النورس ذو الحوصلة المكشوفة، النورس الجائع، النورس الذي حظي بنيئا وفيرا، النورس الذي يغوص إلى عمق النهر يخرج جوهرة ويطير بباهض بريقها نحو مباني البشر. النورس الذي جافى الرفيف وألَفَ الغموض والعزلة، النورس الذي بات يطير ببضعة ريشات كل ما تبقى له من الريش المخضب بالزغب والبياض والرذاذ. وهكذا صار النورس... ترينمة وغمغمة الطيور، نقيق الضفادع وحركة الزعانف، حديث المصاطب والزبد والطحالب. عاريا يلبسه الحزن ريش الشفقة جائعا يملأ حوصلته أنينُ الوجع. أين هو اليوم من يوم كان حرا طليق الروح، يحلق ويغطس ويصطاد, يرافق ويبني ويكثر صغارا. لولا الرخام الذي لوح شعرا قبيل غروب ما، إلى الآن يحوم جذلا، يصنع بهاءً، يرسم مع النوارس دوائر مثل خواتم لها شعاع الشمس لمعان وشذرات. أ ثمة نفحات لوحت، أم حتف أومئ؛ ذاك العصر بدا له الشارع المنسل بين مباني الجانبين كاتساع بين أبيات قصيدة، شهيا للتحليق مغريا للتوغل، يميل على حائط وآخر يماثل الريش مع ألوان الطلاء، يتزحلق يلاعب النسيم على خيوط فارغة من اللبلاب، يبارز انعكاس صورته على زجاج نظيف من التراب، خفق قرب برج للحمام متباهيا بوسع المدى من حوله، ترك ريشة تسقط من صدره على سطح ما ساخرا من شرك منصوبة للعصافير. حينها كان صدره قطعة خصبٍ وفيض ريشٍ، إن سقطت ريشة نما الجلد ريشا وزغب. غير حين الهزال وفتحات مفرغة الهواء، فسمة السماء العطاء وعادة العوائق الأخذ.
حين تحليقه الطائش ذاك حط على ما تبقى من دخول مفرغة هواء في أحد الجدارن، أتخذ مأمنا وهو ينظر لكتلٍ كبيرة لها هيئة النوارس، محشوة بقضيب تمطره زرقة الغازالمشتعل، باللهب الحارق، تسارع نبضه خوفا وتقشعر ريشه شعر أن هيكله الصغير حجم دجاجة منتفخة بالحشو ورائحة الشواء شاح مغمضا سعرت نيران متخيلة امام كل هروب وطريق عودة. دس رأسه بين فتحات المفرغة محاولا النفاذ بحرية ما زالت تحيط بجناحيه، حاول مرة واثنين وثلاثة تجاوز العشرة، قبل أن يتمكن من الوصول عبر فتحة بين الحائط وإطار المفرغة البلاستك، إلى نهر أمان ينساب، فيض سلام يتدفق، مرج يتوهج بالنعناع، أقترب يقطف قطفة فاح الأريج، عاصفة تذر في عينيه صفاء الألوان، تعب في رئتيه شهيق الأحلام، تهمس لروح الطير فيه أن الورق المتساقط من الشجر أعشاشا والريش المتناثر صغار طيور. تجاعيد الوجوه الغامضة سفن نحو الشواطئ يدفعها الموج، المطر المتقاطر من حواف المظلات، عما غلاف ويتفتح قداحا و بياض لوز. دار ولف ورفرف وتأمل في الحجرة المؤثثة بالرفوف والعناوين، زفر أمنا وتنفس أمانا، تذكر من أين أتى وكيف وما صادف وأنى للشواء الذي أرعبه ينال منه ريشة أو يمضغ طعما، مكث يصفف الريش الذي نفشته قشعرة الخوف وينتظر الصبح ليرافقه إلى الشاطئ، حاول إيقاظه، لكن حلمه، قد يكون حلما صوفيا يقطع تراتيل مناجاة للمعشوق، أو رومانسيا يحفظ فيه بيت غزل أو يقطف وردة، أو حلما واقعيا يحول الاستيقاظ بينه وبين وصول ما. وعلى ما فيه ظل يقلب صور الأحلام وطيف صبح مشرق، داهمه شعاع الفجر.. تبين خيط النور ودب شيء من حراك، فرح؛ فالطير أول من يستيقظ، لكن النورس لم يستقظ، ولا حتى يخرج رأسه المدفون من بين كتفيه أو ينزل رجله المرفوعة ويغير ولو قليلا من شكل غفوته.
تلفت حين تسارع نبضه بدا له نقل خطوات تقترب، أبرا تنغرز في مسامعه، حركة المقبض فحيح سهام، خرخشة المفتاح في القفل ضربات طائر في شرك صياد، حشره الهروب الغريزي في الفتحة التي ولج منها سقط عن صدره قليل ريش. نعكس النهار ليلا.. وتغيرت ألوان الطيف أمام عينيه، قضى النهار تمرُ على خياله الوجوه الغامضة سفن تغرق في ظلام عاصفه، مناقيرُ العصافير مخالب تجرح والألوان زئير، اصطفاف البتلات في الوردة أنياب مكشرة والمطر المتقاطر من المظلات أزيز رصاص. بريقه المشع لا يخفى، لم يبحث عنه بين النوراس المحلقة ولابين تلك الناعسة على فتحات وزوايا جسر يتمدد من الضفة إلى الضفة.عيناه تسمرت من حيث خرج.. الآن يطل، بعد قليل يظهر، لا بد من طعام، لذيذ النورس حيث النهر، لولا انحدار الشمس على المغيب هلك بلوعة خيال وانتظار. الفتحة كما هي والرسوم بقليل تحريك واختلاف، على يمين النورس وردة بكامل بتلاتها تنحني على الغصن يابسة، عوض المرأة التي تلوف يدا تلز طفلا إلى خصرها وترفع يدا تمسك طبق مظفور بالخوص على رأسها. كرستالة على اليسار تلمع مكان ريشة وسرب يطير من محبرة. استبشر وفرح وخمن وأجزم جوهرة واثنان ويكون رهن الاستيقاظ والرفقة والتحليق. رهن الرفرفة فوق السفن الراسية والتلويح بالاغناء للمسافرين ليظل ردحا من شتاء، على وتيرة البرد والغوص واللؤلؤة، الخوف والهروب والريش المسحوب من صدره. لعاب الظنون الشرهة كان يسيل لون الدخان، رائحة القمامة، زئير سفن لحرب ذاهبة، وعلى ورديّ النية ما فتئ النورس...
