جلس في الرّكن الأيسر القصي من هذا المقهى مظّهرا الباب، شيء قلّص مرونة جلسته وألجم حيويته، فاختار وجهه مقابلة الحائط معرضا عن متابعة ما يفيض به المكان من طرائف.
في الماضي البعيد، هذه هي وجهته المفضلة، المائدة عينها التي تحتويه شاهدة على وقفات تأملية تغيّب المشهد أمامه، يرى فلا يرى موائد العشاق الزاخرة بالهدوء، الهمسات تزيد من منسوب سفره بعيدا، يقتنص بسمة من وجه صبوح، تسري روحه برفق منسابة مع تدفق شعر إحداهن وانسكابه العذب على ظهرها، تجرفه أخرى وشفتاها ملتحمتان حول سيجارة، سرعان ما طفقت تمسح عن فخذها رمادا طائشا سقط في غفلة منها. أخرى وضعت رجلا على رجل وجهها تكتسحه الحمرة على حين غرة، فالمائدة الصغيرة وإن كانت تحفظ للجالس عليها سرّه، وتؤمّن له امتصاص دفء جليسه كاملا، فعند الحركة مجبر على البطء والاتزان وإلا تململ السطح، انتفضت فاتحة حقيبتها بحثا عن منديل به تسعف فستانها من ورطته لتوقف نزيفه، أثواب تختار ألوانها بعناية كما أنواعها لتبيّض أحلام المواعد وتنقشها في الذّاكرة.
تسرق أذنه نقر الفنجان حين يلامس السطح الزجاجي المصقول، تلتقط حفيف رشفة عميقة، يشرب بنهم من سيجارته حتى استطالت شعلتها، روحه في صعود وهبوط تلاحق الأنفاس، يستعيد المشهد من بدايته إلى أن طوّق السّواران معصميها، يقرأ كآبة آتية تتهادى لتغلّف وجه ابنته التي تتسلق أدراج الأنوثة برفق، يراها تنطوي رويدا رويدا والذبول يرافق نظرتها المصرّة على الحياة. حتى حسام ذو الثلاثة أعوام، كيف سيعيش أول ليلة من غيابها، لعن الهاتف والمهاتف اللذان جعلاه يراها مكشوفة مفضوحة تجرّ أذيال المهانة، بنت عزّ وفخر كانت، بنت ذوق وأصول، هنا التقيا أول مرّة، كانت عيناها تحملان شغفا للحياة لا يبلى، و اعتدادا بالنفس ظنّه لن يبور، محال أن يصدّق أنها تقترف ما اقترفت لولا رؤيته لها رأي العين تواري وجهها بيديها متفادية عينيه الجاحظتين "فيروز تفعل هذا، غير معقول..." ، أيقظته لسعة عميقة، ضغط بإبهامه على الجمرة التي اخترقت سرواله، نزل بلكمته اليسرى على الطاولة فسمع ارتطام فنجانه بالزليج، أصبح قبلة لعيون المقهى، تحاصره الوشوشة، يقوم من مكانه، تتقدّم خطواته، تبتلعه المدينة...
في الماضي البعيد، هذه هي وجهته المفضلة، المائدة عينها التي تحتويه شاهدة على وقفات تأملية تغيّب المشهد أمامه، يرى فلا يرى موائد العشاق الزاخرة بالهدوء، الهمسات تزيد من منسوب سفره بعيدا، يقتنص بسمة من وجه صبوح، تسري روحه برفق منسابة مع تدفق شعر إحداهن وانسكابه العذب على ظهرها، تجرفه أخرى وشفتاها ملتحمتان حول سيجارة، سرعان ما طفقت تمسح عن فخذها رمادا طائشا سقط في غفلة منها. أخرى وضعت رجلا على رجل وجهها تكتسحه الحمرة على حين غرة، فالمائدة الصغيرة وإن كانت تحفظ للجالس عليها سرّه، وتؤمّن له امتصاص دفء جليسه كاملا، فعند الحركة مجبر على البطء والاتزان وإلا تململ السطح، انتفضت فاتحة حقيبتها بحثا عن منديل به تسعف فستانها من ورطته لتوقف نزيفه، أثواب تختار ألوانها بعناية كما أنواعها لتبيّض أحلام المواعد وتنقشها في الذّاكرة.
تسرق أذنه نقر الفنجان حين يلامس السطح الزجاجي المصقول، تلتقط حفيف رشفة عميقة، يشرب بنهم من سيجارته حتى استطالت شعلتها، روحه في صعود وهبوط تلاحق الأنفاس، يستعيد المشهد من بدايته إلى أن طوّق السّواران معصميها، يقرأ كآبة آتية تتهادى لتغلّف وجه ابنته التي تتسلق أدراج الأنوثة برفق، يراها تنطوي رويدا رويدا والذبول يرافق نظرتها المصرّة على الحياة. حتى حسام ذو الثلاثة أعوام، كيف سيعيش أول ليلة من غيابها، لعن الهاتف والمهاتف اللذان جعلاه يراها مكشوفة مفضوحة تجرّ أذيال المهانة، بنت عزّ وفخر كانت، بنت ذوق وأصول، هنا التقيا أول مرّة، كانت عيناها تحملان شغفا للحياة لا يبلى، و اعتدادا بالنفس ظنّه لن يبور، محال أن يصدّق أنها تقترف ما اقترفت لولا رؤيته لها رأي العين تواري وجهها بيديها متفادية عينيه الجاحظتين "فيروز تفعل هذا، غير معقول..." ، أيقظته لسعة عميقة، ضغط بإبهامه على الجمرة التي اخترقت سرواله، نزل بلكمته اليسرى على الطاولة فسمع ارتطام فنجانه بالزليج، أصبح قبلة لعيون المقهى، تحاصره الوشوشة، يقوم من مكانه، تتقدّم خطواته، تبتلعه المدينة...
تعليق