يصنع الأطفال ما يعجز عنه الرّجال-بقلم شهد سعيد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    يصنع الأطفال ما يعجز عنه الرّجال-بقلم شهد سعيد

    نحن الأطفال والغول
    كان يعيش في حيّنا رجل شرّير يحافه الجميع لسوء سلوكه.كنّا ندعوه في القرية "الغول" وكنّا نحن أطفال القرية إذا لقيناه لا نناديه باسمه "سالم" ولا بكنيته "أبو سليم" بل ندعوه "يا غول" لأنّه خبيث ولئيم وسليط اللّسان أكثر من الشّيطان الرّجيم، قلبه ملئ بالبغضاء والكراهية لا يعرف الرّحمة ولا الشّفقة، حين نذهب إليه في الأعياد ونقول له بكلّ براءة "عيد مبارك"، يردّ علينا بالسّبّ والشّتم واللّعنات.
    لمّا كنّا نلعب على مقربة من بيته، في البطحاء، يخرج أمام داره ويظلّ جالسا على حاشية رقيقة ينظر إلينا بعينين ملؤهما الحقد والحسد فيتحيّن الفرصة لينقضّ على كرتنا بيديه النّحيلتين التين برزت عروقهما وامتلأ ظهرهما بوشم أزرق عتيق ويمزّقها بسكّين لا يفارق جيبه وسط ذهولنا وخوفنا ويطلق قهقهات عالية شرّيرة تثير الرّعب في قلوبنا الصّغيرة.
    إعتقدنا حينها أنّه يكره الكرة فلعبنا بأدوات أخرى غير أنّه كان يفتكّها ويكسّرها أيضا.
    في يوم من الأيّام، مرض إبنه سليم مرضا نادرا ألزمه الفراش، ذكر الطبيب أنّه يتطلّب علاجا طويلا وعناية فائقة وأدوية باهظة الثّمن فحار والده ولم يجد حلاّ لما إعتبره ضربة موجعة.
    كان ابنه صديقا ودودا يختلف عن أبيه ويلومه على تصرّفاته معنا لكنّه لم يكن يستمع إليه ويضربه فقرّرنا نحن رفاقه أن نساعد بكلّ ما نستطيع.
    جمعنا بعض المال وتحدّثنا مع عائلاتنا وأقنعناهم أن يساهموا معنا في شراء الأدوية من دون أن يتفطّن الغول.
    لمّا كان يعود إلى بيته مهموما حائرا بعد بحث طويل عن عمل يكسبه مالا إضافيّا لشراء الدّواء والغذاء تطلعه زوجته أنّ أهل البرّ والإحسان قد طرقوا الباب وتركوا ما يلزم لذلك فيستغرب ويحمد الله في سرّه وتنزل من عينه دمعات حارّة.
    ذات يوم، بينما كنّا نطمئن على سليم ونشجّعه أن يقاوم مرضه من نافذة صغيرة في غرفته تطلّ على الشّارع حصل ما لم نتوقّعه، عاد الغول فرآنا وأسرع ليضربنا.
    في تلك اللّحظة، نهض سليم من فراشه معافى وخرج من باب الدّار ووقف أمام والده صارخا:"هل تضرب إخوتي الذين ساعدوني إذ عجزت يا والدي عن مساعدتي وشراء الدّواء؟"
    أسقط في يد والده وأخذ يبكي بكاء حارا وهو ينادي بأعلى صوته:"سامحوني، سامحوني".
    بعد تلك الحادثة تحوّل الغول إلى ألطف جار في الحيّ، أصبح يلاطفنا ويلعب معنا هو وابنه وساعدنا في تحويل البطحاء إلى حديقة عموميّة مسيّجة نلعب فيها ألعابنا بطمأنينة.
    شهد سعيد سنة خامسة ابتدائي-تونس في 12مارس2018

    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    #2
    يصنع الأطفال ما يعجز عنه الرّجال:

    كان يعيش في قريتنا وبالتّحديد في حيّنا رجل شرّير يخافه الجميع فهو خبيث، لئيم، سليط اللّسان، لا يعرف الرّحمة ولا الشّفقة. عندما يلقاه أطفال القرية في الأعياد ويقولون له بكلّ براءة "عيدك مبارك"، يردّ عليهم بالسّبّ والشّتم واللّعنات.. لم يعد أحد يناديه باسمه "سالم" ولا بكنيته "أبو سليم" بل يدعونه "الغول" .
    لمّا كنّا نلعب في البطحاء،على مقربة من بيته، يخرج أمام داره ويظلّ جالسا على حاشية رقيقة يراقبنا بعينين ملؤهما الحقد والحسد ويتحيّن الفرصة لينقضّ على كرتنا بيديه النّحيلتين اللّتين برزت عروقهما وامتلأ ظهرهما بوشم أزرق عتيق فيمزّقها بسكّين لا يفارق جيبه وسط ذهولنا وخوفنا ثمّ يطلق قهقهات عالية تثير الرّعب في قلوبنا الصّغيرة.إعتقدنا حينها أنّه يكره الكرة فلعبنا بأدوات أخرى غير أنّه كان أيضا يفتكّها ويكسّرها.
    في يوم من الأيّام، مرض إبنه سليم مرضا نادرا ألزمه الفراش. ذكر الطبيب أنّه يتطلّب علاجا طويلا وعناية فائقة وأدوية باهظة الثّمن فحار والده ولم يجد حلاّ وأصبح مهموما بشأنه لا يقر له قرار ولا يطاوعه اصطبار،هائما في أمره على غير طريق وهو يكتم مصيبته ولا يجرؤ على طلب المساعدة من أحد.
    كان ابنه صديقا ودودا مختلفا عن أبيه ويلومه على تصرّفاته، لكنّه لم يكن يستمع إليه ويضربه حين يكلّمه فقرّرنا أن نساعد بكلّ ما نستطيع حتّى يستردّ عافيته.
    جمعنا بعض المال وتحدّثنا مع عائلاتنا وأقنعناهم أن يساهموا معنا في شراء الأدوية من دون أن يتفطّن "الغول".
    لمّا كان والده يعود إلى بيته مهموما حائرا بعد بحث طويل عن عمل يكسبه مالا إضافيّا لشراء الدّواء والغذاء تطلعه زوجته أنّ أهل البرّ والإحسان قد طرقوا الباب وتركوا ما يلزم لذلك فيستغرب ويحمد الله في سرّه وتنزل من عينه دمعات حارّة.
    ذات يوم، بينما كنّا نطمئن على سليم ونشجّعه أن يقاوم مرضه من نافذة صغيرة في غرفته تطلّ على الشّارع حصل ما لم نتوقّعه، عاد الغول فرآنا وأسرع ليضربنا.
    في تلك اللّحظة، نهض سليم من فراشه معافى وخرج من باب الدّار ووقف أمام والده صارخا:"هل تضرب إخوتي الذين ساعدوني إذ عجزت يا والدي عن مساعدتي وشراء الدّواء؟"
    أسقط في يد والده وندم على تسرّعه وأخذ يبكي بكاء حارا وهو ينادي بأعلى صوته:"سامحوني، سامحوني".
    بعد تلك الحادثة تحوّل الغول إلى ألطف جار في الحيّ، أصبح يلاطفنا ويلعب معنا هو وابنه وساعدنا في تحويل البطحاء إلى حديقة عموميّة مسيّجة نلعب فيها ألعابنا بطمأنينة.
    قال والدي معلّقا على تلك الحادثة:"يصنع الأطفال ما يعجز عنه الرّجال، سبحان مغيّر الأحوال من حال إلى حال".

    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

    تعليق

    يعمل...
    X