هيروشيما
بدأ الطفل أحمد يجمع الحجارة كل مساء عند عودته من المدرسة دون سابق إنذار ليجعل منها أكداسا متفرقة , فوق سطح منزلهم , و قد انضم إليه في هذا المشروع الملفت للانتباه , البعض من أقرانه بالفصل , حتى حين سأله والده عن السرّ في جمعها, أجاب ساخرا : إنها بداية الحرب العالمية الثالثة , فعرف أن ابنه يريد مواجهة الشرطة ,و سائق الجرافة في اليوم الموعود , نهاه عن فعل ذلك , و رجاه أن لا يعرض حياته للخطر , قائلا :إن البلاد في حالة انفلات أمني , وقد تطلق الشرطة النار , فتودي إحدى الرصاصات الطائشة بحياتك, أو بحياة أحد من زملائك. لكن الطفل أصّر على تنفيذ ما عزم على فعله , فقد كان يشاهد دموع أمه تسيل مدرارا, وهي متنقلة في البيت بين المطبخ و آلة الغسيل , و أحيانا عند جلوسها إلى مائدة الطعام , كما كان يشاهد ملامح الحزن , و الفتور بادية على وجه أبيه , الذي انطوى على نفسه , و أصبح يدخن السجائر أكثر مما يتناول الطعام , إنه يتألّم لتألّم والديه , و لكن في الآن نفسه هناك بداخله شحنات من الضغب تحثه على التحدي , و الانتقام من الجرافة,و الشرطة البلدية , و حتى من الدولة نفسها ,و لو أدى ذلك إلى استشهاده .
قال أحمد ذات يوم لمعلمه بالمدرسة حين سأله عن سبب انطوائه ,و تغيّر حاله داخل القسم , بعد أن كان يتقد حيوية و نشاط : إن أبي يعمل في قطاع البناء بأجرة يومية زهيدة , و قد عانينا الفقر و شتى أنواع الحرمان , من أجل أن نكمل بناء بيتنا المتواضع الذي يأوينا , فجأة بدأ أعوان البلدية يرسلون إلينا الإنذار تلو الآخر , و يأمروننا بغادرته , لأنه يندرج ضمن البناءات الفوضوية التي يتوجب هدمها حسب زعمهم , و قد حددوا الأسبوع القادم كآخر أجل , و رغم زيارة أبي و أمي للمسؤول الجهوي , و الشكوى له من قلة ما باليد , إلا أنه لم يصغ إليهما ,و قال لهما بلهجة فرعون : إننا عازمون على تنفيذ الأمر ... يوم الخميس كان اليوم الموعود , لم يذهب أحمد كعادته إلى المدرسة , كانا والداه يبكيان داخل البيت , و كان هو رابضا فوق السطح يذرف دموعه بين أكداس الحجارة , بيده اليمنى بعض الحجيرات صغيرة , هي بمثابة الزناد الذي سيضغط عليه عند إطلالة الجرافة , كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا , و ها هي مجموعة من أقرانه بالمدرسة تنضم إليه , إنها الحرب العالمية الثالثة , فهذه الجرافة التي ستهوي بأسنانها الحادة لتهدم بيتهم , هي بمثابة تلك القنبلة التي حطمت مدينة هيروشيما ذات حرب... ها هي عقارب الساعة تشير إلى الثامنة صباحا , و ها هي هيروشيما تلوح قادمة من بعيد , استنفر التلاميذ , و أخذ كل منهم بيديه ما يستطيع من حجارة ,ها هي تقترب رويدا , رويدا , دقت لحظة
الصفر و بدأ الجهاد , و بدأت الحجارة تنهال عليها من كل جانب , ها سائقها يتوقف , ربما أصيب , هناك سيارة شرطة ترافقها
لقد نالت هي الأخرى قسطها من الحجارة و توقفت , خرج منها شرطيان , أطلقا عيارات نارية في الفضاء , سمع الأجوار
و هبوا غاضبين , عمت الفوضى أرجاء الحي , ثم انتقلت لتعم أرجاء المدينة , جاءت تعزيزات أمنية من الشرطة و الحرس الوطني
من العاصمة و المدن الجاورة , و بلغ الخبر إلى مسامع رئيس الجمهورية .. عند المساء ساد الهدوء , و لاحت ملامح الفرح بالنصر على
المجاهدين الصغار و المتظاهرين , من الشيوخ و الكهول و النساء : لقد أمر رئيس الدولة بمنح الأسرة إحدى الفلل في الحي الجديد ,بعد أن أمر بعزل المسؤول الجهوي , و ايداع عمدة المنطقة , و عدد من رجال الحزب بالسجن , للتحقيق معهم حول منح المساكن الإجتماعية المخصصة للفقراء للأغنياء مقابل رشاوي مالية .
