هيروشيما

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • المختار محمد الدرعي
    مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
    • 15-04-2011
    • 4257

    هيروشيما

    هيروشيما
    بدأ الطفل أحمد يجمع الحجارة كل مساء عند عودته من المدرسة دون سابق إنذار ليجعل منها أكداسا متفرقة , فوق سطح منزلهم , و قد انضم إليه في هذا المشروع الملفت للانتباه , البعض من أقرانه بالفصل , حتى حين سأله والده عن السرّ في جمعها, أجاب ساخرا : إنها بداية الحرب العالمية الثالثة , فعرف أن ابنه يريد مواجهة الشرطة ,و سائق الجرافة في اليوم الموعود , نهاه عن فعل ذلك , و رجاه أن لا يعرض حياته للخطر , قائلا :إن البلاد في حالة انفلات أمني , وقد تطلق الشرطة النار , فتودي إحدى الرصاصات الطائشة بحياتك, أو بحياة أحد من زملائك. لكن الطفل أصّر على تنفيذ ما عزم على فعله , فقد كان يشاهد دموع أمه تسيل مدرارا, وهي متنقلة في البيت بين المطبخ و آلة الغسيل , و أحيانا عند جلوسها إلى مائدة الطعام , كما كان يشاهد ملامح الحزن , و الفتور بادية على وجه أبيه , الذي انطوى على نفسه , و أصبح يدخن السجائر أكثر مما يتناول الطعام , إنه يتألّم لتألّم والديه , و لكن في الآن نفسه هناك بداخله شحنات من الضغب تحثه على التحدي , و الانتقام من الجرافة,و الشرطة البلدية , و حتى من الدولة نفسها ,و لو أدى ذلك إلى استشهاده .
    قال أحمد ذات يوم لمعلمه بالمدرسة حين سأله عن سبب انطوائه ,و تغيّر حاله داخل القسم , بعد أن كان يتقد حيوية و نشاط : إن أبي يعمل في قطاع البناء بأجرة يومية زهيدة , و قد عانينا الفقر و شتى أنواع الحرمان , من أجل أن نكمل بناء بيتنا المتواضع الذي يأوينا , فجأة بدأ أعوان البلدية يرسلون إلينا الإنذار تلو الآخر , و يأمروننا بغادرته , لأنه يندرج ضمن البناءات الفوضوية التي يتوجب هدمها حسب زعمهم , و قد حددوا الأسبوع القادم كآخر أجل , و رغم زيارة أبي و أمي للمسؤول الجهوي , و الشكوى له من قلة ما باليد , إلا أنه لم يصغ إليهما ,و قال لهما بلهجة فرعون : إننا عازمون على تنفيذ الأمر ... يوم الخميس كان اليوم الموعود , لم يذهب أحمد كعادته إلى المدرسة , كانا والداه يبكيان داخل البيت , و كان هو رابضا فوق السطح يذرف دموعه بين أكداس الحجارة , بيده اليمنى بعض الحجيرات صغيرة , هي بمثابة الزناد الذي سيضغط عليه عند إطلالة الجرافة , كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا , و ها هي مجموعة من أقرانه بالمدرسة تنضم إليه , إنها الحرب العالمية الثالثة , فهذه الجرافة التي ستهوي بأسنانها الحادة لتهدم بيتهم , هي بمثابة تلك القنبلة التي حطمت مدينة هيروشيما ذات حرب... ها هي عقارب الساعة تشير إلى الثامنة صباحا , و ها هي هيروشيما تلوح قادمة من بعيد , استنفر التلاميذ , و أخذ كل منهم بيديه ما يستطيع من حجارة ,ها هي تقترب رويدا , رويدا , دقت لحظة
    الصفر و بدأ الجهاد , و بدأت الحجارة تنهال عليها من كل جانب , ها سائقها يتوقف , ربما أصيب , هناك سيارة شرطة ترافقها
    لقد نالت هي الأخرى قسطها من الحجارة و توقفت , خرج منها شرطيان , أطلقا عيارات نارية في الفضاء , سمع الأجوار
    و هبوا غاضبين , عمت الفوضى أرجاء الحي , ثم انتقلت لتعم أرجاء المدينة , جاءت تعزيزات أمنية من الشرطة و الحرس الوطني
    من العاصمة و المدن الجاورة , و بلغ الخبر إلى مسامع رئيس الجمهورية .. عند المساء ساد الهدوء , و لاحت ملامح الفرح بالنصر على
    المجاهدين الصغار و المتظاهرين , من الشيوخ و الكهول و النساء : لقد أمر رئيس الدولة بمنح الأسرة إحدى الفلل في الحي الجديد ,بعد أن أمر بعزل المسؤول الجهوي , و ايداع عمدة المنطقة , و عدد من رجال الحزب بالسجن , للتحقيق معهم حول منح المساكن الإجتماعية المخصصة للفقراء للأغنياء مقابل رشاوي مالية .
    [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
    الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



  • منيره الفهري
    مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
    • 21-12-2010
    • 9870

    #2
    الأستاذ القدير الشاعر و المترجم المختار محمد الدرعي
    أسعدني جدا أن أكون أول من يشاركك هذا النص الجميل المعبر و اسمح لي أن ادلي بدلوي هنا:
    لم تخلف لنا الثورات العربية غير بصمة هيروشيما على واقع الكثير من المجتمعات العربية , حروب أهلية , بطالة مستفحلة أكثر , تهميش , و غيره من الآفات التي لم نر لها مثيلا من قبل .
    جاء عنوان القصة إسقاطا رائعا على حالة الأمة في مرحلة ما بعد الثورة خصوصا منها تلك البلدان التي عرفتها
    فهي أثار لا تقل دمارا عن تلك التي خلفتها القنبلة النووية على هيروشيما
    و قد تناول النص جانبا هاما من تلك المخلفات , فقد عمت الفوضى المنظومة الإدارية و القانونية و غابت الإنسانية في المواقع
    حتى تدخل الدولة لم يكن إلا من خوف على زوال العرش ...
    نص تناول بترميز عالي الدقة جانبا هاما من مخلفات هيروشيما الثورات العربية