حين تحليقه الطائش ذاك حط على ما تبقى من دخول مفرغة هواء في أحد الجدارن، أتخذ مأمنا وهو ينظر لكتلٍ كبيرة لها هيئة النوارس، محشوة بقضيب تمطره زرقة الغازالمشتعل، باللهب الحارق، تسارع نبضه خوفا وتقشعر ريشه شعر أن هيكله الصغير حجم دجاجة منتفخة بالحشو ورائحة الشواء شاح مغمضا سعرت نيران متخيلة امام كل هروب وطريق عودة. دس رأسه بين فتحات المفرغة محاولا النفاذ بحرية ما زالت تحيط بجناحيه، حاول مرة واثنين وثلاثة تجاوز العشرة، قبل أن يتمكن من الوصول عبر فتحة بين الحائط وإطار المفرغة البلاستك، إلى نهر أمان ينساب، فيض سلام يتدفق، مرج يتوهج بالنعناع، أقترب يقطف قطفة فاح الأريج، عاصفة تذر في عينيه صفاء الألوان، تعب في رئتيه شهيق الأحلام، تهمس لروح الطير فيه أن الورق المتساقط من الشجر أعشاشا والريش المتناثر صغار طيور. تجاعيد الوجوه الغامضة سفن نحو الشواطئ يدفعها الموج، المطر المتقاطر من حواف المظلات، عما غلاف ويتفتح قداحا و بياض لوز. دار ولف ورفرف وتأمل في الحجرة المؤثثة بالرفوف والعناوين، زفر أمنا وتنفس أمانا، تذكر من أين أتى وكيف وما صادف وأنى للشواء الذي أرعبه ينال منه ريشة أو يمضغ طعما، مكث يصفف الريش الذي نفشته قشعرة الخوف وينتظر الصبح ليرافقه إلى الشاطئ، حاول إيقاظه، لكن حلمه، قد يكون حلما صوفيا يقطع تراتيل مناجاة للمعشوق، أو رومانسيا يحفظ فيه بيت غزل أو يقطف وردة، أو حلما واقعيا يحول الاستيقاظ بينه وبين وصول ما. وعلى ما فيه ظل يقلب صور الأحلام وطيف صبح مشرق، داهمه شعاع الفجر.. تبين خيط النور ودب شيء من حراك، فرح؛ فالطير أول من يستيقظ، لكن النورس لم يستقظ، ولا حتى يخرج رأسه المدفون من بين كتفيه أو ينزل رجله المرفوعة ويغير ولو قليلا من شكل غفوته.
تلفت حين تسارع نبضه بدا له نقل خطوات تقترب، أبرا تنغرز في مسامعه، حركة المقبض فحيح سهام، خرخشة المفتاح في القفل ضربات طائر في شرك صياد، حشره الهروب الغريزي في الفتحة التي ولج منها سقط عن صدره قليل ريش. نعكس النهار ليلا.. وتغيرت ألوان الطيف أمام عينيه، قضى النهار تمرُ على خياله الوجوه الغامضة سفن تغرق في ظلام عاصفه، مناقيرُ العصافير مخالب تجرح والألوان زئير، اصطفاف البتلات في الوردة أنياب مكشرة والمطر المتقاطر من المظلات أزيز رصاص. بريقه المشع لا يخفى، لم يبحث عنه بين النوراس المحلقة ولابين تلك الناعسة على فتحات وزوايا جسر يتمدد من الضفة إلى الضفة.عيناه تسمرت من حيث خرج.. الآن يطل، بعد قليل يظهر، لا بد من طعام، لذيذ النورس حيث النهر، لولا انحدار الشمس على المغيب هلك بلوعة خيال وانتظار. الفتحة كما هي والرسوم بقليل تحريك واختلاف، على يمين النورس وردة بكامل بتلاتها تنحني على الغصن يابسة، عوض المرأة التي تلوف يدا تلز طفلا إلى خصرها وترفع يدا تمسك طبق مظفور بالخوص على رأسها. كرستالة على اليسار تلمع مكان ريشة وسرب يطير من محبرة. استبشر وفرح وخمن وأجزم جوهرة واثنان ويكون رهن الاستيقاظ والرفقة والتحليق. رهن الرفرفة فوق السفن الراسية والتلويح بالاغناء للمسافرين ليظل ردحا من شتاء، على وتيرة البرد والغوص واللؤلؤة، الخوف والهروب والريش المسحوب من صدره. لعاب الظنون الشرهة كان يسيل لون الدخان، رائحة القمامة، زئير سفن لحرب ذاهبة، وعلى ورديّ النية ما فتئ النورس...