بدأ الطفل أحمد يجمع الحجارة كل مساء عند عودته من المدرسة دون سابق إنذار ليجعل منها أكداسا متفرقة , فوق سطح منزلهم , و قد انضم إليه في هذا المشروع الملفت للانتباه , البعض من أقرانه بالفصل , حتى حين سأله والده عن السرّ في جمعها, أجاب ساخرا : إنها بداية الحرب العالمية الثالثة , فعرف أن ابنه يريد مواجهة الشرطة ,و سائق الجرافة في اليوم الموعود , نهاه عن فعل ذلك , و رجاه أن لا يعرض حياته للخطر , قائلا :إن البلاد في حالة انفلات أمني , وقد تطلق الشرطة النار , فتودي إحدى الرصاصات الطائشة بحياتك, أو بحياة أحد من زملائك. لكن الطفل أصّر على تنفيذ ما عزم على فعله , فقد كان يشاهد دموع أمه تسيل مدرارا, وهي متنقلة في البيت بين المطبخ و آلة الغسيل , و أحيانا عند جلوسها إلى مائدة الطعام , كما كان يشاهد ملامح الحزن , و الفتور بادية على وجه أبيه , الذي انطوى على نفسه , و أصبح يدخن السجائر أكثر مما يتناول الطعام , إنه يتألّم لتألّم والديه , و لكن في الآن نفسه هناك بداخله شحنات من الضغب تحثه على التحدي , و الانتقام من الجرافة,و الشرطة البلدية , و حتى من الدولة نفسها ,و لو أدى ذلك إلى استشهاده .
قال أحمد ذات يوم لمعلمه بالمدرسة حين سأله عن سبب انطوائه ,و تغيّر حاله داخل القسم , بعد أن كان يتقد حيوية و نشاط : إن أبي يعمل في قطاع البناء بأجرة يومية زهيدة , و قد عانينا الفقر و شتى أنواع الحرمان , من أجل أن نكمل بناء بيتنا المتواضع الذي يأوينا , فجأة بدأ أعوان البلدية يرسلون إلينا الإنذار تلو الآخر , و يأمروننا بغادرته , لأنه يندرج ضمن البناءات الفوضوية التي يتوجب هدمها حسب زعمهم , و قد حددوا الأسبوع القادم كآخر أجل , و رغم زيارة أبي و أمي للمسؤول الجهوي , و الشكوى له من قلة ما باليد , إلا أنه لم يصغ إليهما ,و قال لهما بلهجة فرعون : إننا عازمون على تنفيذ الأمر ... يوم الخميس كان اليوم الموعود , لم يذهب أحمد كعادته إلى المدرسة , كانا والداه يبكيان داخل البيت , و كان هو رابضا فوق السطح يذرف دموعه بين أكداس الحجارة , بيده اليمنى بعض الحجيرات صغيرة , هي بمثابة الزناد الذي سيضغط عليه عند إطلالة الجرافة , كانت الساعة تشير إلى السابعة صباحا , و ها هي مجموعة من أقرانه بالمدرسة تنضم إليه , إنها الحرب العالمية الثالثة , فهذه الجرافة التي ستهوي بأسنانها الحادة لتهدم بيتهم , هي بمثابة تلك القنبلة التي حطمت مدينة هيروشيما ذات حرب... ها هي عقارب الساعة تشير إلى الثامنة صباحا , و ها هي هيروشيما تلوح قادمة من بعيد , استنفر التلاميذ , و أخذ كل منهم بيديه ما يستطيع من حجارة ,ها هي تقترب رويدا , رويدا , دقت لحظة
الصفر و بدأ الجهاد , و بدأت الحجارة تنهال عليها من كل جانب , ها سائقها يتوقف , ربما أصيب , هناك سيارة شرطة ترافقها
لقد نالت هي الأخرى قسطها من الحجارة و توقفت , خرج منها شرطيان , أطلقا عيارات نارية في الفضاء , سمع الأجوار
و هبوا غاضبين , عمت الفوضى أرجاء الحي , ثم انتقلت لتعم أرجاء المدينة , جاءت تعزيزات أمنية من الشرطة و الحرس الوطني
من العاصمة و المدن الجاورة , و بلغ الخبر إلى مسامع رئيس الجمهورية .. عند المساء ساد الهدوء , و لاحت ملامح الفرح بالنصر على
المجاهدين الصغار و المتظاهرين , من الشيوخ و الكهول و النساء : لقد أمر رئيس الدولة بمنح الأسرة إحدى الفلل في الحي الجديد ,بعد أن أمر بعزل المسؤول الجهوي , و ايداع عمدة المنطقة , و عدد من رجال الحزب بالسجن , للتحقيق معهم حول منح المساكن الإجتماعية المخصصة للفقراء للأغنياء مقابل رشاوي مالية .
تعليق