    شكرا و تحية صباحية أخي العزيز

    تعليق

    • عائده محمد نادر
      عضو الملتقى
      • 18-10-2008
      • 12843

      #3
      هلا وغلا بالدرعي
      افتقدناك كثيرا وأنا شخصيا كنت أحس أن هناك شيئا مهما ينقصنا دائما
      نورت البيت يالدرعي
      عنوان النص جاء رائعا لكن السرد كان مباشرا في الكثير من الأحييان وهناك أخطاء بسيطة ربما سببها العجلة بالنشر
      توظيف هيروشيما لحدث أقل مايقال عنه أنه اعتداء سافر يحدث يوميا وبكل قسوة كما كانت فظاعة وقسوة هيروشيما التي أبادت المدينة عن بكرة أبيها جاء موفقا وناجحا ومؤثرا جدا وهذا عمري أعطى النص قوة كبيرة
      أحسنت الدرعي بهذا التوظيف
      هل كان أطفال الحجارة حاضرين هنا
      نعم أحسست بذلك وكنت مع أول حجارة انطلقت بوجه تلك الآلة المجرمة
      تخطيط الطفل بجمع الحجارة كان حدثا مهما منح الطفولة المكدودة زخما وقوة كأنك قلت في النص ( يكبر الأبناء عنوة جراء جسامة الأحداث )
      كن بخير عزيزي ومساء الورد
      الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

      تعليق

      • المختار محمد الدرعي
        مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
        • 15-04-2011
        • 4257

        #4
        المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
        الأستاذ القدير الشاعر و المترجم المختار محمد الدرعي
        أسعدني جدا أن أكون أول من يشاركك هذا النص الجميل المعبر و اسمح لي أن ادلي بدلوي هنا:
        لم تخلف لنا الثورات العربية غير بصمة هيروشيما على واقع الكثير من المجتمعات العربية , حروب أهلية , بطالة مستفحلة أكثر , تهميش , و غيره من الآفات التي لم نر لها مثيلا من قبل .
        جاء عنوان القصة إسقاطا رائعا على حالة الأمة في مرحلة ما بعد الثورة خصوصا منها تلك البلدان التي عرفتها
        فهي أثار لا تقل دمارا عن تلك التي خلفتها القنبلة النووية على هيروشيما
        و قد تناول النص جانبا هاما من تلك المخلفات , فقد عمت الفوضى المنظومة الإدارية و القانونية و غابت الإنسانية في المواقع
        حتى تدخل الدولة لم يكن إلا من خوف على زوال العرش ...
        نص تناول بترميز عالي الدقة جانبا هاما من مخلفات هيروشيما الثورات العربية

        شكرا و تحية صباحية أخي العزيز
        ممتن لك هذا المرور الجميل بقصيصتي المتواضعة أختنا و أستاذتنا الأديبة و المترجمة منيرة الفهري
        فعلا لقد أتيت على ما دار بخلد الكاتب فالثورات العربية هي بمثابة القنبلة النووية التي
        خلفت لدينا دمارا ربما أكثر فضاعة من مخلفات قنبلة هيروشيما
        تقبلي تحيتي و احترامي
        [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
        الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



        تعليق

        • المختار محمد الدرعي
          مستشار أدبي. نائب رئيس ملتقى الترجمة
          • 15-04-2011
          • 4257

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
          هلا وغلا بالدرعي
          افتقدناك كثيرا وأنا شخصيا كنت أحس أن هناك شيئا مهما ينقصنا دائما
          نورت البيت يالدرعي
          عنوان النص جاء رائعا لكن السرد كان مباشرا في الكثير من الأحييان وهناك أخطاء بسيطة ربما سببها العجلة بالنشر
          توظيف هيروشيما لحدث أقل مايقال عنه أنه اعتداء سافر يحدث يوميا وبكل قسوة كما كانت فظاعة وقسوة هيروشيما التي أبادت المدينة عن بكرة أبيها جاء موفقا وناجحا ومؤثرا جدا وهذا عمري أعطى النص قوة كبيرة
          أحسنت الدرعي بهذا التوظيف
          هل كان أطفال الحجارة حاضرين هنا
          نعم أحسست بذلك وكنت مع أول حجارة انطلقت بوجه تلك الآلة المجرمة
          تخطيط الطفل بجمع الحجارة كان حدثا مهما منح الطفولة المكدودة زخما وقوة كأنك قلت في النص ( يكبر الأبناء عنوة جراء جسامة الأحداث )
          كن بخير عزيزي ومساء الورد
          أهلا بأديبتنا الكبيرة عايدة محمد نادر رائدة القصة العربية
          شرف لي أن أراك هنا بين سطوري المتواضعة
          شكرا للملاحظات القيمة
          سأعمل على تطبيق نصائحك في المسقبل بإذن الله
          نعم القصة رمزت للطفولة التي حتما ستنعكس تأثيرات
          الثورات العربية على حاضرها و سترسخ في أذهانها نمطا معينا
          من السلوك سينعكس بدوره على الكيان العربي
          في المسقبل القريب و البعيد
          شكرا لأنك أمتعتني بالحضور الجميل
          تقبلي خالص ودي و تقديري
          [youtube]8TY1bD6WxLg[/youtube]
          الابتسامة كلمة طيبة بغير حروف



          تعليق

          يعمل...
          X