختار المشروع المناسب للشخص المناسب، يجب أن أختار من لا يملك طموحات عريضة لكي يقبل بعرضي، ترى من يصلح لهذه المهمة ؟ .
    استعرض "بلبل" أفراد أسرته فرداً فرداً واستقر فكره على " فارس": أعتقد أن " فارس" يصلح لهذه المهمة فهو يقنع بما أقترح عليه.
    اتصل بلبل" " بفارس" ودعاه إلى بيته فحضر "فارس" فوراً، إذ قاده حسه إلى أن هناك ما يسر القلب، كيف لا وان من دعاه، ابن عمه "عمدتنا الجديد" وما ان جلس "فارس" حتى قال له "بلبل" : أنت تعلم يا ابن عمي كم أنا أحبك ، ومنذ مدة وأنا أفكر فيك ، بودي أن أعلمك أنه ذهب زمن البهدلة وجاء زمن العز، أضرب كفاً ودوى صوت رنين تلاقي الأكف ، حدق "فارس" في وجه "بلبل" ابتسم وقد أخذته نشوة عارمة ، فيما أكمل
    " بليل" حديثه: - أنت منذ اليوم أحد رجال أعمالي .
    رد "فارس" : - الحقيقة هي انني منذ البداية اعتقدت بأنك لن تتخلى عني ، خاصة وأنك تعلم مدى اهتمام الجمهور بالحاويات المتكسرة غافلين عن حاجاتهم الحياتية الأساسية الأخرى دى تضحياتي وغيرتي على العائلة . أطلع السيد " بلبل أفندي" ابن عمه ، "فارس" على المشروع ولكن "فارس" قال والخيبة تفترسه: الم تجد أفضل من هذا المشروع تمنحني إياه؟ - ان هذا المشروع يدر ذهباً - لا..لا ..لا - اسمع مني وافهم التفاصيل أولا، وأرجو أن لا تتسرع انه أفضل مشروع إطلاقا ، خاصة وإننا سنضاعف الميزانية المخصصة له كل عام، ثم هل تعتقد بأنك أنت هو الذي سيعمل، أنت تدير المشروع من بعيد . وأطلع "فارس" على أدق التفاصيل : - علينا أن نمنع الفقراء من الاقتراب من المشروع . قلب "فارس" شفتيه تعبيرا عن عدم فهمه لما يقول "بلبل" فأوضح له "بلبل" هدفه : - اننا سنوحد المزابل في مزبلة واحدة ثم نمنع الفقراء من الاقتراب منها - الحقيقة لم أفهم ما تقصده، عدم المؤاخذة - ان توحيد المزابل في مزبلة واحدة سيبدو للسكان انجازاً ، فالرائحة لن تنتشر في جميع الأحياء، وحتى نمنع الفقراء من الاقتراب من المزبلة علينا تسييجها ثم نقوم بتشغيل الفقراء، وهكذا نضمن ولاءهم على المدى القريب والبعيد ، وبعد ذلك ستقوم بإدارة المشروع على الوجه الصحيح ، وهذا يتطلب فصل المواد عن بعضها البعض .
    عاد "فارس" إلى البحلقة وسأل باستغراب: أي مواد؟ - الحديد لوحده، الألمنيوم لوحده، النحاس لوحده، النيروسته لوحدها، إن في ذلك نقوداً كثيرة - هز "فارس" رأسه وعاد إلى بيته سعيداً بعد أن اقتنع بالفكرة، وبعد أيام باشر في إدارة المشروع، وبدأت سيارة جمع النفايات تمر لتفريغ الحاويات وكانت التعاليم واضحة " يجب تكسير الحاويات عند تفريغها لكي يضطر المواطن إلى شراء حاويات جديدة وهذا يضمن دخلاً اخر . وهكذا تم حصر اهتمام الجمهور بالحاويات المتكسرة غافلين عن حاجاتهم الحياتية الأساسية الأخرى.


    ارسل لصديق طباعة هذا المقال لكتابة تعقيبك على الخبر إضغط هنا








    تحميل التعقيبات
    لقراءة جميع التعقيبات التعقيبات
    1. thankyou
    mano greece mavro_aspero 2008-08-29 0
    " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "
  • عائده محمد نادر
    عضو الملتقى
    • 18-10-2008
    • 12843

    #2
    الزميل القدير
    هادي زاهر
    منذ فترة وأنا أبحث عنك
    لم غيبتك زميلي
    هل أنت زعلان مني؟
    نص جميل
    ولو فيه مباشرة
    الضحك على المواطنين والتلاعب بمصائرهم صار صنعة الكثيرين
    يبيعون الهواء للناس, ويقبضون الأجر
    وهل لم تحدث فعلا
    في العراق ألف ألف مثل هذا!!
    تجار الدم ( وفامباير ) العصر الحديث
    أتمنى أن أقرأ جديدك صديقي العزيز
    عد بخير لأننا نحتاج الأقلام النزيهة
    نحتاج لكل رأي
    ودي ومحبتي لك

    اليوم السابع
    اليوم السابع! تذكرني أمي دائما أني ابنة السابع من كل شيء! متعجلة، حتى في لحظة ولادتي! وأني أخرجت رأسي للحياة معاندة كل القوانين الفيسيولوجية، أتحداها في شهري السابع من جوف رحم أمي. في اليوم السابع من الأسبوع الساعة السابعة.. صباحا في الشهر السابع، من السنة! عقدة لا زمتني أخذت مني الكثير من بهجة حياتي، خاصة أن هناك سبع
    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

    تعليق

    • هادي زاهر
      أديب وكاتب
      • 30-08-2008
      • 824

      #3
      أختي العزيزة عائدة
      مما لا شك بأنك تدركين بان الظروف قاهرة
      محبتي
      هادي زاهر
      " أعتبر نفسي مسؤولاً عما في الدنيا من مساوئ ما لم أحاربها "

      تعليق

      يعمل...
      X